The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منازلة من وقف عندما رأى ما هاله هلك

فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ولا تقنع بعفو الله فتكون ممن نسي الله بل ارغب في إحسانه بأن يزيدك هنا عملا ومراقبة فيزيدك عنده جاها وحرمة وأما قوله تعالى ناهيا إيانا بقوله ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ فأعاد الضمير عليهم فهذا نمط آخر ذكرنا حقيقته في مسألة شرف النفاق وهو النفاق المحمود في المنازل فيما عبر من هذا الكتاب فلنذكر منه ما يليق بهذا الموضع من أجل النسيان وذلك‏

أن الله قال على لسان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من عرف نفسه عرف ربه‏

لما جعلنا دليلا عليه ولا ينبغي أن ننظر في معرفة نفوسنا إلا حتى نريد أن نعرف ربنا فإذا نسينا هذه المعرف فقد نسينا معرفة نفوسنا وهو الباب الواحد الذي كان ينبغي لنا أن نخرج عليه إلى هذه المعرفة فخرجنا على الباب الآخر وهو الذي نخرج منه إلى جهلنا بنفوسنا ولما خلقنا الله على الصورة الإلهية كان في نسياننا الله إن إنسانا الله أنفسنا فنهينا عن ذلك فإنه من نسي نفسه بالضرورة نسي ما لله عليها من الحقوق وما لها من الحقوق فتركوا الله إذا علموا أنهم لا يشهدون من الله ما هو الله عليه وإنما يشهدون من الله أعيانهم وأحوالهم لا غير فلما علم الله هذا من بعض عباده الذين لهم هذا الوصف أنساهم أنفسهم فلم يروا عند شهودهم أن أحوالهم عين ما رأوا فيقولون في ذلك الشهود قال لي الله وقلت له وأين هذا من مقام قولهم لا نرى من الحق إلا ما نحن عليه فلم يكن لهم ذلك إلا من كونه تعالى أنساهم أنفسهم ف أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ الخارجون عن طريق ما كانوا تحققوا به من أن الله لا يشهده أحدا لا من حيث حاله وما هو عليه ولما وصف نفسه تعالى بأنه خَيْرُ الرَّاحِمِينَ من باب المفاضلة فمعلوم أنه ما يرحم أحد من المخلوقين أحدا إلا بالرحمة التي أوجدها الرحمن فيه فهي تعالى رحمته لا رحمتهم ظهرت في صورة مخلوق كما قال في سمع الله لمن حمده إن ذلك القول هو قول الله على لسان عبده فقوله تعالى الذي سمعه موسى أتم في الشرف من قوله تعالى على لسان قائل فوقع التفاضل بالمحل الذي سمع منه القول المعلوم أنه قول الله وكذلك أيضا رحمته من حيث ظهورها من مخلوق أدنى من رحمته بعبده في غير صورة مخلوق فتعين التفاضل والأفضلية بالمحال إلا إن رحمة الله بعبده في صورة المخلوق تكون عظيمة فإنه يرحم عن ذوق فيزيل برحمته ما يجده الراحم من الألم في نفسه من هذا المرحوم والحق ليس كذلك فرحمته خالصة لا يعود عليه منها إزالة ألم فهو خير الراحمين فرحمة المخلوق عن شفقة ورحمة الله مطلقة بخلاف بطشه وانتقامه مع شدته ولكن لا يبطش بطشا لا يكون فيه رحمة لأن قصارى الرحمة فيه إيجاده البطش بعبده فوجود البطش رحمة رحم الله بها المبطوش إذ أخرجه من العدم إلى الوجود ومن كان مخلوقا من صفة الرحمة فلا بد أن يكون في بطشه رحمة فجاء أبو يزيد في هذا المقام لما سمع القارئ يقرأ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ قال أبو يزيد بطشي أشد لأن بطش الإنسان إذا بطش لا يكون في بطشه شي‏ء من الرحمة لأنه لا يتمكن له أن يبطش بأحد وعنده رحمة به جملة واحدة فما يكون ذلك البطش إلا بحسب ما أعطاه محل الباطش وإن كان ذلك البطش خلقا لله ولكن ما خلقه إلا في هذا المحل فظهر بصورة المحل والمحل لا يطلب الانتقام من أحد وفي قلبه رحمة ثم إن الله إذا بطش بعبده ففي بطشه نوع رحمة لأنه عبده بلا شك كما إن المخلوق إذا أراد أن يبطش بعبده لا بد أن يشوب بطشه نوع رحمة للمناسبة التي بينه وبين عبده ومملوكه لأنه المبقي عليه اسم المالك والسيادة فلا يمكن أن يستقصي في بطشه ما يذهب عينه فيكون عند ذلك قد بطش بنفسه والمخلوق ليس كذلك في الأجنبي الذي ليس بينه وبين الباطش نسبة عبودية ولا اكتسب من وجوده صفة سيادة فإذا بطش من هذه صفته بطش ببطش لا تشوبه رحمة فهو سبحانه خَيْرُ الرَّاحِمِينَ وما جاء قط عنه تعالى أنه خير الآخذين ولا الباطشين ولا المنتقمين ولا المعذبين كما جاء خَيْرُ الْفاصِلِينَ وخَيْرُ الْغافِرِينَ وخَيْرُ الرَّاحِمِينَ وخير الشاكرين وأمثال هذا مع كونه يبطش وينتقم ويأخذ ويهلك ويعذب لا بطريق الأفضلية فتحقق هذا الفاصل بين وصفه بالأخذ والانتقام وبين وصفه بالرحمة والمغفرة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثالث والتسعون وثلاثمائة في معرفة منازلة من وقف عند ما رأى ما هنا له هلك»

