وفهمك إن الرموز والألغاز ليست مرادة لأنفسها وإنما هي مرادة لما رمزت له ولما ألغز فيها ومواضعها من القرآن آيات الاعتبار كلها والتنبيه على ذلك قوله تعالى وتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ فالأمثال ما جاءت مطلوبة لأنفسها وإنما جاءت ليعلم منه ما ضربت له وما نصبت من أجله مثلا مثل قوله تعالى أَنْزَلَ من السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِي ومِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ في النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ الله الْحَقَّ والْباطِلَ فَأَمَّ الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً فجعله كالباطل كما قال وزَهَقَ الْباطِلُ ثم قال وأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ في الْأَرْضِ ضربه مثلا للحق كَذلِكَ يَضْرِبُ الله الْأَمْثالَ وقال فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ أي تعجبوا وجوزوا واعبروا إلى ما أردته بهذا التعريف وإِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ من عبرت الوادي إذا جزته وكذلك الإشارة والإيماء قال تعالى لنبيه زكريا أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً أي بالإشارة وكذلك فَأَشارَتْ إِلَيْهِ في قصة مريم لما نذرت للرحمن أن تمسك عن الكلام ولهذا العلم رجال كبير قدرهم من أسرارهم
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية