The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منازلة مجهولة وذلك إذا ارتقى من غير تعيين قصد ما يقصده من الحق وكل شىء عند الحق معين فقد قصده من الحق ما لا يناسب قصده من عدم التعيين

أ لا تراهم يقولون في الكبرياء والعظمة والغني والعزة إنها صفات تنزيه أي هو منزه عندهم عن نقيضها وليس الأمر عند المحققين كما قالوه وإنما هو منزه عن قيام الكبرياء به بحيث أن يكون محلا له بل الكبرياء محله الذي عينه الحق له وهو السموات والأرض فقال ولَهُ الْكِبْرِياءُ في السَّماواتِ والْأَرْضِ وهو أي هوية الحق العزيز أي المنيع لذاته أن تكون محلا لما هي السموات والأرض له محل وليس إلا الكبرياء فما كبر إلا في نفس العالم وهو أجل من أن يقوم به أمر ليس هو بل هو الواحد من جميع الوجوه وهو الحكيم بما رتبه في الخلق ومن جملة ما رتبه بعلمه وحكمته إنه جعل السموات والأرض محلا لكبريائه فكأنه يقول ولَهُ الْكِبْرِياءُ الذي خلقه في نفس السَّماواتِ والْأَرْضِ حتى يكبروا إلههم به وكذلك وقع فكبروه في نفوسهم فقالوا إنه ذو الجلال أي صاحب الجلال الذي نجده في نفوسنا له والإكرام بنا فإن نظرت بعين الحقيقة ففتح الله منك عين الفهم علمت من سميت ومن وصفت ومن نعت ولمن هي هذه النعوت وبمن قامت وإلى أي عين نسبت وأما قوله فيما وصف به نفسه مما هو عند النظار صفة للخلق حقيقة وأخذوه في الله تجوزا من جوع وظمأ ومرض وغضب ورضي وسخط وتعجب وفرح وتبشبش إلى قدم ويد وعين وذراع وأمثال ذلك مما وردت به الأخبار عن الله على السنة الرسل وما ورد من ذلك في الكلام المنسوب إلى الله المعبر عنه بصحيفة وقرآن وفرقان وتوراة وإنجيل وزبور فالأمر عند المحققين أن هذه كلها صفات حق لا صفات خلق وأن الخلق اتصف بها مزاحمة للحق كما اتصف العالم أيضا بجميع الأسماء الإلهية الحسنى وأجمع النظار عليها والكل أسماؤه من غير تخصيص هذا مذهب المحققين فيه فإنه صادق ولهذا نحن في ذلك على التوقيف فلا نصفه إلا بما وصف به نفسه ولا نسميه إلا بما سمي به نفسه لا نخترع له اسما ولا نحدث له حكما ولا نقيم به صفة فإنه قد قدمنا لك أنه لا يماثلنا ولا نماثله ف لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ منا وليس كمثلنا شي‏ء منه فهو لنفسه بنفسه ونحن لنا به لأنا لا نستقل بوجودنا كما استقل هو إلا أنه خلق العالم على صورته ولذلك قبل التسمي بأسمائه فانطلق على العالم ما انطلق على الحق من حيث ما أطلقه الحق على نفسه فعلمنا أنه في أسمائه الأصل لا نحن فما أخذ شيئا هو لنا ولا نستحقه بل كل ذلك له ومن جملة ما خلق الله الخيال وظهر لنا فيه بهذه الأسماء والصفات ففصلنا وقسمنا ورفعنا وخططنا ولم يترك شيئا من صفات العالم عندنا إلا وصفنا بها خالقنا فكشف لنا فإذا ذلك كله صفاته لا صفاتنا فصفات العالم على الحقيقة هوية الحق والاختلاف في التجليات الإلهية لحقائق الممكنات في عين الحق فإنه عين الصورة التي أدركناها إذ لا نشك فيما رأينا إنا رأينا الحق بالعلامة التي بيننا وبينه وهو من هويته بصرنا وسمعنا فما رأيناه إلا به لا ببصرنا ولا سمعنا كلامه إلا به لا بسمعنا فلا بد من عين هو مسمى العالم ولا بد من عين هو مسمى الحق ليس كمثل واحد شي‏ء من الآخر فهذا بعض ما يحوي عليه التواضع الكبريائي والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيل‏

