The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل جثت الشريعة بين يدى الحقيقة تطلب الاستمداد من الحضرة المحمدية وهو المنزل الذى يظهر فيه اللواء الثانى من ألوية الحمد الذى يتضمن تسعة وتسعين اسما إلهيًّا

الأسماء التي لم يجر العرف بأن تطلق عليه فتطلق عليه رحمة بها فتجدها مرقومة في اللواء وهو علم شريف كنا قد عزمنا إن نضع فيه كتابا فاقتصرنا منه على جزء صغير سميناه معرفة المدخل إلى الأسماء والكنايات وهو أسلوب عجيب غريب ما رأيت أحدا نبه عليه من المتقدمين مع معرفتهم به ومن علوم هذا المنزل علم الإجمال الذي يعقبه التفصيل من غير تأخير وفيه علم إنزال الكتب من أين تنزل وما حضرتها من الأسماء الإلهية وهل جميع الكتب المنزلة من حضرة واحدة من الأسماء أو تختلف حضراتها باختلاف سبب نزولها فإن التوراة وإن كتبها الله بيده فما نزلت للاعجاز عن المعارضة والقرآن نزل معجزا فلا بد أن تختلف حضرة أسماء الله فيضاف كل كتاب إلى اسمه الخاص به من الأسماء الإلهية وفيه العلم بالحق المخلوق به وهو العدل عند سهل بن عبد الله وفيه علم أهل الحجب في إعراضهم عن دعوة الحق هل إعراضهم جهل أو عناد وجحد وفيه علم ما يتميز به الله عمن تدعى فيه الألوهة وليس فيه خصوص وصف الإله وفيه علم ما آخذ الأدلة للعقل بالقوة الفكرية وفيه علم تأخير الإجابة عند الدعاء ما سبب ذلك وفيه علم صيرورة الولي عدوا ما سببه وفيه علم التفاضل في الفهم عن الله هل يرجع إلى الاستعداد أو إلى المشيئة وفيه علم الشهادة الإلهية للمشهود له وعليه واجتماع المشهود له وعليه في الرحمة بعد الأداء ولم يكن الصلح أو لا ولا يحتاج إلى دعوى وإلى شهادة وإذا كان الحق شهيدا فمن الحاكم حتى يشهد عنده فلو حكم بعلمه لم يكن شاهدا ويتعلق بهذا العلم علم الشهادة ومراتب الشهداء والشهود فيها وهل للحاكم أن يحكم بعلمه أو يترك علمه لشهادة الشهود إذا لم تكن شهادتهم شهادة زور مثل أن تشهد شهود على إن زيدا يستحق على عمرو كذا وكذا درهما وهو عندهم كما شهدوا وكان الحاكم قد علم إن عمرا قد دفع له هذا المستحق بيقين وليس لزيد شهود إلا علم الحاكم ويعلم الحاكم أن الشهود شهدوا بما علموا ولم يكن لهم علم بأن عمرا قد أوصل إلى زيد ما كانت الشهادة قد وقعت عليه وفيه علم تكذيب الصادق من أين يكذبه من يكذبه مع جواز الإمكان فيما يدعيه في أخباره وفيه علم أسباب ارتفاع الخوف في مواطن الخوف وفيه علم المناسبة في الجزاء الوفاق وهل ما زاد على الجزاء الوفاق يكون جزاء أو يكون هبة وهل الجزاء المؤلم يساوي الجزاء الملذ في الزيادة أم لا تكون الزيادة إلا في جزاء ما يقع به النعيم وأما في الآلام فلا يزيد على الوفاق شي‏ء وقوله تعالى زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ لما ذا ترجع هذه الزيادة وقوله كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ فهل هذه الجلود المجددة هل هي من الجزاء الوفاق أو من الزيادة وقولهم لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً هل لهم في هذا القول وجه يصدقون فيه أم لا وجه لهم وقول الله في حق هؤلاء بَلى‏ من كَسَبَ سَيِّئَةً وأَحاطَتْ به خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ هل هو معارض لقولهم لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً فإنه ما كل من دخل النار تمسه فإن ملائكة العذاب في النار وهي دارهم وما تمسهم النار وما قال الله بعد قوله وأَحاطَتْ به خَطِيئَتُهُ فأولئك الذين تمسهم النار وفيه علم نش‏ء بنى آدم وصورته الطبيعية والروحانية وفيه علم الوصف الذي إذا أقيم العبد فيه تجاوز الله عنه فيما أساء فيه وفيه علم الحقوق والمستحقين لها وفيه علم الفرق بين العرض والوقوف فإنه ورد ولَوْ تَرى‏ إِذْ وُقِفُوا عَلى‏ رَبِّهِمْ وورد يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى (النَّارِ) ربهم وورد ولَوْ تَرى‏ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ وورد ويَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ وهل العرض دخول أم لا وفيه علم المطابقة وهو علم عزيز وفيه علم مضادة الأمثال وفيه علم ما يجب على الرسل مما لا يجب وفيه علم عدم الثقة بالأسباب المعهودة لأمر ما يكون عنها فيظهر عنها خلاف ذلك من أين وقع الغلط للذي وثق بها وفيه علم ما يفنى من الأشياء مما لا يفنى وما يفنى منها هل يفنى بالذات أم لا

