The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل ثلاثة أسرار ظهرت فى الماء الحِكْمى المفصل مركبة على العالم بالعناية وبقاء العالم أبد الآبدين وإن انتقلت صورته وهو من الحضرة المحمدية

له وجها من تلك الوجوه حتى سكن إليه قلبه فعلم كيف يحيي الله الموتى وكذلك قصة يوسف ولوط وموسى وداود ومحمد عليه السلام الإلهي وكذلك ما نسبوه في قصة سليمان إلى الملكين وكل ذلك نقل عن اليهود واستحلوا أعراض الأنبياء والملائكة بما ذكرته اليهود الذين جرحهم الله وملئوا كتبهم في تفسير القرآن العزيز بذلك وما في ذلك نص في كتاب ولا سنة فالله يعصمنا وإياكم من غلطات الأفكار والأقوال والأفعال أمين بعزته وقوته وفيه علم من قام الدليل على عصمته فله إن يثني على نفسه بما أعلمه الله أنه عليه من الصفات المحمودة فإنها من أعظم النعم الإلهية على عبده والله يقول وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ وفيه علم التسليم والاعتصام وفيه علم رتبة الخيال وأنه حق ما فيه شي‏ء من الباطل إلا إن المعبر عنه يصيب ويخطئ بحسب ما يراه في نزوله بالمواطن فإن المصيب من لم يتعد بالحقائق مراتبها وفيه علم الأسماء وما عبد منها وما لم يعبد وفيه علم معرفة منازل الموجودات وفيه علم الستر والتجلي وفيه علم المفاضلة في العلم وفيه علم الشكر والشاكر وفيه علم الآيات المعتادة وغير المعتادة وفيه علم التبري والتنزيه وما هو تنزيه في حق الله عز وجل وهو تبري في حق المخلوق ولا تنزيه وفيه علم تقاسم أهل الله وطبقاتهم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ انتهى السفر السادس والعشرون من الفتوح المكي بانتهاء الباب الثاني والسبعون وثلاثمائة بسم الله الرحمن الرحيم‏

«الباب الثالث والسبعون وثلاثمائة» في معرفة منزل ثلاثة أسرار ظهرت في الماء الحكمي المفضل‏

مرتبته على العالم بالعناية وبقاء العالم أبد الآبدين وإن انتقلت صورته وهو من الحضرة المحمدية

مقامات تنص على اتساق *** لأرواح منباة كرام‏

أفوه بها ولا يدري جليسي *** لأن النور في عين الظلام‏

فلو لا ظلمة ما كان نور *** فعين النقص يظهر بالتمام‏

إذا علم الإضافة من يراها *** تقيد بالعقود وبالقيام‏

يرى أن الوجود له انتهاء *** وأن البدء يظهر بالختام‏

فحال بين بدء وانقضاء *** وجود لا يزال مع الدوام‏

[العالم كله كتاب مسطور]

اعلم أيدك الله أن العالم كله كتاب مسطور في رَقٍّ مَنْشُورٍ وهو الوجود فهو ظاهر مبسوط غير مطوي ليعلم ببسطه أنه مخلوق للرحمة وبظهوره يعقل ويعلم ما فيه وما يدل عليه وجعله كتابا لضم حروفه بعضها إلى بعض وهو ترتيب العالم على الوجوه التي ذكرناها وضم معانيه إلى حروفه مأخوذ من كتيبة الجيش وإنما قلنا في بسطة إنه للرحمة لأنه منها نزل كما قال تعالى تَنْزِيلٌ من الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وقال تعالى في ذلك كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ من لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ فأحكام الآيات فيه وتفصيلها لا يعرفه إلا من آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب وصورة الحكمة التي أعطاها الحكيم الخبير لأهل العناية علم مراتب الأمور وما تستحقه الموجودات والمعلومات من الحق الذي هو لها وهو إعطاء كل شي‏ء خلقه إعطاء إلهيا ليعطي كل خلق حقه إعطاء كونيا بما آتانا الله فنعلم بالقوة ما يستحقه كل موجود في الحدود ونفصله بعد ذلك آيات بالفعل لمن يعقل كما أعطانيه الخبير الحكيم فننزل الأمور منازلها ونعطيها حقها ولا نتعدى بها مرتبتها فتفصيل الآيات والدلالات من المفصل إذا جعلها في أماكنها بهذا الشرط لأنه ما كل مفصل حكيم دليل على أنه قد أوتي الحكمة وعلم أحكام الآيات ورحمته بالآيات والموجودات التي هي الكتاب الإلهي وليس إلا العالم دليل على علمه بمن أنزله وليس إلا الرحمن الرحيم وخاتمة الأمر ليست سوى عين سوابقها وسوابقها الرحمن الرحيم فمن هنا تعلم مراتب العالم ومآله إنه إلى الرحمة المطلقة وإن تعب في الطريق وأدركه العناء والمشقة فمن الناس من ينال الرحمة والراحة بنفس ما يدخل المنزل الذي وصل إليه وهم أهل الجنة ومنهم من يبقى معه تعب الطريق ومشقته ونصب بحسب مزاجه وربما مرض واعتل زمانا ثم انتقل من دائه واستراح وهم أهل النار الذين هم أهلها ما هم الذين‏

خرجوا منها إلى الجنة فمستهم النار بقدر خطاياهم مع كونهم أماتهم الله فيها إماتة فإن أولئك ليست النار منزلا لهم يعمرونه ويقيمون فيه مع أهليهم وإنما النار لهؤلاء منهل من المناهل التي ينزلها المسافر في طريقه حتى يصل إلى منزله الذي فيه أهله فهذا معنى الحكمة والتفصيل فإن الأمور أعني الممكنات متميزة في ذاتها في حال عدمها ويعلمها الله سبحانه وعلى ما هي عليه في نفسها ويراها ويأمرها بالتكوين وهو الوجود فتتكون عن أمره فما عند الله إجمال كما أنه ليس في أعيان الممكنات إجمال بل الأمر كله في نفسه وفي علم الله مفصل وإنما وقع الإجمال عندنا وفي حقنا وفينا ظهر فمن كشف التفصيل في عين الإجمال علما أو عينا أو حقا فذلك الذي أعطاه الله الحكمة وفصل الخطاب وليس إلا الرسل والورثة خاصة وأما الحكماء أعني الفلاسفة فإن الحكمة عندهم عارية فإنهم لا يعلمون التفصيل في الإجمال وصورة ذلك كما يراه صاحب هذا المقام الذي أعطاه الله الحكمة التي عنده عناية إلهية وهي عند الحق تعيين الأرواح الجزئية المنفوخة في الأجسام المسواة المعدلة من الطبيعة العنصرية من الروح الكل المضاف إليه ولذلك ذكر أنه خلقها قبل الأجسام أي قدرها وعينها الكل جسم وصورة روحها المدبر لها الموجود بالقوة في هذا الروح الكل المضاف إليه فيظهر ذلك في التفصيل بالفعل عند النفخ وذلك هو النفس الرحماني لصاحب الكشف فيرى في المداد الذي في الدواة جميع ما فيه من الحروف والكلمات وما يتضمنه من صور ما يصورها الكاتب أو الرسام وكل ذلك كتاب فيقول في هذا المداد من الصور كذا وكذا صورة فإذا جاء الكاتب والرسام أو الرسام دون الكاتب أو الكاتب دون الرسام بحسب ما يذكره صاحب الكشف فيكتب بذلك المداد ويرسم جميع ما ذكره هذا المكاشف بحيث لا يزيد على ذلك ولا ينقص ولا يدرك ذلك هذا المسمى في عرف العقلاء حكما فهذا حظ أهل الكشف فهم الذين أعطاهم الله الحكمة وفصل الخطاب وقد أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن نعطي كل ذي حق حقه ولا نفعل ذلك حتى نعلم ما يستحقه كل ذي حق من الحق وليس إلا بتبيين الحق لنا ذلك ولذلك أضافه إليه تعالى فقال وآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ ومن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فما يعلمها إلا من أوتيها فهي هبة من الله تعالى كما وهبنا وجود أعياننا ولم نكن شيئا وجوديا فالعلم الإلهي هو الذي كان الله سبحانه معلمه بالإلهام والإلقاء وبإنزال الروح الأمين على قلبه وهذا الكتاب من ذلك النمط عندنا فو الله ما كتبت منه حرفا إلا عن إملاء إلهي وإلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني هذا جملة الأمر مع كوننا لسنا برسل مشرعين ولا أنبياء مكلفين بكسر اللام اسم فاعل فإن رسالة التشريع ونبوة التكليف قد انقطعت عند رسول الله محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فلا رسول بعده صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولا نبي يشرع ولا يكلف وإنما هو علم وحكمة وفهم عن الله فيما شرعه على السنة رسله وأنبيائه عليهم سلام الله وما خطه وكتبه في لوح الوجود من حروف العالم وكلمات الحق فالتنزيل لا ينتهي بل هو دائم دنيا وآخرة

الله أنشأ من طي وخولان *** جسمي فعدلني خلقا وسواني‏

وأنشأ الحق لي روحا مطهرة *** فليس بنيان غيري مثل بنياني‏

إني لا عرف روحا كان ينزل بي *** من فوق سبع سماوات بفرقان‏

نريد قوله تعالى إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وما أنا مدع في ذاك من نبأ من الإله ولكن جود إحسان‏

إن النبوة بيت بيننا غلق *** وبينه موثق بقفل إيمان‏

وإنما قلنا ذلك لئلا يتوهم متوهم إني وأمثالي وادعى نبوة لا والله ما بقي إلا ميراث وسلوك على مدرجة محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم خاصة وإن كان للناس عامة ولنا ولأمثالنا خاصة من النبوة ما أبقى الله علينا منها مثل المبشرات ومكارم الأخلاق ومثل حفظ القرآن إذا استظهره الإنسان فإن هذا وأمثاله من أجزاء النبوة المورثة ولذلك كان أول إنسان أنشأه الله وهو آدم نبيا من مشى على مدرجته بعد ذلك فهو وارث لا بد من ذلك بهذه النشأة الترابية وأما في المقام فآدم ومن دونه إنما هو وارث محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لأنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين لم يكن بعد موجودا فالنبوة

لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولا آدم والصورة الآدمية الطبيعية الإنسانية لآدم ولا صورة لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وعلى آدم وعلى جميع النبيين فآدم أبو الأجسام الإنسانية ومحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أبو الورثة من آدم إلى خاتم الأمر من الورثة فكل شرع ظهر وكل علم أنما هو ميراث محمدي في كل زمان ورسول ونبي من آدم إلى يوم القيامة ولهذا أوتي جوامع الكلم ومنها علم الله آدم الأسماء كلها فظهر حكم الكل في الصورة الآدمية والصورة المحمدية فهي في آدم أسماء وفي محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كلم وكلمات الله سبحانه لا تنفد وموجوداته من حيث جوهرها لا تبعد وإن ذهبت صورها وتبدلت أحكامها فالعين لا تذهب ولا تتبدل بل وقع التبديل في العالم لما هو الحق عليه من التحول في الصور فلو لم يظهر التبدل في العالم لم يكمل العالم فلم تبق حقيقة إلهية إلا وللعالم استناد إليها على أن تحقيق الأمر عند أهل الكشف إن عين تبدل العالم هو عين التحول الإلهي في الصور فعين كونه فيما شاء تجلى عين كونه فيما شاء ركبك ف ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله فتلك على الحقيقة مشيئة الله لا مشيئتك وأنت تشاء بها فالحياة لعين الجوهر والموت لتبدل الصور كل ذلك لِيَبْلُوَكُمْ بالتكليف أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وإنما يبلوكم لتصح نسبة الاسم الخبير فهو علم عن خبرة يعلم ولا خبرة لإقامة حجة على من خلق فيه النزاع والإنكار وهذا كله من تفصيل الآيات في الخطاب وفي الأعيان ف هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ وهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ فلو كشف لكل أحد ما كشفه لبعض العالم لم يكن غفورا ولا كان فضل لأحد على أحد إذ لا فضل إلا بمزيد العلم كان بما كان فالعالم كله فاضل مفضول فاشترك أعلى العلماء مع أنزلهم في علم الصنعة فالعالم صنعة الله والعلم بصنعة الحياكة علم الحائك وهو صنعته وذلك في العموم أنزل العلوم وفي الخصوص علم الصنعة أرفع العلوم لأنه بالصنعة ظهر الحق في الوجود فهي أعظم دليل وأوضح سبيل وأقوم قيل ومن هنا ظهر خواص الله الأكابر في الحكم بصورة العامة فجهلت مرتبتهم فلا يعرفهم سواهم وما لهم مزية في العالم بخلاف أصحاب الأحوال فإنهم متميزون في العموم مشار إليهم بالأصابع لما ظهر عليهم بالحال من خرق العوائد وأهل الله اتقوا من ذلك لاشتراك غير الجنس معهم في ذلك فأهل الله معلومون بالمقام مجهولون بالشهود لا يعرفون كما أن الله الذي هو لأهله معلوم بالفطرة عند كل أحد مجهول عنده بالعقل والشهود فلو تجلى له ما عرفه بل لم يزل متجليا على الدوام لكنه غير معلوم إلا عند أهله وخاصته وهم أهل القرآن أهل الذكر الذين أمرنا الله أن نسألهم لأنهم ما يخبرون إلا عنه قال تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ لأن أهل الذكر هم جلساء الحق فما يخبر الذاكر الذي يشهد الله فيه أنه ذاكر له إلا عن جليسه فيخبر بالأمر على ما هو عليه وذلك هو العلم فإنه عَلى‏ بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وهو ظهوره بصورته أي الذي أتى به من العلم عن الله فهو صفته التي بها تجلى هذا الشخص الذاكر فعلى قدر ذكره يكون الحق دائم الجلوس معه ولذلك‏

قالت عائشة رضي الله عنها في رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنه كان يذكر الله على كل أحيانه‏

فأثبتت له المجالسة مع الله تعالى على الدوام فأما علمت بذلك كشفا وإما أخبرها بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وكان ذلك في جلوسه معه أنه يقص عليه من أنباء الرسل ما يثبت به فؤاده لما يرى من منازعة أمته إياه فيما جاء به عن الله ولو لم يكن عنده بهذه المثابة وأمثالها لم يكن بينه وبين غيره من البشر فرقان فإنه تعالى معهم حيثما كانوا وأَيْنَ ما كانُوا فلا بد أن يكون مع الذاكرين له بمعية اختصاص وما ثم إلا مزيد علم به يظهر الفضل فكل ذاكر لا يزيد علما في ذكره بمذكوره فليس بذاكر وإن ذكر بلسانه لأن الذاكر هو الذي يعمه الذكر كله فذلك هو جليس الحق فلا بد من حصول الفائدة لأن العالم الكريم الذي لا يتصور فيه بخل لا بد أن يهب جليسه أمرا لم يكن عنده إذ ليس هنالك بخل ينافي الجود فلم يبق إلا المحل القابل ولا يجالس إلا ذو محل قابل فذلك هو جليس الحق والعالم جليسهم الحق من حيث لا يشعرون وغاية العامة إذا كانت مؤمنة أن تعلم أن الله معها والفائدة إنما هي أن تكون أنت مع الله لا في أنه معك فكذلك هو الأمر في نفسه فمن كان مع الحق فلا بد أن يشهد الحق ومن شهده فليس إلا وجود العلم عنده فهذه هي المنح الإلهية

فالعلم أشرف ما يؤتيه من منح *** والكشف أعظم منهاج وأوضحه‏

فإن سألت إله الحق في طلب *** فسله كشفا فإن الله يمنحه‏

وأد من القرع إن الباب أغلقه *** دعوى الكيان وجود الله يفتحه‏

فكل علم لا يكون حصوله عن كشف بعد فتح الباب يعطيه الجود الإلهي ويبديه ويوضحه فهو شعور لا علم لأنه حصل من خلف الباب والباب مغلق وليس الباب سواك فأنت بحكم معناك ومغناك وذلك هو غلق الباب فإنك تشعر أن خلف هذا الجسم والصورة الظاهرة معنى آخر لا تعلمه وإن شعرت به فالصورة الظاهرة المصراع الواحد والنفس المصراع الآخر فإذا فتحت الباب تميز المصراع من المصراع وبدا لك ما وراء الباب فذلك هو العلم فما رأيته إلا بالتفصيل لأنك فصلت ما بين المصراعين حتى تميز هذا فيك فإن كان الباب عبارة عن حق وخلق وهو أنت وربك فالتبس عليك الأمر فلم يتميز عينك من ربك فلا تميزه ما لم يفتح الباب فعين الفتح يعطيك المعرفة بالباب والفرق بين المصراعين فتعلم ذاتك وتعلم ربك وهو قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من عرف نفسه عرف ربه فالشعور مع غلق الباب والعلم مع فتح الباب فإذا رأيت العالم متهما لما يزعم أنه به عالم فليس بعالم وذلك هو الشهور وإن ارتفعت التهمة فيما علم فذلك هو العلم ويعلم أنه قد فتح الباب له وأن الجود قد أبرز له ما وراء الباب وكثير من الناس من يتخيل أن الشعور علم وليس كذلك وإنما حظ الشعور من العلم إن تعلم أن خلف الباب أمرا ما على الجملة لا يعلم ما هو ولذلك قال تعالى وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ لقولهم هو شاعر ثم قال وما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ يعني هذا الذي بعثناه به إِلَّا ذِكْرٌ أي أخذه عن مجالسة من الحق وقُرْآنٌ مُبِينٌ أي ظاهر مفصل في عين الجمع ما أخذه عن شعور فإنه كل ما عينه صاحب الشعور في المشعور به فإنه حدس ولو وافق الأمر ويكون علما فما هو فيه على بصيرة في ذلك وليس ينبغي لعاقل أن يدعو إلى أمر حتى يكون من ذلك الأمر على بصيرة وهو أن يعلمه رؤية وكشفا بحيث لا يشك فيه وما اختصت بهذا المقام رسل الله بل هو لهم ولأتباعهم الورثة ولا وارث إلا من كمل له الاتباع في القول والعمل والحال الباطن خاصة فإن الوارث يجب عليه ستر الحال الظاهر فإن إظهاره موقوف على الأمر الإلهي الواجب فإنه في الدنيا فرع والأصل البطون ولهذا احتجب الله في العموم في الدنيا عن عباده وفي الآخرة يتجلى عامة لعباده فإذا تجلى لمن تجلى له على خصوصه كتجليه للجبل كذلك ما ظهر من الحال على الرسل من جهة الدلالة على صدقه ليشرع لهم والوارث داع لما قرره هذا الرسول وليس بمشرع فلا يحتاج إلى ظهور الحال كما احتاج إليه المشرع فالوارث يحفظ بقاء الدعوة في الأمة عليها وما حظه إلا ذلك حتى إن الوارث لو أتى بشرع ولا يأتي به ولكن لو فرضناه ما قبلته منه الأمة فلا فائدة لظهور الحال إذا لم يكن القبول كما كان للرسول فاعلم ذلك فما أظهر الله عليهم من الأحوال فذلك إلى الله لا عن تعمل ولا قصد من العبد وهو المسمى كرامة في الأمة فالذي يجهد فيه ولي الله وطالبه إنما هو فتح ذلك الباب ليكون من الله في أحواله عند نفسه على بصيرة لا أنه يظهر بذلك عند خلقه فهو عَلى‏ نُورٍ من رَبِّهِ وثابت في مقامه لا يزلزله إلا هو فكرامة مثل هذا النوع علمه بالله وما يتعلق به من التفصيل في أسمائه الحسنى وكلماته العليا فيعلم ما يلج في أرض طبيعته من بذر ما بذر الله فيها حين سواها وعدلها وما يخرج منها من العبارات عما فيها والأفعال العملية الصناعية على مراتبها لأن الذي يخرج عن الأرض مختلف الأنواع وذلك زينة الأرض فما يخرج عن أرض طبيعة الإنسان وجسده فهو زينة له من فصاحة في عبارة وأفعال صناعية محكمة كما يعلم ما ينزل من سماء عقله بما ينظر فيه من شرعه في معرفة ربه وذلك هو التنزيل الإلهي على قلبه وما يعرج فيها من كلمه الطيب على براق العمل الصالح الذي يرفعه إلى الله كما قال تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وهو ما خرج من الأرض والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وهو ما أخرجته الأرض أيضا فالذي يَنْزِلُ من السَّماءِ هو الذي يَلِجُ في الْأَرْضِ والذي يخرج من‏

الأرض وهو ما ظهر عن الذي ولج فيها هو الذي يعرج في السماء فعين النازل هو عين الوالج وعين الخارج هو عين العارج فالأمر ذكر وأنثى ونكاح وولادة فأعيان موجودة وأحكام مشهودة وآجال محدودة وأفعال مقصودة منها ما هي مذمومة بالعرض وهي بالذات محمودة

[التفصيل لا يظهر في الوجود إلا بالعمل‏]

ثم اعلم أن التفصيل لا يظهر في الوجود إلا بالعمل فإن فصله العامل على تفصيله في الإجمال الحكمة فهو العمل الصالح وإن فصله على غير ذلك بالنظر إلى تفصيل الإنسان فيه فذلك العمل غير الصالح وأكثر ما يكون العمل غير الصالح في‏

الذين يفصلون الأمور بالنظر العقلي لا بالإعلام الإلهي فما فصل بالإعلام الإلهي فهو كله عمل صالح وما فصل بالنظر العقلي فمنه صالح وغير صالح بالنسبة إلى تفصيله لا غير والكل عمل صالح بالنسبة إلى الله تعالى كما يقول إن النقص في الوجود من كمال الوجود وإن شئت قلت من كمال العالم إذ لو نقص النقص من العالم لكان ناقصا فافهم‏

[الفساد تغيير الحكم الإلهي‏]

واعلم أنه ما كنا نقول بالعمل غير الصالح ولا بالفساد أدبا مع العلم الإلهي وحقيقة ولكن لما رأينا في الوضع الإلهي قد حذر الله من الفساد وقال ولا تَبْغِ الْفَسادَ في الْأَرْضِ إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ وقال تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الْأَرْضِ ولا فَساداً ورأينا في العرف بين العقلاء بل الناس أجمعين ذكر الفساد لذلك أقدمنا على ذكره وإنما كنا نقول في ذلك بدل الفساد إظهار صورة وإزالة أخرى كما هو الأمر في نفسه من أجل تركيب خاص ونظام مزاج طبيعي فأما قوله إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ فالمراد به تغيير الحكم الإلهي لا تغيير العين ولا إبدال الصورة وأما قوله عُلُوًّا في الْأَرْضِ فهو أمر محقق لأن العلو لا تقبله الأرض ما دامت أرضا لمن هي له أرض وكل ما نراه عاليا شامخا فيها فهو جبل ووتد تقلها الله به ليسكن ميدها فالجبال ليست أرضا فخلق الله الأرض مثل الكرة أجزاء ترابية وحجرية ضم الله بعضها إلى بعض فلما خلق الله السماء بسط الأرض بعد ذلك ليستقر عليها من خلقت له مكانا ولذلك مادت ولو بقيت الكرة ما مادت وما خلق الجبال فخلق سبحانه الجبال فقال بها عليها دفعة واحدة وأدار بالماء المحيط بها جبلا جعله لها كالمنطقة قيل إن عليه أطراف قبة السماء وأن الزرقة التي نسبها إلى السماء ونصفها بها فتلك اللونية لجرم السماء لبعدها عنك في الإدراك البصري كما ترى الجبال إذا بعدت عنك رزقا وليست الزرقة لها إلا لبعدها عن نظر العين كما ترى الجبل البعيد عن نظرك أسود فإذا جئته قد لا يكون كما أبصرته وقد بينا لك أن الألوان على قسمين لون يقوم بجسم المتلون ولون يحدث للبصر عند نظره إلى الجسم لأمر عارض يقوم بين الرائي والمرئي مثل هذا ومثل الألوان التي تحدث في المتلون باللون الحقيقي لهيئات تطرأ فيراها الناظر على غير لونها القائم بها الذي يعرفه وذلك مثل الشبهات في الأدلة فهي ألوان لا ألوان وحظها من الحقائق الإلهية وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وأنت لا أنت وكالعالم كله بالحقيقة هو خلق لا خلق أو حق لا حق وكالخيال هو حس لا حس ومحسوس لا محسوس أعني المتخيل والأرض منفعلة عن الماء المنفعل عن الهواء فإن الهواء هو الأصل عندنا ولذلك هو أقرب نسبة إلى العماء الذي هو نفس الرحمن فجمع بين الحرارة والرطوبة فمن حرارته ظهر ركن النار ومن رطوبته ظهر ركن الماء ومن جمود الماء كان الأرض فالهواء ابن للنفس وهو العماء والنار والماء ولدان للهواء والأرض ولد الولد وهو ما جمد من الماء وما لم يجمد بقي ماء على أصله والأرض على ذلك الماء وقد رأينا في نهر الفرات إذا جمد في الكوانين ببلاد الشمال يعود أرضا تمشي عليه القوافل والناس والدواب والماء من تحت ذلك الجليد جار وذلك الماء على الهواء وهو الذي يمده برطوبته فيحفظ عليه عينه واستقراره عليه فإن الهواء يجري الماء إذا تحرك وإذا احتقن وسكن سكن الماء عليه فلا ينفذ الماء فيه وقد رأينا ذلك في أنبوب القصب وأمثاله المنفوذ الثقب إذا ملأته ماء وسددت موضع الثقب الأعلى من الأنبوب لا يجري من أسفل الأنبوب شي‏ء من الماء فإذا أزالته جرى الماء فلم يعتمد ذلك الماء إلا على الهواء الساكن لسكونه وهو صورة تعم العالم كله وإذا تموج الهواء سمي ريحا والريح تنقل روائح ما تمر عليه من طيب وخبيث إلى المشام وكذلك تنقل برودة الأشياء وحرارتها ولذلك توصف الريح بأنها نمامة وتوصف بنقل الأخبار إلى السامعين ولا يتلقى منها هذه الأمور التي تتم بها وتخبر عنها إلا قوة السمع والشم إلى السامعين والشامين وحركات الأجرام تحرك الهواء فتحدث له اسم الريح والهواء يحرك الأجرام وفيه تتحرك الأجرام وأما الخرق فما هو إلا تفريغ أحياز عن أشياء واشتغالها بأشياء غير تلك الأشياء لأنه ما فيما عمره العالم خلاء وإنما هي استحالات صور فصور تحدث الأمور وصور تذهب الأمور والجوهر الذي ملأ الخلأ ثابت العين لا يستحيل إلى شي‏ء ولا يستحيل إليه شي‏ء وليس للأسماء الإلهية متعلق إلا إحداث هذه الصور واختلافها وأما ذهابها فلنفسها

وأما ذهابها فلما تقتضيه‏

ذات موجدها وهو علم لطيف فإنه كلام حق من حق لكن الأفهام تختلف فيه فإنه يقول للصور إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ويَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ فمعناه إن يشأ يشهدكم في كل زمان فرد الخلق الجديد الذي أخذ الله بأبصاركم عنه فإن الأمر هكذا هو في نفسه والناس منه في لبس إلا أهل الكشف والوجود فإن قلت فقد قلت ببقاء عين الجوهر قلنا ليس بقاؤه لعينه وإنما بقاؤه للصور التي تحدث فيه فلا يزال الافتقار منه إلى الله دائما فالجوهر فقره إلى الله للبقاء والصور فقرها إلى الله لوجودها فالكل في عين الفقر إلى الله والله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ بالغنى أي المثنى عليه بصفة الغني عن العالم وفي هذا المنزل من العلوم علم إضافة الأعمال إلى الخلق وهو مذهب بعض أهل النظر والخلاف في ذلك قد تقدم في هذا الكتاب وحكاية المذاهب فيه وأقوالهم وفيه علم تعليم الحق عباده كيف يعاملونه بما يعاملونه به إذ لا تخلو نفس عن معاملة تقوم بها وفيه علم التنبيه على حقيقة الإنسان وفيه علم اختلاف العالم لما ذا يرجع بالصورة وبالحكم وفيه علم العناية ببعض المخلوقين وهي العناية الخاصة وأما العناية العامة فهي الإيجاد له وفقر العالم كله إليه تعالى وفيه علم تأثير الأعمال الخيرية في الأعمال غير الخيرية وأعمال الشر في أعمال الخير وأن القوي من الأعمال يذهب بالأضعف وأن العدم في الممكن أقوى من الوجود لأن الممكن أقرب نسبة إلى العدم منه إلى الوجود ولذلك سبق بالترجيح على الوجود في الممكن فالعدم حضرته لأنه الأسبق والوجود عارض له ولهذا يكون الحق خلاقا على الدوام لأن العدم

يحكم على صور الممكنات بالذهاب والرجوع إليه رجوع ذاتي فحكم العدم يتوجه على ما وجد من الصور وحكم الإيجاد من واجب الوجود يعطي الوجود دائما عين صورة بعد عين صورة فالممكنات بين إعدام للعدم وبين إيجاد لواجب الوجود وأما تعلق ذلك بالمشيئة الإلهية فإنه سر من أسرار الله نبه الله عليه في قوله إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ من باب الإشارة إلى غوامض الأسرار لأولي الأفهام إنه عين كل منعوت بكل حكم من وجود أو عدم ووجوب وإمكان ومحال فما ثم عين توصف بحكم إلا وهو ذلك العين وهذه مسألة تضمنها هذا المنزل ولو لا ذلك ما ذكرناها فإنه ما تقدم لها ذكر في هذا الكتاب ولن تراها في غيره إلا في الكتب المنزلة من عند الله كالقرآن وغيره ومنها أخذناها بما رزقنا الله من الفهم في كلامه وفيه علم ما يمحو عبادة الصلاة من الأعمال التي نهى الشرع أن يعمل بها المكلف وفيه علم تأثير المجاورة ولذلك أوصى الله تعالى بالجار وقد أجرى الله على ألسنة العامة في أمثالهم أن يقولوا الرفيق قبل الطريق وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم اللهم أنت الصاحب في السفر فهو رفيقه والخليفة في الأهل‏

فهو وكيله ومن كمال امرأة فرعون قولها رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً في الْجَنَّةِ فقدمته على البيت وهو الذي جرى به المثل في قولهم الجار قبل الدار وقال الله في تأثير الجوار لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ وقال ولا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ومن جاور مواضع التهم لا يلومن من نسبه إليها وفيه علم الأمر الإلهي إذا لم ينفذ ما المانع لنفوذه وما هو الأمر الإلهي وهل له صيغة أم لا وفيه علم مجازاة كل عامل دنيا وآخرة جازاه بذلك من جازاه من حق وخلق والكل جزاء الله فما في الكون الأجزاء بالخير والشر وفيه علم الفرق بين الفرق وبذلك سموا فرقا وحكم الله الجامع والفارق وما يجتمع فيه العالم وما يفترق وفيه علم السعادة والشقاوة وما ينقطع من ذلك وما لا ينقطع وفيه علم الدار الآخرة ما هي ولما ذا اختصت باسم الحيوان والدنيا مثلها في هذه الصفة يدل على ذلك وإِنْ من شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وفيه علم يعلم به إن الله لو لا ما جعل المؤاخذة على الجرائم دلالة ما آخذ الله بها أحدا من خلقه جملة واحدة وفيه علم امتياز الإمام والمأموم واختلاف مراتب الأئمة في الإمامة وكيف يكون السعيد إماما للأشقياء وحكمه بالإمامة في الدنيا وحكمه بذلك في الآخرة فأما في الآخرة فيعم الاتباع ولكن من الاتباع هناك ما لا يزول إلى مقر الحسنى ومنه ما يأتيه امتناع إمامه في الدنيا فيصرف عن اتباعه في الأخرى لأن الإمام يسعد وليس ذلك المتبع المصروف من أهل السعادة فلا بد أن يحال بينه وبين إمامه وفيه علم النصائح وممن تقبل وما حظ العقل من النصائح وما حظ الشرع منها وفيه علم عموم ود الله ومحبته في صنعته ومصنوعاته ولذلك عمهم بالرحمة والغفران لمن يعقل عن الله فإنه المؤمن ومن شأن المؤمن أنه لا تخلص له معصية أصلا لا يشوبها طاعة كذلك‏

الحق من كونه مؤمنا لا يمكن أن يخلص مع هذا الاسم شقاوة ما فيها رحمة هذا مما لا يتصور فإن الرحمة بالعالم أصل ذاتي بالوجود والشقاء أمر عارض لأن سببه عارض وهو مخالفة التكليف والتكليف عارض ولا بد من رفعه فترتفع العوارض لرفعه ولو بعد حين وفيه علم تغيير الحكم المشروع بتغيير الأحوال في المكلف وفيه علم الموازين المعنوية التي توزن بها المعاني والمحسوسات وموازين الآخرة هل هي إقامة العدل بالحكم في العالم بحيث أن يعلم العالم كله أنه ما طرأ عليه جور في الحكم عليه بما حكم الله به عليه أو هل هي محسوسة كالموازين المحسوسة في الدنيا لوزن الأشياء وإذا كانت حاسة البصر تدرك الموازين في الآخرة المحسوسة عندها هل هي محسوسة كما يدركها الحس أو ممثلة كتمثل الأعمال فإن الأعمال أعراض وهي في الآخرة أشخاص فتعلم أنها ممثلة لأن الحقائق لا تنقلب وحقيقة من لا يقوم بنفسه مغايرة حقيقة من يقوم بنفسه فلا بد أن تكون ممثلة كما