«الباب الثامن والثمانون وثلاثمائة في معرفة منازلة مجهولة

وذلك إذا ارتقى من غير تعيين قصد ما يقصده من الحق وكل شي‏ء عند الحق معين فقد قصده من الحق ما لا يناسب قصده من عدم التعيين»

نكون على النقيض إذا اجتمعنا *** وإن بنا تكون على السواء

وفي التحقيق ما في الكون عين *** بلا شك سواه ولا مراء

فقل للمنكرين صحيح قولي *** عميتم عن مطالعة العماء

وعن نفس تكون فيه خلق *** كثير شكله شكل المرائي‏

فيقلب صورة الرائي إليه *** بحكم ثابت في كل رائي‏

[الزيادة عبارة عن ما لم يخطر بالبال‏]

قال الله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏ وزِيادَةٌ فعين لمعين وزاد غير غير معين سألت بعض شيوخنا عن الزيادة فقال ما لم يخطر بالبال وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

فلا بد أن يكون غير معلوم للبشر ولا بد أن يكون في البشر صفة غير معلومة ولا معينة منها يحصل له هذا الذي ذكر أنه ما خطر على قلب بشر موازنة مجهول لمجهول وقال تعالى فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ فنكر ونفى العلم ما أُخْفِيَ لَهُمْ من قُرَّةِ أَعْيُنٍ فعلمنا على الإجمال أنه‏

أمر مشاهد لكونه قرنه بالأعين لم يقرنه بالأذن ولا بشي‏ء من الإدراكات ولذلك علمنا أن‏

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم جعلت قرة عيني في الصلاة

إنه ما أراد المناجاة وإنما أراد شهود من ناجاه فيها ولهذا

أخبرنا أن الله في قبلة المصلي فقال اعبد الله كأنك تراه‏

فإنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان يراه في عبادته ما كان كأنه يراه ومن أهل الله من تكون له هذه الرتبة ولو لا حصولها ما قرنها بالعبادة دون العمل فما قال اعمل لله كأنك تراه فإن العبادة من غير شهود صريح أو تخيل شهود صحيح لا تصح وفي هذا الباب قوله تعالى وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله وفيه علم مفاتح الغيب لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وكل ما هو علمه موقوف على الله لا يعلم إلا بإعلام الله أو بإشهاده ومن هذا الباب قوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله ومن هذا الباب فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ من غير تعيين أيام معينة أما صورة هذه المنازلة من العبد فهي كما قال أبو يزيد في الجلوس مع الله بلا حال ولا نعت وهو أن يكون العبد في قصده على ما يعلمه الله لا يعين على الله شيئا فإنه من عين في قصده على الله شيئا فلا فرق بينه في الصورة وبين من عبد الله على حرف فصاحب هذه المنازلة يعبد ربه بتعيين الأوقات لا بتعيينه فهو في حكم وقته والوقت من الله لا منه فلا يدري بما ذا يفجأه وقته فغايته أن يكون مهيا لوارد مجهول إلهي يقيمه في أي عبادة شاء فتنتج له تلك العبادة من الحق في منازلته ما لا يناسب ذلك العمل في علمه إلا أنه مناسب لعبادته في ذلك العمل فهو زيادة بالنظر إلى العمل نتيجة بالنظر إلى العبادة فيه وهذا مقام ما وجدنا له ذائقا في علمنا من أهل الله لأن أكثرهم لا يفرقون بين العبادة والعمل وكل عمل لا يظهر له الشارع تعليلا من جهته فهو تعبد فتكون العبادة في كل عمل غير معلل أظهر منها في العمل المعلل فإن العمل إذا علل ربما أقامت العبد إليه حكمة تلك العلة وإذا لم يعلل لا يقيمه إلى ذلك العمل إلا العبادة المحضة

[العبادة حال ذاتي للإنسان‏]

