The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل البهائم من الحضرة الإلهية وقهرهم تحت سرَّين موسويين

بالمراتب وفيه علم الأنساب والأحساب وما يقع به الشرف في الانتساب وما لا يقع ونهى النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن الطعن في الأنساب‏

وفيه علم الأهوال الشاغلة وفيه علم الجبر ومن هو المجبور وفيه علم التنزيه وفيه علم عواقب الثناء وأوائله وفيه علم الأحكام ولمن تنسب ومن يحكم بها وفيه علم التقدير الذي لم يقع لو وقع ما ينتج وهل ترك وقوعه من باب الرحمة بالعالم أم لا وفيه علم إقامة الحجج وفيه علم الابتلاء وما فائدته وفيه علم صنعة الكيمياء وفيه علم الاعتبار وفيه علم التمني وما يفيد منه وينفع المتمني وما لا يفيد ولا ينفع وفيه علم أهلية كل موجود لما أهل له وفيه علم من جازى بأفضل مما عمل له ومن أجاب بأكثر مما سئل عنه وفيه علم ما نهي عنه المؤمن هل هو بقاء على الأصل لأنه ترك ولما ذا تأخر عن الأمر وكلاهما حكم الله والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب السابع والخمسون وثلاثمائة في معرفة منزل البهائم من الحضرة الإلهية وقهرهم تحت سرين موسويين»

هيهات ما تسدل الأستار والكلل *** إلا لأمر عظيم كله جلل‏

لو أن ما سترت يبدو لأعيننا *** لما بدت نحل فينا ولا ملل‏

ولا بد أعرض في طيه مرض *** ولا دواء ولا طب ولا علل‏

ولا جديد تكون النفس تلبسه *** ولا التوسط منه لا ولا الثمل‏

إن الستور ترى في العين صورتها *** وليس يدركها في ذلكم ملل‏

وأعين الكون خلف الستر ناظرة *** والحجب تبصر ما لا تبصر المقل‏

[التخلق بأسماء إلهية والتحقق بأرواح طاهرة ملكية سبب معرفة الأمور]

اعلم أيدك الله أيها الطالب أن معرفة الأمور على ما هي عليه في أنفسها إنك لا تعلم ذلك إلا إذا أوقفك الله عليك من نفسك وأشهدك ذلك من ذاتك فيحصل لك ما طلبته ذوقا عند ما تقف عليه كشفا ولا سبيل إلى حصول ذلك إلا بعناية أزلية تعطيك استعدادا تاما لقبوله برياضات نفسية ومجاهدات بدنية وتخلق بأسماء إلهية وتحقق بأرواح طاهرة ملكية وتطهير بطهارة شرعية مشروعة لا معقولة وعدم تعلق بأكوان وتفريغ محل عن جميع الأغيار لأن الحق ما اصطفى لنفسه منك إلا قلبك حين نوره بالإيمان فوسع جلال الحق فعاين من هذه صفته الممكنات بعين الحق فكانت له مشهودة وإن لم تكن موجودة فما هي له مفقودة وقد كشف لبصيرته بل لبصره وبصيرته نور الايمان حين انبسط على أعيان الممكنات أنها في حال عدمها مرئية رائية مسموعة سامعة برؤية ثبوتية وسمع ثبوتي لا وجود له فعين الحق ما شاء من تلك الأعيان فوجه عليه دون غيره من أمثاله قوله المعبر عنه باللسان العربي المترجم بكن فأسمعه أمره فبادر المأمور فتكون عن كلمته لا بل كان عين كلمته ولم تزل الممكنات في حال عدمها الأزلي لها تعرف الواجب الوجود لذاته وتسبحه وتمجده بتسبيح أزلي وتمجيد قديم ذاتي ولا عين لها موجودة ولا حكم لها مفقود فإذا كان حال الممكنات كلها على ما ذكرناه من هذه الصفات التي لا جهل معها فكيف تكون في حال وجودها وظهورها لنفسها جمادا لا ينطق أو نباتا بتعظيم خالقه لا يتحقق أو حيوانا بحاله لا يصدق أو إنسانا بربه لا يتعلق هذا محال فلا بد أن يكون كل ما في الوجود من ممكن موجود يسبح الله بحمده بلسان لا يفقه ولحن ما إليه كل أحد يتنبه فيسمعه أهل الكشف شهادة ويقبله المؤمن إيمانا وعبادة فقال تعالى وإِنْ من شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً فجاء باسم الحجاب والستر وهو قوله غَفُوراً وجاء بالاسم الذي يقتضي تأخير المؤاخذة إلى الآجل وعدم حكمها في العاجل وهو الحليم لما علم إن في عباده من حرم الكشف والايمان وهم العقلاء عبيد الأفكار والواقفون مع الاعتبار فجازوا من الظاهر إلى الباطن مفارقين الظاهر فعبروا عنه إذ لم يكونوا أهل كشف ولا إيمان لما حجب الله أعينهم عن مشاهدة ما هي عليه الموجودات في أنفسها ولا رزقوا إيمانا في قلوبهم يكون له نور يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وأما المؤمنون الصادقون أولوا العزم من الأولياء فعبروا بالظاهر معهم لا من الظاهر إلى الباطن وبالحرف عينه إلى المعنى ما عبروا عنه فرأوا الأمور بالعينين وشهدوا بنور إيمانهم النجدين فلم يتمكن لهم إنكار