الخلق تقدير وليس بكائن *** والمبدعات هي التي تتكون‏

الروح والكلمات شي‏ء واحد *** والحق فيه هو الذي يتعين‏

فالعالم النحرير ليس بثابت *** في حاله فمقامه يتلون‏

فلذاك أعطى كل شي‏ء خلقه *** وهذا كم لكلامه فتبينوا

لو لم يكن عين الكلام وجودنا *** لم نغتنمه فلم تلذ الأعين‏

بفنون أسماء الإله قلوبنا *** وتوجهات الحق بي تتفنن‏

فجميع ما جئنا به إن كنت ذا *** فهم وتحقيق به تتيقن‏

[أن الله تعالى سوى النشأة الإنسانية]

اعلم أيدنا الله وإياك أن الله تعالى لما سوى النشأة الإنسانية بل جميع ما أنشأه من أجسام العالم الطبيعية والعنصرية وعدلها على الترتيب الذي تقتضيه الحكمة في كل جسم وعدله وهياه لقبول ما يريد أن يهبه في نفخه فيه من الروح الإلهي نَفَخَ فِيهِ من رُوحِهِ فظهر فيه عند ذلك نفس مدبرة لذلك الهيكل وظهرت بصورة مزاج الهيكل فتفاضلت النفوس كما تفاضلت الأمزجة كما يضرب نور الشمس في الألوان المختلفة التي في الزجاج فتعطي أنوارا مختلفة الألوان من أحمر وأصفر وأزرق وغير ذلك بحسب لون الزجاج في رأى العين فلم يكن ذلك الاختلاف في النور الذي حدث فيه إلا من المحل ولا تعين في نفسه جزءا عن غيره إلا بالمحل فالمحل عينه والمحل غيره كذلك النفوس المدبرة للهياكل الطبيعية والعنصرية فللنفوس الأثر في الهياكل بحكم التدبير ولا تقبل من التدبير فيها من هذه النفوس إلا بقدر استعدادها وللهياكل أثر في النفوس بحسب أمزجتها في أصل ظهورها عند تعيينها فمنهم الذكي والبليد بحسب مزاج الهيكل فالأمر عجيب بينهما فكل واحد منهما مؤثر فيمن هو مؤثر فيه ثم إن الله أخذ بأكثر أبصار جنس الإنس والجان عن إدراك النفوس المدبرة الناطقة التي للمسمى جمادا ونباتا وحيوانا وكشف لبعض الناس عن ذلك والدليل السمعي على ما قلناه قول الله وإِنَّ مِنْها يعني من الحجارة لَما يَهْبِطُ من خَشْيَةِ الله فوصفها بالخشية وأما أمثالنا فلا يحتاج إلى خبر في ذلك فإن الله قد كشفها لنا عينا وأسمعنا تسبيحها ونطقها لله الحمد على ذلك وكذلك اندكاك الجبل لتجلى الرب له لو لا العظمة التي في نفس الجبل من ربه لما تدكدك لتجليه له فإن الذوات لا تؤثر في أمثالها وإنما يؤثر في الأشياء قدرها ومنزلتها في نفس المؤثر فيه فعلمه بقدر ذلك المتجلي أثر فيه ما أثر فيه ما ظهر له فإنا نرى الملك إذا دخل في