واعلم أن العبادة حال ذاتي للإنسان لا يصح أن يكون لها أجر مخلوق لأنها ليست بمخلوقة أصلا فالأعيان من كل ما سوى الله مخلوقة موجودة حادثة والعبادة فيها ليست بمخلوقة فإنها لهذه الأعيان أعني أعيان العالم في حال عدمه وفي حال وجوده وبها صح له أن يقبل أمر الله بالتكوين من غير تثبط بل أخبر الله تعالى أنه يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فحكم العبادة للممكن في حال عدمه أمكن فيه منها في حال وجوده إذ لا بد له في حال وجوده واستحكام رأيه ونظره لنفسه واستقلاله من دعوى في سيادة بوجه ما ولو كان ما كان فينقص له من حكم عبادته بقدر ما ادعاه من السيادة فلذلك قلنا إن حكم العبادة للممكن أمكن منه في حال عدمه منها في حال وجوده فمن استصحبته فقد استصحبه الشهود دنيا وآخرة ونعته إذا كانت هذه حالته أنه لا يفرح بشي‏ء ولا يحزن لشي‏ء ولا يضحك ولا يبكي ولا يقيده وصف ولا يميزه نعت وجودي فلا رسم له ولا وصف قال أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه في هذا المقام ضحكت زمانا وبكيت زمانا وأنا اليوم لا أضحك ولا أبكي وقال في هذا المقام لما قيل له كيف أصبحت فقال لا صباح لي ولا مساء إنما الصباح والمساء لمن تقيد بالصفة وأنا لا صفة لي فوصف نفسه بالإطلاق ولا يصح الإطلاق إلا في العبادة خاصة لأن العبد مقيد بإرادة السيد الذي يملكه فيه ومن كان له الإطلاق فلا يتقيد أجره ولا يتعين لأن العبد لا أجر له ما هو مثل الأجير وقد كان لشيخنا أبي العباس العريني من العليا من غرب الأندلس وهو أول شيخ خدمته وانتفعت به له قدم راسخة في هذا الباب باب العبودية وإنما صاحبها العبد في شأنه كما إن الحق في شأنه فجزاء الإطلاق الإطلاق‏

سأل جبريل رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن الإحسان فقال إن تعبد الله كأنك تراه‏

وما ذكر العمل وإنما ذكر العبادة وقال الله تعالى هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ فهو قولنا ما جزاء الإطلاق إلا الإطلاق والأجور مقيدة من عشر إلى سبعمائة ضعف لأنها أجور أعمال معينة متناهية الزمان فلا بد أن يتقيد أجرها بالعدد ولو كان جزافا فإنه مقيد بالعدد عند الله كالصابر يوفى أجره بغير حساب معين علمه عندنا وعند الله مقيد بقدر معلوم لأن الصبر يعم جميع الأعمال لأنه حبس النفس على الأعمال المشروعة فلهذا لم يأخذه المقدار والأعمال تأخذها لمقادير فعلى قدر ما يقام فيه المكلف من الأعمال إلى حين موته فهو يحبس نفسه عليها حتى يصح له حال الصبر واسم الصابر فيكون أجره غير معلوم ولا مقدر عنده جملة واحدة وإن كان معلوما عند الله كالمجازفة في البيع من غير كيل في المكيل ولا وزن في الموزون وفارق الصبر العبادة بأن العبادة له في حال عدمه وعدم تكليفه والصبر لا يكون له في حال عدمه ولا في حال عدم تكليفه فالعبادة لا تبرح معه دنيا

ولا آخرة فإذا كان مشهده عبادته في حال ارتقاؤه ونزل الحق إليه كما وصف الحق نفسه بالنزول فوقع الاجتماع وهو المنازلة فمن حيث إن العبد ذو عمل من الأعمال لأنه لا بد أن يكون في عمل مشروع صالح وهو الذي يصعد به فإنه براقه لأنه محمول فيتلقاه من الله من حيث ذلك العمل بالبر الذي عينه الله لمن جاء به وهو مقدر معلوم ثم أن الحق ينظر في هذا المكلف فيراه مع كونه في عمله غير مشهود له ذلك العمل لعلمه أن الله هو العامل به لا هو وأنه محل لخلق العمل به وكالآلة لوجود ذلك العمل فيكون الحق يعطي استحقاق ذلك العمل من حيث ما وعد به فيه وينظر ما مشهد ذلك الشخص فيجده في عبادته التي لم يزل عليها في حال عدمه فما ثم جزاء في مقابلتها إلا أن لا يرزقها الغفلة عنها في زمان خلق الغفلات في المكلفين ما ثم إلا هذا وهو الذي قلنا في الممكن في حال وجوده أنه لا بد من حكم سيادة تظهر منه لأنه في زمان حكم الغفلات فالعناية بهذا العبد في هذه المنازلة رفع الغفلة عن العبادة في كل حال فهذه هي الزيادة في قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏ وزِيادَةٌ للذين أحسنوا بالأعمال الحسنى بما لهم من الأجور بل بما للأعمال من الأجور فإنها بعينها للعامل وزيادة هي ما ذكرناه في حق صاحب العبادة فإنه لا يرزقه الغفلة في وقت العمل عمن هو العامل فيرى أن العامل هو الله وليس يعود الأجر الذي يطلبه العمل إلا على العامل فالعامل عنده هو الله فأجرته لو كان ممن يقبل الأجور على قدره فيحصل للمكلف الذي هو الآلة القابلة للاجور أجر من لو قبل الله الأجير كيف يكون أجره هل يكون إلا على قدره وإن قيده العمل فأين أجر هذا المكلف بهذا الشهود من أجر من يرى في عمله إن المكلف هو العامل لا الحق فيكون أجره على قدر هذا المكلف فلا يحصل له سوى أجر العمل خاصة إلا على قدر أجر العامل لأن العامل عنده عينه ولا قدر له ولو لا ظهوره واتصافه بطاعة ربه في عمله لم يكن له قدر من نفسه ولهذا ترى مال المخالف إلى ما يكون فلو كان له قدر في نفس الأمر لسعد بحكم قدره وإنما يسعد برحمة الله ولم تتفاضل سعادتهم لو كان لهم قدر يستحقون به السعادة ولا نشك أنهم في السعادة متفاضلون كما أنهم في الأعمال متفاضلون من حال وزمان ومكان وعين عمل ودوام واجتماع وانفراد إلى غير ذلك فيما يقع به التفاضل فعلمنا أنه ما ثم جزاء القدر فعلمنا إن الإنسان من حيث عينه لا قدر له لا بطاعة ربه وقدر عمله ثم إن الحق بعد هذا النظر وتعيين الجزاء كما قررناه ينظر في شهود هذا المكلف فيراه ذا عبادة والعمل تابع لها فيه وهو لا يتصف بالإعراض عن الأعمال ولا بالإقبال عليه وأنه على الحال الذي كان عليه في حال عدمه لم يتغير فيبقيه على حاله ويحجب الغفلة عنه فلا يكون له أثر فيه بوجه من الوجوه وهذه هي العصمة العامة فإذا وقعت منه مخالفة فإنما تقع بحكم القضاء والقدر من تكوينهما فيه كما وقعت الطاعة فما ينقص له من حاله في عبادته لأن الغفلة محجوبة عنه والحضور له دائم فإذا وقع منه ما وقع فهو من الله عين تكوين لذلك الواقع في هذا المحل ظاهره صورة معصية لحكم خطاب الشرع وهي في نفس الأمر أعني تلك الواقعة موجود أوجده الله في هذا المحل من الموجودات المسبحة بحمده فلا أثر لهذه المخالفة فيه كما لا أثر للطاعة فيه فتسعد النفس الحيوانية بذلك العمل كان العمل ما كان في الظاهر مما يجري عليه لسان ذنب أو لسان خير فإنه في نفس الأمر ليس بذنب وإنما حركته الحيوانية كحركات غير المكلف لا تتصف بالطاعة ولا بالمعصية وإنما ذلك إنشاء صور في هذا المحل ينظر إليها علماء الرسوم قد ظهرت من مؤمن عاقل بالغ فيحكمون عليه بحسب ما هي عندهم في حكم الشرع من طاعة أو معصية ما يلزمهم غير هذا ما لم يدخل لهم الاحتمال فيه فإن دخل لهم الاحتمال في ذلك لم يجز لهم أن يرجحوا جانب لسان الذنب على غير ذلك كرجل أبصرته في بلدة صحيحا سويا في رمضان يأكل نهارا مع معرفتك به أنه مؤمن فيدخل الاحتمال فيه أن يكون به مرض لا

