The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة الاثنى عشر قطبا الذين يدور عليهم عالم زمانهم

فكذلك المحمدي وهو قوله تعالى إِنَّ في ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ولم يقل عقل فيقيده ولقلب ما سمي إلا بتقلبه في الأحوال والأمور دائما مع الأنفاس فمن عباد الله من يعلم ما يتقلب فيه في كل نفس ومنهم من يغفل عن ذلك‏

[القطب المحمدي هو الذي يتقلب مع الأنفاس علما]

فالقطب المحمدي أو المفرد هو الذي يتقلب مع الأنفاس علما كما يتقلب معها حالا كل واحد من خلق الله فما زاد هذا الرجل إلا بالعلم بما يتقلب فيه وعليه لا بالتقليب فإن التقلب أمر يسرى في العالم كله وفيه ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ذلك على التفصيل والتعيين وإن علموه على الإجمال فمنازلهم على قدر علمهم فيما يتقلبون فيه وعليه والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ وشرح هذا الباب وبسطة يطول فرأينا الاقتصار على ما ذكرناه وأومانا إليه وتوخيناه وفي ذكرنا هجيرهم بتبين مقامهم والله يتولى التوفيق‏

«الباب الثالث والستون وأربعمائة في معرفة الاثني عشر قطبا الذين يدور عليهم عالم زمانهم»

منتهى الأسماء في العدد *** لاثنتي عشر مع العقد

فبهم حفظ الوجود وما *** في وجود الحق من عدد

وهو المنعوت بالعدد *** وهو المنعوت بالأحد

ظهرت أحكام نشأتهم *** في التي قامت بلا عمد

تم في الأركان حكمهمو *** في أب منها وفي ولد

[أقطاب هذه الأمة اثنا عشر قطبا]

قال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ وعرفه فقال ولِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها وذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ في أَسْمائِهِ يقول يميلون عن أسمائه لا بل يقول يميلون في أسمائه إلى غير الوجه الذي قصد بها سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من ذلك فكل يجزى بما مال إليه فيما أوحينا يقول اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ من رَبِّكَ ولا تمل بميلهم فإني خلقتك متبعا لا متبعا اسم مفعول لا اسم فاعل ولذلك قال له عند ذكر الأنبياء فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ لا بهم وهداهم ليس سوى شرع الله فقال شَرَعَ لَكُمْ من الدِّينِ ما وَصَّى به نُوحاً وذكر من ذكر فكان الشارع لنا الله الذي شرع لهم فلو أخذ عنهم لكان تابعا فافهم فأقطاب هذه الأمة اثنا عشر قطبا عليهم مدار هذه الأمة كما إن مدار العالم الجسمي والجسماني في الدنيا والآخرة على اثني عشر برجا قد وكلهم الله بظهور ما يكون في الدارين من الكون والفساد المعتاد وغير المعتاد وأما المفردون فكثيرون والختمان منهم أي من المفردين فما هما قطبان وليس في الأقطاب من هو على قلب محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأما المفردون فمنهم من هو على قلب محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم والختم منهم أعني خاتم الأولياء الخاص فأما الأقطاب الاثنا عشر فهم على قلوب الأنبياء عليه السلام فالواحد منهم على قلب وإن شئت قلت على قدم وهو أولى فإني هكذا رأيته في الكشف بإشبيلية وهو أعظم في الأدب مع الرسل والأدب مقامنا وهو الذي أرتضيه لنفسي ولعباد الله فنقول إن الأول أعني واحدا منهم على قدم نوح عليه السلام والثاني على قدم إبراهيم الخليل عليه السلام والثالث على قدم موسى عليه السلام والرابع على قدم عيسى عليه السلام والخامس على قدم داود عليه السلام والسادس على قدم سليمان عليه السلام والسابع على قدم أيوب عليه السلام والثامن على قدم الياس عليه السلام والتاسع على قدم لوط عليه السلام والعاشر على قدم هود عليه السلام والحادي عشر على قدم صالح عليه السلام والثاني عشر على قدم شعيب عليه السلام ورأيت جميع الرسل والأنبياء كلهم مشاهدة عين وكلمت منهم هودا أخا عاد دون الجماعة ورأيت المؤمنين كلهم مشاهدة عين أيضا من كان منهم ومن يكون إلى يوم القيامة أظهرهم الحق لي في صعيد واحد في زمانين مختلفين وصاحبت من الرسل وانتفعت به سوى محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم جماعة منهم إبراهيم الخليل قرأت عليه القرآن وعيسى تبت على يديه وموسى أعطاني علم الكشف والإيضاح وعلم تقليب الليل والنهار فلما حصل عندي زال الليل وبقي النهار في اليوم كله فلم تغرب لي شمس ولا طلعت فكان لي هذا الكشف أعلاما من الله أنه لا حظ لي في الشقاء في الآخرة وهود عليه السلام سألته عن مسألة فعرفني بها فوقعت في الوجود كما عرفني بها هذا إلى زماني هؤلاء وعاشرت من الرسل محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وإبراهيم وموسى وعيسى وهودا وداود وما بقي فرؤية لا صحبة

[أن لكل قطب من هؤلاء الأقطاب لبث في العالم‏]

واعلم أن كل قطب من هؤلاء الأقطاب له لبث في العالم أعني دعوتهم فيمن بعث إليهم آجال مخصوصة مسماة تنتهي إليها ثم تنسخ بدعوة أخرى كما تنسخ الشرائع بالشرائع وأعني‏

بدعوتهم ما لهم من الحكم والتأثير في العالم فلنذكر مدد أعمارهم في حياتهم الدنيا فمنهم من كان عمره في ولايته ثلاثة وثلاثين سنة وأربعة أشهر ومنهم من كانت مدته ثلاثين سنة وثلاثة أشهر وعشرين يوما ومنهم من دامت مدته ثمانيا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وعشرة أيام ومنهم من دامت مدته خمسا وعشرين سنة ومنهم من دامت مدته اثنتين وعشرين سنة واحد عشر شهرا وعشرين يوما ومنهم من دامت مدته تسع عشرة سنة وخمسة أشهر وعشرة أيام ومنهم من دامت مدته ستة عشر سنة وثمانية أشهر ومنهم من دامت مدته ثلاث عشرة سنة وعشرة أشهر وعشرين يوما ومنهم من دامت مدته إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر وعشرة أيام ومنهم من دامت مدته سنتين وتسعة أشهر وعشرة أيام ومنهم من دامت مدته ثمان سنين وأربعة أشهر ومنهم من دامت مدته خمس سنين وستة أشهر وعشرين يوما وهجيرهم واحد وهو الله الله بسكون الهاء وتحقيق الهمزة ما لهم هجير سواه وما عدا هؤلاء الأقطاب من أقطاب القرى والجهات والأقاليم وشيوخ الجماعات فأنواع كثيرة وهي التي أذكر منها في هذا الفصل ما تيسر وما أذكر ذلك إلا لأجل نتيجة ذلك الذكر لمن دام عليه على الحال المعروفة في الذكر في الذَّاكِرِينَ الله كَثِيراً والذَّاكِراتِ ولو لم نقصد ذلك لم يكن في ذكري وتعييني له في هذا الكتاب منفعة فلنذكر أولا من أحوال هؤلاء الأقطاب ما تيسر مع أحدية هجيرهم وإنما توحد لتوحد مقام القطبية فذلك هو هجير القطبية لا هجير الشخص ولكل واحد منهم هجير في أوقات خلاف هذا وقال عليه السلام لا تقوم الساعة حتى لا يبقى في الأرض من يقول الله الله‏

يريد لا يبقى قطب يكون عليه مدار العالم ولا مفرد يحفظ الله بهمته العالم وإن لم يكن قطبا فلا تقوم الساعة إلا على أشرار الناس‏

[القطب الأول على قدم نوح ع‏]