ما شهدوه ولا جحدوا ما تيقنوه فأسمعهم الله نطق الموجودات لا بل نطق الممكنات قبل وجودها فإنها حية ناطقة دراكة بحياة ثبوتية ونطق ثبوتي وإدراك ثبوتي إذ كانت في أنفسها أشياء ثبوتية فلما قبلت شيئية الوجود قبلتها بجميع نعوتها وصفاتها وليس نعتها سوى عينها فهي في حال شيئية وجودها حية بحياة وجودية ناطقة بنطق وجودي دراكة بإدراك وجودي إلا إن الله سبحانه أخذ بأبصار بعض عباده عن إدراك هذه الحياة السارية والنطق والإدراك الساري في جميع الموجودات كما أخذ الله ببصائر أهل العقول والأفكار عن إدراك ما ذكرناه في جميع الموجودات وفي جميع الممكنات وأهل الكشف والايمان على علم مما هو الأمر عليه في هذه الأعيان في حال عدمها ووجودها فمن ظهرت حياته سمي حيا ومن بطنت حياته فلم تظهر لكل عين سمي نباتا وجمادا فانقسم عند المحجوبين الأمر وعند أهل الكشف والايمان لم ينقسم فأما صاحب الكشف والشهود أهل الاختصاص فقد أعطاهم الشهود وما أعطى المحجوبين شهودهم فيقول أهل الشهود سمعنا ورأينا ويقول المحجوبون ما سمعنا ولا رأينا ويقول أهل الايمان آمنا وصدقنا قال تعالى وإِنْ من شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وشي‏ء نكرة وقال أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ من في السَّماواتِ ومن في الْأَرْضِ والشَّمْسُ والْقَمَرُ والنُّجُومُ والْجِبالُ والشَّجَرُ والدَّوَابُّ فذكر الجماد والنبات والحيوان الذين وقع فيهم الخلاف بين المحجوبين من أهل العقول والأفكار وبين أهل الشهود والايمان وقال تعالى ولِلَّهِ يَسْجُدُ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ من دابَّةٍ وقال ويُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وقال ولِلَّهِ يَسْجُدُ من في السَّماواتِ والْأَرْضِ طَوْعاً وكَرْهاً وظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ والْآصالِ وقال قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً من قَوْلِها وقال عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وقال عن الهدهد إنه قال لسليمان أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ به وجِئْتُكَ من سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ من كُلِّ شَيْ‏ءٍ ولَها عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُها وقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ من دُونِ الله فانظر فيما أعطى الله هذا الهدهد من العلم بالله فيما ذكره وقال تعالى أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً من الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ثم أخبر أن طائفة من العباد لا توقن بذلك وتخرجه بالتأويل عن ظاهره فقال أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ أي لا يستقر الايمان بالآيات التي هذه الآية منها في قلوبهم بل يقبلون ذلك إيمانا وطائفة منهم تتأول ذلك على غير وجهه الذي قصد له وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يشهد للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس‏

وقال في أحد هذا جبل يحبنا ونحبه‏

وقال إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل إن أبعث‏

ثم إنه‏

قد صح أن الحصى سبح في كفه وصح حنين الجذع إليه الذي كان يستند إليه إذا خطب الناس قبل أن يعمل له المنبر فلما صنع له المنبر تركه فحن إليه فنزل من منبره وأتاه فلمسه بيده حتى سكن‏

وصح أن كتف الشاة المسموم كلمه وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا تقوم الساعة حتى تكلم الرجل عذبة سوطه وتخبره فخذه بما فعل أهله بعده‏

وثبت عنه في قتل اليهود في آخر الزمان إذا استتر اليهود خلف الشجر يقول الشجر يا مسلم هذا يهودي خلفي أقتله إلا شجرة الغرقد فإنها ملعونة لا تنبه على من يستتر بها من اليهود

وهنا سر إلهي عجيب يعلم أن من الأشجار من راعى حق من استجار به اعتمادا من تلك الشجرة على رحمة الله ووفاء لحق الجوار وهو من الصفات المحمودة في كل طائفة وفي كل ملة وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لابنة عمه أم هانئ قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ وكان مشركا

واليهود أهل كتاب على كل حال فهم أولى بأن يوفى لهم بحق الجوار وكان هذا من الله في حق هذه الشجرة التي استجار بها اليهود فسترتهم ليتحقق عندنا قوله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ من يَشاءُ فجاء بلفظة من وهي نكرة فدخل تحتها كل شي‏ء لأن كل شي‏ء حي ناطق فيدخل تحت قوله من لأن بعض النحاة يعتقدون أن لفظة من لا تقع إلا على من يعقل وكل شي‏ء يسبح بحمد الله ولا يسبح إلا من يعقل من يسبحه ويثني عليه بما يستحقه فمن تقع على كل شي‏ء إذ كل شي‏ء يعقل عن الله ما يسبحه به فالله تعالى يرزقنا الايمان إذا لم نكن من أهل العيان والكشف والشهود لهذه الأمور التي أعمى الله عنها أهل العقول الذين تعبدتهم أفكارهم وغير المؤمنين الذين طمس الله على قلوبهم فمن علم إن كل شي‏ء ناطق ناظر إلى ربه لزمه الحياء

من كل شي‏ء حتى من نفسه وجوارحه فإن الله يقول يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وقال تعالى الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ وأخبر تعالى عن بعض الناس المشهود عليهم أنهم يقولون لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا الله يعني بالشهادة عليكم الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فيا ولي لا تكن الجلود أعلم بالأمر منك مع دعواك إنك من أهل العقل والإستبصار فهذه الجلود قد علمت نطق كل شي‏ء وأن الله منطقه بما

شاء ثم قال وما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ولا أَبْصارُكُمْ ولا جُلُودُكُمْ أي هذا لا يمكن الاستتار منه لأنكم ما تعملون الذي تأتونه من المنكرات إلا بالجوارح فإنها عين الآلة تصرفونها في طاعة الله أو معصيته فلا يتمكن لكم الاستتار عما لا يمكنك العمل إلا به ولكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ الله لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ هذا خطاب لمن يعتقد أن الله لا يعلم الجزئيات خاصة ثم قال وذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ أي أهلككم فَأَصْبَحْتُمْ من الْخاسِرِينَ والخسران ضد الربح وهو نقص من رأس المال لما كان الأمر تجارة اتصف بالربح والخسران يقول تعالى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ عقيب قوله أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏ فلما باعوا الهدى بالضلالة خسروا وقال هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ من عَذابٍ أَلِيمٍ ثم ذكر ما هي التجارة فقال تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ في سَبِيلِ الله وإنما عدل في هذه الأمور إلى التجارة دون غيرها فإن القرآن نزل على قرشي بلغة قريش بالحجاز وكانوا تجارا دون غيرهم من الأعراب فلما كان الغالب عليهم التجارة كسى الله ذات الشرع والايمان لفظ التجارة ليكون أقرب إلى أفهامهم ومناسبة أحوالهم وبعد أن أبنت لك عن الأمور على ما هي عليه إن كنت ذا نظر أو إيمان فإني ما أخبرتك إلا بممكن ما أخبرتك بمحال فلنقل بعد هذا البيان الشافي والإيضاح الكافي لأهل طريق الله خاصة وخاصته من عباده من مكاشف ومؤمن إن البهائم ما اختصت بهذا الاسم المشتق من الإبهام والمبهم إلا لكون الأمر أبهم علينا فإنا قد بينا لك ما هي عليه من المعرفة بالله وبالموجودات وإنما سميت بذلك لما انبهم علينا من أمرها فإبهام أمرها إنما هو من حيث جهلنا ذلك أو حيرتنا فيه فلم نعرف صورة الأمر كما يعرفه أهل الكشف فهي عند غير أهل الكشف والايمان بهائم لما نبهم عليهم من أمرها لما يرون من بعض الحيوان من الأعمال الصادرة عنها التي لا تصدر إلا عن فكر وروية صحيحة ونظر دقيق يصدر منهم ذلك بالفطرة لا عن فكر ولا روية فأبهم الله على بعض الناس أمرهم ولا يقدرون على إنكار ما يرونه مما يصدر عنهم من الصنائع المحكمة فذلك جعلهم يتأولون ما جاء في الكتاب والسنة من نطقهم ونسبة القول إليهم ليت شعري ما يفعلون فيما يرونه مشاهدة في الذي يصدر عنهم من الأفعال المحكمة كالعناكب في ترتيب الحبالات لصيد الذباب الذي جعل الله أرزاقهم فيه وما يدخره بعض الحيوان من أقواتهم على ميزان معلوم وقدر مخصوص وعلمهم بالأزمان واحتياطهم على نفسهم في أقواتهم فيأكلون نصف ما يدخرونه خوف الجدب فلا يجدون ما يتقوتون به كالنمل فإن كان ذلك عن نظر فهم يشبهون أهل النظر فأين عدم العقل الذي ينسب إليهم وإن كان ذلك علما ضروريا فقد أشبهونا فيما لا ندركه إلا بالضرورة فلا فرق بيننا وبينهم لو رفع الله عن أعيننا غطاء العمي كما رفعه الله عن أبصار أهل الشهود وبصائر أهل الايمان وفي عشق الأشجار بعضها بعضا التي لها اللقاح فإن ذلك فيها أظهر آيات لأهل النظر إذا أنصفوا

[أن العاقل إذا أراد أن يوصل إليك ما في نفسه لم يقتصر في ذلك التوصيل على العبارة بنظم حروف‏]

واعلم أن العاقل كان من كان من أي أصناف العالم إن شئت إذا أراد أن يوصل إليك ما في نفسه لم يقتصر في ذلك التوصيل على العبارة بنظم حروف ولا بد فإن الغرض من ذلك إذا كان إنما هو إعلامك بالأمر الذي في نفس ذلك المعلم إياك فوقتا بالعبارة اللفظية المنطوق بها في اللسان المسماة في العرف قولا وكلاما ووقتا بالإشارة بيد أو برأس أو بما كان ووقتا بكتاب ورقوم ووقتا بما يحدث من ذلك المريد إفهامك بما يريد الحق أن يفهمك فيوجد فيك أثرا تعرف منه ما في نفسه ويسمى هذا كله أيضا كلاما كما قال تعالى أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً من الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ فأخبر أنها تكلمنا وذلك أنها إذا خرجت من أجياد وهي دابة أهلب كثيرة الشعر لا يعرف قبلها من دبرها يقال لها الجساسة فتنفخ فتسم بنفخها وجوه الناس شرقا وغربا جنوبا وشمالا برا وبحرا فيرتقم في جبين كل شخص ما هو عليه في علم الله من إيمان وكفر فيقول من سمته مؤمنا لمن‏

سمته كافرا يا كافر أعطني كذا وكذا وما يريد أن يقول له فلا يغضب لذلك الاسم لأنه يعلم أنه مكتوب في جبينه كتابة لا يمكنه إزالتها فيقول الكافر للمؤمن نعم أو لا في قضاء ما طلب منه بحسب ما يقع فكلامها المنسوب إليها ما هو في العموم سوى ما وسمت به الوجوه بنفختها وإن كان لها كلام مع من يشاهدها أو يجالسها من أي أهل لسان كان فهي تكلمه بلسانه من عرب أو عجم على اختلاف اصطلاحاتهم يعلم ذلك كله وقد ورد حديثها في الخبر الصحيح الذي ذكره مسلم في حديث الدجال حين دلت تميما الداري عليه وقالت له إنه إلى حديثك بالأشواق وهي الآن في جزيرة في البحر الذي يلي جهة الشمال وهي الجزيرة التي فيها الدجال‏

[ما من صورة في العالم الأسفل إلا ومثلها في العالم العلوي‏]

واعلم أنه ما من صورة في العالم الأسفل إلا ومثلها في العالم العلوي فصور العالم العلوي تحفظ على أمثالها في العالم السفلي الوجود ويؤثر فيها ما تجده من العلم بالأمور التي لا تقدر على إنكارها من نفسها لتحققها بما تجده فهذا أثر الصور العلويات الفلكيات في الصور السفليات العنصريات وتؤثر الصور العنصريات السفليات في الصور العلويات الفلكيات الحسن والقبح والتحرك بالوهب لما تحتاج إليه بما هي عليه من الاستعدادات فلا تقدر الصور العلويات أن تحفظ نفسها عن هذا التأثير لأن لهذا خلقت وبين العالمين رقائق ممتدة من كل صورة إلى مثلها متصلة غير منقطعة على تلك الرقائق يكون العروج والنزول فهي معارج ومدارج وقد يعبر عنها بالمناسبات وبين تلك الصور العلويات الفلكيات وبين الطبيعة رقائق ممتدة عليها ينزل من الطبيعة إلى هذه الصور ما به قوام وجودها فإذا انصبغت بذلك أفاضت على الصور السفليات العنصريات ما به قوام وجودها ولكن من حيث ما هي أجسام وأجساد لا غير ليحفظ عليها صورها وبين هذه الصور العلويات الفلكيات وبين النفس الكلية التي عبر عنها الشارع صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن الله باللوح المحفوظ لما حفظ الله عليه ما كتب فيه فلم ينله محو بعد ذلك ولا تبديل فكل شي‏ء فيه وهو المسمى في القرآن بكل شي‏ء تسمية إلهية ومنه كتب الله كتبه وصحفه المنزلة على رسله وأنبيائه مثل قوله تعالى وكَتَبْنا لَهُ في الْأَلْواحِ من كُلِّ شَيْ‏ءٍ وهو اللوح المحفوظ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وهو اللوح المحفوظ ففصلت الكتب المنزلة مجمله وأبانت عن موعظته فبين هذه الصور وبين هذه النفس رقائق ممتدة من حيث أرواحها المدبرة لصور أجسادها تنزل عليها العلوم والمعارف بما شاء الله إما من العلم به أو العلم بما شاء من المعلومات الموجودات والمعقولات فإذا حصلت أرواح هذه الصور العلويات الفلكيات ما شاء الله من العلوم التي هي لها بمنزلة الغذاء لصورها الجسمية فبه قوام وجودها ونعيمها ولذتها فإذا انصبغت بتلك الأنوار وتحققت بها أفاضت على نفوس الصور السفليات العنصريات من تلك العلوم بحسب ما قبله استعدادها فيتفاضلون في العلم لتفاضل الاستعداد ثم يعلم بعضهم بعضا وليس التعليم إلا رفع الحجب التي حجبها استعدادهم عن قبول ذلك الفيض فكنى عن ذلك الرفع بالتعليم فلم يكن التعليم إلا من ذلك الفيض من تلك الصور العلويات الفلكيات كما يرفع المانع الذي يمنع الماء عن جريته فإذا رفعته جرى الماء في ذلك الموضع الذي كان المانع يمنع من جريته عليه ففاتح هذا السد لم يجر الماء كذلك المعلم من هذه الصور السفليات لغيرها من أمثالها إنما رفع عنها حجاب الجهل والشك فانكشف لذلك الفيض الروحاني فقبلت من العلوم ما لم يكن عندها فتخيلت إن المعلم لها من رفع غطاء جهلها وليس الأمر كذلك فافهم وبين هذه الصور العلويات الفلكيات وبين الصور السفليات العنصريات رقائق ممتدة للأسماء الإلهية والحقائق الربانية وهي الوجوه الخاصة التي لكل ممكن الذي صدر منه عن كلمة كن بالتوجه الإرادي الإلهي الذي لا يعلمه المسبب عنه من غيره وإن كان له وجه خاص من نفسه يعلم ذلك أو يجهله ومن ذلك الوجه يفتقر كل شي‏ء إلى الله لا إلى سببه الكوني وهو السبب الإلهي الأقرب من السبب الكوني فإن السبب الكوني منفصل عنه وهذا السبب لا يتصف بالانفصال عنه ولا بالاتصال المجاور وإن كان أقرب في حق الإنسان من حبل الوريد فقربه أقرب من ذلك فيعطي الله تعالى لكل صورة علوية وسفلية من العلوم الاختصاصية التي لا يعلم بها إلا ذلك المعطى له خاصة ما شاء الله وهذه هي علوم الأذواق التي لا تنقال ولا تنحكى ولا يعرفها إلا من ذاقها وليس في الإمكان أن يبلغها من ذاقها إلى من لم يذقها وبينهم في ذلك تفاضل لا يعرف ولا يمكن أن يعرف عين ما فضله به فلما كان في العلم هذا الاختصاص كان ثم جنات اختصاص‏

[إن العالم من حيث حقيقته قام على أربعة أركان في صورته الجسمية والروحانية]

واعلم‏

أنه ليس في المنازل ولا في المقامات منزل عم جميع العالم والإنسان إلا هذا المنزل فله عموم الرحمة في العالم لأن العالم من حيث حقيقته قام على أربعة أركان في صورته الجسمية والروحانية فهو من حيث طبيعته مربع ومن حيث روحه مربع فمن حيث جسده ذو أربع طبائع عن أركان أربعة ومن حيث روحه عن أم وأب ونفخ وتوجه فجاءته الرحمة من أربعة وجوه لكل وجه رحمة تخصه فالرحمة التي تبقي عليه رطوبته حتى لا تؤثر فيها يبوسته غير الرحمة التي تحفظ عليه يبوسته لئلا تفنيها رطوبته والرحمة التي تحفظ عليه برودته لئلا تفنيها حرارته غير الرحمة التي تحفظ عليه حرارته لئلا تفنيها برودته فتمانعت فبقيت لهذا التمانع والتكافؤ صورة الجسم ما دام هذا التكافؤ والممانعة ومن هذا المنزل انبعثت هذه الرحمات الأربع فمن وقف عليها من نفسه علم ما له ومن لم يقف عليها من نفسه جهل حاله وإنما حجب الله من حجب عن شهودها حتى لا يتكلموا كما ورد في حديث معاذ وحديث عمر وكشفها الله للامناء حيث علم منهم أنهم لا يؤدون الأمانة إلا لأهلها فإن الله قد خلق للعلم أهلا بمثل هذا وجعل وصول العلم إليهم بمثل هذا على نوعين إما منه إليهم وإما من معلم قد علم أمانة غيره وهو أمين مثل ما علم من أمانته فالقى ذلك العلم إليه إذ كان من أهله وهو مأمور من الله تعالى بأداء الأمانة فإذا وقفت على هذه الرحمات من‏

نفسك حالت بينك وبين كل ما يؤدي إلى بعدك عن الله تعالى وعن سعادتك واتصفت بالانقياد إلى الله في كل حال بما دعاك إليه هذا أثرها فيك إذا شاهدتها فتورثك الأدب الإلهي ولا يكون هذا الآتي بهذا العلم إليك إلا عالما بك وبما تكون به حياتك وهو من الأرواح السيارة والملائكة أولي الأجنحة على طبقاتها في الأجنحة فأعلاهم أقلهم أجنحة وأقلهم أجنحة من له جناحان فإنه ما ثم من له جناح واحد لا مساعد له إما من جناح أو غيره وقد رأينا حيوانا على فرد رجل وقد خرج من صدره شبه درة المحتسب يحركه تحريك الجناح ويعدو بتلك الحركة ويحرك رجله الواحدة بحيث أن السابق من الخيل لا يلحقه ما بين القل وجيجل ببلاد المغرب فلهذا لنا من لا مساعد له فمن الملائكة من له جناحان إلى ستمائة جناح إلى ما فوق ذلك فهذا علم لا يأتي لمن أتى إليه إلا على يدي ملك كريم مطيع لا يعصي الله ما أمره له جناحان ينزل بهما إلى قلب هذا العبد فإن أجنحة الملائكة للنزول لا للصعود وأجنحة الأجسام العنصرية للصعود لا للنزول لأن الملائكة تجري بطبعها الذي عليه صورة أجسامها إلى أفلاكها التي عنها كان وجودها فإذا نزلت إلى الأرض نزلت طائرة بتلك الأجنحة وهي إذا رجعت إلى أفلاكها ترجع بطبعها بحركة طبيعية وإن حركت أجنحتها حتى أنها لو لم تحرك أجنحتها لصعدت إلى مقرها ومقامها بذاتها وأجسام الطير العنصري يحرك جناحه للصعود ولو ترك تحريك جناحه أو بسطة لنزل إلى الأرض بطبعه فما يبسط جناحه في النزول إلا للوزن في النزول لأنه إن لم يزن نزوله وبقي مع طبعه تأذى في نزوله لقوة حكم الطبع فحركة جناحه في النزول حركة حفظ فاعلم ذلك‏

[أن البهائم تعلم من الإنسان ومن أمر الدار الآخرة]

واعلم أن البهائم تعلم من الإنسان ومن أمر الدار الآخرة ومن الحقائق التي الوجود عليها ما يجهله بعض الناس ولا يعلمه كما حكي عن بعضهم أنه رأى رجلا راكبا على حمار وهو يضرب رأس الحمار بقضيب فنهاه الرائي عن ضربه رأس الحمار فقال له الحمار دعه فإنه على رأسه يضرب فجعله عين الحمار وعلم الحمار أنه مجازي بمثل ما فعل معه وقوله دعه لما علم الحمار ما له في ذلك من الخير عند الله أو لعلمه أيضا بأنه ما وفى له بحق ما خلق له من التسخير فعلم أنه مستحق بالضرب فنبه بذلك السامع له أن الشخص إذا لم يجي‏ء بحق ما تعين عليه لصاحبه استحق الضرب أدبا وجزاء لما كان منه وهذه كلها وجوه محققة لصورة هذا الفعل والقول من هذا الحمار إلى غير ذلك من الوجوه التي يطلبها هذا الفعل وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في ناقته لما هاجر إلى المدينة وبركت الناقة بفناء أبي أيوب الأنصاري فأراد من حضر من أصحابه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن يقيمها والنبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم راكب عليها فقال دعوها فإنها مأمورة وقال حبسها حابس الفيل‏

يعني عن مكة وحديث الفيل مشهور الصحة فجميع ما سوى الثقلين وبعض الناس والجان على بينة من ربهم في أمرهم من حيوان ونبات وجماد وملك وروح ويتضمن هذا المنزل من العلوم علم الأعداد وعلم الحروف وهو علم الأولياء كذا قال محمد بن علي الترمذي الحكيم وعلم المجمل وعلم الرحمات المختصة بالإنسان وعلم التبيان وعلم البشائر وعلم مراتب الايمان وعلم إقامة نشأة الأعمال من المكلفين وغير



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!