تعرفه أو يكون في حال سفر ولا تعرف ذلك فليس لك أن تقدم على الإنكار عليه مع هذا الاحتمال ولا يلزمك سؤاله عن ذلك بل شغلك بنفسك أولى بك وأما

قوله في هذا الباب صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

[وجه تسمية الجنة]

فاعلم أنه ما سميت الجنة جنة إلا لما نذكره وكذلك تسمية الملائكة جنة وكذلك الجن فكل ذلك راجع إلى الاستتار والاستتار ما هو على نمط واحد بل حكمه مختلف وذلك أن من هذا النوع كون الحق يتجلى في القيامة ويقول أنا ربكم ويرونه ومع هذا ينكرونه ولا يصدقون به أنه ربهم مع وجود الرؤية على رفع الحجاب فإذا

تحول لهم في العلامة التي يعرفونه بها يقولون له أنت ربنا وهو كان الذي أنكروه وتعوذوا منه وهو الذي أقروا به واعترفوا فما هو هذا الحجاب الذي حصل لهم مع الشهود هل هو أمر وجودي أو حكم عدمي فهو مشهود محجوب ولا حجاب وجودي ولا حكم للعدم في الموجود فانظر ما أخفى هذا وليس في العالم في الدنيا واقع إلا هذا في جميع الأمور والناس في غفلة عنه كما أنا نؤمن أن الملك معنا والشيطان معنا والحجب المحسوسة ما هي موجودة عندنا وأعيننا ناظرة ومع هذا فلا ندرك الملك ولا الجان وهو يرانا وقبيله من حيث لا نراه فهو وقبيله يرانا شهودا عينيا ونحن نراه إيمانا لا عينا فما هو هذا الستر الذي بيننا إذ لو كان بيننا لحجبهم عنا كما يحجبنا عنهم فلا بد من تعيين حكمة في ذلك وكذلك الحجب التي ذكر الله عن نفسه التي بيننا وبينه من نور وظلمة فمن الظلمة وقع التنزيه فنفينا عنه صفات المحدثات فلم نره فنحن جعلنا الحجب على أعيننا بهذا النظر والنور كظهوره لنا حتى نشهده وننكر أنه هو كما قدمنا في التجلي في القيامة وهو عند العارفين اليوم في الدنيا على هذا الحكم فيشهده العارفون في صور الممكنات المحدثات الوجود وينكره المحجوبون من علماء الرسوم ولهذا يسمى بالظاهر في حق هؤلاء العارفين والباطن في حق هؤلاء المحجوبين وليس إلا هو سبحانه وتعالى فأهل الله الذين هم أهله لم يزالوا ولا يزالون دنيا وآخرة في مشاهدة عينية دائمة وإن اختلفت في الصور فلا يقدح ذلك عندهم فإن قال قائل فموسى أحق بهذا الصفة من الولي وقد سأل الرؤية قلنا له قد ثبت عندك إن كنت مؤمنا وإن لم تكن من أهل الكشف‏

إن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد أخبر أن الله يتجلى في صورة ويتحول إلى صورة وأنه يعرف وينكر