فأما أحد الأقطاب فهو على قدم نوح عليه السلام فله من سور القرآن سورة يس فإنه لكل قطب سورة من القرآن من هؤلاء الاثني عشر وقد يكون لمن سواهم من الأقطاب الذين ذكرناهم السورة من القرآن والآية الواحدة من القرآن وقد يكون للواحد منهم ما يزيد على الصورة وقد يكون منهم من له القرآن كله كأبي يزيد البسطامي ما مات حتى استظهر القرآن فلنذكر ما يختص به هؤلاء الاثنا عشر من سور القرآن فهذا القطب الواحد له سورة يس وهو أكمل الأقطاب حكما جمع الله له بين الصورتين الظاهرة والباطنة فكان خليفة في الظاهر بالسيف وفي الباطن بالهمة ولا أسميه ولا أعينه فإني نهيت عن ذلك وعرفت لأي أمر منعت من تعيينه باسمه وليس في جماعة هؤلاء الأقطاب من أوتي جوامع ما تقتضيه القطبية غير هذا كما أوتي آدم عليه السلام جميع الأسماء كما أوتي محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم جوامع الكلم ولو كان ثم قطب على قدم محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لكان هذا القطب إلا أنه ما ثم أحد على قدم محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إلا بعض الأفراد الأكابر ولا يعرف لهم عدد وهم أخفياء في الخلق أبرياء علماء بالله لا يرزءون ولا يعرفون فيرزءون مقامهم الحفظ فيما يعلمون لا يدخل عليهم في علمهم شبهة تحيرهم فيما علموه بل هم على بينة من ربهم هذا حال الأفراد فلنرجع إلى ذكر هذا القطب‏

[كل قطب منازله على عدد آيات سورته‏]

فنقول إن منازله عند الله على عدد آيات هذه السورة وكذلك كل قطب منازله على عدد آيات سورته وسورهم معلومة أذكرها جملة ثم أذكرها إن شاء الله تعالى فالواحد له كما قلنا سورة يس والثاني سورة الإخلاص والثالث سورة إذا جاء نصر الله والرابع سورة الكافرون والخامس سورة إذا زلزلت والسادس سورة البقرة والسابع سورة المجادلة والثامن سورة آل عمران والتاسع سورة الكهف وهو الذي يقتله الدجال ويدرك عيسى عليه السلام والعاشر سورة الأنعام والحادي عشر سورة طه وهذا القطب هو نائب الحق تعالى كما كان علي بن أبي طالب نائب محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في تلاوة سورة براءة على أهل مكة

وقد كان بعث بها أبا بكر ثم رجع عن ذلك فقال لا يبلغ عني القرآن إلا رجل من أهل بيتي فدعا بعلي فأمره فلحق أبا بكر فلما وصل إلى مكة حج أبو بكر بالناس وبلغ علي إلى الناس سورة براءة وتلاها عليهم نيابة عن رسول الله ص‏

وهذا مما يدلك على صحة خلافة أبي بكر الصديق ومنزلة علي رضي الله عنهما والثاني عشر سورة تبارك الملك فهذه سور الأقطاب من القرآن إلا إن صاحب سورة المجادلة التي هي قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ في زَوْجِها وتَشْتَكِي إِلَى الله إنما هو سورته الواقعة وله تولع بهذه السورة وكذلك الذي له سورة الإخلاص‏

لا غير ومنازلهم كما قد ذكرنا غير إن المنازل بحسب الآيات ومن ذكر وما ذكر فيها فإن التفاضل في الآيات مشهور على الوجه الذي جاء وفضلها يرجع إلى التالي من حيث ما هي عليه الآية في التلاوة متكلم بها لا من حيث إنها كلام الله فإن ذلك لا تفاضل فيه وإنما التفاضل يكون فيما تكلم به لا في كلامه فاعلم ذلك فأما حال هذا القطب فله التأثير في العالم ظاهرا وباطنا يشيد الله به هذا الدين أظهره بالسيف وعصمه من الجور فحكم بالعدل الذي هو حكم الحق في النوازل وربما يقع فيه من خالف حكمه من أهل المذاهب مثل الشافعية والمالكية والحنفية والحنابلة ومن انتمى إلى قول إمام لا يوافقها في الحكم هذا القطب وهو خليفة في الظاهر فإذا حكم بخلاف ما يقتضيه أدلة هؤلاء الأئمة قال أتباعهم بتخطئته في حكمه ذلك وأثموا عند الله بلا شك وهُمْ لا يَشْعُرُونَ فإنه ليس لهم أن يخطئوا مجتهدا لأن المصيب عندهم واحد لا بعينه ومن هذه حاله فلا يقدم على تخطئة عالم من علماء المسلمين كما تكلم من تكلم في إمارة أسامة وأبيه زيد بن حارثة حتى قال في ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما قال فإذا طعن فيمن قدمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأمره ورجحوا نظرهم على نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فما ظنك بأحوالهم مع القطب وأين الشهرة من الشهرة هيهات فزنا ويَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ فو الله لا يكون داعيا إلى الله إلا من دعا على بصيرة لا من دعا على ظن وحكم به لا جرم أن من هذه حاله حجر على أمة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما وسع الله به عليهم فضيق الله عليهم أمرهم في الآخرة وشدد الله عليهم يوم القيامة المطالبة والمحاسبة لكونهم شددوا على عباد الله أن لا ينتقلوا من مذهب إلى مذهب في نازلة طلبا لرفع الحرج واعتقدوا أن ذلك تلاعب بالدين وما عرفوا أنهم بهذا القول قد مرقوا من الدين بل شرع الله أوسع وحكمه أجمع وأنفع وقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ هذا حال هؤلاء يوم القيامة ولا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ولهذا القطب مقام الكمال فلا يقيده نعت هو حكيم الوقت لا يظهر إلا بحكم الوقت وبما يقتضيه حال الزمان الإرادة بحكمه ما هو بحكم الإرادة فله السيادة وفيه عشر خصال أولها الحلم مع القدرة لأن له الفعل بالهمة فلا يغضب لنفسه أبدا وإذا انتهكت محارم الله فلا يقوم شي‏ء لغضبه فهو يغضب لله والثانية الأناة في الأمور التي يحمد الله الأناة فيها مع المسارعة إلى الخيرات فهو يسارع إلى الأناة ويعرف مواطنها والثالثة الاقتصاد في الأشياء فلا يزيد على ما يطلبه الوقت شيئا فإن الميزان بيده يزن به الزمان والحال فيأخذ من حاله لزمانه ومن زمانه لحاله فيخفض ويرفع والرابعة التدبير وهو معرفة الحكمة فيعلم المواطن فيلقاها بالأمور التي تطلبها المواطن‏

كما فعل أبو دجانة حين أعطاه النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم السيف بحقه في بعض غزواته فمشى به الخيلاء بين الصفين فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهو ينظر إلى زهوه هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن‏

