The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منازلة حبل الوريد وأينية المعية

ليس فيه منع قلنا صدقت قال فإذا كنت صادقا وسلمت لي قولي فما حكم الاسم الإلهي المانع وهذا المنع الواقع في العالم لما ذا يرجع فإننا لا ننكره قلنا أما الجود الإلهي فلا منع فيه ولكن لا يقبله إلا الممكن لا يقبله المحال فإذا عرفت القابل عرفت المانع والمنع فالقوابل تقبل من هذا الجود المطلق بحسب استعداداتها كالشقة والقصار في فيض الشمس نورها فتبيض الشقة وتسود وجه القصار إن كان أبيض فيقول لهما الحكيم النور واحد ولكن مزاج القصار لا يقبل من نور الشمس إلا السواد والشقة على مزاج يقبل البياض فمزاجك منعك من قبول البياض ويقال للشقة مزاجك منعك من قبول السواد فلكل واحد من المذكورين أن يقول فالمسألة بحالها لم لم تعطني المزاج الذي يقبل السواد والقصار يقول لم لم تعطني المزاج الذي يقبل البياض قلنا لا بد في العالم من شقة وقصار فلا بد من مزاج يقبل البياض ومزاج يقبل السواد فلا بد منكما كنتما ما كنتما فإن العالم لا بد فيه من كل شي‏ء فلا بد أن يكون فيه كل مزاج والحق تعالى ما هو فعله مع الأغراض التي أوجدها في عباده وإنما هو مع ما تطلبه الحكمة والذي اقتضته الحكمة هو الواقع في العالم فعين ظهوره هو عين الحكمة فإنه فعل الله لا يعلل بالحكمة بل هو عين الحكمة فإنه لو علل بالحكمة لكانت الحكمة هي الموجبة له ذلك فيكون الحق محكوما عليه والحق تعالى لا يكون محكوما عليه فلا يوجب موجب عليه شيئا إلا ما ذكر لنا أنه أوجب على نفسه لا أنه أوجب عليه موجب غيره أمرا ما فأي محل فرضته لمزاج خاص يتصور أن يقول قد منعني غير هذا المزاج وهذا غلط لأن عين المزاج هو عين ما ظهر لا غيره ولا يصح أن يقول الشي‏ء عن نفسه لم لم يكن غيري كما قدمنا في الباب الذي قبل هذا الباب أن التركيب ليس إلا البسائط فالتركيب نسبة والنسب عدمية وقد ظهر أمر لم يكن يظهر لو لا تركيب هذه البسائط وجمعها وما هو هذا الظاهر غير أعيان البسائط وكذلك هذا الظاهر عن هذا المزاج ما هو غير المزاج فما ثم على الحقيقة من يقول لأي شي‏ء منعت وإذا لم يكن ثم لم يصح المنع في الجود الإلهي فبقي المنع والمانع إنما يرجعان إلى نسب مقدرة وما كان أحد أظهره الله على هذا العلم وأمثاله وتنزلت ألسنة الشرائع بحسب ما وقع عليه التواطؤ في ألسنة العالم ولذلك قال تعالى وما أَرْسَلْنا من رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ فلا ينزل إلا بما تواطئوا عليه فقد يكون التواطؤ على صورة ما هي الحقائق عليه وقد لا يكون والحق تابع لهم في ذلك كله ليفهم عنه ما أنزله في أحكامه وما وعد به وأوعد عليه كما قد دل الدليل العقلي على استحالة حصر الحق في أينية ومع هذا جاء لسان الشرع بالأينية في حق الحق من أجل التواطؤ الذي عليه لسان المرسل إليهم فقال للسوداء أين الله فلو قالها غير الرسول لشهد الدليل العقلي بجهل القائل فإنه لا أينية له فلما قالها الرسول وبانت حكمته وعلمه علمنا أنه ليس في قوة فهم هذا المخاطب أن يعقل موجدة إلا بما تصوره في نفسه فلو خاطبه بغير ما تواطأ عليه وتصوره في نفسه لارتفعت الفائدة المطلوبة ولم يحصل القبول فمن حكمته أن سأل مثل هذه بمثل هذا السؤال وبهذه العبارة ولذلك لما أشارت إلى السماء قال فيها إنها مؤمنة أي مصدقة بوجود الله ولم يقل عالمة فالعالم يصحب الجاهل في جهله بعلمه والجاهل لا يقدر على صحبة العالم على علمه إن لم يكن العالم ينزل إليه في صورة جهله وكل ذلك حكمة إلهية في العالم‏

[المهانة حقيقة العالم‏]

واعلم أن المهانة حقيقة العالم التي هو عليها لأنه بالذات ممكن فقير فهو ممنوع من جميع نيل أغراضه وإراداته منعا ذاتيا ولا يحجبنك وقوع بعض مراداته ونيل بعض أغراضه عما قلناه في حقه فإن ذلك ما وقع له إلا بإرادة الحق لا بإرادته فذلك المراد وإرادة العبد معا إنما هما واقعان بإرادة الحق فهو ممتنع بالذات أن يكون شي‏ء في الوجود موجودا عن إرادة العبد ولو كان لإرادة العبد نفوذ في أمر خاص لعم نفوذها في كل شي‏ء لو كان ذلك المراد وقع لعين إرادة الممكن فتعين إن ذلك الواقع وقع بإرادة الله عز وجل فالعالم ممنوع لذاته كما هو ممكن مهان لذاته وإنما كان مهانا لذاته لأن العبودية له لذاته وهي الذلة وكل ذليل مهين وكل مهين محتقر وكل محتقر مغلوب فصح ما جاء في المنازلة من أنه من حقر غلب ومن استهين منع والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب السادس والثمانون وثلاثمائة في معرفة منازلة حبل الوريد وأينية المعية»

أنا مع العبد حيث كانا *** مستقبلا ماضيا وأنا

مقيدا مطلقا نزيها *** مقدسا عامرا مكانا

من قال شوقا تريد عيني *** بأن ترانا فقد جفانا

أين أنا منك يا جفونا *** لم تلحظ الفعل والزمانا

كيف لها أن ترى جلالي *** وقد رأى الصعق من رآنا

قال الله عز وجل ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ وقال وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ فكان بهويته معنا وبأسمائه أقرب إلينا منا فإن الحق إذا جمع نفسه مع أحديته فلأسمائه من حيث ما تدل عليه من الحقائق المختلفة وما مدلولها سواه فإنها ومدلولاتها عينه وأسماؤه فلا بد أن تكون الكناية عن ذلك في عالم الألفاظ والكلمات بلفظ الجمع مثل نحن وإنا بكسر الهمزة وتشديد النون مثل قوله إنا كل شي‏ء خلقناه بقدر وإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وقد تفرد إذا أراد هويته لا أسماءه مثل قوله إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فوحد وأين نحن ما أنا ولا معنى لمن قال إن ذلك كناية عن العظمة لا بل هي عن الكثرة وما ثم كثرة إلا ما تدل عليه منه أسماؤه الحسنى أو تكون عينه أعيان الموجودات وتختلف الصور لاختلاف حقائق الممكنات المركبات إذ قد قال عن هويته إنها جميع قوى الصور أي إذا أحب الشخص من عباده كشف له عنه به فعلم أنه هو فرآه به مع ثبوت عين الممكن وإضافة القوة التي هي عينه تعالى إلى العبد

فقال كنت سمعه‏

فالضمير في قوله كنت سمعه عين العبد والسمع عين الحق ولا يكون العبد عبدا إلا بسمعه وإلا فمن يقول إذا نودي سَمِعْنا وأَطَعْنا إلا المأمور عند تكوينه وفي تصرفاته فلو لا أنه سميع ما قيل له كن ولا يكون لو لا طاعته لربه في أمره إياه والحق سمعه ليس غيره في كل حال فكشف له سبحانه عن ذلك وإذا كان الأمر على ما ذكره عن نفسه وأعطاه الشهود والكشف صح الجمع في لفظة إنا ونحن وإذا لم يكن عين القوي والموجودات إلا هو صح الإفراد في إِنَّنِي أَنَا الله والهو والأنت وضمير المفرد بالخطاب بالكاف في إِيَّاكَ نَعْبُدُ وأمثال ذلك فأفرد نفسه في جمعيتنا فقال وهُوَ مَعَكُمْ وجمع نفسه في أحديتنا في قوله ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ فأفرد الضمير العائد على الإنسان فلم يكن الجمع إلا بنا ولا الواحد العين إلا به فأينما كان الخلق فالحق يصحبه من حيث اسمه الرحمن لأن الرحم شجنة منه وجميع الناس رحم فإنهم أبناء أب واحد وأم واحدة فإنه خلقنا من نَفْسٍ واحِدَةٍ وهو آدم وبث من آدم وحواء رِجالًا كَثِيراً ونِساءً فنحن أرحام من حيث إن الرحم شجنة من الرحمن فصحت القرابة وقد أمر بصلة الأرحام فقال تعالى وأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ في كِتابِ الله وأمر بأن نوصل الأرحام وهو أولى بهذا الوصف منا فلا بد أن يكون للرحم وصولا فإنها شجنة من الرحمن وقد لعن الله واللعنة البعد من انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه أي لا ينتسب إلى غير رحمه فنحن من حيث الرحم قرابة قربى ومن حيث الرتبة عبيد فلا ننتسب إلا إليه ولا ننتمي لسواه وقد

قال تعالى في الصحيح عنه اليوم أضع نسبكم‏

لأنه عارض عرض لنا ما هو أصل لأنا نفترق ولا نجتمع وقد لا يعرف بعضنا بعضا فنسبنا الذي بيننا ما هو أصل إذ لو كان أصلا ما قبل العوارض ولا صح النكران‏

ثم قال وأرفع نسبي‏

فإنا ما زلنا عنه قط ولا افترقنا منه ولا فارقنا ولا زال عنا وكيف نزول عمن نحن في قبضته ومن هو معنا أينما كنا وعلى أي حالة وصفنا من وجود وعدم ثم قال أين المتقون فقمنا إليه بأجمعنا لأنه ما منا إلا من اتخذه وقاية في دفع الشدائد عن نفسه وهو قوله وإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ في الْبَحْرِ ضَلَّ من تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ وما منا إلا من كان الحق له وقاية في دفع ما يقال

عنه فيه إنه سوء فيكون كالمجن له تتعاور علينا سهام إلا سواء فيضاف كل مكروه إلينا فداء له فصح أن الناس كلهم متقون لكن ثم تقوى خصوص وتقوى عموم ميزتها الشرائع ونبهت عليها فمن علم ما قلناه حمل التقوى حملا عاما على جميع الخلق ومن وقف مع النقوي المعلومة عند الناس خصص وما نبهنا على هذا الأمر إلا مراعاة للشرع فإن الشرع راعى ذلك ونبه عليه حتى إذا علمه الإنسان وتحقق به ظهر له الفضل على غيره فإن الله يقول هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ وقد أمر بصلة الأرحام والرحمن لنا رحم نرجع إليه فلا بد للمطيع أمره أن يصل رحمه وليس إلا وصلته بربه فإن الله بلا شك قد وصلنا من حيث إنه رحم لنا ف هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ المنعم على أي حالة كنا من طاعة أمره أو معصية وموافقة أو مخالفة فإنه لا يقطع صلة الرحم من جانبه وإن انقطعت عنه من جانبنا لجهلنا ثم إنه ما أمر بصلة

الأرحام القريبة إلا ليسعدوا بذلك وما من شخص إلا وله رحم يصلها ولو بالسلام كما

قال صلوا أرحامكم ولو بالسلام‏

فإذا وصلنا رحمنا لم نصل على الحقيقة إلا هو وإن حملناه في عين رحمنا فهو يعرف نفسه كما إن الصدقة تقع بيد الرحمن قبل إن تقع بيد السائل وقال لَنْ يَنالَ الله لُحُومُها ولا دِماؤُها ولكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ وفي نفس الأمر قد قلنا إنا وقاية له من كل سوء فلا بد لكل أحد أن يكون له صديق من الناس على أي دين كان ولا بد له من مراعاة صديقه وهو في النسب رحمه بلا شك لأنه أخوه لأمه وأبيه فكل بر طهر من أحد إلى أحد فهو صلة رحم لذا يقبلها الله من كل أحد فضلا من الله ونعمة غير أنهم بينهم مفاضلة في القرب قال علي بن أبي طالب القيرواني في ذلك‏

الناس في جهة التمثيل أكفاء *** أبوهم آدم والأم حواء

فإن يكن لهم من أصلهم نسب *** يفاخرون به فالطين والماء

ما الفضل إلا لأهل العلم أنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء

[القرابة قرابتان قرابة الدين وقرابة الطين‏]

والقرابة قرابتان قرابة الدين وقرابة الطين فمن جمع بين القرابتين فهو أولى بالصلة وإن انفرد أحدهما بالدين والآخر بالطين فتقدم قرابة الدين على قرابة الطين كما فعل الحق تعالى في الميراث فورث قرابة الدم ولم يورث قرابة الطين إذا اختلفا في الدين فكان الواحد مؤمنا بالله وحده والأخ الآخر كافر بأحدية الله ومات أحد الأخوين لم يجعل له نصيبا في ميراثه فقال لا يتوارث أهل ملتين وقد ذهب عقيل دون علي بن أبي طالب بمال أبيه لما مات أبو طالب عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وكل من قطع رحمه في حق شخص وهو قد وصلها في حق شخص آخر فالذي يرعى الله من ذلك جانب الوصلة لا جانب القطع فإنه القائل على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أتبع السيئة مثل قطع تلك الرحم الحسنة مثل وصلة الرحم تحمها فوصل رحمه في زيد يمحو قطع رحمه في عمرو وهذا أخوه وهذا أخوه لأن الله يصل الرحم ولا يقطعها فالحق يعضده في صلة من وصلها ويقطع من قطعها لأنه عين ذلك الذي قطعها ففي الوصل كلمة عناية إلهية بالواصل وفي القطع كلمة تحقيق أي أن الأمر كذلك فما في العالم إلا من هو وصول رحمه الأقوى الأقرب فإن أفضل الصلات في الأرحام صلة الأقرب فالأقرب وقد جاء في الصدقة أن أفضلها اللقمة يجعلها الإنسان في فمه لأنه لا أحد أقرب إليه من نفسه والله أقرب إلى العبد من نفسه منه فإنه القائل نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ فإذا وصله العبد فقد وصل الأقرب بلا شك فقد أتى ما هو الأولى بالوصل في الأقربين فإن النص فيه ولهذا عم كل الأشياء اتساع رحمته فمن حجر رحمة الله فما حجرها إلا على نفسه ولو لا أن الأمر على خلاف ذلك لم ينل رحمة الله من حجرها وقصرها ولكن والله ما يستوي حكم رحمة الله فيمن حجرها بمن لم يحجرها وأطلقها من عين المنة كما أطلقها الله في كتابه في قوله ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فما من شي‏ء إلا وهو طامع في رحمة الله فمنهم من تناله بحكم الوجوب ومنهم من تناله بحكم المنة كنت قاعدا يوما بإشبيلية بين يدي شيخنا في الطريق أبي العباس العريني من أهل العليا بمغرب الأندلس فدخل عليه رجل فوقع ذكر المعروف والصدقة فقال الرجل الله يقول الأقربون أولى بالمعروف فقال الشيخ على الفور إلى الله فما أبردها على الكبد وكذلك هو الأمر في نفسه ولا أقرب من الله فهو القريب سبحانه الذي لا يبعد إلا بعد تنزيه وتنقطع الأرحام بالموت ولا ينقطع الرحم المنسوبة إلى الحق فإنه معنا حيثما كنا ونحن ما بيننا نتصل في وقت وننقطع في وقت بموت أو بفقد وارتحال وكم من حال قد أغنى عن سؤال ومن جهل نفسه فهو بغيره أجهل ومن علم غيره فهو بنفسه أعلم‏

من عرف نفسه عرف ربه‏

ليس الذي يخبر عن غيره *** مثل الذي يخبر عن نفسه‏

لأنه يخبر عن فوقه *** في غيبه كان وفي حسه‏

وكل من أخبر عن نفسه *** فإنما أخبر عن جنسه‏

والحق إن قيدته إنه *** لا يحجب المحبوس في حبسه‏

من قيد الحق بإطلاقه *** فما أقام الميت من رمسه‏

هيهات لا يعرف أسراره *** إلا الذي حج إلى قدسه‏

من أسه الحق فذاك الذي *** يطرحه الضارب من أسه‏

[سر انبعاث الله تعالى موسى وهارون إلى فرعون‏]