إن كنت مؤمنا لا تشك في هذا وأنه قد بين أن التجلي في الصور بحسب قدر المتجلي له فإذا علمت هذا تعلم أن موسى قد رأى الحق بما هو متجل للأولياء إذ علم أنه يتجلى للأولياء في صور مختلفة لأن موسى ولي الله وقد علم ذلك ومثل هذا فلا يخفى وإنما سأل التجلي في الصورة التي لا يدركها إلا الأنبياء ومن الأنبياء من خصه الله بمقام لم ينله غيره كالكلام بارتفاع الوسائط لموسى عليه السلام فطلب موسى عليه السلام من ربه أن يراه في تلك الصورة التي يطلبها مقامه وأما رؤيته إياه في الصورة التي يراها الأولياء فذلك خبره وديدنه وما جعلك تقول مثل هذا على طريق الاعتراض إلا لكونك لست بولي عارف إذ لو كنت من العارفين لشهدته ولم يغب عنك علم ما انفصلنا به في جواب سؤالك فصح قوله إن في الجنة ما لا عين رأت أي في الستر اعتبارا لا تفسيرا إذ لو رأته عين ما كان مستورا ولو رأته لنطقت به وكان مسموعا ولو كان مسموعا لكان محدودا ولو كان محدودا لأخطرته فكان معلوما فهو أمر حجبنا عنه بحجاب لا يعرف فإنه في الستر المعبر عنه بالجنة فإذا كان عينه عين الستر فما حجبنا إلا جعلنا ما رأيناه سترا فتعلقت الهمة بما خلف الستر وهو المستور فأتى علينا منا وما جعلنا في ذلك إلا التنزيه ولهذا جاءت الأنبياء عليه السلام مع التنزيه بنعوت التشبيه لتقرب الأمر على الناس وتنبيه الأقربين إلى الله الذين هم في عين القرب مع الحجاب الذي هو الأمر عليه فيكون في ذلك التنبيه بالتشبيه رفع الأغطية عن البصر فيتصف البصر بأنه حديد كما يتصف بصر المحتضر قال تعالى فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ فيرى المحتضر ما لا يراه جلساؤه ويخبر جلساءه ما يراه ويدركه ويخبر عن صدق والحاضرون لا يرون شيئا كما لا يرون الملائكة ولا الروحانيين الذين هم معه في مجلس واحد وقد أخبرنا الله بأن الملائكة تحضر مجالس الذكر وهم السياحون في طلب هذه المجالس فإذا رأوا مجلس الذكر نادى بعضهم بعضا هلموا إلى بغيتكم وليس أحد من البشر من أهل ذلك المجلس يدركهم إلا من رفع الله الغطاء عن بصره فأدركهم وهم أهل الكشف أ لم تستمع‏

لقول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم اللذين يمشون خلف الجنائز ركابا أ لا تستحيون أن الملائكة تمشي على أقدامها في الجنازة وأنتم تركبون‏

فالمؤمن ينبغي أن يعامل المواطن بما يعامله به صاحب العيان وإلا فليس بمؤمن حقا فإن لكل حق حقيقة وليست الحقيقة التي لكل حق إلا إنزاله منزلة المشهود المدرك للبصر وقد قال هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم للرجل الذي سمعه يقول أنا مؤمن حقا فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك فقال الرجل كأني أنظر إلى عرش ربي بارزا يعني يوم القيامة فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عرفت فالزم‏

ففسر الحقيقة بالنظر والرؤية وجعله بكان لأن يوم القيامة

ما وقع حسا ولكن وقع في حقه ممثلا فأدركه في التمثيل كالواقع في الحس كالعابد الذي قال له اعبد الله كأنك تراه فما هذا مثل العرش البارز فإن الله هنا موجود في نفس الأمر في قبلة المصلي أو العابد في أي عمل كان وبروز العرش ليس كذلك فمن الناس من يعبد الله كأنه يراه للحجاب الذي منعه من أن يراه ومن الناس من يعبده على رؤية ومشاهدة وليس بين الذي يراه والذي لا يراه إلا كون هذا الذي لا يراه لا يعرفه مع أنه مشهود له عز وجل والعارف يعرفه ولكن مثل هذه المعرفة لا ينبغي أن تقال فإنها لا تقبل فإذا شهدها الإنسان من نفسه لم يتمكن له أن يجهلها فيكون عند ذلك من الذين يرون الله في عبادتهم ويزول عنهم حكم كأنك تراه فاعلم ذلك وأما قوله تعالى فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ يعني للقوم الذين تقدم وصفهم جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فما هو جزاؤهم هنا إلا إخفاؤهم ذلك عن هذه النفس التي لا تعلم فيكون إخفاء حال هؤلاء وما لهم عند الله عن هذه النفوس التي لا تعلم جزاء لهم أي جزاؤهم أن يجهل مقامهم عند الله فلا تقدر نفس قدرهم كما قال الحق عن نفسه وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ فأعطاهم نعته في خلقه فلم تعلم نفس ما أخفي لهؤلاء من قرة أعين مما تقر به أعينهم وكذلك‏

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وجعلت قرة عيني في الصلاة

وإنما ذكر الأعين دون جميع الإدراكات لأن كل كلام إلهي وغير إلهي لا بد أن يكون عينه عن عين موجودة وما ثم إلا كلام فما ثم إلا أعيان توجد ومتعلق الرؤية إدراك عين المرئي واستعداد المرئي للرؤية سواء كان معدوما أو موجودا فإذا رآه قرت عينه بما رآه إذ كان غيره لا يرى ذلك ولهذا سئل موسى الرؤية لتقر عينه بما يراه فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في حال صلاته صاحب رؤية وشهود ولذلك كانت الصلاة محل قرة عينه لأنه مناج والأعيان كما قلنا تتكون بالكلام فهو والحق في أثناء صور ما دام مناجيا في صلاته فيرى ما يتكون عن تلاوته وما يتكون عن قول الله له في مقابلة ما تكلم به كما ورد في الخبر الذي فيه تقسيم الصلاة من قول العبد فيقول الله وأما قوله في هذا الباب وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله فإن مال الشي‏ء لا يصح أن يكون واقعا فيرى إلا إن مثل للرائي فهو كأنه يراه فإن المال يقابل الحال فالحال موجود والمال ليس بموجود ولهذا سمي مالا والتأويل هو ما يؤول إليه حكم هذا المتشابه فهو محكم غير متشابه عند من يعلم تأويله وليس إلا الله والراسخ في العلم يقول آمَنَّا به كُلٌّ من عِنْدِ رَبِّنا يعني متشابهه ومحكمه فإذا أشهده الله ما له فهو عنده محكم وزال عنه في حق هذا العالم التشابه فهو عنده كما هو عند الله من ذلك الوجه وهو عنده أيضا متشابه لصلاحيته إلى الطرفين من غير تخليص كما هو في نفس الأمر بحكم الوضع المصطلح عليه فهو وإن عرف تأويله فلم يزل عن حكمه متشابها فغاية علم العالم الذي أعلمه الله بما يؤول إليه علمه بالوجه الواحد لا بالوجهين فهو على الحقيقة ما زال عن كونه متشابها لأن الوجه الآخر يطلبه بما يدل عليه ويتضمنه كما طلبه الوجه الذي اعلم الله به هذا الشخص فعلم الله على الحقيقة به أن يعلم تأويله أي ما يؤول إليه من الجانبين في حق كل واحد أو الجوانب إن كانوا كثيرين فيعلمه متشابها لأنه كذا هو إذ كل جانب يطلبه بنصيبه ودلالته منه فالمحكم محكم لا يزول والمتشابه متشابه لا يزول وإنما قلنا ذلك لئلا يتخيل أن علم العالم بما يؤول إليه ذلك اللفظ في حق كل من له فيه حكم إنه يخرجه عن كونه متشابها ليس الأمر كذلك بل هو متشابه على أصله مع العلم بما يؤول إليه في حق كل من له نصيب فيه فهذه الإحاطة مجهولة ولا تعلم إلا في هذه المنازلة فيعطي من هذا المتشابه كل ذي حق حقه كما أعطى الله كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ من الشبه والاشتراك وأما مفاتح الغيب ف لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وهو من هذا الباب فلا تعلم إلا بإعلام الله وإن كانت تعلم فلا تعلم أنها مفاتح الغيب فتنبه لهذا

[الاستعدادات من القوابل هي مفاتح الغيب‏]

واعلم أن الإعلام أظهر لنا أن الاستعدادات من القوابل هي مفاتح الغيب لأنه ما ثم إلا وهب مطلق عام وفيض جود ما ثم غيب في نفس الأمر ولا شهود بل معلومات لا نهاية لها ومنها ما لها وجود ومنها ما لا وجود لها ومنها ما لها سببية ومنها ما لا سببية لهما ومنها ما لها قبول الوجود ومنها ما لا قبول لها فثم مفتاح وفتح ومفتوح يظهر عند فتحه ما كان هذا المفتوح حجابا عنه فالمفتاح استعدادك للتعلم وقبول العلم والفتح التعليم والمفتوح الباب الذي كنت واقفا معه فإذا لم تقف وسرت رأيت في كل قدم ما لم تره فعلمت ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما فالاستعداد غير مكتسب بل هو منحة إلهية فلهذا لا يعلمه إلا الله فيعلم إن ثم مفاتح غيب لكن لا يعلم ما هو مفتاح غيب خاص في مفرد مفرد من الغيوب فإذا حصل الاستعداد من الله تعالى حصل المفتاح وبقي الفتح حتى يقع‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!