صورة العامة ومشى في السوق بين الناس وهم لا يعرفون أنه الملك لم يقم له وزن في نفوسهم فإذا لقيه في تلك الحالة من يعرفه قامت بنفسه عظمته وقدره فأثر فيه علمه به فاحترمه وتأدب وسجد له فإذا رأى الناس الذين يعرفون قرب ذلك العالم من الملك وأن منزلته لا تعطي أن يظهر منه مثل هذا الفعل إلا مع الملك علموا أنه الملك فحادت إليه الأبصار وخشعت الأصوات وأوسعوا له وتبادر والرؤيته واحترامه فهل أثر ذلك عندهم إلا ما قام بهم من العلم به فما احترموه لصورته فقد كانت صورته مشهودة لهم وما علموا أنه الملك وكونه ملكا ليس عين صورته وإنما هي رتبة نسبية أعطته التحكم في العالم الذي تحت بيعته‏

ورد في الخبر الذي خرجه أبو نعيم الحافظ في دلائل النبوة في بعض إسراءات رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال جاءه جبريل عليه السلام ليلة ومعه شجرة فيها كوكرى الطائر فقعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الوكر الواحد وقعد جبريل عليه السلام في الوكر الآخر ثم إن الشجرة علت بهما حتى بلغا السماء فتدلى إليهما رفرف در وياقوت فأما محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فلم يعلم ما هو فلم يؤثر فيه وأما جبريل عليه السلام عند ما رآه غشى عليه فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فعلمت فضله علي في العلم‏

فإنه علم ما رأى فأثر فيه علمه بما رآه الغشي ولم يعلمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فلم ير له أثر فيه فلا يؤثر في الأشياء إلا ما قام بها وليس إلا العلم أ لا ترى شخصان يقرءان القرآن فيخشع أحدهما ويبكي والآخر ما عنده من ذلك كله خبر ولا يؤثر فيه هل ذلك إلا من أثر علمه القائم به لما تدل عليه تلك الآية وشهوده ما تضمنته من الأمر الذي أبكاه وخشع له والآخر أعمى عن تلك المعاني لا يجاوز القرآن حنجرته ولا أثر لتلاوته فيه فلم يكن الأثر لصورة لفظ الآية وإنما الأثر لما قام بنفس العالم بها المشاهد ما نزلت له تلك الآية فلا يؤثر فيك إلا ما قام بك من حيث ما تعلم وتشهد فلو لا علمه بالأمر ما هاله وإذا لم يرتحل ووقف عند ما رآه وقد هاله ذلك فبالضرورة يهلك أي يغيب عن صوابه وحسه ويدهش أو يغشى عليه أو يموت فرقا منه على قدر قوة



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!