The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل سجود القلب والوجه والكل والجزء وهو منزل السجودين والسجدتين

وما هي العهود والعقود التي أمرنا بها والعهد الإلهي هل له حكم عهد المخلوق أم لا وفيه علم الفضل بين المال الموروث والمكتسب وبأي المالين تقع اللذة أكثر لصاحبه وهو علم ذوق ويختلف باختلاف المزاج فإنه ثم من جبل على الكسل فمال الميراث عنده ألذ لأنه لا تعمل له فيه ومنهم أهل الفتوح ومن الناس من هو مجبول في نفسه على الرئاسة فيلتذ بالمال المكتسب ما لا يلتذ بالمال الموروث لما فيه من التعمل لإظهار قدرته فيه بجهة كسبه وفيه علم توقف المسببات على أسبابها هل هو توقف ذاتي أم اختياري من الله وفيه علم الاستحالات من حال إلى حال فهل تتبع الأعيان تلك الأحوال فتستحيل من عين إلى عين أم العين واحدة والاستحالات تقع في الأحوال والمذاهب في ذلك مختلفة فأين الحق منها وفيه علم حفظ الصانع لصنعته هل حفظه لصنعته أو لعين المصنوع فإن الصنعة للصانع قد تكون مستفادة له كصنعة الخياطة وغير ذلك مما لا يحصل إلا بالتعلم وقد تكون الصنعة بالفطرة لا بالتفكر كصنعة الحيوانات كالنحل والعناكب وكلها بالجعل وقد تكون ذاتية كإضافة الصنعة إلى الله وما معنى قوله مع هذا يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ فنسب التدبير إليه وفيه علم حكمة ما يثبت من الأمور في الكون وما لا يثبت وضرب مثل النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بذلك فيما جاء به بالمطر والبقاع فيمن نفعه الله بما جاء به ومن لم ينفعه وفيه علم وجود الأعلى من الأدنى فأما في المعاني كوجود علمنا بالله عن وجود علمنا بأنفسنا وفيه علم ما للنيابة في الأمر من الحكم للنائب وفيه علم معرفة الشي‏ء بما يكون منه لا به وفي هذا الباب تسمية الشي‏ء باسم الشي‏ء إذا كان مجاورا له أو كان منه بسبب أو يتضمنه وفيه علم التوحيد المطلوب من العالم ما هو وفيه علم الفضائل حتى يقع الحسد فيها هل هي فضائل لأنفسها أو هي بحكم العرف والوضع وفيه علم ما يبقى به كل شي‏ء على التفصيل والاختلاف فما كل واق من شي‏ء يكون واقيا من شي‏ء آخر وما الأمر الجامع لكل وقاية وفيه علم فائدة وجود الأمثال مع الاكتفاء بالأول من الأمثال وفيه علم الحجب الحائلة بين الناس وبين العلم بالأشياء وفيه علم من اتخذ الجهل علما هل يجد في نفسه القطع به أو تكون نفسه تزلزله في ذلك حتى إذا حقق النظر في نفسه وجد الفرق بين ما يوافق العلم من ذلك وبين ما لا يوافقه وليس ذلك إلا في الجهل خاصة وأما في الظن والشك فليس حكمهما هذا الحكم فإن الظان يعلم بظنه والشاك يعلم بشكه وقد لا يعلم الجاهل بجهله فإنه من علم بجهله فله علم يمكن أن يوصف به وفيه علم حكمة التأييد هل هو عناية أو إقامة حجة أو في موضع عناية وفي موضع إقامة حجة بالنظر إلى حال شخصين وفيه علم ما ينسب إلى العالم بالشي‏ء مما لا يستحقه علمه به ومع ذلك ينسبه إلى نفسه كالترجي من العالم بوقوع ما يترجاه أو عدم وقوعه فما يتعلق الرجاء مع العلم وفيه علم حكمة من يأتي الأحسن وهو لا يقطع بثمرته هل ذلك راجع إلى علمه بجهل من أحسن إليه بمرتبة الإحسان أو راجع إلى نفسه لكونه لا يعلم أنه وفى حق الإحسان فيه وفيه علم حكمة استمرار العذاب والضر على المضرورين من أصحاب الآلام هل ذلك على جهة الرحمة بهم أم لا وفيه علم من استعمل الأمر في غير ما وضع له أو لم يستعمله إلا فيما وضع له إذا كان له وجوه كثيرة متضادة فما خرج عن حكم ما هو له كالمرض له وجه إلى الصبر وله وجه إلى الضجر وفيه علم تذكر الناسي هل ينفعه تذكره أم لا وفيه علم الصادق يسمى كاذبا وفيه علم الاستعاذة وما يستعاذ به ومنه وأين يحمد وفي أي موضع يذم وفيه علم ما ينفع من الاعتراف مما لا ينفع فإن للمواطن حكما في الاعتراف وللأحوال فيه حكما أيضا فإن من الناس من يعترف بالخطإ مع بقائه عليه ومن الناس من يزول عنه وفيه علم شرف الخطاب ووجود الالتذاذ به وفيه علم حكمة وجود الشك في العالم وفيه علم نجاة المجتهد أخطأ أم أصاب مع توفيته‏

ما آتاه الله من ذلك والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثاني والستون وثلاثمائة في معرفة منزل سجود القلب والوجه والكل والجزء وهما منزل السجودين والسجدتين»

مقام سهل سجود القلب ليس له *** في غير سهل من الأكوان أحكام‏

لا يرفع القلب رأسا بعد سجدته *** والوجه يرفع والتغيير إعلام‏

فإنه غير مشهود بقبلته *** وقبلة القلب أسماء وأعلام‏

تبدي حقيقته تأييد سجدته *** وما له في علوم الخلق أقدام‏

هذا المنزل يسمى منزل التمكين وإلى ما يؤول إليه أمر كل ما سوى الله ويسمى أيضا منزل العصمة

[أن الله تعالى لما خلق العالم جعل له ظاهرا وباطنا]

اعلم أن الله تعالى لما خلق العالم جعل له ظاهرا وباطنا وجعل منه غيبا وشهادة لنفس العالم فما غاب من العالم عن العالم فهو الغيب وما شاهد العالم من العالم فهو شهادة وكله لله شهادة وظاهر فجعل القلب من عالم الغيب وجعل الوجه من عالم الشهادة وعين للوجه جهة يسجد لها سماها بيته وقبلته أي يستقبلها بوجهه إذا صلى وجعل استقبالها عبادة وجعل أفضل أفعال الصلاة السجود وأفضل أقوالها ذكر الله بالقرآن وعين للقلب نفسه سبحانه فلا يقصد غيره وأمره أن يسجد له فإن سجد عن كشف لم يرفع رأسه أبدا من سجدته دنيا وآخرة ومن سجد من غير كشف رفع رأسه ورفعه المعبر عنه بالغفلة عن الله ونسيان الله في الأشياء فمن لم يرفع رأسه في سجود قلبه فهو الذي لا يزال يشهد الحق دائما في كل شي‏ء فلا يرى شيئا إلا ويرى الله قبل ذلك الشي‏ء وهذه حالة أبي بكر الصديق ولا تظن في العالم أنه لم يكن ساجدا ثم سجد بل لم يزل ساجدا فإن السجود له ذاتي وإنما بعض العالم كشف له عن سجوده فعلمه وبعض العالم لم يكشف له عن سجوده فجهله فتخيل أنه يرفع ويسجد ويتصرف كيف يشاء واعلم أن السجود الظاهر لما كان نقلة من حال قيام أو ركوع أو قعود إلى تطأطؤ ووضع وجه على الأرض يسمى ذلك التطاطؤ سجودا علمنا أنه طرأ على الساجد حالة لم يكن عليها في الظاهر المرئي لأبصارنا فطلبنا من الله الوقوف على منقل هذا المنقول من حال إلى حال فمن الناس من جعل ذلك وأمثاله نسبا وهو الذي أعطاه الكشف الإلهي في العلم بالأكوان التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق فالحركة عبارة عن كون الجسم أو الجوهر قد شوهد في زمان في حيز أو في مكان ثم شوهد في الزمان الآخر في حيز آخر أو في مكان آخر فقيل قد تحرك وانتقل والسكون أن يشاهد الجوهر أو الجسم في حيز واحد زمانين فصاعدا فسمى إقامته في حيزه سكونا والاجتماع عبارة عن جوهرين أو جسمين في حيزين متجاورين ليس بين الحيزين حيز ثالث والافتراق عبارة عن جوهرين أو جسمين في حيزين غير متجاورين بينهما حيز ليس فيه أحدهما فليس الأمر سوى هذا ووافق بعض أهل الكلام أهل الكشف في هذا وبقي من المسألة من هو المحرك هل المتحرك أو أمر آخر فمن الناس من قال المحرك هي الحركة قامت بالجسم فأوجبت له التحرك والانتقال واختلفوا في الحركة