ولهذا كان مشي رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيه سرعة كأنما ينحط في صبب فصاحب التدبير ينظر في الأمور قبل إن يبرزها في عالم الشهادة فله التصرف في عالم الغيب فلا يأخذ من المعاني إلا ما تقتضيه الحكمة ف هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ فما ينبغي أن يبديه مجملا أبداه مجملا وما ينبغي أن يبديه مفصلا أبداه مفصلا وما ينبغي أن يبديه محكما أبداه محكما وما ينبغي أن يبديه متشابها أبداه متشابها والخصلة الخامسة التفصيل وهو العلم بما يقع به الامتياز بين الأشياء مما يقع به الاشتراك فينفصل كل أمر عن مماثله ومقابله وخلافه ويأتي إلى الأسماء الإلهية القريبة التشابه كالعليم والخبير والمحصي والمحيط والحكيم وكلها من أسماء العلم وهي بمعنى العليم غير إن بين كل واحد وبين الآخر دقيقة وحقيقة يمتاز بها عن الباقي هكذا في كل اسم يكون بينه وبين غيره مشاركة والسادسة العدل وهو أمر يستعمل في الحكومات والقسمة والقضايا وإيصال الحقوق إلى أهلها وهو في الحقوق شبيه بما ذكر الله عن نفسه أنه أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ وقوله في موسى قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وقوله في ناقة صالح لَها شِرْبٌ ولَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ويتعلق به علم الجزاء في الدارين والعدل بين الجناية والحد والتعزير والسابعة الأدب وهو العلم بجوامع الخيرات كلها في كل عالم وهو العلم الذي يحضره في البساط ويمنحه المجالسة والشهود والمكالمة والمسامرة والحديث والخلوة والمعاملة بما في نفس الحق في المواطن من الجلوة فهذا وأمثاله هو الأدب والثامنة الرحمة ومتعلقها منه كل مستضعف وكل جبار فيستنزله برحمته ولطفه من جبروته وكبريائه وعظمته بأيسر مئونة

في لين وعطف وجنان والتاسعة الحياء فيستحي من الكاذب عن الكاذب ويظهر له بصورة من صدقه في قوله لا يظهر له بصورة من تعامى عنه حتى يعتقد فيه الكاذب أنه قد مشى عليه حديثه وأنه جاهل بمقامه وبما جاء به فيذل في شغله ثم لا يكون في حقه عند ربه إلا واسطة خير يدعو له بالتجاوز فيما بينه وبين الله عند الوقوف والسؤال يوم القيامة وقد ورد في الخبر ان الله يوم القيامة يدعو بشيخ فيقول له ما فعلت فيقول من المقربات ما شاء الله والله يعلم أنه كاذب في قوله فيأمر به إلى الجنة فتقول الملائكة يا رب إنه كذب فيما ادعاه فيقول الحق قد علمت ذلك ولكني استحييت منه أن أكذب شيبته‏

وما أوصل إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم هذا الخبر عن الله إلا لنكون بهذه الصفة فنحن أحق بها لحاجتنا إن يعاملنا الحق بها والعاشرة الإصلاح وأعظمه إصلاح ذات البين وهو قوله تعالى وأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وقد ورد في الخبر إن الله يصلح بين عباده يوم القيامة فيوقف الظالم والمظلوم بين يديه للحكومة والإنصاف ثم يقول لهما ارفعا رءوسكما فينظران إلى خير كثير فيقولان لمن هذا الخير فيقول الله لهما لمن أعطاني الثمن فيقول المظلوم يا رب ومن يقدر على ثمن هذا فيقول الله له أنت بعفوك عن أخيك هذا فيقول المظلوم يا رب قد عفوت عنه فيقول الله له خذ بيد أخيك فادخلا الجنة ثم تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فَاتَّقُوا الله وأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ فإن الله يصلح بين عباده يوم القيامة

وأما القطب الثاني من الاثني عشرة فهو على قدم الخليل إبراهيم ع‏

وهو الذي له سورة الإخلاص الذي حبه إياها أدخله الجنة ولقارئها ثلث القرآن وله من المنازل بعدد آيها وهو صاحب الحجة والدليل النظري يكون له خوض في المعقولات فيصيب ولا يخطئ وذلك أن الناس قد اختلفوا في العلم الموهوب الذي من شأنه أن يدركه العاقل بفكره ويوصله إليه دليل النظر فقال بعضهم مثل هذا العلم إذا وهبه الله من وهبه وهبه بدليله فيعلم الدليل والمدلول لا بد من ذلك ورأيت أبا عبد الله الكتاني بمدينة فاس إماما من أئمة المسلمين في أصول الدين والفقه يقول بهذا القول فقلت له هذا ذوقك هكذا أعطاكه الحق فذوقك صحيح وحكمك غير صحيح بل قد يعطيه العلم الذي لا يحصل إلا بالدليل النظري ولا يعطيه دليله وقد يعطيه إياه ويعطيه دليله كإبراهيم الخليل قال تعالى وتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى‏ قَوْمِهِ وهو أكمل من الذي يعطي العلم الذي يوصل إليه بالدليل ولا يعطي الدليل ولا يشترط أحد تخصيص دليل من دليل إنما يعطي دليلا في الجملة فإن الأدلة على الشي‏ء الواحد قد تكثر ومنها ما يكون في غاية الوضوح ومنها ما يغمض كمسألة إبراهيم الخليل في إحياء الموتى وإماتة الأحياء وعدوله إلى إتيان الشمس من المشرق أن يأتي بها الخصم من المغرب وكلاهما دليل على المقصود وهذا القطب من الدعاة إلى الله بالأمر الإلهي ومسكنه في الهواء في فضاء الجو في بيت جالس على كرسي له نظر إلى الخلق لا يزال تاليا عنده جماعة من أهل الله وخاصته كلامه في الأحدية الإلهية وفي أحدية الواحد وفي أحدية الوحدانية بالأدلة النظرية وما حصلها عن نظر ولكن هكذا وهبها الحق تعالى له وحاله الحضور دائما إلا أنه لم يحر مثل ما حار غيره بل أبان الله له ما وقف عنده ولم يشغل خاطره بما يوجب عنده الحيرة قد تفرغ مع الله لقضاء حوائج الناس يعرف الأسماء الإلهية معرفة تامة يقول بنفي المثلية في جانب الحق أخبرني الحق بالطريقة التي جرت العادة أن يخبر بها عباده في أسرارهم إن هذا العبد أعطاه الرحمة لعباده والصلة لرحمه فسأله في أمر فلم يجبه الله إليه وهو أنه سأله أن يرث مقامه عقبه فقال له ليس ذلك إليك لا يكون مقام الخلافة بالورث ذلك في العلوم والأموال وأما الخلافة فكل خليفة في قوم بحسب زمانهم فإن الناس في زمانهم أشبه منهم بآبائهم فإن الحق لا يحكم عليه خلق إلا في العلم والخلق لا يعرف أن له هذه المرتبة إلا من أعلمه الله بذلك ولقد رأيت من فتح الله عليه بصحبتي واستفاد أحوالا وعلوما وخرق عوائد أعطاه الله ذلك من حسن معاملته مع الله وأخبرني أنه ما استفاد شيئا مما هو عليه إلا مني وأنا لا علم لي بذلك إنما أدعو إلى الله والله يعلم من يجيب يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ وصدقوا وكذا هو الأمر فلا علم لأحد إلا من يعلمه الله وما عدا هذه الطريقة الإلهية في التعليم فإنما هو غلبة ظن أو مصادفة علم أو جزم على وهم وأما علم فلا فإن جميع الطرق الموصلة إلى العلم فيها شبه لا تثق النفس الطاهرة التي أوقفها الله على هذه الشبه أن تقطع بحصول علم‏

منها إلا بالطريقة الإلهية وهي قوله تعالى إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وقوله خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ فهو يبين عما في نفسه ولهذا القطب أسرار عجيبة

[القطب الثالث وهو على قدم موسى ع‏]

وأما القطب الثالث وهو على قدم موسى عليه السلام فسورته إِذا جاءَ نَصْرُ الله والْفَتْحُ ومنازله بعدد آيها ولها ربع القرآن وهذا القطب كان من الأوتاد ثم نقل إلى القطبية كما كان القطب الثاني من الأئمة ثم نقل إلى القطبية وهو صاحب جهد ومكابدة لا ينفك عن الاشتغال بالخلق عند الله أعطاه الله في منزل النداء اثني عشر ألف علم ذوقا في ليلة واحدة ومنزل النداء من أعظم المنازل وقد عيناه في منزل المنازل من هذا الكتاب ولنا فيه جزء مفرد أعني في طبقات المنازل وكمياتها فمن علوم هذا القطب علم الافتقار إلى الله بالله وهو علم شريف ما رأيت له ذائقا لما ذقته ومعنى هذا وسره إن الله أطلعه على إن

