وأكثر العلماء بالاختراع البلغاء والمهندسون ومن أصحاب الصنائع النجارون والبناءون فهؤلاء أكثر الناس اختراعا وأذكاهم فطرة وأشدهم تصرفا لعقولهم فقد صحت حقيقة الاختراع لمن استخرج بالفكر ما لم يكن يعلم قبل ذلك ولا علمه غيره بالقوة أو بالقوة والفعل إن كان من العلوم التي غايتها العمل والباري سبحانه لم يزل عالما بالعالم أزلا ولم يكن على حالة لم يكن فيها بالعالم غير عالم فما اخترع في نفسه شيئا لم يكن يعلمه فإذ قد ثبت عند العلماء بالله قدم علمه فقد ثبت كونه مخترعا لنا بالفعل لا أنه اخترع مثالنا في نفسه الذي هو صورة علمه بنا إذ كان وجودنا على حد ما كنا في علمه ولو لم يكن كذلك لخرجنا إلى الوجود على حد ما لم يعلمه وما لا يعلمه لا يريده وما لا يريده ولا يعلمه لا يوجده فنكون إذن موجودين بأنفسنا أو بالاتفاق وإذا كان هذا فلا يصح وجودنا عن عدم وقد دل البرهان على وجودنا عن عدم وعلى أنه علمنا وأراد وجودنا وأوجدنا على الصورة الثابتة في علمه بنا ونحن معدومون في أعياننا فلا اختراع في المثال فلم يبق إلا الاختراع في الفعل وهو صحيح لعدم المثال الموجود في العين فتحقق ما ذكرناه
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية