The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل التوكل الخامس الذى ما كشفه أحد من المحققين لقلة القابلين له وقصور الأفهام عنه

وفيه علم النحل والملل وفيه علم الاستحقاق وفيه علم ما لا ينفع العلم به وفيه علم العلم الغريب بما ذا تقبله النفوس وتقبل عليه أكثر من غيره وفيه علم يصح الإعراض عن العلم مع بقائه علما في المعرض عنه أو يقدح عنده شبهة فيه فلا يعرض عنه حتى يزول عنه أنه علم وهذا عند المحققين العارفين من أخفى العلوم وفيه علم الحجب التي تحول بين عين البصيرة وما ينبغي لها أن تدركه لو لا هذه الحجب وفيه علم الحلم والفرق بينه وبين العفو وعلم الغفور الرحيم هل هو برزخ بين الحليم والعفو ولهما حكم في هذا أم لا وفيه علم لا تتعدى الأمور مقاديرها عند الله وفيه علم ما الذي أغفل الأكابر عن الاستثناء الإلهي في أفعالهم كقصة سليمان وموسى وغيرهما عليه السلام وفيه علم رد ما ينبغي لمن ينبغي وهو أفضل العلوم لأنه يورث الراحة ويسلم من الاعتراض عليه في ذلك والله أعلم وفيه علم ما يحمده من نفسه وينكره من غيره ويذمه وفيه علم الوقوف بين العالمين ما حال الواقف فيه وفيه علم كون الحق ما أوجد شيئا إلا عن سبب فمن رفع الأسباب فقد جهل فمن يزعم أنه رفعها فما رفعها إلا بها إذ لا يصح رفع ما أقره الله وما يعطيه حال الوجود وما الفرق بين الأسباب المعتادة التي يجوز رفعها وبين الأسباب المعقولة التي لا يمكن رفعها وفيه علم من احتاط على عباد الله ما له عند الله وفيه علم اتخاذ الشبه أدلة ما الذي أعماهم عن كونها شبها وفيه علم من يهمل من عباد الله يوم القيامة ممن لا يهمل وفيه علم الخواص والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب السابع والستون وثلاثمائة في معرفة منزل التوكل الخامس الذي ما كشفه أحد من المحققين لقلة القابلين له وقصور الأفهام عن دركه»

إن التوكل يثبت الأسبابا *** ويفتح الأغلاق والأبوابا

ويجود بالخير الأعم لنفسه *** ويقرب الأعداء والأحبابا

ويقول للنفس الضعيفة ناصحا *** وحد إلهك واترك الأربابا

إني خليفته وقد وكلته *** فمن اقتفى أثري إليه أصابا

إني له رحم وذاك وسيلتي *** فلقد نجا من يحفظ الأنسابا

[إن نزل إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من الليل‏]

قال الله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ فوصف نفسه بأمر لا ينبغي أن يكون ذلك الوصف إلا له تعالى وهو قوله وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ فهو تعالى معنا أينما كنا في حال نزوله إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من الليل في حال كونه استوى على العرش في حال كونه في العماء في حال كونه في الأرض وفي السماء في حال كونه أقرب إلى الإنسان من حَبْلِ الْوَرِيدِ منه وهذه نعوت لا يمكن أن يوصف بها إلا هو فما نقل الله عبدا من مكان إلى مكان ليراه بل ليريه من آياته التي غابت عنه قال تعالى سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ من آياتِنا وكذلك إذا نقل الله العبد في أحواله ليريه أيضا من آياته فنقله في أحواله مثل‏

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها

وكذلك قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام وكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والْأَرْضِ ولِيَكُونَ من الْمُوقِنِينَ وذلك عين اليقين لأنه عن رؤية وشهود وكذلك نقله عبده من مكان إلى مكان ليريه ما خص الله به ذلك المكان من الآيات الدالة عليه تعالى من حيث وصف خاص لا يعلم من الله تعالى إلا بتلك الآية وهو قوله تعالى سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ من آياتِنا وحديث الإسراء يقول ما أسريت به لا لرؤية الآيات لا إلي فإنه لا يحويني مكان ونسبة الأمكنة إلى نسبة واحدة فأنا الذي وسعني قلب عبدي المؤمن فكيف أسرى به إلي وأنا عنده ومعه أينما كان فلما أراد الله أن يرى النبي عبده محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من آياته ما شاء أنزل إليه جبريل عليه السلام وهو الروح الأمين بدابة يقال لها البراق إثباتا للأسباب وتقوية له ليريه العلم بالأسباب ذوقا كما جعل الأجنحة للملائكة ليعلمنا بثبوت الأسباب التي وضعها في العالم والبراق دابة برزخية فإنه دون البغل الذي تولد من جنسين مختلفين وفوق الحمار الذي تولد من جنس واحد فجمع البراق بين من ظهر من جنسين مختلفين وبين من ظهر من‏

جنس واحد لحكمة علمها أهل الله في صدور عالم الخلق وعالم الأمر وفي صدور الأجسام الطبيعية وما فوقها فركبه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأخذه جبريل عليه السلام والبراق للرسل مثل فرس النوبة الذي يخرجه المرسل إليه للرسول ليركبه تهمما به في الظاهر وفي الباطن أن لا يصل إليه إلا على ما يكون منه لا على ما يكون لغيره ليتنبه بذلك فهو تشريف وتنبيه لمن لا يدري مواقع الأمور فهو تعريف في نفس الأمر كما قررناه بما قلناه فجاء صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إلى البيت المقدس ونزل عن البراق وربطه بالحلقة التي تربطه بها الأنبياء عليه السلام كل ذلك إثبات للأسباب فإنه ما من رسول إلا وقد أسرى به راكبا على ذلك البراق وإنما ربطه مع علمه بأنه مأمور ولو أوقفه دون ربط بحلقة لوقف ولكن حكم العادة منعه من ذلك إبقاء لحكم العادة التي أجراها الله في مسمى الدابة

أ لا تراه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كيف وصف البراق بأنه شمس‏

وهو من شأن الدواب التي تركب وإنه قلب بحافره القدح الذي كان يتوضأ به صاحبه في القافلة الآتية إلى مكة فوصف البراق بأنه يعثر والعثور هو الذي أوجب قلب الآنية أعني القدح فلما صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم جاءه جبريل بالبراق فركب عليه ومعه جبريل فطار البراق به في الهواء فاخترق به الجو فعطش واحتاج إلى الشرب فأتاه جبريل عليه السلام بإناءين إناء لبن وإناء خمر وذلك قبل تحريم الخمر فعرضهما عليه فتناول اللبن فقال له جبريل عليه السلام أصبت الفطرة أصاب الله بك أمتك ولذلك كان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يتأول اللبن إذا رآه في النوم بالعلم‏

خرج البخاري في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أريت كأني أتيت بقدح لبن فشربته حتى رأيت الري يخرج من تحت أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم فلما وصل إلى السماء الدنيا استفتح جبريل فقال له الحاجب من هذا فقال جبريل قال ومن معك قال محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح فدخلنا فإذا بآدم صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وعن يمينه أشخاص بنيه السعداء أهل الجنة وعن يساره نسم بنيه الأشقياء عمرة النار ورأى صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم نفسه في أشخاص السعداء الذين على يمين آدم فشكر الله تعالى وعلم عند ذلك كيف يكون الإنسان في مكانين وهو عينه لا غيره فكان له كالصورة المرئية والصور المرئيات في المرآة والمرايا فقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم عرج به البراق وهو محمول عليه في الفضاء الذي بين السماء الأولى والسماء الثانية أو سمك السموات فاستفتح جبريل السماء الثانية كما فعل في الأولى وقال وقيل له فلما

دخل إذا بعيسى عليه السلام بجسده عينه فإنه لم يمت إلى الآن بل رفعه الله إلى هذه السماء وأسكنه بها وحكمه فيها وهو شيخنا الأول الذي رجعنا على يديه وله بنا عناية عظيمة لا يغفل عنا ساعة واحدة وأرجو أن ندرك زمان نزوله إن شاء الله فرحب به وسهل ثم جاء السماء الثالثة فاستفتح وقال وقيل له ففتحت وإذا بيوسف عليه السلام فسلم عليه ورحب وسهل وجبريل في هذا كله يسمى له من يراه من هؤلاء الأشخاص ثم عرج به إلى السماء الرابعة فاستفتح وقال وقيل له ففتحت فإذا بإدريس عليه السلام بجسمه فإنه ما مات إلى الآن بل رفعه الله مَكاناً عَلِيًّا وهو هذه السماء قلب السموات وقطبها فسلم عليه ورحب وسهل ثم عرج به إلى السماء الخامسة فاستفتح وقال وقيل له ففتحت فإذا بهارون ويحيى عليه السلام فسلما عليه ورحبا به وسهلا ثم عرج به إلى السماء السادسة فاستفتح وقال وقيل له ففتحت فإذا بموسى عليه السلام فسلم عليه ورحب وسهل ثم عرج به إلى السماء السابعة فاستفتح وقال وقيل له ففتحت فإذا بإبراهيم الخليل عليه السلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور فسلم عليه ورحب وسهل وسمي له البيت المعمور الضراح فنظر إليه وركع فيه ركعتين وأعلمنا أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك من الباب الواحد ويخرجون من الباب الآخر فالدخول من باب مطالع الكواكب والخروج من باب مغارب الكواكب وأخبره أن أولئك الملائكة يخلقهم الله كل يوم من قطرات ماء الحياة التي تسقط من جبريل حين ينتفض كما ينتفض الطائر عند ما يخرج من انغماسه في نهر الحياة فإن له كل يوم غمسة فيه ثم عرج به إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها كالقلال وورقها كأذان الفيلة فرآها وقد غشاها الله من النور ما غشى فلا يستطيع أحد أن ينعتها لأن البصر لا يدركها لنورها ورأى يخرج من أصلها أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران‏

باطنان فأخبره جبريل أن النهرين الظاهرين النيل والفرات والنهرين الباطنين نهران يمشيان إلى الجنة وأن هذين النهرين النيل والفرات يرجعان يوم القيامة إلى الجنة وهما نهرا العسل واللبن وفي الجنة أربعة أنهار نهر من ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ ونهر من لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ونهر من خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ونهر من عَسَلٍ مُصَفًّى وهذه الأنهار تعطي لأصحابها علوما عند شربهم منها متنوعة يعرفها أصحاب الأذواق في الدنيا ولنا فيها جزء صغير فلينظر ما ذكرناه في ذلك الجزء وأخبره أن أعمال بنى آدم تنتهي إلى تلك السدرة وإنها مقر الأرواح فهي نهاية لما ينزل مما هو فوقها ونهاية لما يعرج إليها مما هو دونها وبها مقام جبريل عليه السلام وهناك منصته فنزل صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن البراق بها وجي‏ء إليه بالرفرف وهو نظير المحفة عندنا فقعد عليه وسلمه جبريل إلى الملك النازل بالرفرف فسأله الصحبة ليأنس به فقال لا أقدر لو خطوت خطوة احترقت ف ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وما أسرى الله بك يا محمد إلا ليريك من آياته فلا تغفل فودعه وانصرف على الرفرف مع ذلك الملك يمشي به إلى أن ظهر لمستوي سمع منه صريف القلم والأقلام في الألواح بما يكتب الله بها مما يجريه في خلقه وما تنسخه الملائكة من أعمال عباده وكل قلم ملك قال تعالى إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ثم زج في النور زجة فأفرده الملك الذي كان معه وتأخر عنه فاستوحش لما لم يره وبقي لا يدري ما يصنع وأخذه هيمان مثل السكران في ذلك النور وأصابه الوجد فأخذ يميل ذات اليمين وذات الشمال واستفزعه الحال وكان سببه سماع إيقاع تلك الأقلام وصريفها في الألواح فأعطت من النغمات المستلذة ما أداه إلى ما ذكرناه من سريان الحال فيه وحكمه عليه فتقوى بذلك الحال وأعطاه الله في نفسه علما علم به ما لم يكن يعلمه قبل ذلك عن وحي من حيث لا يدري وجهته فطلب الأذن في الرؤية بالدخول على الحق فسمع صوتا يشبه صوت أبي بكر وهو يقول له يا محمد قف إن ربك يصلي فراعه ذلك الخطاب وقال في نفسه أ ربي يصلي فلما وقع في نفسه هذا التعجب من هذا الخطاب وأنس بصوت أبي بكر الصديق تلي عليه هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلائِكَتُهُ فعلم عند ذلك ما هو المراد بصلاة الحق فلما فرغ من الصلاة مثل قوله سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ مع أنه لا يشغله شأن عن شأن ولكن لخلقه أصناف العالم أزمان مخصوصة وأمكنة مخصوصة لا يتعدى بها زمانها ولا مكانها لما سبق في علمه ومشيئته في ذلك فأوحى الله إليه في تلك الوقفة ما أوحى ثم أمر بالدخول فدخل فرأى عين ما علم لا غير وما تغيرت عليه صورة اعتقاده ثم فرض عليه في جملة ما أوحى به إليه خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزل حتى وصل إلى موسى عليه السلام فسأله موسى عما قيل له وما فرض عليه فأجابه وقال إن الله فرض على أمتي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فقال له يا محمد قد تقدمت إلى هذا الأمر قبلك وعرفته ذوقا وتعبت مع أمتي فيه وأني أنصحك فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجع ربك وسله التخفيف فراجع ربه فترك له عشرا فأخبر موسى بما ترك له ربه فقال له موسى راجع ربك فراجعه فترك له عشرا فأخبر موسى فقال له راجع ربك فراجعه فترك له عشرا فأخبر موسى فقال له راجع ربك فراجعه فترك له عشرا فأخبر موسى فقال له راجع ربك فراجعه فقال له ربه هي خمس وهي خمسون ما يبدل القول لدي فأخبر موسى فقال راجع ربك فقال إني أستحي من ربي وقد قال لي كذا وكذا ثم ودعه وانصرف ونزل إلى الأرض قبل طلوع الفجر فنزل بالحجر فطاف ومشى إلى بيته‏

فلما أصبح ذكر ذلك للناس فالمؤمن به صدقه وغير المؤمن به كذبه والشاك ارتاب فيه ثم أخبرهم بحديث القافلة وبالشخص الذي كان يتوضأ وإذا بالقافلة قد وصلت كما قال فسألوا الشخص فأخبرهم بقلب القدح كما أخبرهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وسأله من حضر من المكذبين ممن رأى بيت المقدس أن يصفه لهم ولم يكن رأى منه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إلا قدر ما مشى فيه وحيث صلى فرفعه الله له حتى نظر إليه فأخذ ينعته للحاضرين فما أنكروا من نعته شيئا ولو كان الإسراء بروحه وتكون رؤيا رآها كما يراه النائم في نومه ما أنكره أحد ولا نازعه وإنما أنكروا عليه كونه أعلمهم أن الإسراء كان بجسمه في هذه المواطن كلها وله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أربعة وثلاثون مرة الذي أسرى به منها إسراء واحد بجسمه والباقي بروحه رؤيا رآها وأما الأولياء فلهم إسراءات روحانية برزخية يشاهدون فيها معاني متجسدة في صور محسوسة للخيال يعطون العلم بما تتضمنه تلك الصور من المعاني ولهم الإسراء في الأرض‏

وفي الهواء غير أنهم ليست لهم قدم محسوسة في السماء وبهذا زاد على الجماعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بإسراء الجسم واختراق السموات والأفلاك حسا وقطع مسافات حقيقية محسوسة وذلك كله لورثته معنى لا حسا من السموات فما فوقها فلنذكر من إسراء أهل الله ما أشهدني الله خاصة من ذلك فإن إسراءاتهم تختلف لأنها معان متجسدة بخلاف الإسراء المحسوس فمعارج الأولياء معارج أرواح ورؤية قلوب وصور برزخيات ومعان متجسدات فمما شهدته من ذلك وقد ذكرناه في كتابنا المسمى بالإسراء وترتيب الرحلة

أ لم تر أن الله أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ *** من الحرم الأدنى إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى‏

إلى أن علا السبع السموات قاصدا *** إلى بيته المعمور بالملإ الأعلى‏

إلى السدرة العليا وكرسيه الأحمى *** إلى عرشه الأسنى إلى المستوي الأزهى‏

إلى سبحات الوجه حين تقشعت *** سحاب العمي عن عين مقلته النجلا

وكان تدليه على الأمر إذ دنى *** من الله قربا قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏

وكانت عيون الكون عنه بمعزل *** تلاحظ ما يسقيه بالمورد الأحلى‏

فخاطبه بالأنس صوت عتيقة *** توقف فرب العرش سبحانه صلى‏

فأزعجه ذاك الخطاب وقال هل *** يصلي إلهي ما سمعت به يتلى‏

وشال حجاب العلم عن عين قلبه *** وأوحى إليه في الغيوب الذي أوحى‏

فعاين ما لا يقدر الخلق قدره *** وأيده الرحمن بالعروة الوثقى‏

وألفاه تواقا إلى وجه ربه *** فأكرمه الرحمن بالمنظر الأجلى‏

ومن قبل ذا قد كان أشهد قلبه *** بغار حراء قبل ذلك في المجلى‏

فإذا أراد الله تعالى أن يسرى بأرواح من شاء من ورثة رسله وأوليائه لأجل أن يريهم من آياته فهو إسراء لزيادة علم وفتح عين فهم فيختلف مسراهم فمنهم من أسرى به فيه فهذا الإسراء فيه حل تركيبهم فيوقفهم بهذا الإسراء على ما يناسبهم من كل عالم بأن يمر بهم على أصناف العالم المركب والبسيط فيترك مع كل عالم من ذاته ما يناسبه وصورة تركه معه أن يرسل الله بينه وبين ما ترك منه مع ذلك الصنف من العالم حجابا فلا يشهده ويبقى له شهود ما بقي حتى يبقى بالسر الإلهي الذي هو الوجه الخاص الذي من الله إليه فإذا بقي وحده رفع عنه حجاب الستر فيبقى معه تعالى كما بقي كل شي‏ء منه مع مناسبه فيبقى العبد في هذا الإسراء هو لا هو فإذا بقي هو لا هو أسرى به من حيث هو لا من حيث لا هو إسراء معنويا لطيفا فيه لأنه في الأصل على صورة العالم وصورته على صورته تعالى فكله على صورته من حيث هو تعالى فإن العالم على صورة الحق والإنسان على صورة العالم فالإنسان على صورة الحق فإن المساوي لأحد المتساويين مساو لكل واحد من المتساويين فإنه إذا كان كل ألف با وكل با جيم فكل ألف جيم فلينظر جيم من حيث هو ألف لا من حيث هو با كذلك ينظر الإنسان نفسه من حيث هو على صورة الحق لا من حيث هو على صورة العالم وإن كان العالم على صورة الحق ولما كان الترتيب على ما وقع عليه الوجود لتاخر النشأة الجسمية الإنسانية عن العالم فكانت آخرا فظهرت في نشأتها على صورة العالم وما كان العالم على الكمال في صورة الحق حتى وجد الإنسان فيه فبه كمل العالم فهو الأول بالمرتبة والآخر بالوجود فالإنسان من حيث رتبته أقدم من حيث جسميته فالعالم بالإنسان على صورة الحق والإنسان دون العالم على صورة الحق والعالم دون الإنسان ليس على الكمال في صورة الحق ولا يقال في الشي‏ء إنه على صورة كذا حتى يكون هو من كل وجوهه إلا الذي لا يمكن أن يقال فيه هو كما قلنا في جيم إنه ألف لكونه با والباء ألف ولكن قد تميز عين كل واحد بأمر ليس هو عين الآخر وهو كون الألف ألف والباء باء والجيم جيم كذلك الحق حق والإنسان إنسان والعالم عالم وقد بان ذلك بالتساوي فإنه إن لم تكن ثم حقيقة يقع بها تميز الأعيان لم يصح أن تقول كذا مساو لكذا بل تقول عين كذا

بلا تجوز فإني قد أشرت إلى أمرين فقد وقع التمييز فلا بد من فصل يعقل لو لا ذلك الفصل ما كانت كثرة في عين الواحد فلم يبق للواحد سوى أحديته التي يقال بها لا هو عين الآخر وبالذي يقال به هو عين الآخر هو أحدية الكثرة فإنه كثرة بإطلاق ألف با جيم عليه ثم قال في إقامة البرهان كل هذا هو هذا فأشار فكثر وأعاد الضمير فوحد فوصل وفصل‏

فالفصل في عين الوصل لمن عقل فإذا وقف الغير على ما قدمناه وعلم أنه ما كان على صورة العالم وإنما كان على صورة الحق أسرى به الحق في أسمائه ليريه من آياته فيه فيعلم أنه المسمى بكل اسم إلهي سواء كان ذلك الاسم من المنعوت بالحسن أو لا وبها يظهر الحق في عباده وبها يتلون العبد في حالاته فهي في الحق أسماء وفينا تلوينات وهي عين الشئون التي هو فيها الحق ففينا بنا يتصرف كما نحن به فيه نظهر ولهذا قلنا

دليلي فيك تلويني *** وهذا منك يكفيني‏

فلم أسأل عن الأمر *** الذي إليك يدعوني‏

فإني لست أدريه *** وليس الأمر يدريني‏

فلو يدريني الأمر *** لما ميزت تكويني‏

ولا قلنا ولا قالوا *** سيهديني ويحييني‏

وقد قالوا وقد قلنا *** فأعنيه ويعنيني‏

فأفنيه وأبقيه *** ويفنيني ويبقيني‏

فارضيه فيمدحني *** وأغضبه فيهجوني‏

فإذا أسرى الحق بالولي في أسمائه الحسنى إلى غير ذلك من الأسماء وكل الأسماء الإلهية علم تقلبات أحواله وأحوال العالم كله وإن ذلك التقلب هو الذي أحدث فينا عين تلك الأسماء كما علمنا أن تقلبات الأحوال أحكام تلك الأسماء فاسم الحال الذي انقلبت منه والذي انقلبت إليه هو اسمي به أقلب كما به تقلبت فبالرءوف الرحيم كان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بالمؤمنين رءوفا رحيما وبالمؤمن كان مؤمنا وبالمهيمن كان مهيمنا فجعلنا شهداء بعضنا على بعض وعلى أنفسنا وبالصبور والشكور كان ما ابتلي به من الريح لسوق الجواري في البحر آية لِكُلِّ صَبَّارٍ لما فيها من الأمر المفزع الهائل شَكُورٍ لما فيها من الفرح والنعمة بالوصول إلى المطلوب بسرعة ولقد رأيت ذلك ذوقا من نفسي جرينا بالريح الشديد من ضحى يومنا إلى غروب الشمس مسيرة عشرين يوما في موج كالجبال فكيف لو كان البحر فارغا والربح من ورائنا كنا نقطع أكثر من ذلك ولكن أراد الله أن يرينا آيات كل صبار شكور فما من اسم سمي به نفسه إلا وسمانا به فبها نتقلب في أحوالنا وبها نقلب فمن علم هذه الآيات فقد أسرى الحق به في أسمائه فأراه من آياته ليكون سميعا بصيرا سميعا لما يخبر به الحق من التعريفات باللسان الخاص وهو ما أنزله من كلامه الذي نسبه إليه وباللسان العام وهو ما يتكلم به جميع العالم مما يتكلمون به كان ما كان فإنه قد سمعنا ما حكاه الحق لنا من كلام اليهود فيه وسمعناه من اليهود فسمعناه باللسان العام والخاص فحكى ما نطقهم به إذ ليس في وسع المخلوق أن ينطق من غير أن ينطق فإذا نطق نطق فافهم فحكى به عنهم بهم عنه فإذا كمل حظه من الإسراء في الأسماء وعلم ما أعطته من الآيات أسماء الله في ذلك الإسراء عاد يركب ذاته تركيبا غير ذلك التركيب الأول لما حصل له من العلم الذي لم يكن عليه حين تحلل فما زال يمر على أصناف العالم ويأخذ من كل عالم ما ترك عنده منه فيتركب في ذاته فلا يزال يظهر في طور طور إلى أن يصل إلى الأرض فيصبح في أهله وما عرف أحد ما طرأ عليه في سره حتى تكلم فسمعوا منه لسانا غير اللسان الذي كانوا يعرفونه فإذا قال له أحدهم ما هذا يقول له إن الله أسرى بي فأراني من آياته ما شاء فيقول له السامعون ما فقدناك كذبت فيما ادعيت من ذلك ويقول الفقيه منهم هذا رجل يدعي النبوة أو قد دخله خلل في عقله فهو إما زنديق فيجب قتله وإما معتوه فلا خطاب لنا معه فيسخر به قوم ويعتبر به آخرون ويؤمن بقوله آخرون وترجع مسألة خلاف في العالم وغاب الفقيه عن قوله تعالى سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الْآفاقِ وفي أَنْفُسِهِمْ ولم يخص طائفة من طائفة فمن أراه الله شيئا من هذه الآيات على هذه الطريقة التي ذكرناها فليذكر ما رآه ولا يذكر الطريقة فإنه يصدق وينظر في كلامه ولا يقع الإنكار عليه إلا إذا ادعى الطريقة

[رؤية الآيات وتقلبات الأحوال في العالم كله آيات‏]

واعلم أنه ليس بين العالم وصاحب هذه الطريقة والصفة فرق في الإسراء لأنه لرؤية الآيات وتقلبات الأحوال في العالم كله آيات فهم فيها ولا يشعرون فما يزيد هذا الصنف على سائر الخلق المحجوبين إلا بما يلهمه الله في سره من النظر بعقله وبفكره أو من التهيؤ بصقالة مرآة قلبه ليكشف له عن هذه الآيات كشفا وشهودا وذوقا ووجودا فالعالم ينكرون عين ما هم‏

فيه وعليه ولو لا ذكره الطريقة التي بها نال معرفة هذه الأشياء ما أنكره عليه أحد فالناس كلهم لا أحاشي منهم من أحد يضربون الأمثال لله وقد تواطئوا على ذلك ولا واحد منهم ينكر على الآخر والله يقول فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ وهم في عماية عن هذه الآية فأما أولياء الله فلا يضربون لله الأمثال فإن الله هو الذي يضرب الأمثال للناس لعلمه بمواقعها لأن الله يعلم ونحن لا نعلم فيشهد الولي ما ضربه الله من الأمثال فيرى في ذلك الشهود عين الجامع الذي بين المثل وبين ما ضرب له ذلك المثل فهو عينه من حيث ذلك الجامع وما هو عينه من حيث ما هو مثل فالولي لا يضرب لله الأمثال بل هو يعرف ما ضرب الله له الأمثال كقوله تعالى الله نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ أي صفة نوره كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ من شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى‏ نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ من يَشاءُ بما ضربه لعباده من هذا النور بالمصباح لنوره الممثل به من يشاء ويَضْرِبُ الله الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ والله بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ فهذا مصباح مخصوص ما هو كل مصباح فلا ينبغي أن يقال نور الله كالمصباح من كونه يكشف المصباح كل ما انبسط عليه نوره لصاحب بصر مثل هذا لا يقال فإن الله ما ذكر ما ذكره من شروط هذا المصباح ونعوته وصفاته الممثل به سدى فمثل هذا المصباح هو الذي يضرب به المثل فإن الله يعلم كيف يضرب الأمثال وقد قال إنه ما يضرب الأمثال إلا للناس ونهانا أن نضرب لله الأمثال فإن الله يعلم ونحن لا نعلم فإن ضربنا الأمثال فلننظر فإن كان الله قد ضرب في ذلك مثلا للناس فلنقف عنده وهو الأدب الإلهي وإن لم نجد لله في ذلك مثلا مضروبا فلنضرب عند ذلك مثلا للناس الذين لا يعلمون ذلك إلا بالمثل المضروب وإن أنصفنا فلا نضربه لله فإن الله يعلمه وتتحرى الصواب في ضرب ذلك المثل إن كنت صاحب فكر واعتبار وإن كنت صاحب كشف وشهود فلا تتحرى فإنك على بينة من ربك فلا تقصد ما أنت فيه بل تبديه كما شهدته مثل ما يحكى ما ضرب الله لنفسه من المثل فهذه حالة أولياء الله في ضرب الأمثال كما قال في اختلاف الناس في عدد أصحاب الكهف رجما بالغيب لأنهم ما شاهدوهم ولذا جاء بفعل الاستقبال فقال سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ الآية ثم قال قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ يعني كم عددهم إِلَّا قَلِيلٌ إما من شاهدهم ممن لا يغلب عليه الوهم وإما من أعلمه الله بعدتهم وقال تعالى ما يَكُونُ من نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ولا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ من باب الإشارة في الجمع بين الآيتين ولكن كما قال من أنه رابع ثلاثة لا ثالث ثلاثة لأنه لا يقال رابع أربعة إلا في الجنس الواحد والأمثال فإذا انتفت المثلية لم يقل فيه إنه خامس خمسة إذا كان معهم وإنما يقال فيه خامس أربعة أو سادس خمسة أ لا ترى الكلب لما لم يكن من النوع الإنساني قالوا سبعة وثامنهم كلبهم ولم يقولوا ثمانية ثامنهم كلبهم فافهم تصب إن شاء الله‏

فلا تضرب لرب الكون *** من أكوانه مثلا

فلا أحد يماثله *** فجل بذاته وعلا

فلم أضرب له مثلا *** وكل الناس قد فعلا

فلا تضرب له مثلا *** وكن في حزب من عقلا

فلما أراد الله أن يسرى بي ليريني من آياته في أسمائه من أسمائي وهو حظ ميراثنا من الإسراء أزالني عن مكاني وعرج بي على براق إمكاني فزج بي في أركاني فلم أر أرضى تصحبني فقيل لي أخذه الوالد الأصلي الذي خلقه الله من تراب فلما فارقت ركن الماء فقدت بعضي فقيل لي إنك مخلوق من ماءٍ مَهِينٍ فأهانته ذلته فلصق بالتراب فلهذا فارقته فنقص مني جزآن فلما جئت ركن الهواء تغيرت على الأهواء وقال لي الهواء ما كان فيك مني فلا يزول عني فإنه لا ينبغي له أن يعدو قدره ولا يمد رجله في غير بساطه فإن لي عليك مطالبة بما غيره مني تعفينك فإنه لولاه ما كنت مسنونا فإني طيب بالذات خبيث بصحبة من جاورني فلما خبثتني صحبته ومجاورته قيل فيه حمأ مسنون فعاد خبثه عليه فإنه هو المنعوت وهو الذي غيرني في مشام أهل الشم‏

من أهل الروائح فقلت له ولما ذا أتركه عندك قال حتى يزول عنه هذا الخبث الذي اكتسبه من عفونتك ومجاورة طينك ومائك فتركته عنده فلما وصلت إلى ركن النار قيل قد جاء الفخار فقيل وقد بعث إليه قال نعم قيل ومن معه قال جبريل الجبر فهو مضطر في رحلته ومفارقة بنيته فقال لي عنده في نشأته جزء مني لا أتركه معه إذ قد وصل إلى الحضرة التي يظهر فيها ملكي واقتداري ونفوذ تصرفي فنفذت إلى السماء الأولى وما بقي‏

معي من نشأتي البدنية شي‏ء أعول عليه ولا أنظر إليه فسلمت على والدي وسألني عن تربتي فقلت له إن الأرض أخذت مني جزأها وحينئذ خرجت عنها وعن الماء بطينتي فقال لي يا ولدي هكذا جرى لها مع أبيك فمن طلب حقه فما تعدى ولا سيما وأنت لها مفارق ولا تعرف هل ترجع إليها أم لا فإنه تعالى يقول إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ولا يعلم أحد ما في مشيئة الحق إلا أن يعلمه الحق بذلك فالتفت فإذا أنا بين يديه وعن يمينه من نسم بنيه عيني فقلت له هذا أنا فضحك فقلت له فأنا بين يديك وعن يمينك قال نعم هكذا رأيت نفسي بين يدي الحق حين بسط يده فرأيتني وبنى في اليد ورأيتني بين يديه فقلت له فما كان في اليد الأخرى المقبوضة قال العالم قلت له فيمين الحق تقضي بتعيين السعادة فقال نعم تقضي بالسعادة فقلت له فقد فرق الحق لنا بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال فقال لي يا ولدي ذلك يمين أبيك وشماله أ لا ترى نسم بنى على يميني وعلى شمالي وكلتا يدي ربي يمين مباركة فبنى في يميني وفي شمالي وأنا وبنى في يمين الحق وما سوانا من العالم في اليد الأخرى الإلهية قلت فإذا لا نشقى فقال لو دام الغضب لدام الشقاء فالسعادة دائمة وإن اختلف المسكن فإن الله جاعل في كل دار ما يكون به نعيم أهل تلك الدار فلا بد من عمارة الدارين وقد انتهى الغضب في يوم العرض الأكبر وأمر بإقامة الحدود فأقيمت وإذا أقيمت زال الغضب فإن الرسالة تزيله فهو عين إقامة الحدود على المغضوب عليه فلم يبق إلا الرضاء وهو الرحمة التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فإذا انتهت الحدود

صار الحكم للرحمة العامة في العموم فأفادني أبي آدم هذا العلم ولم أكن به خبيرا فكان لي ذلك بشرى معجلة إلهية في الحياة الدنيا وتنتهي القيامة بالزمان كما قال الله خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وهذه مدة إقامة الحدود ويرجع الحكم بعد انقضاء هذه المدة إلى الرحمن الرحيم وللرحمن الأسماء الحسنى وهي حسني لمن تتوجه عليه بالحكم فالرحيم برحمته ينتقم من الغضب وهو شديد البطش به مذل له مانع بحقيقته فيبقى الحكم في تعارض الأسماء بالنسب والخلق بالرحمة مغمورون فلا يزال حكم الأسماء في تعارضها لا فينا فافهم فإنه علم غريب دقيق لا يشعر به بل الناس في عماية عنه وما منهم إلا من لو قلت له ترضى لنفسك أن يحكم عليك ما يسوءك من هذه الأسماء لقال لا ويجعل حكم ذلك الاسم الذي يسوء في حق غيره فهذا من أجهل الناس بالخلق وهو بالحق أجهل فأفاد هذا الشهود بقاء أحكام الأسماء في الأسماء لا فينا وهي نسب تتضاد بحقائقها فلا تجتمع أبدا ويبسط الله رحمته على عباده حيث كانوا فالوجود كله رحمة ثم رحلت عنه بعد ما دعا لي فنزلت بعيسى عليه السلام في السماء الثانية فوجدت عنده ابن خالته يحيى عليه السلام فكانت الحياة الحيوانية ولو كان يحيى بن خالته لكان روحا ولما كانت الحياة الحيوانية ملازمة للروح وجدت يحيى عند روح الله عيسى لأن الروح حي بلا شك وما كل حي روح فسلمت عليهما فقلت له بما ذا زدت علينا حتى سماك الله بالروح المضاف إلى الله فقال أ لم تر إلى من وهبني لأمي ففهمت ما قال فقال لي لو لا هذا ما أحييت الموتى فقلت له فقد رأينا من أحيا الموتى ممن لم تكن نشأته كنشأتك فقال ما أحيا الموتى من أحياهم إلا بقدر ما ورثه عني فلم يقم في ذلك مقامي كما لم أقم أنا مقام من وهبني في إحياء الموتى فإن الذي وهبني يعني جبريل ما يطأ موضعا إلا حيي ذلك الموضع بوطأته وأنا ليس كذلك بل حظنا أن نقيم الصور بالوطء خاصة والروح الكل يتولى أرواح تلك الصور وما يطئوه الروح الذي وهبني هو يعطي الحياة في صورة ما أظهره الوطء فاعلم ذلك ثم رددت وجهي إلى يحيى عليه السلام وقلت له أخبرت إنك تذبح الموت إذا أتى الله به يوم القيامة فيوضع بين الجنة والنار ليراه هؤلاء وهؤلاء ويعرفون أنه الموت في صورة كبش أملح قال نعم ولا ينبغي ذلك إلا لي فإني يحيى وإن ضدي لا يبقى معي وهي دار الحيوان فلا بد من إزالة الموت فلا مزيل له سواى فقلت له صدقت فيما أشرت إلي به‏

ولكن في العالم يحيى كثير فقال لي ولكن لي مرتبة الأولية في هذا الاسم فبي يحيى كل من يحيى من الناس من تقدم ومن تأخر وإن الله ما جعل لي من قبل سميا فكل يحيى تبع لي فبظهوري لا حكم لهم فنبهني على شي‏ء لم يكن عندي فقلت جزاك الله عني خيرا من صاحب موروث وقلت الحمد لله الذي جمعكما في سماء واحدة أعني روح الله عيسى ويحيى عليه السلام حتى أسألكما عن مسألة واحدة فيقع الجواب بحضور كل واحد منكما فإنكما خصصتما بسلام الحق فقيل في عيسى إنه قال في المهد والسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا وقيل في يحيى وسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ويَوْمَ يَمُوتُ ويَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا فأخبر عيسى عن نفسه بسلام‏

الحق عليه والحق أخبر بسلامه على يحيى فأي مقام أتم فقال لي أ لست من أهل القرآن قلت له بلى أنا من أهل القرآن فقال انظر فيما جمع الحق بيني وبين ابن خالتي أ ليس قد قال الله في ونَبِيًّا من الصَّالِحِينَ فعينني في النكرة فقلت له نعم قال أ لم يقل في عيسى ابن خالتي إِنَّهُ من الصَّالِحِينَ كما قال عني فعينه في النكرة ثم قال إن عيسى هذا لما كان كلامه في المهد دلالة على براءة خالتي مما نسب إليها لم يترجم عن الله إلا هو بنفسه فقال والسَّلامُ عَلَيَّ يعني من الله قلت له صدقت قلت ولكن سلم بالتعريف وسلام الحق عليك بالتنكير والتنكير أعم فقيل لي ما هو تعريف عين بل هو تعريف جنس فلا فرق بينه بالألف واللام وبين عدمهما فإنا وإياه في السلام على السواء وفي الصلاح كذلك وجاء الصلاح لنا بالبشرى في وفي عيسى بالملائكة فقلت له أفدتني أفادك الله فقلت له فلم كنت حصورا فقال ذلك من أثر همة والدي في استفراغه في مريم البتول والبتول المنقطعة عن الرجال لما دخل عليها المحراب ورأى حالها فأعجبه فدعا الله أن يرزقه ولدا مثلها فخرجت حصورا منقطعا عن النساء فما هي صفة كمال وإنما كانت أثر همة فإن في الإنتاج عين الكمال قلت له فنكاح الجنة ما فيه نتاج فقال لا تقل بل هو نتاج ولا بد وولادته نفس تخرج من الزوجة عند الفراغ من الجماع فإن الإنزال ريح كما هو في الدنيا ماء فيخرج ذلك الريح بصورة ما وقع عليه الاجتماع بين الزوجين فمنا من يشهد ذلك ومنا من لا يشهده كما هو الأمر عليه في الدنيا عالم غيب لمن غاب عنه وعالم شهادة في حق من شهده قلت له أفدتني أفادك الله من نعمه العلم به ثم قلت له هذه سماؤك قال لي لا أنا متردد بين عيسى وهارون أكون عند هذا وعند هذا وكذلك عند يوسف وإدريس عليه السلام فقلت له فلما ذا خصصت هارون دون غيره من الأنبياء فقال لي لحرمة النسب ما جئت لعيسى إلا لكونه ابن خالتي فأزوره في سمائه وآتي إلى هارون لكون خالتي أختا له دينا ونسبا قلت فما هو أخوها لأن بينهما زمانا طويلا وعالما فقال لي قوله وإِلى‏ ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً ما هذه الأخوة أ ترى هو أخو ثمود لأبيه وأمه فهو أخوهم فسمى القبيلة باسم ثمود وكان صالح من نسل ثمود فهو أخوهم بلا شك ثم جاء بعد ذلك بالدين أ لا ترى أصحاب الأيكة لما لم يكونوا من مدين وكان شعيب من مدين فقال في شعيب أخو مدين وإِلى‏ مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً ولما جاء ذكر أصحاب الأيكة قال إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ولم يقل أخاهم لأنهم ليسوا من مدين وشعيب من مدين فزيارتي لهما صلة رحم وأنا لعيسى أقرب مني لهارون ثم عرج بي إلى السماء الثالثة إلى يوسف عليه السلام فقلت له بعد أن سلمت عليه فرد وسهل بي ورحب يا يوسف لم لم تجب الداعي حين دعاك ورسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول عن نفسه إنه لو ابتلي بمثل ما ابتليت به ودعي لأجاب الداعي ولم يبق في السجن حتى يأتيه الجواب من الملك بما تقول النسوة

فقال لي بين الذوق والفرض ما بين السماء والأرض كثير بين أن تفرض الأمر أو تذوقه من نفسك لو نسب إليه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما نسب إلي لطلب صحة البراءة في غيبته فإنها أدل على براءته من حضوره ولما كان رحمة كان من عالم السعة والسجن ضيق فإذا جاء لمن حاله هذا سارع إلى الانفراج وهذا فرض فالكلام مع التقدير المفروض ما هو مثل الكلام مع الذائق أ لا تراه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما ذكر ذلك إلا في معرض نسبة الكمال إلي فيما تحملته من الفرية علي فقال ذلك أدبا معي لكونى أكبر منه بالزمان كما

قال في إبراهيم نحن أحق بالشك من إبراهيم فيما شك فيه إبراهيم‏

وكما

قال في لوط يرحم الله أخي لوطا لقد كان يأوي إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ

أ تراه أكذبه حاشى لله فإن الركن الشديد الذي أراده لوط هو القبيلة والركن الشديد الذي ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم هو الله فهذا تنبيه لك أن لا تجري نفسك فيما لا ذوق لك فيه مجرى من ذاق فلا تقل لو كنت أنا عوض فلان لما قيل له كذا وقال كذا ما كنت أقوله لا والله بل لو نالك ما ناله لقلت ما قاله فإن الحال الأقوى حاكم على الحال الأضعف وقد اجتمع في يوسف وهو رسول الله حالان حال السجن وحال كونه مفترى عليه والرسول يطلب أن يقرر في نفس المرسل إليه ما يقبل به دعاء ربه فيما يدعوه به إليه والذي نسب إليه معلوم عند كل أحد إنه لا يقع من مثل من جاء بدعوته إليهم فلا بد أن يطلب البراءة من ذلك عندهم ليؤمنوا بما جاء به من عند ربه ولم يحضر بنفسه ذلك المجلس حتى لا تدخل الشبهة في نفوس الحاضرين بحضوره وفرق كبير بين من يحضر في مثل هذا الموطن وبين من لا يحضر فإذا كانت المرأة لم تخن يوسف في غيبته لما برأته وأضافت المراودة لنفسها لتعلم أن يوسف‏

لم يخن العزيز في أهله وعلمت أنه أحق بهذا الوصف منها في حقه فما برأت نفسها بل قالت إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ فمن فتوة يوسف عليه السلام إقامته في السجن بعد أن دعاه الملك إليه وما علم قدر ذلك إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حيث قال عن نفسه لأجبت الداعي ثناء على يوسف فقلت له فالاشتراك في إخبار الله عنك إذ قال ولَقَدْ هَمَّتْ به وهَمَّ بِها ولم يعين فيما ذا يدل في اللسان على أحدية المعنى فقال ولهذا قلت للملك على لسان رسوله أن يسأل عن النسوة وشأن الأمر فما ذكرت المرأة إلا أنها راودته عن نفسه وما ذكرت أنه راودها فزال ما كان يتوهم من ذلك ولما لم يسم الله في التعبير عن ذلك أمرا ولا عين في ذلك حالا فقلت له لا بد من الاشتراك في اللسان قال صدقت فإنها همت بي لتقهرني على ما تريده مني وهممت أنا بها لأقهرها في الدفع عن ذلك فالاشتراك وقع في طلب القهر مني ومنها فلهذا قال ولَقَدْ هَمَّتْ به يعني في عين ما هم بها وليس إلا القهر فيما يريد كل واحد من صاحبه دليل ذلك قولها الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وما جاء في السورة قط إنه راودها عن نفسها فأراه الله البرهان عند إرادته القهر في دفعها عنه فيما تريده منه فكان البرهان الذي رآه أن يدفع عن نفسه بالقول اللين كما قال لموسى وهارون فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً أي لا تعنف عليها وتسبها فإنها امرأة موصوفة بالضعف على كل حال فقلت له أفدتني أفادك الله ثم ودعته وانصرفت إلى إدريس عليه السلام فسلمت عليه فرد وسهل ورحب وقال أهلا بالوارث المحمدي فقلت له كيف أبهم عليك الأمر على ما وصل إلينا فما علمت أمر الطوفان بحيث لا تشك فيه والنبي واقف مع ما يوحى به إليه فقال وأَرْسَلْناهُ إِلى‏ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فهذا مما أوحى به إلي قلت له وصلني عنك إنك تقول بالخرق فقال فلو لا الخرق ما رفعت مكانا عليا فقلت فأين مكانتك من مكانك فقال الظاهر عنوان الباطن قلت بلغني أنك ما طلبت من قومك إلا التوحيد لا غير قال وما فعلوا فإني كنت نبيا أدعو إلى كلمة التوحيد لا إلى التوحيد فإن التوحيد ما أنكره أحد قلت هذا غريب ثم قلت يا واضع الحكم الاجتهاد في الفروع مشروع عندنا وأنا لسان علماء الزمان قال وفي الأصول مشروع فإن الله أجل أن يكلف نفسا إلا وسعها قلت فلقد كثر الاختلاف في الحق والمقالات فيه قال لا يكون إلا كذلك فإن الأمر تابع للمزاج قلت فرأيتكم معاشر الأنبياء ما اختلفتم فيه فقال لأنا ما قلناه عن نظر وإنما قلناه عن إل واحد فمن علم الحقائق علم إن اتفاق الأنبياء أجمعهم على قول واحد في الله بمنزلة قول واحد من أصحاب النظر قلت فهل الأمر في نفسه كما قيل لكم فإن أدلة العقول تحيل أمورا مما جئتم به في ذلك فقال الأمر كما قيل لنا وكما قال من قال فيه فإن الله عند قول كل قائل ولهذا ما دعونا الناس إلا إلى‏

كلمة التوحيد لا إلى التوحيد ومن تكلم في الحق من نظره ما تكلم في محظور فإن الذي شرع لعباده توحيد المرتبة وما ثم إلا من قال بها قلت فالمشركون قال ما أخذوا إلا بالوضع فمن حيث كذبوا في أوضاعهم واتخذوها قربة ولم ينزلوها منزلة صاحب تلك الرتبة الأحدية قلت فإني رأيت في واقعتي شخصا بالطواف أخبرني أنه من أجدادي وسمي لي نفسه فسألته عن زمان موته فقال لي أربعون ألف سنة فسألته عن آدم لما تقرر عندنا في التأريخ لمدته فقال لي عن أي آدم تسأل عن آدم الأقرب فقال صدق إني نبي الله ولا أعلم للعالم مدة نقف عندها بجملتها إلا أنه بالجملة لم يزل خالقا ولا يزال دنيا وآخرة والآجال في المخلوق بانتهاء المدد لا في الخلق فالخلق مع الأنفاس يتجدد فما أعلمناه علمناه ولا يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ من عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ فقلت له فما بقي لظهور الساعة فقال اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وهُمْ في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ قلت فعرفني بشرط من شروط اقترابها فقال وجود آدم من شروط الساعة قلت فهل كان قبل الدنيا دار غيرها قال دار الوجود واحدة والدار ما كانت دنيا إلا بكم والآخرة ما تميزت عنها إلا بكم وإنما الأمر في الأجسام أكوان واستحالات وإتيان وذهاب لم يزل ولا تزال قلت ما ثم قال ما ندري وما لا ندري قلت فأين الخطاء من الصواب قال الخطاء أمر إضافي والصواب هو الأصل فمن عرف الله وعرف العالم عرف أن الصواب هو الأصل المستصحب الذي لا يزال وأن الخطاء بتقابل النظرين ولا بد من التقابل فلا بد من الخطاء فمن قال بالخطإ قال بالصواب ومن قال بعدم الخطاء قال صوابا وجعل الخطاء من الصواب قلت من أي صفة صدر العالم قال من الجود قلت هكذا سمعت بعض الشيوخ يقول قال صحيح ما قال قلت وإلى ما ذا يكون المال بعد انتقالنا من يوم العرض قال رحمة الله وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ قلت أي شي‏ء قال الشيئيتان فالباقي أبقاه برحمته والذي‏

أوجده أوجده برحمته ثم قال محال العوارض ثابتة في وجودها والعوارض تتبدل عليها بالأمثال والأضداد قلت ما الأمر الأعظم قال العالم به أعظم ثم ودعته وانصرفت فنزلت بهارون عليه السلام فوجدت يحيى قد سبقني إليه فقلت له ما رأيتك في طريقي فهل ثم طريق أخرى فقال لكل شخص طريق لا يسلك عليها إلا هو قلت فأين هي هذه الطرق فقال تحدث بحدوث السلوك فسلمت على هارون عليه السلام فرد وسهل ورحب وقال مرحبا بالوارث المكمل قلت أنت خليفة الخليفة مع كونك رسولا نبيا فقال أما أنا فنبي بحكم الأصل وما أخذت الرسالة إلا بسؤال أخي فكان يوحى إلي بما كنت عليه قلت يا هارون إن ناسا من العارفين زعموا أن الوجود ينعدم في حقهم فلا يرون إلا الله ولا يبقى للعالم عندهم ما يلتفتون به إليه في جنب الله ولا شك أنهم في المرتبة دون أمثالكم وأخبرنا الحق إنك قلت لأخيك في وقت غضبه لا تشمت بي الأعداء فجعلت لهم قدرا وهذا حال يخالف حال أولئك العارفين فقال صدقوا فإنهم ما زادوا على ما أعطاهم ذوقهم ولكن انظر هل زال من العالم ما زال عندهم قلت لا قال فنقصهم من العلم بما هو الأمر عليه على قدر ما فاتهم فعندهم عدم العالم فنقصهم من الحق على قدر ما انحجب عنهم من العالم فإن العالم كله هو عين تجلى الحق لمن عرف الحق فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ بما هو الأمر عليه‏

فليس الكمال سوى كونه *** فمن فاته ليس بالكامل‏

فيا قائلا بالفناء اتئد *** وحوصل من السنبل الحاصل‏

ولا تركنن إلى فائت *** ولا تبع النقد بالآجل‏

ولا تتبع النفس أغراضها *** ولا تمزج الحق بالباطل‏

ثم ودعته ونزلت بموسى عليه السلام فسلمت عليه فرد وسهل ورحب فشكرته على ما صنع في حقنا مما اتفق بينه وبين نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في المراجعة في حديث فرض الصلوات فقال لي هذه فائدة علم الذوق فللمباشرة حال لا يدرك إلا بها قلت ما زلت تسعى في حق الغير حتى صح لك الخير كله قال سعى الإنسان في حق الغير إنما يسعى لنفسه في نفس الأمر فما يزيده ذلك إلا شكر الغير والشاكر ذاكر لله بأحب المحامد لله وللساعي منطقة بتلك المحامد فالساعي ذاكر لله بلسانه ولسان غيره‏

قال الله تعالى لموسى عليه السلام يا موسى اذكرني بلسان لم تعصني به‏

فأمره أن يذكره بلسان الغير فأمره بالإحسان والكرم ثم قلت له إن الله اصطفاك على الناس برسالته وبكلامه وأنت سألت الرؤية ورسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول إن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت‏

فقال وكذلك كان لما سألته الرؤية أجابني فخررت صعقا فرأيته تعالى في صعقتي قلت موتا قال موتا قلت فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم شك في أمرك إذا وجدك في يوم البعث فلا يدري أ جوزيت بصعقة الطور فلم تصعق في نفخة الصعق فإن نفخة الصعق ما تعم فقال صدقت كذلك كان جازاني الله بصعقة الطور فما رأيته تعالى حتى مت ثم أفقت فعلمت من رأيت ولذلك قلت تُبْتُ إِلَيْكَ فإني ما رجعت إلا إليه فقلت أنت من جملة العلماء بالله فما كانت رؤية الله عندك حين سألته إياها فقال واجبة وجوبا عقليا قلت فيما ذا اختصصت به دون غيرك قال كنت أراه وما كنت أعلم أنه هو فلما اختلف على الموطن ورأيته علمت من رأيت فلما أفقت ما انحجبت واستصحبتني رؤيته إلى أبد الأبد فهذا الفرق بيننا وبين المحجوبين عن علمهم بما يرونه فإذا ماتوا رأوا الحق فميزه لهم الموطن فلو ردوا لقالوا مثل ما قلنا قلت فلو كان الموت موطن رؤيته لرآه كل ميت وقد وصفهم الله بالحجاب عن رؤيته قال نعم هم المحجوبون عن العلم به إنه هو وإذا كان في نفسك لقاء شخص لست تعرفه بعينه وأنت طالب له من اسمه وحاجتك إليه فلقيته وسلمت عليه وسلم عليك في جملة من لقيت ولم يتعرف إليك فقد رأيته وما رأيته فلا تزال طالبا له وهو بحيث تراه فلا معول إلا على العلم ولهذا قلنا في العلم إنه عين ذاته إذ لو لم يكن عين ذاته لكان المعول عليه غير إله ولا معول إلا على العلم قلت إن الله دلك على الجبل وذكر عن نفسه أنه تجلى للجبل فقال لا يثبت شي‏ء لتجليه فلا بد من تغير الحال فكان الدك للجبل كالصعق لموسى يقول موسى فالذي دكه أصعقني قلت له إن الله تولى تعليمي فعلمت منه على قدر ما أعطاني فقال هكذا فعله مع العلماء به فخذ منه لا من الكون‏

فإنك لن تأخذ إلا على قدر استعدادك فلا يحجبنك عنه بأمثالنا فإنك لن تعلم منه من جهتنا إلا ما نعلم منه من تجليه فإنا لا نعطيك منه إلا على قدر استعدادك فلا فرق فانتسب إليه فإنه ما أرسلنا إلا لندعوكم إليه لا لندعوكم إلينا فهي كلمة سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا الله ولا نُشْرِكَ به شَيْئاً ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً من دُونِ الله قلت كذا جاء في القرآن قال وكذلك هو قلت بما ذا سمعت كلام الله قال بسمعي قلت وما سمعك قال هو قلت فبما ذا اختصصت قال بذوق في ذلك لا يعلمه إلا صاحبه قلت له فكذلك أصحاب الأذواق قال نعم والأذواق على قدر المراتب ثم ودعته وانصرفت فنزلت بإبراهيم الخليل عليه السلام فسلمت عليه فرد وسهل ورحب فقلت يا أبت لم قلت بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ قال لأنهم قائلون بكبرياء الحق على آلهتهم التي اتخذوها قلت فأشارتك بقولك هذا قال أنت تعلمها قلت إني أعلم أنها إشارة ابتداء وخبره محذوف يدل عليه قولك بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إقامة الحجة عليهم منهم فقال ما زدت على ما كان عليه الأمر قلت فما قولك في الأنوار الثلاثة أ كان عن اعتقاد قال لا بل عن تعريف لإقامة الحجة على القوم أ لا ترى إلى ما قال الحق في ذلك وتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى‏ قَوْمِهِ وما كان اعتقاد القوم في الإله إلا أنه نمروذ بن كنعان لم تكن تلك الأنوار آلهتهم ولا كان نمروذ إلها عندهم لهم وإنما كانوا يرجعون في عبادتهم لما نحتوه آلهة لا إليه ولذلك لما قال إبراهيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ لم يجرأ نمروذ أن ينسب الأحياء والإماتة لآلهتهم التي وضعها لهم لئلا يفتضح فقال أَنَا أُحْيِي وأُمِيتُ فعدل إلى نفسه تنزيها لآلهتهم عندهم حتى لا يتزلزل الحاضرون ولما علم إبراهيم قصور أفهام الحاضرين عما جاء به لو فصله وطال المجلس فعدل إلى الأقرب في أفهامهم فذكر حديث إتيان الله بالشمس من المشرق وطلبه أن يأتي بها من المغرب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ فقلت له هذا إعجاز من الله كونه بهت فيما له فيه مقال وإن كان فاسدا لأنه لو قاله قيل له قد كانت الشمس طالعة من المشرق وأنت لم تكن وأكذبه من تقدمه بالسن على البديهة فقال وما المقال قلت يقول ما نفعل الأمر بحكمك ولا تبطل الحكمة لأجلك قال صدقت فكان بهته إعجازا من الله سبحانه حتى علم الحاضرون أن إبراهيم عليه السلام على الحق ولم يكن لنمرود أن يدعي الألوهة ثم رأيت البيت المعمور فإذا به قلبي وإذا بالملائكة التي تدخله كل يوم تجلى الحق له سبحانه الذي وسعه في سبعين ألف حجاب من نور وظلمة فهو يتجلى فيها لقلب عبده لو تجلى دونها لأحرقت سبحات وجهه عالم الخلق من ذلك العبد فلما فارقته جئت سدرة المنتهى فوقفت بين فروعها الدنيا والقصوى وقد غشيتها أنوار الأعمال وصدحت في ذري أفنانها طيور أرواح العاملين وهي على نشأة الإنسان وأما الأنهار الأربعة فعلوم الوهب الإلهي الأربعة التي ذكرناها في جزء لنا سميناه مراتب علوم الوهب ثم عاينت متكآت رفارف العارفين فغشيتني الأنوار حتى صرت كلي نورا وخلع على خلعة ما رأيت مثلها فقلت إلهي الآيات شتات فأنزل علي عند هذا القول قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ عَلَيْنا وما أُنْزِلَ عَلى‏ إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ والْأَسْباطِ وما أُوتِيَ مُوسى‏ وعِيسى‏ والنَّبِيُّونَ من رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فأعطاني في هذه الآية كل الآيات وقرب على الأمر وجعلها لي مفتاح كل علم فعلمت أني مجموع من ذكر لي وكانت لي بذلك البشرى بأني محمدي المقام من ورثة جمعية محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإنه آخر مرسل وآخر من إليه تنزل آتاه الله جوامع الكلم وخص بست لم يخص بها رسول أمة من الأمم فعم برسالته لعموم ست جهاته فمن أي جهة جئت لم تجد إلا نور محمد ينفق عليك فما أخذ أحد إلا منه ولا أخبر رسول إلا عنه فعند ما حصل لي ذلك قلت حسبي حسبي قد ملأ أركاني فما وسعني مكاني وأزال عني به إمكاني فحصلت في هذا الإسراء معاني الأسماء كلها فرأيتها ترجع إلى مسمى واحد وعين واحدة فكان ذلك المسمى مشهودي وتلك العين وجودي فما كانت رحلتي إلا في ودلالتي إلا علي ومن هنا علمت‏

أني عبد محض ما في من الربوبية شي‏ء أصلا وفتحت خزائن هذا المنزل فرأيت فيها من العلوم علم أحدية عبودة التشريف ولم أكن رأيته قبل ذلك وإنما كنت رأيت جمعية

العبودية ورأيت علم الغيب بعين الشهادة وأين منقطع الغيب من العالم ويرجع الكل في حق العبد شهادة وأعني بالغيب غيب الوجود أي ما هو في الوجود وهو مغيب عن بعض الأبصار والبصائر وأما غيب ما ليس بموجود فمفتاح ذلك الغيب لا يعلمه إلا هو تعالى ورأيت فيه علم القرب والبعد ممن وعمن‏

ورأيت فيه علم خزائن مزيد العلوم وتنزلها على قلوب العارفين وبمن تحق ومن يقسمها على القلوب وما ينزل منها عن سؤال وعن غير سؤال فإذا سأل الإنسان مزيد العلم فليسأل كما أمر الله تعالى نبيه أن يسأل إذ قال له وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فنكر ولم يعين فعم فأي علم نزل عليه دخل تحت هذا السؤال فإن النزول عن سؤال أعظم لذة من النزول عن غير سؤال فإن في ذلك إدراك البغية وذلة الافتقار وإعطاء الربوبية حقها والعبودة حقها فإن العبد مأموران يعطي كل شي‏ء حقه كما أعطى الله كل شي‏ء خلقه وفي العلم المنزل عن السؤال من علو المنزلة ما لا يقدر قدر ذلك إلا الله ورأيت علم حصر الآيات في السمع والبصر فأما شهود وإما خبر ورأيت التوراة وعلم اختصاصها بما كتبها الله بيده وتعجبت من ذلك كيف كتبها بيده ولم يحفظها من التبديل والتحريف الذي حرفه اليهود أصحاب موسى فلما تعجبت من ذلك قيل لي في سرى اسمع الخطاب بل أرى المتكلم وأشهده في اتساع رحمة أنا فيها واقف وقد أحاطت بي فقال لي أعجب من ذلك إن خلق آدم بيديه وما حفظه من المعصية ولا من النسيان وأين رتبة اليد من اليدين فمن هذا فأعجب وما توجهت اليدان إلا على طينته وطبيعته وما جاءته الوسوسة إلا من جهة طبيعته لأن الشيطان وسوس إليه وهو مخلوق من جزء ما خلق منه آدم فما نسي ولا قبل الوسوسة إلا من طبيعته وعلى طبيعته توجهت اليدان ثم مع هذا فما حفظه مما حمله في طينته من عصاة بنيه فلا تعجب لتغيير اليهود التوراة فإن التوراة ما تغيرت في نفسها وإنما كتابتهم إياها وتلفظهم بها لحقه التغيير فنسب مثل ذلك إلى كلام الله فقال يُحَرِّفُونَهُ من بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وهُمْ يَعْلَمُونَ أن كلام الله معقول عندهم وأبدوا في الترجمة عنه خلاف ما هو في صدورهم عندهم وفي مصحفهم المنزل عليهم فإنهم ما حرفوا إلا عند نسخهم من الأصل وأبقوا الأصل على ما هو عليه ليبقى لهم العلم ولعلمائهم وآدم مع اليدين عصى بنفسه ولم يحفظ حفظ كلام الله فهذا أعجب وإنما عصم كلام الله لأنه حكم والحكم معصوم ومحله العلماء به فما هو عند العلماء محرف وهم يحرفونه لأتباعهم وآدم ما هو حكم الله فلا يلزمه العصمة في نفسه وتلزمه العصمة فيما ينقله عن ربه من الحكم إذا كان رسولا هو وجميع الرسل وهذا علم شريف فإن الله ما جعل في العالم هدى لا يصح أن يعود عمى فإنه أبان لمن أوصله إليه فما اتصف بالعمى إلا من لم يصل إليه الهدى من ربه ومن قيل له هذا هدى لا يقال إنه وصل إليه حتى يكون هو الذي أنزل عليه الهدى وحصل له العلم بذلك فإن هذا لا يكون عنده عمى أبدا فما استحب العمى على الهدى إلا من هو مقلد في الأمرين لأبناء جنسه فالعمى يوافق طبعه والهدى يخالف طبعه فلذلك يؤثره عليه فرأيت فيها علم من اتأد وعلى الله اعتمد وهذا هو التوكل الخامس وهو قوله تعالى في سورة المزمل فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ورأيت فيها علم ما ينال بالورث وعلم ما ينال بالكسب ورأيت فيها علم الفرق بين شكر المكلف وشكر العبد ورأيت فيها علم تنوع الأحكام لتنوع الأزمان فإنه من المحال أن يقع شي‏ء في العالم إلا بترتيب زماني وتقدم وتأخر ومفاضلة لأن الله أشهدني أسماءه فرأيتها تتفاضل لاشتراكها في أمور وتميزها في أمور مع الاشتراك وكل اسم لا يقع فيه اشتراك مع اسم لا مفاضلة بين ذاتك الاسمين فاعلم ذلك فإنه علم عزيز ورأيت فيها علم تسليط العالم بعضه على بعض وما سببه فرأيته من حكم الأسماء الإلهية في طلبها ظهورها وولايتها وما هي عليها من الغيرة ورأيتها تستعين بالمشارك لها من الأسماء فهي المعانة المعينة ولذلك خرج الخلق على صورتها فمنها المعان والمعين ولما وقع الأمر هكذا خاطبهم بحكم التعاون فقال وتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوى‏ فيكون ما فطروا عليه عباده فإنهم قد يتعاونون بتلك الحقيقة عَلَى الْإِثْمِ والْعُدْوانِ ورأيت علم الجبر فرأيته آخر ما تنتهي إليه المعاذر وهو سبب مال الخلق إلى الرحمة فإن الله يعذر خلقه بذلك فيما

كان منهم فإنهم لا يبقى منهم إلا التضرع الطبيعي ولو لا إن نش‏ء الآخرة مثل نش‏ء الدنيا ذو جسم طبيعي وروح ما صح من الشقي طلب ولا تضرع إذ لو لم يكن هناك أمر طبيعي لم يكن للنفس إذا جهلت من ينبهها على جهلها لعدم إحساسها إذ لا حس لها إلا بالجزء الطبيعي الذي هو الجسد المركب وبالجهل شقاؤها فكانت النفس بعد المفارقة إذا فارقت وهي على جهالة كان شقاؤها جهلها ولا تزال فيه أبدا فمن رحمة الله بها إن جعل لها هذا المركب الطبيعي في الدنيا والآخرة وما كل أحد يعلم حكمة هذا المركب الذي لا يخلو حيوان عنه ورأيت علم الرجعة وهو علم البعث وحشر الأجساد في الآخرة وأن الإنسان إذا انتقل عن الدنيا لن يرجع إليها أبدا لكنها تنتقل معه‏

بانتقاله فمن هذه الدار من ينتقل إلى الجنة ومنهم من ينتقل إلى النار فالنار والجنة تعم الدار الدنيا ونعيمها فإنه ما يبقى دار إلا الجنة والنار والدنيا لا تنعدم ذاتها بعد وجودها ولا شي‏ء موجود فلا بد أن يكون في الدارين أو في أحدهما فأعطى الكشف أن تكون مقسمة بين الدارين وقد ورد في الخبر النبوي من ذلك ما فيه غنية وكان بعض الصحابة يقول يا بحر متى تعود نارا وهو الحميم الذي يشربه أهل النار وقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الأنهار الأربعة إنها من الجنة فذكر سيحان وجيحان والنيل والفرات وبين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة

ومجالس الذكر حيث كانت روضات من روضات الجنة والأخبار في ذلك كثيرة ولسنا من أهل التقليد بحمد الله بل الأمر عندنا كما آمنا به من عند ربنا شهدناه عيانا ورأيت فيها علم مرتبة

قول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إني مكاثر بكم الأمم‏

وإن ذلك من الشرف والمجد في موطنه فلا يهمل مثل هذا فإن لكل موطن شرفا يخصه لا يكون شرفه إلا به وهنا زلت جماعة من العارفين حيث لم يفرقوا بين شرف النفوس وشرف العقول وإنهما لا يتداخلان وأن الكمال في وجود الشرفين ورأيت فيها علم ما يرى الإنسان إلا ما كان عليه سواء عرف ذلك أو جهله فإنه لا بد أن يشهده فيعرفه في الموضع الذي لا ينفعه العلم به ولا مشاهدته إياه ورأيت فيها علم التداخل والدور وهو أنه لا يكون الحق إلا بصورة الخلق في الفعل ولا يكون الخلق فيه إلا بصورة الحق فهو دور لا يؤدي إلى امتناع الوقوع بل هو الواقع الذي عليه الأمر

فإن الله لا يمل حتى تملوا

فهذا حكم خلق في حق وقال فَمَنْ يُرِدِ الله أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ومن يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً فهذا منه كما كان عوده ومآله منا ورأيت فيها علم منزلة القرآن من العالم ولمن جاء وبما جاء وإلى أين يعود ورأيت فيها علم التلبيس وأن أصله العجلة من الإنسان فلو اتئد وتفكر وتبصر لم يلتبس عليه أمر وقليل فاعل ذلك ورأيت فيها علم الليل وحده والنهار وحده والزمان وحده واليوم وحده والدهر وحده والعصر وحده والمدة وحدها ورأيت فيها علم التفصيل وفيما ظهر ورأيت فيها علم ما لزم الإنسان من حكم الله الذي فصله الشرع فلا ينفك عنه ورأيت فيها علم تقابل النسختين وأن الإنسان في نفسه كتاب ربه ورأيت فيها علم سبب وجوب العذاب في الآخرة وهو جلي والعلم الخفي إنما هو في وجود سبب عذاب الدنيا ولا سيما في حق الطفل الرضيع وهل الطفل الرضيع وجميع الحيوان لهم تكليف إلهي برسول منهم في ذواتهم لا يشعر به وإن الصغير إذا كبر وكلف لا يشعر ولا يتذكر تكليفه في حال صغره لما يقوم به من الآلام وبالحيوان فإنه تعالى ما يعذب ابتداء ولكن يعذب جزاء فإن الرحمة لا تقتضي في العذاب إلا الجزاء للتطهير ولو لا التطهير ما وقع العذاب وهذا من أسرار العلم الذي اختص الله به من شاء من عباده ولِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ وإِنْ من أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ وما من شي‏ء في الوجود إلا وهو أمة من الأمم قال تعالى وما من دَابَّةٍ في الْأَرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ في كل شي‏ء وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الكلاب إنها أمة من الأمم‏

فعمت الرسالة الإلهية جميع الأمم صغيرهم وكبيرهم فما من أمة إلا وهي تحت خطاب إلهي على لسان نذير بعث إليها منها وفيها ورأيت فيها علم حكم الوجوب الموسع المخير كأوقات الصلوات والتخيير في الكفارات ورأيت فيها علم كون الحق مع إرادة العبد لا يخالفه وهذه الصفة بالعبد أولى فكما أمر الله عبده فعصاه كذلك دعاه عبده فلم يجبه فيما سأل فيه كما أمره فلم يطعه أ لا ترى إلى الملائكة لما لم تعص أمر الله أجابها الله في كل ما سألته فيه حتى إن العبد إذا وافق في الصلاة تأمينه تأمين الملائكة غفر له ورأيت فيها عموم العطاء الإلهي وإنه من الكرم الإلهي إتيان الكبائر في العالم المكلف فإنه لا بد لطائفة من التبديل فيبدل بها كبير بكبير

إحياء نفس بقتل نفس *** في كل نوع وكل جنس‏

فمن الناس من يبدل له بالتوبة والعمل الصالح ومن الناس من يبدل له بعد أخذ العقوبة حقها منه وسبب إنفاذ الوعيد في حق طائفة حكم المشيئة الإلهية فإذا انتهت المدة طلبت المشيئة في أولئك تبديل العذاب الذي كانوا فيه بالنعيم المماثل له فإن حكم المشيئة أقوى من حكم الأمر وقد وقع التبديل بالأمر فهو بالإرادة أحق بالوقوع وستر الله هذا العلم عن بعض عباده واطلع عليه من شاء من عباده وهو من علم الحكمة التي من أوتيها فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ولذلك قال الحق تعالى وكانَ الله غَفُوراً رَحِيماً غفورا أي يستر رحيما بذلك الستر بعد قوله فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وقال‏

في المسرفين لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فجاء بالمغفرة والرحمة في حق التائب وصاحب العمل الصالح كما جاء بهما في المسرفين الذين لم يتوبوا ونهاهم عن القنوط وأكد بقوله جَمِيعاً وأكثر من هذا الإفصاح الإلهي في مال عباده إلى الرحمة ما يكون مع عمارة الدارين الجنة وجهنم وإن لكل واحدة منهما ملأها لا يخرجون منها فعطاء الله لا مانع له وإنما الاسم المانع إنما متعلقة أن نعيم

زيد ممنوع عن عمرو كما إن نعيم عمرو ممنوع عن زيد فهذا حكم المانع لا أنه يمنع شمول الرحمة ورأيت فيها علم الفرق بين مفاضلة المفضولين في الدنيا وبينهم في الآخرة ورأيت فيها علم من ترك ما هو عليه لما ذا ترك وسببه ورأيت فيها علم إن الله هو المعبود في كل معبود من خلف حجاب الصورة ورأيت فيها علم الرفق بالعالم ومعاملة كل صنف بما يليق به من الرفق ورأيت فيها علم ما يجني الإنسان إلا ثمرة غرسه لا غير ورأيت فيها علم الحدود في التصرفات ومقاديرها وأوزانها ورأيت فيها علم التخلق بالأخلاق الإلهية من كونه ربا خاصة ورأيت فيها علم حكم مرتبة الجزء من الكل وإن كان الجزء على صورة الكل ورأيت فيها علم نتاج المقدمتين الفاسدتين علما صحيحا مثل كل إنسان حجر وكل حجر حيوان فكل إنسان حيوان فلم يلزم من فساد المقدمتين أن لا تكون النتيجة صحيحة وهذا لا يعرف ميزانه ورأيت فيها علم تأثير المثل في مثله بما ذا أثر فيه وليس أحدهما بأولى من الآخر ولا أحق بنسبة التأثير إليه والمثلان ضدان فافهم ورأيت فيها علم العبث وكيف يصح مع قوله تعالى وما خَلَقْنَا السَّماءَ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا والعبث فيما بينهما فبأي نظر يكون عبثا وبأي نظر لا يكون باطلا وقول الله تعالى أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً فقيد وما قيد الباطل ورأيت علم فضل الذكور على الإناث وهي مفاضلة عرضية لا ذاتية ورأيت فيها علم أحكام المحال والحال والمكان والمتمكن فيه ورأيت فيها علم الحجب المانعة من التأثير الإلهي في المحجوب بها ورأيت فيها علم سلطنة الأحدية وأنه لا يبقى لسلطانها أحد وهل يصح فيها تجل أم لا فالذي قال بالتجلي فيها ما يريد هل أحدية الواحد أو أحدية المجموع وكذلك من لا يقول بالتجلي فيها هل يريد أحدية الواحد أو أحدية المجموع ورأيت فيها علم آداب السماع وترك الكلام عنده ورأيت علم إلحاق الأدنى بالأعلى في حكم ضرب المثل له ومن هو هذا الأعلى وبما ذا كان أعلى ورأيت فيها علم المجبور على الثناء على من كان يذمه قبل الجبر ورأيت فيها علم السبب المانع الذي يمنع العاقل من سلوك الأشد والأخذ بالأولى والأحق ورأيت فيها علم العروج والنزول من الشخص الواحد لاختلاف الأحوال ومن نزل لما ذا نزل ومن أنزله ومن صعد لما ذا صعد ومن أصعده ورأيت فيها علم أحوال الناس في البرزخ فإنه تقابلت فيه الأخبار فهل يعم التقابل أو يخص وهل العموم والخصوص في الزمان أو في الأشخاص ورأيت فيها علم ما فائدة الآيات التي لا تأتي للاعجاز فلأي شي‏ء أتت ورأيت فيها علم ما السبب الذي أجرأ الضعيف من جميع الوجوه على القوي من جميع الوجوه مع علمه بأنه قادر على إهلاكه ورأيت فيها علم طاعة إبليس ربه في كل شي‏ء إلا في السجود لآدم وما ذكر آدم بأنه عصى نهي الله وقيل في إبليس أَبى‏ ولم يقل فيه عصى أمر الله هل ذلك شرف يرجع لآدم لكونه على الصورة وما لإبليس هذا المقام وذكر الله في آدم أنه عصى ربه فذكر من عصى ولم يذكر في حق إبليس إلا أبى ولم يذكر أنه أبى امتثال أمر ربه وفي آية أخرى قيل لَمْ يَكُنْ من السَّاجِدِينَ وفي آية أخرى قيل اسْتَكْبَرَ وفي آية أخرى قال أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً وفي آية أخرى قيل أَبى‏ أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ فانظر ما أفادك الحق في هذه الآيات وما في طيها من الأسرار ورأيت فيها علم الاغترار ورأيت فيها علم من فضل آدم من المخلوقين وأن فضله‏

لم يعم وهكذا أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في واقعة رأيتها وهكذا أخبر الخليل إبراهيم عليه السلام شيخنا أبا مدين بأن فضل آدم لم يعم ورأيت فيها علم الإمامة والإمام ورأيت فيها علم إن الدنيا عنوان الآخرة وضرب مثال لها وأن حكم ما فيها هو أتم وأكمل في الآخرة ورأيت فيها علم السبب الذي لأجله يميل قلب صاحب العلم بالشي‏ء عما يعطيه علمه وما حكمه ورأيت فيها علم سنة الله في عباده لا تتبدل ورأيت فيها علم توقيت محادثة الحق التي لا بد لصاحب العناية منها والجمع بين الشهود والمحادثة وما يكون من المحادثة مسامرة وإن الحق لا يمتنع من المسامرة ويمتنع من المحادثة في أوقات ما وهي خطاب إلهي من العبد لله ومن الله للعبد وما ينتج هذا العلم لمن علمه يوم القيامة ورأيت فيها علم أحوال الصادقين في‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!