حاجة الأسماء إلى التأثير في أعيان الممكنات أعظم من حاجة الممكنات إلى ظهور الأثر فيها وذلك أن الأسماء لها في ظهور آثارها السلطان والعزة والممكنات قد يحصل فيها أثر تتضرر به وقد تنتفع به وهي على خطر فبقاؤها على حالة العدم أحب إليها لو خيرت فإنها في مشاهدة ثبوتية حالية ملتذة بالتذاذ ثبوتي منعزلة كل حالة عن الحالة الأخرى لا تجمع الأحوال عين واحدة في حال الثبوت فإنها تظهر في شيئية الوجود في عين واحدة فزيد مثلا الصحيح في وقت هو بعينه العليل في وقت آخر والمعافي في وقت هو المبتلى في وقته ذلك بعينه وفي الثبوت ليس كذلك فإن الألم في الثبوت ما هو في عين المتألم وإنما هو في عينه فهو ملتذ بثبوته كما هو ملتذ بوجوده في المتألم والمحل متالم به وسبب ذلك أن الثبوت بسيط مفرد غير قائم شي‏ء بشي‏ء وفي الوجود ليس إلا التركيب فحامل ومحمول فالمحمول أبدا منزلته في الوجود مثل منزلته في الثبوت في نعيم دائم والحامل ليس كذلك فإنه إن كان المحمول يوجب لذة التذ الحامل وإن أوجب ألما تألم الحامل ولم يكن له ذلك في حال الثبوت بل العين الحاملة في ثبوتها تظهر فيما تكون عليه في وجودها إلى ما لا يتناهى فكل حال تكون عليها هو إلى جانبها ناظر إليها لا محمول فيها فالعين ملتذة بذاتها والحال ملتذ بذاته فحال الأحوال لا يتغير ذوقه بالوجود وحال الحامل يتغير بالوجود وهو علم عزيز وما تعلم الأعيان ذلك في الثبوت إلا بنظر الحال إليها ولكن لا تعلم أنه إذا حملته تتألم به لأنها في حضرة لا تعرف فيها طعم الآلام بل تتخذه صاحبا فلو علمت العين أنها تتألم بذلك الحال إذا اتصف به لتألمت في حال ثبوتها بنظره إياها لعلمها أنها تتلبس به وتحمله في حال وجودها فتألفها به في الثبوت تنعم لها وهذا الفن من أكبر أسرار علم الله في الأشياء شاهدته ذوقا إلهيا لأن من عباد الله من يطلعه الله كشفا على الأعيان الثبوتية فيراها على صورة ما ذكرناها من المجاورة والنظر ما يرى فيها حالا ولا محلا

بل كل ذات على انفراد *** من غير شوب ولا اتحاد

ولا حلول ولا انتقال *** ولا اتفاق ولا عناد

فإذا فهمت الفرق بين الوجود والثبوت وما للاعيان في الوجود وما لها في الثبوت من الأحكام علمت إن بعض الأعيان لا تريد ظهور الأثر فيها بالحال ما لها في ذلك ذوق فهي بالحال لو عرض عليها ذوق الألم في حال الثبوت لضجت فإن أمرها في حال الوجود إذا حملت الألم قد تحمل الصبر وقد لا تحمله وفرضناها في حال الثبوت حاملة فاقدة للصبر فما لها بلسان الحال ذلك الافتقار إلى طلب الوجود وإن طلبته بالقول الثبوتي من الله فإذا وجدت تقول كما قد نقل عن بعضهم ليثني لم أخلق ليت عمر لم تلده أمه ليتها كانت عاقرا وأمثال هذا فتكون الأعيان أقل افتقارا من الأسماء والأسماء أشد افتقارا لما لها في ذلك من النعيم ولا سيما وهي تشاهد من الحق الابتهاج الذاتي بالكمال من حيث استصحاب الممكنات في ثبوتها لذاته وإنه منزه عن أثرها والتأثر بسببها فهو من حيث ذاته في كمال عن التأثر في حال ثبوت الأعيان وحال وجودها لأنه ما زاد في نفسه علما بما لم تكن عليه فيها فإنها أعطته العلم بشأنها أزلا وبتلك الصورة توجد فالمجاورة في الثبوت حلول في الوجود ففي الثبوت إلى جانبها وفي الوجود حال فيها فهذا علم واحد من تلك العلوم فاعلم ذلك‏

[القطب الرابع الذي على قدم عيسى ع‏]

وأما القطب الرابع الذي على قدم عيسى عليه السلام فسورته من القرآن قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ولها ربع القرآن ومنازله بعدد آيها وهذا القطب من الضنائن المصانين له التجلي‏

الدائم كلامه في الجمع والوجود وعلم المزيد إذا رأى شبهة في أحد تحول بينه وبين العلم أزالها حتى يتبين لصاحبها صورة الحق في ذلك الأمر له ستمائة مفتاح مقام في كل مقام من العلوم ما شاء الله له علم الامتزاج والتركيب الاعتدالي لا يعرف الانحراف ولا النقص ولا الزيادة مسكنه بقبة أرين منقطع عن الخلق إلا من شاء الله عاش طيبا مع الله إلى أن توفاه الله وكان من الأوتاد أيضا فانتقل إلى القطبية يقول إن الوجود وجود الحق وإن الجمع جمع الحق صفات القدم والحدوث وهو علم غريب في الجمع ما رأيت من يقول به من أهل الله غير هذا القطب فإني شاهدت هؤلاء الأقطاب أشهدنيهم الحق وإن كانوا قد درجوا من الدنيا وهو العلم الذي وردت به الشرائع في جانب الحق فنقول ذلك هو الجمع وعنده إن المحدث صاحب دعوى في تلك الصفات المسماة محدثة ولأجل دعواه قلنا إنه جمع وإلا فالأمر واحد كلها صفات قدم في القديم ومحدثة في المحدث لظهورها فيه ولم تكن ظاهرة فحدثت عند المتصف بها كما قال ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ وليس إلا كلام الله القديم فجمعنا عليه ما له مع نسبته إلينا فسمي من فعل ذلك صاحب جمع ووجود فمحكوم حكم الممكنات وجود الحق لا غيره فمن فهم الجمع هكذا علم الأمور كيف هيه‏

من دري الجمع هكذا *** علم الأمر كيف هو

فهو الحق لا سواه *** فلا تسمعنه‏

[القطب الخامس الذي على قدم داود ع‏]

وأما القطب الخامس الذي على قدم داود عليه السلام فسورته من القرآن إِذا زُلْزِلَتِ ولها نصف القرآن ومنازله بعدد آيها وحاله التفرقة وله مقام المحبة فهو معلول للحب فداؤه دواؤه وما له علم يتقدم فيه على غيره إلا علم ثبوت المحبة الإلهية والكونية ولهذا كان في مقام التفرقة وكان من الأئمة فنقل إلى القطبية يقول هذا القطب إن الحب ما ثبت وكل حب يزول فليس بحب أو يتغير فليس بحب لأن سلطان الحب أعظم من أن يزيله شي‏ء حتى إن الغفلة التي هي أعظم سلطان تحكم على الإنسان لا يتمكن لها أن تزيل الحب من المحب يتمكن عنده إن يغفل الإنسان عن نفسه بمحبوبه ولا يتمكن للمحب أن يغفل بأحد عن محبوبه فذلك هو المحب وذلك هو الحب‏

فداء المحبة ما لا يزول *** وإن الشفاء له مستحيل‏

فلا تركنن إلى غير ذا *** ولا تصغين إلى ما يقول‏

فبحب الله أحببنا الله وحب الحق لا يتغير فحب الكون لا يتغير فقيل له فحب الكون الكون هل يتغير قال لا لأن الكون محبوب لذاته والمحبة الذاتية لا يمكن زوالها قيل له فقد رأينا من تستحيل مودته فقال تلك إرادة ما هي محبة إذ لو كانت محبة ثبتت أ لا تراها تسمى ودا لثبوتها وثبوت حكمها وذلك أنه ما في المحب لغير محبوبه فضلة من ذاته يتمكن للمزيل أن يدخل عليه منها هذا سبب ثبوتها فإنه يشاهد عين محبوبه في كل شي‏ء يشهده فلا يفقده فلو صح للمحب أن يشهد غير محبوبه في عين ما لدخل عليه من ذلك ما يزيل حبه وهذا ليس بواقع في الحب فالتبس علي من هذه حالته حكم الإرادة بحكم الحب وما كل مريد محب وكل محب مريد وما كل مراد محبوب وكل محبوب مراد فمقام هذا القطب ما ذكرناه وشأنه عجيب وتفصيل حاله يطول ومذهبنا الاختصار

[القطب السادس الذي على قدم سليمان ع‏]

وأما القطب السادس الذي على قدم سليمان عليه السلام فسورته الواقعة ولها الحياة الدائمة ومنازله بعدد آيها اختص بعلم الحياة والحيوان لا يأخذ حالا من أحواله إلا عن ربه فأحواله أحوال ربه هداه هدى الأنبياء كما أمر الله نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لما ذكر له الأنبياء عليه السلام قال أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وما قال فبهم اقتده فعلمنا إن محمدا مساو لجميع من ذكره من الأنبياء ومن لم يذكره فإنه لكل نبي هدى كما ذكر لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً ومِنْهاجاً فهو سبحانه نصب الشرائع وأوضح المناهج وجمع ذلك كله في محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فمن رآه فقد رأى جميع المقربين ومن اهتدى بهديه فقد اهتدى بهدى جميع‏

النبيين وما على الله بمستنكر *** أن يجمع العالم في واحد

وأعني بقولي إن أحوال هذا القطب أحوال ربه ما قال الحق عن نفسه من أنه كل يوم في شأن فهذا عبارة عن اختلاف الأحوال فهو من القوم الذين يشاهدون الحق في شئونه فينظرون إلى ما له من الشئون فيهم فيتلبسون بها منه فهم من أحوالهم على بصيرة فمن هذه حاله ما هو مثل من حاله التخلق بالأسماء الإلهية بل لهذا ذوق ولهذا ذوق فمثل هذا الرجل‏

يكون مجهول الحال لأن مواطن الحق خفية لا يدركها إلا من كان مقامه التلبس بالشئون والدليل على ذلك إنا قد جمعنا على أنه لا موجد إلا الله وأنه حكيم يضع الأمور مواضعها ولا يتعدى بها موطنها فكل شي‏ء ظهر في العالم فهو حكمة في موضعه وقد جمعنا أن جميع الخلق وأن أهل الله أكثرهم يقولون لو كان كذا عن فعل من الأفعال ظهر في الوجود على يد إنسان لكان أحسن من هذا الفعل الذي فعلت وأولى يقولون للذي يظهر ذلك الفعل الإلهي فيه وعلى يديه فهل هذا إلا لجهلهم بحكمة الله فيما وقع لهم فيه مثل هذا القول فهذا ما وقع من أهل الله إلا بغفلتهم عن الله لا بجهلهم فإذا ذكروا تذكروا ويقع من غير أهل الله بجهله لا بغفلته فإنه لا يزول عما ذهب إليه في ذلك الفعل من اللؤم حتى تبدو له حكمة الله فيه متى بدت حينئذ يعترف بجهله ويعرف قصور علمه وعقله وما رأيت أحدا من أهل هذا الذوق ولا سمعت بأنه رى‏ء وهو قريب في غاية الظهور ولكن الأغراض تمنع والأهواء من التعمل في تحصيله وذلك أن حجة من لا يروم تحصيله من أهل الدين يقول إن الشرع قد أمرنا أن ننكر أشياء وأن نقول الأولى ترك هذا من فعله مع علمي بأن الفعل لله قلنا صدقت ولكن ما خرج مثل هذا الاعتراض من شخص فهم رتبتي وذلك أني قلت إنه جهل حكمة الله فيما اعترض فيه فمن اعترض باعتراض الشرع فهو ناقل اعتراض الله فيما اعترض ما هو المعترض وذلك الاعتراض إذا وجد من الله يعلم صاحب هذا الذوق حكمته ومنزلته وصاحب هذا الحال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الحدود وهو يشاهد حكمة ذلك كله ويراها في الشئون الإلهية المشهودة له ولا يشهدها إلا عند تكوينها خاصة هذا هو مقام صاحب هذا الحال فإن من أهل الله أيضا من يشاهد هذه الشئون قبل أن يكون الحق فيها وهو الذي يشاهد أعيان الممكنات في حال عدمها كما يشهدها الحق ولهذا يعين الحق منها ما يعين بالتكوين دون غيرها من الممكنات فإن الحق لا يوجدها إلا بما هي عليه في حال عدمها من غير زيادة ولا نقصان ومن أهل الله من يشهد الأمر قبل ظهوره في الحس وهو التكوين الآخر يشهده في الإمام المبين وهو اللوح المحفوظ الحاوي على المحو والإثبات فكل شي‏ء فيه فلذلك الشي‏ء تكوين أول في التسطير وهذا الكشف دون كشف الذي يريه الله أعيان الممكنات على ما تكون عليه في حال الوجود فيحكم بها حكم الله

فيها ولإدراك هذه الشئون قبل ظهورها في الحس مدارك كثيرة أعلاها ما ذكرناه أي أقصاها وبعده مشاهدة الحق في تكوينها فإن ذلك أعلى من مشاهدة المشاهد إياها في الإمام المبين وفي غيره ودون هذا الشهود كل شهود يكون للعبد قبل تكوين الشأن هذا حال من‏

قال ما رأيت شيئا إلا رأيت الله معه‏

وهو أعلى حالا من الذي يقول ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله فإن الأولى كلمة تحقيق وإن كانت الأخرى مثلها في التحقيق لكن بينهما فرقان فالواحد قوله مثل من يقول رأيت زيدا يصنع كذا ويقول الآخر رأيت الصانع يصنع كذا فهذا الفرق بين الشخصين فيما يشهد أنه فإن الأسماء الأعلام ما وضعت إلا للتخاطب بها في حال غيبة المسمى بها وفي الحضور ما هي مطلوبة وإن جي‏ء بها فأما لأدب يقتضيه الحال وإما تأكيد في الأخبار فقد أبنت لك من حال هذا القطب ما سمعت وله أحوال كثيرة أعرفها أفعله في كل قطب ما أذكر جميع أحواله لأن ذلك يتسع الخرق فيه بحيث إنه لا بقي به الوقت‏

[القطب السابع الذي على قدم أيوب ع‏]

وأما القطب السابع الذي على قدم أيوب عليه السلام وسورته البقرة وهي البيضاء الحاوية على سيدة آي القرآن ومنازله بعدد حروفها لا آيها حال هذا القطب العظمة بحيث إنه يرى أن العالم لا يسعه لأن ذوقه كونه وسع الحق قلبه وقد ورد في الخبر أن الحق يقول ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي‏

وما كل قلب يسع الحق وقال ولكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ فبين مكان القلوب فإذا كان مشهودا لعبد كون الحق في قلبه فكما لا يسع العالم الحق لا يسع العالم أيضا هذا العبد فهذا سبب شهود ضيق العالم عنه وما رأيت من تحقق بهذا المقام وشهوده إلا رجلا بالموصل من أهل حديثة الموصل كان بهذه المثابة وأطلعه الحق على أمر ولم يطلعه على سره فيه وكان يطلب على من يوضح له حاله فذكرني له الإمام نجم الدين محمد بن أبي بكر بن شاى الموصلي المدرس بمدرسة سيف الدين بن علم الدين بحلب في هذا الزمان الذي نحن فيه وهو سنة ثمان وعشرين وستمائة فطلب الاجتماع بنا فلما وصل ذكرنا زلته فأوضحتها له فسرى عنه واستبشر وخرج لي بحاله لما رآني فهمته فوجدته قد أخذ من مقام العظمة بحظ وافر لكنه دون ذوق هذا القطب‏

فيه لأنه أخبرني أن النخامة كانت تدور في فيه لا يقدر أن يلقيها من فيه لأنه لا يجد لها محلا تقع فيه خاليا من الحق وقد علم ما جاء في الأدب في إلقائها في الشرع فكان يتحير ورأيت آخر مثله بإشبيلية من بلاد الأندلس وروينا عن الحلاج أنه ذاق من هذا المقام حتى ظهر عليه منه حال المقام فكان له بيت يسمى بيت العظمة إذا دخل فيه ملأه كله بذاته في عين الناظر حتى نسب إلى علم السيمياء في ذلك لجهلهم بما هم عليه أهل الله من الأحوال والمتمكن في هذا المقام لا يظهر عليه بالحال ما يدل على أنه صاحب هذا الذوق ولكن نعوته تجري بحكم هذا المقام لا حاله فإن الحال يعطي خرق العوائد كما قال صاحب محاسن المجالس فيها لما ذكر الأحوال أنها للمريدين قال والأحوال للكرامات يريد خرق العوائد وليست الكرامات في عرف هذا اللسان الأخرق العوائد مع الاستقامة في الحال أو تنتج الاستقامة في الفور لا بد من ذلك عندهم وسبب هذا التحديد إن خرق العادة قد لا يكون كرامة من الله للعبد فأكملهم في مقام العظمة من يجهل حاله ولا يعرف فيعرف ما يعامل به ويجار الناظر فيه إلا أنه على بينة من ربه وبصيرة من أمره فمن أراد أن يعرف أحوال هذا الإمام فليتدبر آيات سورة البقرة آية بعد آية حتى بختمها فهذا القطب مجموع آيها وبالله التوفيق وأما القطب الثامن الذي على قدم الياس عليه السلام وسورته آل عمران وهي البيضاء أيضا ومنازله بعدد آيها ولست أعني بقولي القطب الأول والثاني إن هذا الترتيب بالزمان إنما أريد به ترتيب العدد إلى أن يكمل اثنا عشر قطبا فقد يكون الثاني عشر أو غيره هو الأول بالزمان وإنما أعلمت بذلك لئلا يتوهم من قد أوقفه الله وأطلعه على العلم بأزمان هؤلاء الأقطاب فيرى هذا الترتيب الذي سقناه فيهم أنه ترتيب أزمانهم فلذلك بينت أنه ترتيب العدد لا غير وحال هذا القطب العلم بالمتشابه من كلام الله الذي ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله فيعلمه هذا القطب بإعلام الله خاصة ولا يعلم أبدا إلا بإعلام الله فيكون عنده محكما في تشابهه فيعرف من أي وجه كان التشابه فيه فيحصل له علم المناسبة التي جمعت بين الله وبين من وقع معه التشابه في الآية كآيات التشبيه كلها أو ترقع التشبيه من طريق دلالة للفظ المشترك الذي لا يكون إلا لمناسبة خفية فإن المناسبة في التشبيه جلية وفي الاشتراك خفية كالنور للعلم جلي فتسمى العلم نورا والنور نورا كقوله وجَعَلْنا لَهُ نُوراً وجَعَلْناهُ يعني الوحي وهو العلم نُوراً نَهْدِي به من نَشاءُ من عِبادِنا وفي الاشتراك كالعين فالمناسبة في العينية في كل مسمى بالعين خفية فهي عند هذا القطب جلية بإعلام الله وأما أصحاب التأويل بالنظر في ذلك فما هم على علم وإن صادفوا العلم ومن هذا العلم تعلم أن النساء شقائق الرجال أ لا ترى حواء خلقت من آدم فلها حكمان حكم الذكورة بالأصل وحكم الأنوثة بالعارض فهي من المتشابه فإن الإنسانية مجمع الذكر والأنثى وأين حقيقة الفاعل من المنفعل لمن هو فيه فاعل ولا يفعل إلا في مشاكله وذلك أنه أول ما أحدث الانفعال في نفسه فظهر فيه صورة ما ينفعل عنه وبتلك القوة انفعل عنه ما انفعل وظهر كالبديع والمخترع والحق قد قدمنا تحقيق العلم بالعالم أن العلم يتبع المعلوم والعلم صفة العالم والمعطي العلم ما هو المعلوم عليه ثم يعطي العالم إيجاد المعلوم كما يعطي المخترع إيجاد الأمر المخترع وإظهاره في الوجود فمن هنا يعرف لما حبب الله النساء لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فمن أحب النساء حب النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لهن فقد أحب الله والجامع الانفعال لما كان من إعطاء المعلوم العلم ليقال فيه إنه عالم فهو أول منفعل لمعلوم وظهر في عيسى انفعاله عن مريم في مقابلة حواء من آدم إِنَّ في ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ فيفهم قول الله عز وجل يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ من ذَكَرٍ مثل حواء وأُنْثى‏ مثل عيسى وبالمجموع مثل بنى آدم باقي الذرية فهي الجامعة لخلق الناس ولقد كنت من أكره خلق الله تعالى في النساء وفي الجماع في أول دخولي إلى هذا الطريق وبقيت على ذلك نحوا من ثمان عشرة سنة إلى أن شهدت هذا المقام وكان قد تقدم عندي خوف المقت لذلك لما وقفت‏

على‏

الخبر النبوي أن الله حبب النساء لنبيه ص‏

فما أحبهن طبعا ولكنه أحبهن بتحبيب الله إليه فلما صدقت مع الله في التوجه إليه تعالى في ذلك من خوفي مقت الله حيث أكره ما حببه الله لنبيه أزال عني ذلك بحمد الله وحببهن إلي فإنا أعظم الخلق شفقة عليهن وأرعى لحقهن لأني في ذلك على بصيرة وهو عن تحبب لا عن حب طبيعي وما يعلم قدر النساء إلا من علم وفهم عن الله ما قاله في حق زوجتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عند ما تعاونا عليه وخرجا عليه كما ذكر الله في سورة التحريم وجعل في مقابلة

هاتين المرأتين في التعاون عليه من يعاون رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عليهما وينصره وهو الله وجبريل وصالحو المؤمنين ثم الملائكة بعد ذلك وليس ذلك إلا لاختلاف السبب الذي لأجله يقع التعاون فثم أمر لا يمكن إزالته إلا بالله لا بمخلوق ولذلك أمرنا أن نستعين بالله في أشياء وبالصبر في أشياء وبالصلاة في أشياء فاعلم ذلك وكان ثم أمر وإن كان بيد الله فإن الله قد أعطى جبريل اقتدارا على دفع ذلك الأمر فأعان محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في دفعه إن تعاونا عليه وإن رجعا عنه وأعطيا الحق من نفوسهما سكت عنهما كما سكتنا فكان لهما الأمر من قبل ومن بعد وهو نعت إلهي فإنه لحركتهما تحرك من تحرك ولسكونهما سكن الذي أراد التحرك وكذلك صالحو المؤمنين كان عندهما أمر نسبته في الإزالة بصالحي المؤمنين أقرب من نسبته إلى غيرهم فيكون صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ معينا لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ثم الملائكة بعد ذلك إذا لم يبق إلا ما يناسب عموم الملائكة التي خلقت مسخرة يدفع بها ما لا يندفع في الترتيب الإلهي إلا بالملائكة مع انفراد الحق بالأمر كله في ذلك والقيام به ولكن الجواز العقلي فأخبر الحق بالواقع لو وقع كيف كان يقع فما يقع إلا كما قاله وما قال إلا ما علم أنه يقع بهذه الصورة وما علم إلا ما أعطاه المعلوم من نفسه أنه عليه بما شهده أزلا في عينه الثابتة في حال عدمه فانظر يا ولي كيف تبدي الأمور حقائقها لذي فهم وقلب جعلنا الله وإياكم من أهل الفهم عن الله ممن لَهُ قَلْبٌ يعقل به عن الله وأَلْقَى السَّمْعَ لخطاب الله وهُوَ شَهِيدٌ لما يحدثه الله في كونه من الشأن‏

[القطب التاسع الذي على قدم لوط ع‏]

وأما القطب التاسع الذي على قدم لوط عليه السلام فسورته سورة الكهف ولها العصمة والاعتصام ومنازله بعدد آيها حاله العصمة من كل ما يؤدي إلى سوء الأدب الذي يبعد صاحبه عن البساط فهو محفوظ عليه وقته أبدا وعلمه علم الاعتصام وقد عينه الله وحصره في أمرين الاعتصام به فقال عز من قائل واعْتَصَمُوا بِاللَّهِ والاعتصام الآخر بحبله وهو قوله تعالى واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً فمن الناس من اعتصم بالله ومنهم من اعتصم بحبل الله وقال إن الاعتصام بحبل الله هو عين الاعتصام بالله وهذا القطب جمع بين هذين الاعتصامين والفرق بين الاعتصامين أن حبل الله هو الطريق الذي يعرج بك إليه مثل قوله إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وليس حبله سوى ما شرعه وتفاضل فهم الناس فيه فمنهم ومنهم ولذلك فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ فمن لم يخط طريقه فهو المعصوم والتمسك به هو الاعتصام وعليه حال المؤمنين الذين بلغوا الكمال في الايمان ومثل هؤلاء يعتصمون بالله في اعتصامهم بحبل الله وهو قوله وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وقوله اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وأما الاعتصام بالله فهوقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قوله في الاستعاذة وأعوذ بك منك‏

فإنه لا يقاومه شي‏ء من خلقه فلا يستعاذ به إلا منه فإن الإنسان لما حصل في سمعه أنه مخلوق على صورة الحق ولم يفرق بين الإنسان الكامل وبين الإنسان الحيوان وتخيل أن الإنسان لكونه إنسانا هو على الصورة وما هو كما وقع له ولكنه بما هو إنسان هو قابل للصورة إذا أعطيها لم يمتنع من قبولها فإذا أعطيها عند ذلك يكون على الصورة ويعد في

جملة الخلفاء فلا يتصرف من هو على الصورة إلا تصرف الحق بها وتصرف الحق عين ما هو العالم عليه وفيه وأنت تعلم بكل وجه ما العالم فيه من مكلف وغير مكلف ومما ينكر ويعرف ولا يعرف ما ينكر وما يعرف من العالم المكلف إلا الخليفة وهو صاحب الصورة فالحق له حكم الإنكار لا للعبد فالمعتصم بالله إذا كان صاحب الصورة لا يعتصم إلا منه بأن يظهر به في موطن ينكره عليه وإن كانت صفته فليس له أن يتلبس بها في كل موطن ولا يظهر به في كل مشهد بل له الستر فيها والتحلي بها بحسب ما يحكم به الوقت وهذا هو المعبر عنه بالأدب ولو كان مشهده أنه لا يرى إلا الله بالله وأن العالم عين وجود الحق وأعظم من هذا الصارف عن الإنكار فلا يكون ولكن لا بد من الإنكار إن صح له هذا المقام فهو ينكر بحق على حق لحق ولا يبالي وحجته قائمة

[القطب العاشر الذي على قلب هود ع‏]

وأما القطب العاشر الذي على قلب هود عليه السلام فسورته سورة الأنعام ولها الكمال والتمام في الطوالات ومنازله بعدد آيها ولهذا القطب علوم جمة منها علم الاستحقاق الذي يستحقه كل مخلوق في خلقه وعلم ما يستحقه ذلك الخلق من المراتب فأما استحقاق الخلق فقوله أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ وأما المراتب فالتنبيه عليها من قوله تعالى وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ ويا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ وهو أن تزيده على مرتبته أو تنقصه منها وما يتميز العالم العاقل من غيره إلا بإعطاء كل ذي حق حقه وإعطاء كل شي‏ء خلقه ومتى‏

لم يعلم ذلك فهو جاهل بالحق ومتى علم ولم يعمل بعلمه فهو غير عاقل فلا بد لصاحب هذا المقام أن يكون تام العقل كامل العلم وهذا هو الحفظ الإلهي والعناية العظمى والسلوك على هذه الطريقة المثلى التي هي الطريقة الزلفى هو السلوك الأقوم ولما أتم الله خلق العالم روحا وصورة وأنزل كل خلق في رتبته جعل بين العالم التحاما روحانيا وجسمانيا لظهور أشخاص كل نوع من العالم إذ كان دخول أشخاص كل نوع في الوجود مستحيلا وإنما فعل ذلك ليظهر فضل الفاعل على المنفعل بالذوق فيعلمون فضل الحق على عباده ويعرفون كيف يتحققون معه في عبودتهم ونسب إليهم الخلق فقال وإِذْ تَخْلُقُ من الطِّينِ وقال فَتَبارَكَ الله أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فذكر إن ثم خالقين الله أحسنهم خلقا فإنه تعالى يخلق ما يخلق عن شهود والخالق من العباد لا يخلق إلا عن تصور يتصور من أعيان موجودة يريد أن يخلق مثلها أو يبدع مثلها وخلق الحق ليس كذلك فإنه يبدع أو يخلق المخلوق على ما هو ذلك المخلوق عليه في نفسه وعينه فما يكسوه إلا حلة الوجود بتعلق يسمى الإيجاد فمن أوقفه الله كشفا على أعيان ما شاء من الممكنات فليس في قوته إيجادها أي ليس بيده خلعة الوجود التي تلبسها تلك العين الثابتة الممكنة أعني بالمباشرة ولكن له الهمة وهي إرادة وجودها لا إرادة إيجادها منه لأنه يعلم أن ذلك محال في حقه فإذا علق همته بوجودها يتعلق الحق القول بالتكوين فتعلم قول ربها من قول الخلق سواء كان القول على لسان الخلق أو كان من الحق بارتفاع الوسائط فيتكون ذلك الشي‏ء ولا بد فيقال في الشاهد فعل فلان بهمته كذا وكذا وإن تكلم يقال قال فلان كذا وكذا فانفعل عن قوله كذا فمن عرف ذلك عرف ما للعبد في ذلك التكوين وما للحق فيه فلذلك قال إنه أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فإذا ظهر عين ذلك المكون أي شي‏ء كان تشوفت إليه مرتبته لأن مزاجه يطلبها وأعني المرتبة الأولى فيكتسب الاستعداد لأمور علية أو دنية بحسب ما يعطيه ذلك الاستعداد المكتسب فيظهر في العالم بصورة ذلك فإذا نظر فيه الأجنبي وأعني بالأجنبي الذي لا علم له بالحقائق ونظر إلى استعداده فأعطاه نظره أنه نازل عن رتبته أو رتبته فوق ذلك أعني الرتبة التي ظهر فيها والأمر في نفسه ليس كما ظهر لصاحب هذا النظر فإن الاستعداد المؤثر إنما هو في الخلق وهو استعداد ذاتي وأما الاستعداد العرضي فلا حكم له بل الاستعداد العرضي رتبة أظهرها الاستعداد الذاتي وغاب هذا القدر من العلم عن أكثر الخلق مثال ذلك أن يروا شخصا ساكتا قد تصور العلوم وأحكمها وأعطى من المراتب أخسها ممن لا ينبغي لمن جمع هذه الفضائل والعلوم أن يكون غايته تلك الرتبة فيقال إنه قد حط هذا الرجل عن رتبته وما أنصف في حقه وما عندهم خبر بأن رتبته إنما هي عين تلك الفضائل التي جمعها وتلك العلوم التي أحكمها ومن جملتها هذه المرتبة الخسيسة التي ولاة السلطان عليها إن كان من الولاة وإن لم يكن من الولاة ولا نال شيئا مع هذا الفضل من المناصب قيل فيه إنه محروم وما هو محروم وإنما الموطن اقتضى ذلك وهو أن الدنيا اقتضت أن يعامل فيها الجليل بالجلال في وقت وفي وقت يعامل الجليل بالصغار وفي وقت يعامل الصغير بالصغار وفي وقت يعامل الصغير بالجلال بخلاف موطن الآخرة فإن العظيم بها يعامل بالعظمة والحقير بها يعامل بالحقارة ولو نظر الناظر لرأى في الدنيا من يقول في الله ما لا يليق به تعالى ومن يقول فيه ما يليق به من التنزيه والثناء وأعظم من الحق فلا يكون هذا العبد فمن علم المواطن علم الأمور كيف تجري في العالم وإلى الله يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ما صح منه وما اعتل فلا تنظر إلى المناصب وانظر إلى الناصب الذي يعمل بحكم المواطن لا بما يقتضيه النظر العقلي فإن الناظر إذا كان عاقلا علم بعقله أن موطن الدنيا كذا يعطى ويترك عنه الجواز العقلي الذي يمكن في كل فرد فرد من أفراد العالم فإن هذا الجواز في عين الشهود ليس بعلم ولا صحيح وليكن العاقل مع الواقع في الحال فإن ذلك صورة الأمر على ما هو عليه في نفسه لا تعلق لعاقل بالمستقبل إلا إن أطلعه الله كشفا على أعيان الممكنات قبل وقوعها

في الوجود فلا فرق بينه وبين من شهدها في وقوعها لأن هذا المكاشف يزول عنه حكم الجواز العقلي فيما كوشف به وأطلعه الله عليه فهذا بعض علم هذا القطب‏

[القطب الحادي عشر الذي على قدم صالح ع‏]

«و أما القطب الحادي عشر الذي على قدم صالح ع» فسورته من القرآن سورة طه ولها الشرف التام ومنازله بعدد أيها اعلم أن هذا القطب دون سائر الأقطاب أشرف بهذه السورة من سائر الأقطاب لأن هذه السورة أشرف سورة في القرآن في العالم السعيد

فإنها السورة التي يقرءوها الحق تعالى في الجنة على عباده بلا واسطة وهذا القطب له علوم جمة له البطش والقوة كما قال أبو يزيد البسطامي وقد سمع قارئا يقرأ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ فقال بطشي أشد وكان حاله حال من ينطق بالله فقول الله عن نفسه أن بطشه شديد على لسان عبده أشد من بطشه بغير لسان عبده ثم بطشه على لسان عبده الطبيعي أشد من بطشه على لسان عبده الإلهي بما لا يتقارب وأكثر علم هذا الإمام في التنزيه والإحاطة وليس التنزيه والإحاطة التي يعلم هو المفهوم المتعارف بل هو تنزيه التنزيه المتعارف وجعله في ذلك علم الإحاطة وذلك أن تنزيهه عدم المشاركة في الوجود فهو الوجود ليس غيره والمعبر عنه عنده بالعالم إنما هو الاسم الظاهر وهو وجهه فما بطن منه عن ظاهره فهو الاسم الباطن وهو هويته فيظهر له ويغيب عنه وأما الآلام واللذات فتقابل الأسماء وتوافقها وبها تكثرت الصور فإنها التي تشكلت فأدرك بعضها بعضا فكان محيطا بها منزها عنها فله الستر عنها والتجلي فيها فتختلف عليه الصور فينكر حاله مع علمه أنه هو وهو ما تسمعه من قول الإنسان عن نفسه إني في هذا الزمان أنكر نفسي فإنها تغيرت علي وما كنت أعرف نفسي هكذا وهو هو ليس غيره فمن حيث تشكل الأسماء له الإمكان ومن حيث العين القابلة لاختلاف الصور الأسمائية عليها له الوجوب فهو الواجب الممكن والمكان والمتمكن المنعوت بالحدوث والقدم كما نعت كلامه العزيز بالحدوث مع اتصافه بالقدم فقال ما يَأْتِيهِمْ الضمير يعود على صور الأسماء إلا الرب من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فنعته بالحدوث فهو حادث عند صورة الرحمن وما يأتيهم الضمير مثل الأول إلا الرحمن من ذكر من الرحمن محدث فنعته بالحدوث فهو حادث عند صورة الرب فإن تقدم إتيان ذكر الرب كان ذكر الرحمن جوابه وإن تقدم ذكر الرحمن كان ذكر الرب جوابه فالمتقدم أبدا من الذكرين قرآن والثاني فرقان ف لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ للمتقدم منهما وهو القرآن وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ للآخر منهما وهو الفرقان ف هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ كما هو الظَّاهِرُ والْباطِنُ وهُوَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ وليس إلا قبول صور الأسماء وكل للاحاطة فانحصر الأمر فيه فما قال كن إلا له ولا كنى بيكون إلا عنه أ لا تراه تسمى بالدهر وأنه يقلب الليل والنهار وليس الدهر غير الليل والنهار وليس التقليب سوى اختلاف الصور فالأيام والساعات والشهور والأعوام هي عين الدهر وفي الدهر وقع التفصيل بما ذكرناه فمن وجه هو ساعة ومن وجه هو يوم وليل ونهار وجمعة وشهر وسنة وفصول ودور

فكل خير هو له *** وكل شر ليس له‏

فهو الوجود كله *** وفقده ما هو له‏

يعلمه من علمه *** يجهله من جهله‏

فإنما أنابه *** في كل أحوالي وله‏

فأنت هو ما أنت هو *** وأنت له ما أنت له‏

ولو صنعت صنعه *** ولو عملت عمله‏

فهذا من بعض أنفاس علم هذا القطب وهكذا مجراه في علومه كلها على كثرتها وتفاصيلها

[القطب الثاني عشر الذي على قدم شعيب ع‏]

(و أما القطب الثاني عشر) الذي على قدم شعيب عليه السلام فسورته من القرآن سورة تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وهي التي تجادل عن قارئها ومنازله بعدد آيها انظر في جدالها في قوله ما تَرى‏ في خَلْقِ الرَّحْمنِ من تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ ... كَرَّتَيْنِ ينبه على النظر في المقدمتين هَلْ تَرى‏ من فُطُورٍ يعني خللا يكون منه الدخل فيما يقيمه من الدليل يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ وهو النظر خاسِئاً بعيدا عن النفوذ فيه بدخل أو شبهه وهُوَ حَسِيرٌ أي قد عيي أي أدركه العياء وكل آية في هذه السورة فإنها تجري على هذا النسق إلى أن ختم بقوله قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ أ لا ترى الوجود كله من غير تعليم هل تراه في حال اضطراره يلجأ إلى غير الله ما يلجأ إلا إلى الله بالذات فلو كان غيرا ما عرفه حتى يلجأ وهو قول العامة فيمن رزئ مالك لما ترجع في رزيتك إلا إلى الصبر والصبر ليس إلا صفة الصابر فتسمى أيضا بالصبور يقول أنا هو ما ثم غيري وهذا عين ما ادعاه في علمه القطب الذي على قدم صالح صلى الله على نبينا محمد وعليه وسلم‏

فيا شعيب ما ثم عيب *** لكنه شاهد وغيب‏

فانظر إلى حكمة وفصل الخطاب *** فيها ما فيه ريب‏

ولهذا القطب علم البراهين وموازين العلوم ومعرفة الحدود كله روح مجرد لطيفة حاكم على الطبيعة مؤيد للشريعة



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!