ورد في الخبر النبوي أن الموت يؤتى به في صورة كبش أملح‏

ولم يقل يؤتى به كبشا أملح والموت عرض بل نسبة فلا بد أن تكون العبارة عنه كما وردت في الخبر النبوي وفيه علم ما هي الأولية في اليوم فإنه دائرة ولا بد للدائرة من ابتداء وانتهاء إلى ذلك الابتداء فإن اليوم دورة واحدة للفلك الأطلس وقد انفصل بالليل والنهار بطلوع الشمس وغروبها وأول اليوم الذي تعين بالأرض عند حركة الفلك كان بالحمل ثم ظهر أول اليوم بطلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن لها وجود إلا في برج الحمل فإنه بيت شرفها فوجدت طالعة في برج الحمل فظهر أول اليوم والصبح آخر اليوم وما بينهما ليل ونهار وهما معلومان بالطلوع والغروب ولذلك ما أخذ الله من أخذه من الأمم إلا في آخر اليوم وذلك لاستيفاء الحركة كما يتربص بالعنين انقضاء فصول السنة وحينئذ يفرق بينه وبين المرأة أعني زوجته لأن أسباب التأثير الإلهي المعتاد في الطبيعة قد مرت على العنين وما أثرت فيه فدل إن العنة فيه لا تزول فعدمت فائدة النكاح من لذة وتناسل ففرق بينهما إذ كان النكاح للالتذاذ والتناسل معا أو في حق طائفة أخرى لكذا وفي أخرى لكذا وفي حق أخرى للمجموع وكذلك إذا انتهت دورة اليوم وقع الأخذ الإلهي في آخره وفيه علم تجسد الأرواح في صور الأجسام الطبيعية هل عين ذلك الروح هو عين الصورة التي ظهر فيها أو هل ذلك في عين الرائي كما ذكرناه في زرقه السماء أو هل الروح لتلك الصورة كالروح للجسم أعني النفس الناطقة وتلك الصورة صورة حقيقة لها وجود عيني لا في عين الناظر كسائر الصور الحقيقية وهذه مسألة أغفلها كثير من الناس بل الناس كلهم فإنهم قنعوا بما ظهر لهم من صور الأرواح المجسدة فلو تر وحنوا في نفوسهم وحكموا بالصور على أجسامهم وتبدلت أشكالهم وصورهم في عين من يراهم علموا عند ذلك تجسد الأرواح لما ذا يرجع فإنه علم ذوق لا علم نظر فكري وقد بينا أن كل صورة تجسدت في العالم فلا بد لها من روح مدبرة من الروح الكل المنفوخ منه في الصور ومن علم إن الصورة المتجسدة في الأرواح إذا قتلت إن كانت حيوانا أو قطعت إن كانت نباتا أنها تنتقل إلى البرزخ ولا بد كما تنتقل نحن بالموت وإنها إن أدركت بعد ذلك فإنما تدرك كما يدرك كل ميت من الحيوان إنسان وغير إنسان فمن هنا أيضا إذا وقفت على علم هذا علمت صور الأرواح المتجسدة لما ذا ترجع وفيه علم ما للضيف الوارد من الحق على من ورد عليه والأنفاس واردات الحق على العبد ولها حق وهي راجعة إلى من وردت منه فلينظر بما ذا يستقبلها إذا وردت وما يلزمه من الأدب معها في الأخذ لما ترد به وما يخلع عليها إذا انقلبت عنه راجعة إلى الحق وفيه علم العادات وخرقها ودفع الشبه التي يراها الطبيعيون أنها تفعل لذاتها وما هي الطبيعة في الحقيقة ولمن ترجع الآثار الظاهرة في الكون وفيه علم شرف الحيوان على الإنسان الحيواني وفيه علم الجبر في الاختيار وفيه علم إدخال الحق نفسه مع الأكوان في السلوك والأحوال هل دخل معهم للحفظ أو دخل معهم لكونه العامل لما هم فيه أو دخل معهم صحبة وعناية بهم أو تقتضي ذاته ذلك الدخول معهم وفيه علم العبيد والأحرار وما الأعمال التي تطلب الأجور وممن تطلب فإن العامل ما يعمل إلا لنفسه فبما ذا يستحق الأجرة من غيره وفيه علم أسباب التجارة التي هي مخصوصة بالحياة وفيه علم خواص الأسماء الإلهية من حيث تركيب حروف ذلك الاسم حتى إذا ترجم بلسان آخر لم يكن له تلك الخاصية فإنه لا فرق بين مزاج حروف الكلمة إذا تركبت ومزاج أجسام المعدن أو النبات أو جسم الحيوان فإن جسم الحيوان هو جسم نباتي أضيف إليه حس فقيل حيوان‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!