وفيه علم كل شي‏ء فيك ومنك فلا يطرأ عليك أمر غريب ما هو عندك فلا يكشف لك إلا عنك وهو علم عزيز أيضا ما يعلمه كل أحد من أهل الله وفيه علم الفرق بين أصناف العالم وفيه علم الاقتداء وفيه علم الزمان الكبير من الزمان الصغير وظهور الزمان الكبير قصيرا كزمان النعيم والوصال وظهور الزمان القصير كبيرا كزمان الآلام والهجران والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب التاسع والثلاثون وثلاثمائة في معرفة منزل جثو لشريعة بين يدي الحقيقة تطلب الاستمداد من الحضرة المحمدية»

وهو المنزل الذي يظهر فيه اللواء الثاني من ألوية الحمد الذي يتضمن تسعة وتسعين اسما إلهيا»

الحجر من شيم الحدوث فلا تقل *** إني لأجل خلافتي لمسرح‏

هيهات أنت مقيد بخلافة *** أين السراح وباب كونك يفتح‏

والقلب خلف مغالق مجبولة *** ضاعت مفاتحها فليست تفتح‏

لا تفرحن بشرح صدرك إنه *** شرح لتعلم إن قيدك أرجح‏

[تكلم الناس في الشريعة والحقيقة]

اعلم أيدك الله أيها الولي الحميم أن الناس تكلموا في الشريعة والحقيقة قال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم آمرا وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً يريد من العلم به من حيث ما له تعالى من الوجوه في كل مخلوق ومبدع وهو علم الحقيقة فما طلب الزيادة من علم الشريعة بل كان يقول اتركوني ما تركتكم وعلم الشريعة علم محجة وطريق لا بد له من سالك والسلوك تعب فكان يريد التقليل من ذلك وغاية طريق الشريعة السعادة الحسية وليست الحقيقة غايتها في العموم فإن من الناس من ينال الحقيقة في أول قدم يضعه في طريق الشريعة لأن وجه الحق في كل قدم وما كل أحد يكشف له وجه الحق في كل قدم والشريعة المحكوم بها في المكلفين والحقيقة الحكم بذلك المحكوم به والشريعة تنقطع والحقيقة لها الدوام فإنها باقية بالبقاء الإلهي والشريعة باقية بالإبقاء الإلهي والإبقاء يرتفع والبقاء لا يرتفع

فهذا المنزل يعطيك شرف الإنسان على جميع من في السماء الأرض وإنه العين المقصودة للحق من الموجودات لأنه الذي اتخذه الله مجلى وأعني به الإنسان الكامل لأنه ما كمل إلا بصورة الحق كما إن المرآة وإن كانت تامة الخلق فلا تكمل إلا بتجلى صورة الناظر فتلك مرتبتها والمرتبة هي الغاية كما إن الألوهة تامة بالأسماء التي تطلبها من المألوهين فهي لا ينقصها شي‏ء وكمالها أعني الرتبة التي تستحقها الغني عن العالمين فكان له الكمال المطلق بالغنى عن العالمين ولما شاء أن يعطي كما له حقه ولم يزل كذلك وخلق العالم للتسبيح بحمده سبحانه لا لأمر آخر والتسبيح لله ولا يكون المسبح في حالة الشهود لأنه فناء عن الشهود والعالم لا يفتر عن التسبيح طرفة عين لأن تسبيحه ذاتي كالنفس للمتنفس فدل إن العالم لا يزال محجوبا وطلبهم بذلك التسبيح المشاهدة فخلق سبحانه الإنسان الكامل على صورته وعرف الملائكة بمرتبته وأخبرهم بأنه الخليفة في العالم وأن مسكنه الأرض وجعلها له دارا لأنه منها خلقه وشغل الملأ الأعلى به سماء وأرضا فسخر له ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ أي من أجله واحتجب الحق إذ لا حكم للنائب بظهور من استخلفه فاحتجب عن البصائر كما احتجب عن الأبصار

فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يخاطب الناس الذين يشبهون الإنسان في الصورة الحسية وهم نازلون عن رتبة الكمال إن الله احتجب عن البصائر كما احتجب عن الأبصار وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم فكما لا تدركه الأبصار كذلك لا تدركه البصائر

وهي العقول لا تدركه بأفكارها فتعجز عن الوصول إلى مطلوبها والظفر به وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها وأمره بتعليم الملإ الأعلى وأمر من في السموات والأرض بالنظر فيما يستحقه هذا النائب فسخر له جميع من في السموات والأرض حتى المقول عليه الإنسان من حيث تماميته لا من حيث كماليته فهذا النوع المشارك له في الاسم إذا لم يكمل هو من جملة المسخرين لمن كمل والحق في كماله بالغنى عن العالمين وهو وحده أعني الإنسان الكامل يعبد ربه الغني عنه فكماله إن لا يستغني عنه وما ثم من يعبده من غير تسبيح إلا الكامل فإن التجلي له دائم فحكم الشهود له لازم فهو أكمل الموجودات معرفة بالله وأدومهم شهودا وله إلى الحق نظران ولهذا جعل له عينين فينظر بالعين الواحدة إليه من كونه غنيا عن العالمين فلا يراه في شي‏ء ولا في نفسه وينظر إليه بالعين الأخرى من اسمه الرحمن بكونه يطلب العالم ويطلبه العالم فيراه ساري الوجود في كل شي‏ء فيفتقر بهذه النظرة من هذه العين إلى كل شي‏ء من حيث ما هي الأشياء أسماء الحق لا من حيث أعيانها فلا أفقر من الإنسان الكامل إلى العالم لأنه يشهده مسخرا له فعلم أنه لو لا ما هو عليه من الحاجة إلى ما سخروا فيه من أجله ما سخروا فيعرف نفسه أنه أحوج إلى العالم من العالم إليه فقام له هذا الفقر العام مقام الغني الإلهي العام فنزل في العالم في الفقر منزلة الحق من حيث الأسماء الإلهية التي تطلب التأثير في العالم فما ظهر في فقره إلا ظهور أسماء الحق فهو حق في غناه عن العالم لأن العالم مسخر في حقه بتأثير الأسماء الإلهية فيه أعني في العالم فما يسخر له إلا من له التأثير لا من حيث عين العالم فلم يفتقر إلا لله وهو حق في فقره إلى العالم فإنه لما علم إن الله ما سخر العالم لهذا الإنسان إلا ليشتغل العالم بما كلفهم من التسخير عن طلب العلم به من حيث الشهود فإن ذلك ليس لهم لأنهم‏

نازلون عن رتبة الكمال أظهر الإنسان الكامل الحاجة لما سخر فيه العالم فقوى التسخير في العالم لئلا يفرطوا فيما أمرهم الحق به من ذلك لأنهم لا يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ فوافق الإنسان الكامل بإظهار هذا الفقر الحق في أشغال العالم فكان حقا في فقره كالاسماء وحقا في غناه لأنه لا يرى المسخر له إلا من له الأثر وهو للأسماء الإلهية لا لأعيان العالم فما افتقر إلا لله في أعيان العالم والعالم لا علم له بذلك ولما أطت السماء بعمارها وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك ساجد لله‏

فأخبر في قوله ساجد لله لينبه على نظر كل ملك في السماء إلى الأرض لأن السجود التطاطؤ والانخفاض وقد عرفوا إن الأرض موضع الخليفة وأمروا بالسجود فطأطئوا عن أمر الله ناظرين إلى مكان هذا الخليفة حتى يكون السجود له لأن الله أمرهم بالسجود له ولم يزل حكم السجود فيهم لآدم وللكامل أبدا دائما فإن قلت فيزول في الدار الآخرة مثل هذا السجود قلنا لا يزول لأن الصورة الظاهرة من الإنسان الكامل التي وقع السجود لها أنشأها الله من الطبيعة العنصرية ابتداء وإعادة ففي الابتداء أنبتها من الأرض ثم أعادها إليها بالموت ثم أخرجها منها إخراجا بالبعث ولها السفل في الرتبة تطلب بهذه الحقيقة الله الذي‏

قال فيه النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لو دليتم بحبل لهبط على الله‏

وكذا ينبغي أن يكون الأمر في نفسه فلا بد من استصحاب سجودهم للإمام دنيا وآخرة فحاز الإنسان الكامل صورة العالم وصورة الحق ففضل بالمجموع فالساجد والمسجود له فيه ومنه ولو لم يكن الأمر هكذا لم يكن جامعا فعند الملإ الأعلى ازدحام لرؤية الإنسان الكامل كما يزدحم الناس عند رؤية الملك إذا طلع عليهم فأطت السماء لازدحامهم فمن عرف الله بهذه المعرفة عرف نعم الله التي أسبغها عليه الظاهرة والباطنة فتبرأ من المجادلة في الله بغير علم وهو ما أعطاه الدليل النظري ولا كتاب منير وهو ما وقع به التعريف مما هو الحق عليه من النعوت فقال ومن النَّاسِ من يُجادِلُ في الله بِغَيْرِ عِلْمٍ أعطاه دليل فكره ولا هُدىً يقول ولا بيان أبانه له كشفه ولا كِتابٍ مُنِيرٍ وهو ما وقع به التعريف لما نزلت به الآيات من المعرفة بالله في كتبه المنزلة الموصوفة بأنها نور ليكشف بها ما نزلت به لما كان النور يكشف به فنفاهم عن تقليد الحق وعن التجلي والكشف وعن النظر العقلي ولا مرتبة في الجهل أنزل من هذه المرتبة ولهذا جاءت من الحق في معرض الذم يذم بها من قامت به هذه الصفة وإذا عرفوا نعم الله كما قلنا أوجب هذا العلم عليهم الشكر فشغلوا نفوسهم بشكره‏

كما فعله رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حين نزل عليه لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ويَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً ويَنْصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً فقام حتى تورمت قدماه شكرا على هذه النعمة وهكذا أخبر لما قيل له في ذلك فقال أ فلا أكون عبدا شكورا

فأتى بفعول وهو بنية المبالغة فكثر منه الشكر لما كثرت النعم فطلبت كل نعمة منه الشكر لله عليها ولا يخطر لصاحب هذا المقام في شكره طلب الزيادة لأنه فعل يطلب الماضي والواقع فكانت الزيادة من النعم للشاكر فضلا من الله ولهذا سماها زيادة يطلبها الشكر لا الشاكر فيجني ثمرته الشاكر فهي من الشكر جزاء للشاكر حيث أوجد عين الشكر في الوجود وأقام نشأته صورة متجسدة تسبح الله وتذكره فطلبت من الله تعالى أن يزيد هذا الشاكر نعمة إلى نعمته حيث كان سببا في إيجاد عين الشكر فسمع الله منه وأجابه لما سأل فسأله أن يعرف الشاكرين بذلك حتى يعلموا أن الشكر قد أدى عند الله ما وجب عليه من حق الشاكر فقال الله لعباده لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ فأعلمنا بالزيادة فالعارف بالله يشكر الله ليكون خلاقا لصورة الشكر ليكثر المسبحون لله القائمون في عبادته فإذا علم الله هذا منه زاده في النعم الظاهرة والباطنة ليدوم له نعت الخلق للشكر فلا يزال الأمر له دائما دنيا وآخرة وأعظم نشأة يظهر بها الشكر في الوجود نشأة الشكر على نعمة الصورة الكمالية ونشأة الشكر على نعمة التسخير والمزيد من الله للشاكر على قدر صورة الشكر فاعلم كيف تشكر واشتغل بالأهم فالأهم من ذلك فإذا طلب الشاكر بشكره المزيد لما وعد الله به لم يعطه الله من نعمة المزيد إلا على قدر طلبه وصورته من التخليط والسلامة فيكون مزيده مغفرة وعفوا وتجاوزا لا غير وبالجملة فينزل عن درجة الأول الذي أعطى بسؤال الشكر فإن نشأة الشكر بريئة من التخليط في عينها وإن كان الشاكر مخلطا فلا أثر لتخليطه في صورة الشكر وله أثر في المزيد إذا شكر لتحصيل المزيد فتحصل المفاضلة بين الشاكرين على ما قررناه من الطالبين المزيد وغير الطالبين والمشتغلين بالأهم وغير المشتغلين به فهذه طرق لله‏

مختلفة كما قال لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً ومِنْهاجاً وهي الطرق والحقيقة عين واحدة هي غاية لهذه الطرق وهو قوله وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فأما قوله تعالى لنبيه محمد في سورة الفتح وهو فتوح المكاشفة بالحق وفتوح الحلاوة في الباطن وفتوح العبارة ولهذا الفتوح كان للقرآن معجزة فما أعطى أحد فتوح العبارة على كمال ما أعطيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإنه قال لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ والْجِنُّ عَلى‏ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ولَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً أي معينا فقال له إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً في الثلاثة الأنواع من الفتوح فتحا فأكده بالمصدر مبينا أي ظاهرا يعرفه كل من رآه بما تجلى وما حواه ففتوح الحلاوة ثابت له ذوقا وفتوح العبارة ثابت للعرب بالعجز عن المعارضة وفتوح المكاشفة ثابت بما أشهده ليلة إسرائه من الآيات لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ فيسترك عما يستحقه صاحب الذنب من العتب والمؤاخذة وما تأخر يسترك عن عين الذنب حتى لا يجدك فيقوم بك فأعلمنا بالمغفرة في الذنب المتأخر أنه معصوم بلا شك ويؤيد عصمته إن جعله الله أسوة يتأسى به فلو لم يقمه الله في مقام العصمة للزمنا التأسي به فيما يقع منه من الذنوب إن لم ينص عليها كما نص على النكاح بالهبة إن ذلك خالص له مشروع وهو حرام علينا ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بأن يعطيها خلقها إذ قد عرفنا بالمخلقة من ذلك وغير المخلقة وأخبر بهذه الآية أن نعمته التي أعطاها محمدا مخلقة أي تامة الخلقة صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ويَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وهو صراط ربه الذي هو عليه كما قال هود عليه السلام إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ والشرائع كلها أنوار وشرع محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بين هذه الأنوار كنور الشمس بين أنوار الكواكب فإذا ظهرت الشمس خفيت أنوار الكواكب واندرجت أنوارها في نور الشمس فكان خفاؤها نظير ما نسخ من الشرائع بشرعه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مع وجود أعيانها كما يتحقق وجود أنوار الكواكب ولهذا ألزمنا في شرعنا العام أن نؤمن بجميع الرسل وجميع شرائعهم أنها حق فلم ترجع بالنسخ باطلا ذلك ظن الذين جهلوا فرجعت الطرق كلها ناظرة إلى طريق النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فلو كانت الرسل في زمانه لتبعوه كما تبعت

شرائعهم شرعه فإنه أوتي جوامع الكلم ويَنْصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً والعزيز من يرام فلا يستطاع الوصول إليه فإذا كانت الرسل هي الطالبة للوصول إليه فقد عز عن إدراكها إياه ببعثته العامة وإعطاء الله إياه جوامع الكلم والسيادة بالمقام المحمود في الدار الآخرة وبجعل الله أمته خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وأمة كل نبي على قدر مقام نبيها فاعلم ذلك وإذا طلب الوصول إليه القائلون باكتساب النبوة عز عليهم الوصول إلى ذلك فإن المكتسب إنما هو السلوك والوصول إلى الباب وأما ما وراء الباب فلا علم للواصلين إليه بمن يفتح له ذلك الباب فمن الناس من يفتح له بالإيمان العام وهو مطالعة الحقيقة كأبي بكر فلم ير شيئا إلا رأى الله قبله ومنهم من يفتح له بالإنباء العام الذي لا شرع فيه وهذان الفتحان باقيان في هذه الأمة إلى يوم القيامة ومن الواصلين من يفتح له الباب بنبوة التشريع المقصور عليهم ومنهم من يفتح له الباب بالرسالة بما شرع وهذان بابان أو فتحان قد منع الله أن يتحقق بهما أحد أو يفتح له فيهما إلا أهل الاجتهاد فإن الله أبقى عليهم من ذلك بعض شي‏ء بتقرير الشرع فحكمه للشارع لا لهم فكل ما خرج من وراء الباب عند فتحه ما هو مكتسب والنبوة غير مكتسبة فنصره الله النصر العزيز فلم يصل إليه من قال باكتساب النبوة لأن الموصوف بالعزة لا عين للعزة إلا مع وجود الطالب لمن قامت به فيحمى مقامه وحضرته أن لا يصل طالب إليه فالشرائع الحكمية السياسية الظاهرة بصورة الشرائع الإلهية ليس لها هذا النصر العزيز وإنما هو مختص بصاحب الشرع الإلهي المنزل والحقيقة تعم الشرعين الشرع الإلهي والحكمي السياسي فصاحب الشريعة وهو المؤمن إنما جثى بين يدي المحقق الذي هو صاحب الحقيقة ليبين له مأخذ كل شرع من الحضرة الإلهية ولا يعلم ذلك إلا صاحب الحقيقة فلهذا سمي هذا المنزل بجثو الشريعة بين يدي الحقيقة لأن كل شرع يطلبها إذ هي باطن كل شرع والشرائع صورها الظاهرة في عالم الشهادة ولهذا ما تخلو أمة عن نذير يقوم بسياستها لبقاء المصلحة في حقها سواء كان ذلك الشرع إلهيا

أو سياسيا على كل حال تقع المصلحة به في القرن الذي يظهر فيه وبعد أن علمت منزلة الشريعة من الحقيقة ولها باب يخصه من هذا الكتاب قد تقدم فلنذكر ما يتضمنه هذا المنزل من العلوم فمن ذلك علم لواء خاص من ألوية الحمد وأسمائه وعلم ما لهذا اللواء من حكم الرحمة في العالم الذي يكون تحته وعلم المناسبات التي تنضم الأشياء الصورية بها بعضها إلى بعض لإقامة أعيان الصور التي‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!