التي أوجبت التحرك للجسم هل تعلقت بها مشيئة العبد فتسمى اختيارية أي حركة اختيار أو لم يتعلق بها مشيئة المتحرك فتسمى اضطرارية كحركة المرتعش وهذا كله إذا ثبت أن ثم حركة كما زعم بعضهم ولم يختلفوا في إن هذه الأكوان أعراض سواء كانت نسبا أو معاني قائمة بالمحال الموصوفة بها فإنا لا نشك أنه قد عرض لها حال لم تكن عليه ومن المحال أن يكون واحد من تلك الأعراض ذاتيا لها وإنما الذاتي لها قبولها واختلفوا فيمن أوجد تلك الحركة أو السكون إذا ثبت أن ذلك عين موجودة هل هو الله تعالى أو غير الله فمن قائل بهذا الوجه ومن قائل بهذا الوجه وسواء في ذلك المرتعش وغير المرتعش ومن قائل إن الأكوان لا وجود لها وإنما هي نسب فلمن تستند ونحن نقول في النسبة الاختيارية إن الله خلق للعبد مشيئة شاء بها حكم هذه النسبة وتلك المشيئة الحادثة عن مشيئة الله يقول الله عز وجل وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله فأثبت سبحانه المشيئة له ولنا وجعل مشيئتنا موقوفة على مشيئته هذا في الحركة الاختيارية وأما في الاضطرارية فالأمر عندنا واحد فالسبب الأول مشيئة الحق والسبب الثاني المشيئة التي وجدت عن مشيئة الحق غير إن هنا لطيفة أعطاها الكشف وأشار بها من خلف حجاب الكون وهي قوله وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله فالله هو المشي‏ء بالكشف وإن وجد العبد في نفسه إرادة لذلك فالحق عين إرادته لا غيره كما ثبت أنه إذا أحبه كان سمعه وبصره ويده وجميع قواه فحكم المشيئة التي يجدها في نفسه ليست سوى الحق فإذا شاء الله كان ما شاءه فهو عين مشيئة كل مشي‏ء كما يقول مثبت الحركة إن زيدا تحرك أو إنه حرك يده فإذا حققت قوله‏

على مذهبه وجدت أن الذي حرك يده إنما هي الحركة القائمة بيده وإن كنت لا تراها فإنك تدرك أثرها ومع هذا تقول إن زيدا حرك يده كذلك تقول إن زيدا حرك يده والمحرك إنما هو الله تعالى‏

[ليس في العالم سكون البتة]

واعلم أنه ليس‏

في العالم سكون البتة وإنما هو متقلب أبدا دائما من حال إلى حال دنيا وآخرة ظاهرا وباطنا إلا إن ثم حركة خفية وحركة مشهودة فالأحوال تتردد وتذهب على الأعيان القابلة لها والحركات تعطي في العالم آثارا مختلفة ولولاها لما تناهت المدد ولا وجد حكم للعدد ولا جرت الأشياء إلى أجل مسمى ولا كان انتقال من دار إلى دار وأصل وجود هذه الأحوال النعوت الإلهية من نزول الحق إلى السماء الدنيا كل ليلة واستواءه على عرش محدث وكونه ولا عرش في عماء وهذا الذي أوجب أن يكون الحق سمع العبد وبصره وعين مشيئته فبه يسمع ويبصر ويتحرك ويشاء فسبحان من خفي في ظهوره وظهر في خفائه ووصف نفسه بما يقال فيه إنه صمد لا إله إلا هو يصورنا في الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ ويقلب الليل والنهار وهو معنا أينما كنا وهو أقرب إلينا منا فكثرناه بنا ووحدناه به ثم طلب منا أن نوحده بلا إله إلا الله فوحدناه بأمره وكثرناه بنا

ما كل وقت يريك الحق حكمته *** في كل وقت ولا يخليه عن حكم‏

فانظر إلى فرح في القلب من ترح *** من الطباق عن الألواح عن قلم‏

جاءت بها رسل الأرواح نازلة *** على سرائرنا من حضرة الكلم‏

فكل علم خفي عز مطلبه *** على العقول التي لم تحظ بالقدم‏

فقمت حبا وإجلالا لمنزلها *** أمشي على الرأس سعيا لا على القدم‏

ولما لم تكن الأكوان سوى هذه الأربعة الأحوال فبقي الكلام في الساكن إذا سكن فبمن وإذا تحرك فإلى من وإذا اجتمع فبمن وإذا افترق فعمن‏

فما ثم إلا الله ما ثم غيره *** وما ثم إلا عينه وإرادته‏

فسكن في الله فهو حيزه إذ كان في علمه ولا عين له فهو هيولاه فتصور بصورة العبد فكان له حكم ما خلق ولَهُ ما سَكَنَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ ومن المحال أن يكون الأمر خلاف هذا فبه تلبس وعليه أسس بنيانه وثبت‏

فإن شهدت سواه فهو صورته *** وإن تكثرت الآيات والصور

ليست بغير سوى من كان منزلها *** لكنها سور تعنو لها سور

فما في الكون حركة معقولة كما أنه ما ثم سكون مشهود

فانظر إلى الضد كيف يخفى *** وليس شي‏ء سواه يبدوفأعجب لحركة في عين سكون فإن الخلأ قد امتلأ فالعالم ساكن في خلائه والحركة لا تكون إلا في خلاء هذه حركة الأجسام والخلأ ملآن فلا يقبل الزيادة فإنه ما لها أين وكما سكن في الله تحرك إلى الله كما قال وتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً أي ارجعوا إلى ما منه خرجتم فإنهم خرجوا مقرين بربوبيته ثم فزعوا فيها فقيل لهم ارجعوا إلى ما منه خرجتم وليس إلا الله ولا رجوع إليه إلا به إذ هو الصاحب في السفر فإن رجع رجعنا فإن الرجوع لا يكون إلا لمن له الحكم ولا حكم إلا لله ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا

فهذا صدق ما قلنا *** فلا تعدل عن الرشد

فكونوا كيفما شئتم *** فإن الحق بالرصد

وإذا تحركت إليه فهو الهادي أو منه فمن اسمه المضل فحيرك ثم هداك فتاب عليك بالهدى فتحركت إليه بالتوبة فمن مضل إلى هاد وإِنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الرُّجْعى‏ وأما قولنا إذا اجتمع فبمن فنقول اجتمع بالله في عين كونه تولاه الله وهو قوله لعبده هل واليت في وليا فإنه عند وليه فمن والى وليا في الله فقد والى الله وليس الاجتماع سوى ما ذكرناه‏

ورد في الخبر أن الله يقول يا عبدي مرضت فلم تعدني فيقول يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين فقال يا عبدي أما علمت إن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما أنك لو عدته لوجدتني عنده‏

فإن المريض لا يزال ذاكر الله ذكر اضطرار وافتقار وهو الذكر الأصلي الذي أنبنى عليه وجود الممكن والحق تعالى جليس الذاكر له فمن والى في الله وليا فقد اجتمع بالله فإن كنت أنت وليا

[إن الله إذا والى وليا هو معه‏]

فاعلم إن الله أيضا معك فإذا واليت وليا والله معه فقد اجتمع الله بالله فجمعت بين الله ونفسه فحصل لك أجر ما يستحقه صاحب هذه الجمعية فرأيت الله برؤية وليه فإن كان في الولاية أكبر منك فالله عنده أعظم وأكبر مما هو عندك فإن الله عند أوليائه‏

على قدر معرفتهم به فأكثرهم جهلا به وحيرة فيه أعظمهم علما به وإذا لم تحصل لك بولاية ولي الله نسبة الله إلى ذلك الولي الخاص حتى تفرق بين نسبته سبحانه إليك ونسبته تعالى إلى ذلك الولي فما واليته جملة واحدة فيكلمك الحق على لسان ذلك الولي بما يسمع ليفيدك علما لم يكن عندك أو يذكرك وتسمع أنت منه إن كنت وليا تشهد ولايتك فتسمع بالحق إذ هو سمعك ما يتكلم به الحق على لسان ذلك الولي فيكون الأمر كمن يحدث نفسه بنفسه فيكون المحدث عين السامع وهذا ذوق يجده كل أحد من نفسه ولا يعرف ما هو إلا من شهد الأمر على ما هو عليه وأما قولنا الافتراق فعمن فتمام الخبر وهو قوله أو عاديت في عدو أو من عاديته فقد فارقته فإن الهادي يفارق المضل والضار يفارق النافع فمن أحكم الأسماء الإلهية انفتح له في العلم بالله باب عظيم لا يضيق عن شي‏ء

فلو علمت الذي أقول *** لم تك غير الذي يقول‏

ما أنت مثلي بل أنت عيني *** فلا قئول ولا مقول‏

تحيرت في الذي عنينا *** فيما أتتنا به العقول‏

فالمحقق إذا اعتبر ما يشاهده صاحب الكشف ربما عثر على الحق المطلوب فإنه في غاية الوضوح والظهور لذي عينين‏

فالحال يلعب بالعقول وبالنهي *** كتلاعب الأسماء بالأكوان‏

فالعداوة والمعاداة من هناك ظهرت في الكون فالعالم المشاهد لا يتغير عليه الحال في عينه بقيام الأضداد به فإنه حق كله فإن فهمت ما أشرنا إليه علمت كيف توالي وكيف تعادي ومن تعادي ومن يعادي ومن تولى ومن يولي فسبحان من أوجدك منك وأشهدك إياك وامتن عليك بك ف

من عرف نفسه عرف ربه‏

فلم ينسب شيئا إلا إليه والله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ‏

[أن الله نسب الألوهة للهوى‏]

واعلم أن الله لما نسب الألوهة للهوى وجعله مقابلا له فقال لنبيه عليه السلام داود فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ وقال أَ فَرَأَيْتَ من اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وليس الهوى سوى إرادة العبد إذا خالفت الميزان المشروع الذي وضع الله له في الدنيا وقد تقرر قوله وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله فقد علمت بمن حكم من حكم بهواه ولهذا قال وأَضَلَّهُ الله عَلى‏ عِلْمٍ أي حيره فإن العلم بالله أوجب له الحيرة في الله إذ لا حاكم إلا الله‏

فقد زلزل الْأَرْضُ زِلْزالَها *** وقال لنا ما لَها ما لَها

فلو نظرت أعين أدركت *** إلى ربها حين أَوْحى‏ لَها

وحدثت الأرض أخبارها *** كما أخرجت لك أثقالها

فمن لم يشاهد هذا المشهد لم يشهد عظمة الله في الوجود وفاته علم كثير يفوت هذا المشهود

[أن الأمر كان محصورا في أربع حقائق‏]

واعلم أن الأمر لما كان محصورا في أربع حقائق الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ وقامت نشأة العلم على التربيع لم يكن في طريق الله تعالى صاحب تمكين إلا من شاهد التربيع في نفسه وأفعاله فأقام الفرائض وهي الإقامة الأولى وأقام النوافل وهي الإقامة الأخرى في ظاهره وفي باطنه فإن حكم ذلك في الظاهر وفي الباطن فعم حكم الله نشأته فإذا شهد هذا ذوقا من نفسه علم ما يثمر له هذا الأمر فله في ظاهره ست جهات والستة لها الكمال فإنها أول عدد كامل فإن سدسها إذا أضفته إلى ثلثها ونصفها كان كالكل والقلب له ستة وجوه لكل جهة وجه من القلب هو عين تلك الجهة بتلك العين يدرك الحق إذا تجلى له في الاسم الظاهر فإن عم التجلي الجهات كلها من كونه بكل شي‏ء محيطا عم القلب بوجوهه ما بدا له من الحق في كل جهة فكان نورا كله وهناك يقول العبد فعلت يا رب ويخاطبه ويقول أنت كما قال العبد الصالح كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ فظهر الضمير مع كونه ضميرا والمضمر يخالف الظاهر وقد ظهر مع كونه مضمرا في حال ظهوره فيقول في الحق أنه الظاهر في حال بطونه والباطن في حال ظهوره من وجه واحد فإن كلمة أنت ضمير مخاطب وليس سوى عينك وأنت مشهود بالخطاب فأنت المضمر الظاهر بخلاف الاسم فأسماء المضمرات أعظم قوة وأمكن في العلم بالله من الأسماء (و حكي) عن بعض العارفين ورأيته منقولا عن أبي يزيد البسطامي أنه قال في بعض مشاهده مع الحق في حال من الأحوال أنانيتي أنانيتك أي كما ينطلق على الاسم المضمر بحقيقته كذلك ينطلق عليك ما هو مثل الاسم الظاهر ولا مثل الوصف الظاهر وهذا عين ما قلناه‏

من قوة المضمرات ولما وقع في الكون التشبيه والاشتراك في الصور بحيث أن يغيب أحد الشخصين ويحضر الآخر فيتخيل الناظر إلى الحاضر أن الحاضر عين الغائب وضع الله في العالم الإشارات في الإخبارات والضمائر لارتفاع هذا اللبس والفصل بين ما هو وبين من يظهر بصورته واعتمدوا عليه ولما أخبر الله تعالى أن الإنسان مخلوق على الصورة قال عيسى عليه السلام كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ففصل بين الحق وبين من هو على الصورة فكأنه قال كنت من حيث عينك لا من هو على صورتك الرقيب عليهم فناب أنت في هذا الموضع مناب العين المقصودة ولنا جزء في هذه الأسماء المضمرات سميناه كتاب الهو وهو جزء حسن بالغنا فيه في هذه الأسماء المضمرة وهي تقبل كل صورة قديمة وحديثة لتمكنها وعلو مقامها والعالم وإن تكثر فهو راجع إلى عين واحدة

فكل من في الوجود حق *** وكل من في الشهود خلق‏

فانظر إلى حكمة تجلت *** في عين حق يحويه حق‏

فالعبد محق والحق محق *** فليس حق ولا محق‏

فيا ولي لا تعطل زمانك في النظر في الحركات وتحقيقها فإن الوقت عزيز وانظر إلى ما نتجه فاعتمد عليه بما يعطيك من حقيقته فإنك إن كنت نافذ البصيرة عرفت من عين النتيجة عين الحركة والمحرك فإن الحركة حقيقة العين والمحرك من وراء حجاب الكون والنتيجة ظاهرة سافرة معربة عن شأنها فاعتمد عليها فهذه نصيحتي لك يا ولي ولهذا ما نسب الحق إلى نفسه انتقالا إلا وذكر النتيجة ليعرفك ما هو عين الانتقال المنسوب إليه في نازلة ما مثل‏

قوله ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من الليل ثم ذكر النتيجة فقال فيقول هل من تائب هل من داع هل من مستغفر

وقال مثل هذا كثيرا ليريح عباده من تعب الفكر والاعتذار فإن المقصود من الحركات ما تنتج لا أعينها وكذا كل شي‏ء فالمبتدأ لو لا الخبر ما كان له فائدة ولكان عبثا الإتيان به ومن هنا يعرف قوله أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وقوله وما خَلَقْنَا السَّماءَ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا ومن هنا يقع التنبيه على معرفة الحكمة التي أوجد الله لها العالم وأن اسمه الحق تعالى حق وقوله فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ إن معناه غني عن وجوده لا عن ثبوته فإن العالم في حال ثبوته يقع به الاكتفاء والاستغناء عن وجوده لأنه وفي الألوهة حقها بإمكانه ولو لا طلب الممكنات وافتقارها إلى ذوق الحالات وأرادت أن تذوق حال‏

الوجود كما ذاقت حال العدم فسألت بلسان ثبوتها واجب الوجود أن يوجد أعيانها ليكون العلم لها ذوقا فأوجدها لها لا له فهو الغني عن وجودها وعن إن يكون وجودها دليلا عليه وعلامة على ثبوته بل عدمها في الدلالة عليه كوجودها فأي شي‏ء رجح من عدم أو وجود حصل به المقصود من العلم بالله فلهذا علمنا إن غناه سبحانه عن العالم عين غناه عن وجود العالم وهذه مسألة غريبة لاتصاف الممكن بالعدم في الأزل وكون الأزل لا يقبل الترجيح وكيف قبله عدم الممكن مع أزليته وذلك أنه من حيث ما هو ممكن لنفسه استوى في حقه القبول للحكمين فيما يفرض له حال عدم إلا ويفرض له حال وجود فما كان له الحكم فيه في حال الفرض فهو مرجح فالترجيح ينسحب على الممكن أزلا في حال عدمه وإنه منعوت بعدم مرجح والترجيح من المرجح الذي هو اسم الفاعل لا يكون إلا بقصد لذلك والقصد حركة معنوية يظهر حكمها في كل واحد بحسب ما تعطيه حقيقته فإن كان محسوسا فرغ حيزا وشغل حيزا وإن كان معقولا أزال معنى وأثبت معنى ونقل من حال إلى حال وفي هذا المنزل من العلوم علوم شتى منها علم الدعاء المقيد والدعاء المطلق وما ينبغي أن يقال لكل مدعو ويعامل به ومنها علم الحركات وأسبابها ونتائجها ومنها علم منزلة من تكلم فيما لا يعلم ويتخيل أنه يعلم هل ما تكلم به علم في نفس الأمر أم ليس بعلم أم يستحيل أن يكون إلا علما لكن لا يعلمه هذا المتكلم وهل ظهر مثل هذا في العالم وهو خلق لله لتمييز المراتب فيعلم به مرتبة الجهل من العلم والجاهل من العالم أو ما ثم إلا علم ومنها علم تعيين من جعل الله الحيرة في العالم على يديه وهل الحيرة تعطي سعادة على الإطلاق أو شقاوة أو فيها تفصيل منها ما يعطي سعادة ومنها ما يعطي شقاوة وهل المتحير فيه هل كونه متحيرا فيه اسم مفعول لذاته أم يمكن أن لا يتحير فيه وفيه علم سبب الاحتراق الذي يجده صاحب الحيرة في باطنه في حال حيرته وهل إذا علم الحائر أن الذي تحير فيه‏

لا يكون العلم به إلا عين التحير فيه فيزول عنه ألم الاحتراق ومنها علم نصب الأدلة كيف رتبها الله للعقلاء أصحاب النظر والإستبصار ومنها علم غريب وهو هل يمكن أن يمر على القابل للعلوم زمان لا يستفيد فيه علما أم لا ومنها علم الرتبة الإلهية هل تحجب عن الله أو تدل على الله وصفة من تحجبه وصفة من تكون له دلالة على خالقه ومنها علم كون الله ما أوجد واحدا قط ولا يصح وإنما أوجد اثنين فصاعدا معا من غير تقدم في الوجود ولا تأخر ومنها علم كون الحق لا تثبت له أحدية إلا في ألوهيته وأما في وجوده فلا بد من معقولين فصاعدا فاجعل ذلك ما شئت إما نسبا أو صفات بعد أن لا تعقل أحدية ومنها علم تعلق الأسماء الإلهية بالكائنات ومنها علم سعى الآخرة إلى أن تجي‏ء ومن أين جاءت وما هذه الحركة المنسوبة إليها ومنها علم معقول الدنيا والآخرة ما هو ومنها علم جهل من أعرض عن الله وأينما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله فكيف يشقى من أقبل على وجه الله وإن لم يقصد الإقبال على وجه الله وهو في نفس الأمر مقبل على وجه الله معرض عن وجه الله ومتى ينطلق على الإنسان الإقبال على الله بكل وجه وذلك إذا كان الإنسان وجها كله وعينا كله لم يصح في حق من هذه صفته إعراض عن الله ومنها علم غريب وهو أنه لا يرجع إلى الإنسان إلا ما خرج منه للأصل الذي يعضده وهو قوله وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ومنه بدا الأمر كله وإليه يعود وهذا معنى‏

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنما هي أعمالكم ترد عليكم‏

فاجهد إن لا يخرج عنك إلا ما تحمد رجوعه إليك ومنها علم من يكون مع الله على آخر قدم ما يصنع ولا يكون ذلك إلا في حضرة التكليف إذ لا أجر إلا فيه فابحث على علم هذا ومنها علم الربح والخسران وما يقع فيه الربح والخسران وهل ثم موطن للإنسان يكون فيه لا يكون دنيا ولا آخرة وأعني بالآخرة الدار الآخرة التي جاءت الشرائع بها عن الله ومنها علم ما انقسم بالحال في الدنيا انقسم بالدار في الأخرى ففي الآخرة منزلان جنة وجهنم وفي الدنيا منزلتان عذاب ونعيم أو ألم ولذة فإذا كان الإنسان في حال يقال فيه إنه لا صفة له كدعوى أبي يزيد فهل صاحب هذه الدعوى هو الذي له الموطن الذي ليس بدنيا ولا آخرة ومنها علم ما يؤول إليه حال من ترك الأخذ بالأهم فالأهم وفيه علم الأمور العوارض ما لها من الأثر في العالم ومنها علم خزائن الأرزاق وقول بعض الصالحين وقد شكى إليه شخص كثرة العائلة فقال له أدخل إلى بيتك وانظر كل من ليس له رزق على الله فأخرجه فقال له كلهم رزقهم على الله فقال له فما تضرك كثرتهم أو قلتهم ومنها علم الفصل بالشهود والكشف بالحكم وفيه علم الفرق بين الإرادة والمشيئة والهمة والعزم والقصد والنية وفيه علم ما للنائب من صفات من استنابه هل يقوم بها كلها أو ما يطلبه من استنيب فيه ومنها علم مراتب القول وبما ذا ينسب السوء إليه من الحسن من الطيب ومنها علم بيان الطرق الموصلة إلى الثناء على الله بطريق التنزيه والإثبات ومنها علم ما يقع به التساوي بين الأشقياء والسعداء في الدنيا ومنها علم الميل إلى الأكوان والميل إلى جانب الحق وما يحمد من ذلك وما يذم ومنها علم إقامة نشأة ما نسب الحق إلى نفسه مما لا يقوم إلا على أيدي عباده ومنها علم الكور والحور واللازم والقائم والخاضع والنازل ومنها علم الإعلام بتكرار القصد إلى الحق في الأمور التي دعا الحق عباده إليها من العبادات ومنها علم السبل القريبة والبعيدة والسالكين فيها واحتساب الآثار إذا كان السلوك فيها وعليها مشروعا وغير مشروع لكن يقتضيه العقل السليم والنظر الصحيح وتعيين القرب الإلهية في ذلك من غير توقيف وما يصح من ذلك وما لا يصح ومنها علم الحمد لله على آلائه القريبة المناسبة من الإنسان ومنها علم ما لكل موجود من المنافع في العالم ومنها علم الموانع في العالم وما منعت عقلا وشرعا ومنها علم ظهور المعدوم في صورة الموجود وتميزه في الوجود من الوجود الحقيقي ومنها علم النحل والملل ومنها علم ما لا ينتفع به إلا بعد إزالة ما ينتفع به منه ومنها علم أحوال السائلين وما يليق بكل سائل من الجواب ومنها علم ما يقبل الحق من أعمال عباده مما لا يقبل مع كونه ليس بمحرم ولا مذموم ومنها علم الفرق بين العظمة الإلهية والكبرياء ومنها علم الإحسان ومعرفة ماهيته ومنها علم صفة من ينوب الحق عنه في صرف ما يسوءه مع وجود ما يسوءه ومنها علم المعارضة بالمثل ومنها علم عواقب الأسماء الحسنى ومنها علم العمارة والخراب وحكمهما في الدنيا والآخرة ومنها علم الرجوع عن الحق ما يؤثر في الراجع ومنها علم تقدير الواحد بالكثير كما قال بعضهم‏

وما على الله بمستنكر *** أن يجمع العالم في واحد



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!