سر إلهي لا يعرفه كثير من الناس بعث الله تعالى موسى وهارون إلى فرعون وأوصاهما أن يقولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى‏ والترجي من الله واقع عند جميع العلماء كما قال عَسَى الله أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فقال العلماء عسى من الله واجبة ولعل وعسى أختان فعلم الله أنه يتذكر ولا يكون التذكر إلا عن علم سابق منسي ثم قال لهما لما رأى خوفهما من أنه لا يجيب إلى ما يدعوانه إليه لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وأَرى‏ أي أسمع من فرعون إذا بلغتما إليه رسالة ربكما وأرى ما يكون منكما في حقه مما أوصيتكما به من اللين والتنزل في الخطاب فلم يجد فرعون على من يتكبر لأن التكبر من المتكبر إنما يقع لمن يظهر له بصفة الكبرياء فلما رأى ما عندهما من اللين في الخطاب رق لهما وسرت الرحمة الإلهية بالعناية الربانية في باطنه فعلم إن الذي أرسلا به هو الحق فكان المتكلم من موسى وهارون الحق وكان السمع الذي تلقى من فرعون كلام موسى الحق فحصل القبول في نفسه وستر ذلك عن قومه فإنه شأن الحق أ لا ترى إليه تعالى في القيامة يتجلى في صورة ينكر فيها فهذا من ستره ولما علم فرعون إن الحق سمع خلقه وبصره ولسانه وجميع قواه لذلك قال بلسان الحق أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏ إذ علم إن الله هو الذي قال على لسان عبده أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏ فأخبر الله تعالى أنه أخذه نَكالَ الْآخِرَةِ والْأُولى‏ والنكل القيد فقيده الله بعبوديته مع ربه في الأولى بعلمه أنه عبد الله وفي الآخرة إذا بعثه الله يبعثه على ما مات عليه من الايمان به علما وقولا وليس بعد شهادة الله شهادة وقد شهد له أنه قيده في الأولى والآخرة إِنَّ في ذلِكَ أي في هذا الأخذ لعبرة أي تعجبا وتجاوزا مما يسبق منه إلى فهم العامة إلى ما فيه مما يفهمه الخاصة من عباد الله وهم العلماء ولذلك قال لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى‏ وقد عرفنا أنه إِنَّما يَخْشَى الله من عِبادِهِ الْعُلَماءُ وقد قال لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى‏ ولا يخشى حتى يعلم بالتذكر ما كان نسيه من العلم بالله ومن قيده الحق فلا يتمكن له الإطلاق والسراح من ذلك القيد وقولهما إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أي يتقدم علينا بالحجة بما يرجع إليه من التوحيد أَوْ أَنْ يَطْغى‏ أي يرتفع كلامه لكونه يقصد إلى عين الحقيقة فنتعب معه فلهذا قال لهما لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وأَرى‏ وأوصاهما أن يلينا له في القول فلما قالا له صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما قالاه على الوجه الذي عهد إليهما الله أن يقولاه قال لهما فرعون فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى‏ كما يقول فتانا القبر للميت لا لجهله بما يقوله وإنما يريد أن يتنبه الحاضرون لما يقولانه مما يكون دليلا على وجود الله ليعلموا صدقهما لأن العاقل إذا علم أنهما إذا قالا مثل ذلك ربما إن الخواطر تتنبه ويدعوهم قولهما إلى النظر فيه لنصبهما في قولهما مواضع الدلالة على الله فإنه لا يسأل خصمه فدل سؤاله أنه يريد هداية من يفهم من قومه ما جاء به فقالا رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ فانصفا فرعون في هذا الخطاب وهذا من القول اللين فإنه دخل تحت قولهما كل شي‏ء ادعاه فرعون فأعطاه الله خلقه فكان في كلامهما جواب فرعون لهما إذ كان ما جاء به فرعون خلق لله ثم زادهما في السؤال ليزيدا في الدلالة قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى‏ فقالا عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي في كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى‏ مثل ما نسيت أنت حتى ذكرناك فتذكرت فلو كنت إلهاما نسيت لأن الله قال لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ثم زادا في الدلالة بما قالا بعد ذلك إلى تمام الآية فما زال ذلك مضمرا في نفس فرعون لم يعطه حب الرئاسة أن يكذب نفسه عند قومه فيما استخفهم به حتى أطاعوه ف كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فما شركه معهم في ضمير أنهم فلما رأى البأس قالَ آمَنْتُ فتلفظ باعتقاده الذي ما زال معه فقال له الله تعالى آلْآنَ قلت ذلك فأثبت الله بقوله آلْآنَ إنه آمن عن علم محقق والله أعلم وإن كان الأمر فيه احتمال وحقت الكلمة من الله وجرت سنته في عباده إن الايمان في ذلك الوقت لا يدفع عن المؤمن العذاب الذي أنزله بهم في ذلك الوقت إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ كما لا ينفع السارق توبته عند الحاكم فيرفع عنه‏

حد القطع ولا الزاني مع توبته عند الحاكم مع علمنا بأنه تاب بقبول التوبة عند الله وحديث ماعز في ذلك صحيح إنه تاب توبة لو قسمت على أهل مدينة لوسعتهم ومع هذا لم تدفع عنه الحد بل أمر صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم برجمه‏

كذلك كل من آمن بالله عنده رؤية



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!