«فقال النبي صلى اللّٰه عليه و سلم مخبرا لنا أن صيام الأيام البيض صيام الدهر» من باب الإشارة ما هو صيامكم فأضاف الصوم إلى الدهر و هو «قوله تعالى الصوم لي» و لما جعله صيام الدهر و أنت الصائم في هذه الأيام كان الدهر كمثل الشمس في ظهورها في القمر و كان القمر كالإنسان الصائم و كان نور القمر كالصوم المضاف إلى الإنسان إذا كان هو محل و هو مجلى الدهر تعالى فهو صوم حق في صورة خلق كما «قال على لسان عبده سمع اللّٰه لمن حمده» فالقائل اللّٰه و السماع متعلق بلفظ العبد فهو نطق إلهي في خلق فهو قول اللّٰه في هذه الحال لا قول العبد فالسمع على الحقيقة إنما تعلق بكلام اللّٰه على لسان العبد الذي هو مجرى الحروف المقطعة
[صوم الأيام الغرر و صوم الأيام البيض]
فينبغي لنا صح نفسه أن يصوم الغرر من أول كل شهر على نية ما ذكرناه لك من الاعتبار و يصوم الأيام البيض على هذا الاعتبار الآخر و هو صوم النيابة عن الحق فلك جزاء الحق لا الجزاء الذي يليق بك و كل شيء له فما ثم من يقوم مقامه أن يكون جزاء له و كذلك هذا الصائم بهذا الحضور فإنه في عبادة لا مثل لها بنيابة إلهية و مجلى اسم إلهي يقال له الدهر فله كل شيء كما كان الدهر ظرف كل شيء فلا جزاء لهذا الصائم غير من تاب عنه إذا كان مجلاه و لهذا قال و أنا أجزي به معناه إنا جزاؤه بسبب كونه صائما بحق شهودي مشهود له ما هو للحق لا للعبد
[العلم الغريب و الرؤيا الشيطانية]
فقد عرفتك كيف تصوم الأيام البيض و ما تحضره في نفسك عند ما تريد أن تشرع فيها و هي صفة كمال العبد في الأخذ عن اللّٰه كما كان القمر في هذه الأيام موصوفا بالكمال في أخذه النور من الشمس من الاسم الظاهر للخلق فإن له أيضا كمالا آخر في الوجه الآخر منه من الاسم الباطن ليلة السرار و هو مجلى في تلك الليلة من غير إمداد يرجع إلى الخلق بل هو في السرار بما يخصه من حيث ذاته خالص له و هو الذي أشرنا إليه في صوم سرر الشهر المأمور به شرعا و قد تقدم فاجعل بالك لما فتحناه إلى عين فهمك عناية من اللّٰه بك من حيث لا تشعر و لا يحجبنك عن هذا العلم الغريب الذي بيناه لك الرؤيا الشيطانية التي رؤيت في حق أبي حامد الغزالي فحكاها علماء الرسوم و ذهلوا عن أمر اللّٰه تعالى سبحانه لنبيه في قوله ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية