The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل عقبات السويق وهو من الحضرة المحمدية

وقول أبي يزيد بطشي أشد في هذا المقام وفيه علم الفرج بعد الشدة وهل من شأن الفرج أن لا يكون إلا بعد شدة أم لا وفيه علم أنواع الابتلاء وفيه علم الصفة التي تزيل الحيرة عمن قامت به والإبانة عن ذلك وعلم الأنفاس الإلهية وعلم الأسفار عن نتائج الأسفار وعلم المواعظ وعلم الغلبة التي ليس فيها نصر إلهي بما ذا كانوا غالبين وفيه علم الفرق بين علم العين وعلم الدليل وهل يقوم مقام العين أم لا وفيه علم أنواع الزينة في العالم وفيه علم مراتب العلوم وتفاصيلها وفيه علم القضاء السابق من علم نفاة القدر وفيه علم الطبع والختم والقفل والكن وما هو عمى الأبصار وعمى البصائر ولم اختص عمى القلوب بحالة الصدور وهو الرجوع عن الحق وهل هو الصدور الذي يكون عن ورود متقدم أو هو صدور تكوين ممكن عن واجب أو هو صدور محل لا صفة فيكون عماه من كونه في المحل فإذا فارق المحل بنظره وانفتح له فيه فرج ينظر منها يزول عماه وفيه تعيين علوم المزيد فإنها مختلفة بحكم ما تقع الزيادة عليه وفيه علم الآيات والعلامات على الكوائن وفيه علم توحيد المرتبة الإلهية أنه ما حازها إلا واحد وفيه علم الستور وأصنافها التي تسدل علينا لنستر بها عن إدراك الغير وما هي الستور التي تسدل بيننا وبين من نطلب رؤيته فلا نراه وفيه علم الإقامة في المنزل والتقلب فيه لا عنه وفيه علم العناية بقوم وتركها في حق قوم وفيه ما تنتجه العزائم في الخير والشر وفيه علم الخير والشرور وفيه علم النسب الرحماني وفيه علم ما ينفع من الايمان مما لا ينفع كما قال أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وفيه علم البعد والقرب الإلهي وفيه علم ما يؤدي إليه التفكر وفيه علم الرجعة ممن وإلى من وفيه علم ما يؤثر فيه الظن مما لا يؤثر وفيه علم المشاهدة وتعلقها بالمشيئة مع استعداد المحل لقبولها وما هناك منع والمحل قابل وما هذه المشيئة المانعة وفيه علم الإنصاف في المجازاة والفضل وفيه علم الفرق بين الأضداد والأمثال وغير الأمثال إلى غير هذا من العلوم فإني لا أسوق من ذلك ما أسوقه على جهة الحصر مع علمي بذلك وإنما أسوقه على جهة التنبيه على ما فيه أو بعض ما فيه بحسب ما يقع لي فوقتا أورد ذلك بطريق الحصر بحيث إني لا أترك في المنزل علما إلا نبهت عليه ووقتا أقصر عن ذلك والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثامن والثلاثون وثلاثمائة في معرفة منزل عقبات السويق وهو من الحضرة المحمدية»

الفتح فتحان في المعنى وفي الكلم *** فمن تكمل يدعي جامع الحكم‏

ولو تسافل في الأكوان منزله *** كان العلو له في حضرة الكلم‏

هو المقدم في المعنى برتبته *** في عالم النور لا في عالم الظلم‏

لا تحقرن عباد الله أن لهم *** حظا من الله ذي الآلاء والنعم‏

فعظم الكون فالمدلول يطلبه *** وهو البري‏ء من الآفات والتهم‏

[أن لله في المقام المحمود سبعة ألوية]

اعلم أن لله في المقام المحمود الذي يقام فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يوم القيامة باسمه الحميد سبعة ألوية تسمى ألوية الحمد تعطي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وورثته المحمديين في الألوية أسماء الله التي يثني بها صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على ربه إذا أقيم في المقام المحمود يوم القيامة وهوقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إذا سئل في الشفاعة قال فأحمد الله بمحامد لا أعلمها الآن‏

وهي الثناء عليه سبحانه بهذه الأسماء التي يقتضيها ذلك الموطن والله تعالى لا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى خاصة وأسماؤه سبحانه لا يحاط بها علما فإنا نعلم‏

أن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

ونعلم أنا لا نعلم ما أخفي لنا من قرة أعين وما من شي‏ء من ذلك إلا وهو مستند إلى الاسم الإلهي الذي ظهر به حين أظهره والاسم الإلهي الذي امتن علينا تعالى بإظهاره لنا فلا بد أن نعلمه ونثني على الله به ونحمده إما ثناء تسبيح أو ثناء إثبات فلما عرفت بذلك سألت عن توقيت تلك الأسماء التي يحمد الله تعالى بها يوم القيامة في المقام المحمود

فإني علمت أني لا أعلمها الآن ولا يعلمنيها الله فإنها من المحامد التي يختص بها صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يوم القيامة فإذا سمعناه يحمده بها يوم القيامة في المقام المحمود وانتشرت الألوية بها والمحامد مرقومة فيها ففي ذلك الموطن نعلمها فقيل لي إن عدد تلك الأسماء ألف اسم وستمائة اسم وأربعة وستون اسما كل لواء منها فيه مرقوم تسعة وتسعون اسما من أحصاها هناك دخل الجنة غير لواء واحد من هذه الألوية فإن فيه مرقوما من هذه الأسماء سبع مائة وسبعون اسما يحمده ص‏

بهذه المحامد كلها وكلها تتضمن طلب الشفاعة من الله وهذا المنزل مما يعطي من ينزله مشاهدة كل لواء من تلك الألوية وعلما بما فيه من الأسماء ليثني هذا الوارث على الله بها هنالك ولكل لواء منها منزل هنا ناله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وتناله الورثة الكمل من أتباعه وهذا المنزل منزل شامخ صعب المرتقى ولهذا سمي عقبة وأضيفت إلى السويق لعدم ثبوت الاقدام فيها لأنها مزلة الاقدام فلا يقطعها إلا رجل كامل من رسول ونبي ووارث كامل يحجب كل وارث في زمانه وهذا هو المنزل الذي سماه النفري في موافقة موقف السواء لظهور العبد فيه بصورة الحق فإن لم يمن الله على هذا العبد بالعصمة والحفظ ويثبت قدمه في هذه العقبة بأن يبقى عليه في هذا الظهور شهود عبوديته لا تزال نصب عينيه وإن لم تكن حالته هذه وإلا زلت به القدم وحيل بينه وبين شهود عبوديته بما رأى نفسه عليه من صورة الحق ورأى الحق في صورة عبوديته وانعكس عليه الأمر وهو مشهد صعب فإن الله نزل من مقام غناه عن العالمين إلى طلب القرض من عباده ومن هنا قال من قال إِنَّ الله فَقِيرٌ وهو الغني ونَحْنُ أَغْنِياءُ وهم الفقراء فانعكست عندهم القضية وهذا من المكر الإلهي الذي لا يشعر به فمن أراد الطريق إلى العصمة من المكر الإلهي فليلزم عبوديته في كل حال ولوازمها فتلك علامة على عصمته من مكر الله ويبقى كونه لا يأمنه في المستقبل بمعنى أنه ما هو على أمن إن تبقي له هذه الحالة في المستقبل إلا بالتعريف الإلهي الذي لا يدخله تأويل ولا يحكم عليه إجمال وفي هذا المنزل يشاهد قوله ولكِنَّ الله رَمى‏ ومحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم هو الرامي في الحس الذي وقع عليه البصر ويقوم له في هذا المنزل والله خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ‏

[أن الأمر محصور بين رب وبين عبد فللرب طريق وللعبد طريق‏]

واعلم أن السواء بين طريقين لأن الأمر محصور بين رب وبين عبد فللرب طريق وللعبد طريق فالعبد طريق الرب فإليه غايته والرب طريق العبد فإليه غايته فالطريق الواحدة العامة في الخلق كلهم هي ظهور الحق بأحكام صفات الخلق فهي في العموم إنها أحكام صفات الخلق وهي عندنا صفات الحق لا الخلق وهذا معنى السواء والطريق الأخرى ظهور الخلق بصفات الحق التي تتميز في العموم أنها صفات الحق كالاسماء الحسنى وأمثالها وهذا مبلغ علم العامة وعندنا وعند الخصوص كلها صفات الحق بالأصالة ما أضيف إلى الخلق منها مما تجعله العامة نزولا من الله إلينا بها وهي عندنا صفات الحق وإن العبد علت منزلته عند الله حتى تحلى بها فهي عند العامة أسماء نقص وعندنا أسماء كمال فإنه ما ثم مسمى بالأصالة إلا الله ولما أظهر الخلق أعطاهم من أسمائه ما شاء وحققهم بها والخلق في مقام النقص لإمكانه وافتقاره إلى المرجح فما يتخيل أنه أصل فيه وحق له اتبعوه في الحكم نفسه فحكموا على هذه الأسماء الخلقية بالنقص وإذا بلغهم أن الحق تسمى بها ويصف نفسه بها يجعلون ذلك نزولا من الحق تعالى إليهم بصفاتهم وما يعلمون أنها أسماء حق بالأصالة فعلى مذهبنا في ظهور الخلق بصفات الحق تعم الخلق أجمعه فكل اسم لهم هو حق للحق مستعار للخلق وعلى مذهب الجماعة لا يكون ذلك إلا لأهل الخصوص أعني الأسماء الحسنى منها خاصة وعندنا لا يكون العلم بذلك إلا للخصوص من أهل الله وفرق عظيم بين قولنا لا يكون ذلك وبين قولنا لا يكون العلم بذلك فإن الحق هو المشهود بكل عين في نفس الأمر ولا يعلم ذلك إلا آحاد من أهل الله وهو مثل قول الصديق ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله فعرفته فإذا ظهر ذلك الشي‏ء لعينه المقيد وقد رأى الله قبله ميزه في ذلك الشي‏ء وعلم إن ذلك الشي‏ء ملبس من ملابس الحق ظهر فيه للزينة فتلك زينة الله التي تزين بها لعباده هذا مقام الصديق فلا يتميز أهل الله من غيرهم إلا بالعلم بذلك لأن الأمر في نفسه على ذلك وعند العامة لا يكون ذلك إلا لأهل العناية المتحققين بالحق وغيرهم هو عندهم خلق بلا حق ثم نرجع فنقول إن الله جعل لهذا المنزل بابا يسمى باب الرحمة منه يكون الدخول إليه فيعصمه مما فيه من الآفات المهلكة التي أشرنا إليها آنفا من حكم السواء فإنه لهذا المنزل أعني هذا الباب كالنية في العمل فما تخلل العمل من غفلة وسهو لم يؤثر في صحة العمل فإن النية تجبر ذلك لأنها أصل في إنشاء ذلك العمل فهي تحفظه وكذلك البسملة جعلها الله في أول كل سورة من القرآن فهي للسورة كالنية للعمل فكل وعيد وكل صفة توجب الشقاء مذكورة في تلك السورة فإن البسملة بما فيها من الرحمن في العموم والرحيم في الخصوص تحكم على ما في تلك السورة من الأمور التي تعطي من قامت به الشقاء فيرحم الله ذلك العبد إما بالرحمة الخاصة وهي الواجبة أو بالرحمة العامة وهي رحمة الامتنان‏

فالمال إلى الرحمة لأجل البسملة فهي بشرى وأما سورة التوبة على من يجعلها سورة على حدة منفصلة عن سورة الأنفال فسماها سورة التوبة وهو الرجعة الإلهية على العباد بالرحمة والعطف فإنه قال للمسرفين على أنفسهم ولم يخص مسرفا من مسرف يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فلو قال إن الرحمن لم يعذب أحدا من المسرفين فلما جاء بالاسم الله قد تكون المغفرة قبل الأخذ وقد تكون بعد الأخذ ولذلك ختم الآية بقوله إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فجاء بالرحيم آخرا أي مآلهم وإن أوخذوا إلى الرحمة وإن الرجعة الإلهية لا تكون إلا بالرحمة لا يرجع على عباده بغيرها فإن كانت الرجعة في الدنيا ردهم بها إليه وهو قوله ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا وإن كانت في الآخرة فتكون رجعتهم مقدمة على رجعته لأن الموطن يقتضي ذلك فإن كل من حضر من الخلق في ذلك المشهد سقط في يديه ورجع بالضرورة إلى ربه فيرجع الله إليهم وعليهم فمنهم من يرجع الله عليه بالرحمة في القيامة ومنازلها ومنهم من يرجع عليه بالرحمة بعد دخول النار وذلك بحسب ما تعطيه الأحوال ويقع به الشهود والأمر في ذلك كله حسي ومعنوي فإن العالم كله حرف جاء لمعنى معناه الله ليظهر فيه أحكامه إذ لا يكون في نفسه محلا لظهور أحكامه فلا يزال المعنى مرتبطا بالحرف فلا يزال الله مع العالم قال تعالى وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ فالداخل إلى هذا المنزل في أول قدم يضعه فيه يحصل له من الله تسعة وتسعون تجليا مائة إلا واحدا تتقدم إليه منها تسعة يرى فيها صورته فيعلم حقيقته ثم بعد ذلك يقام في التسعين فيرى ما لم يكن يعلم من حضرة جمع ومنعة وعلو عن المقاوم فينزل الحق إليه معلما له علما من لدنه وقد تقدمت الرحمة له عند دخوله وهذا منزل خضر صاحب موسى ع‏

[أن أهلية الشي‏ء لأمر ما أنما هو نعت ذاتي‏]

واعلم أن أهلية الشي‏ء لأمر ما أنما هو نعت ذاتي فلا يقع فيها مشاركة لغيره إلا بنسبة بعيدة إذا حققتها لم تثبت وزلت قدمك فيها

كما قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الصحيح أما أهل النار الذين هم أهلها وهم الذين لا يخرجون منها رأسا لأنهم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون‏

فجعل نعتهم نفي الحياة والموت ثم استدرك نعت من دخلها وما هو بأهلها

فقال ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم الله فيها إماتة

فنعتهم بالموت وهو خلاف نعت من هو لها أهل ثم ذكر خروج هؤلاء من النار فتنبه لكون الحق أنطق العالم كله بالتسبيح بحمده والتسبيح تنزيه ما هو ثناء بأمر ثبوتي لأنه لا يثنى عليه إلا بما هو أهل له وما هو له لا يقع فيه المشاركة وما أثنى عليه إلا بأسمائه وما من اسم له سبحانه عندنا معلوم إلا وللعبد التخلق به والاتصاف به على قدر ما ينبغي له فلما لم يتمكن في العالم أن يثنى عليه بما هو أهله جعل الثناء عليه تسبيحا من كل شي‏ء ولهذا أضاف الحمد إليه فقال يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أي بالثناء الذي يستحقه وهو أهله وليس إلا التسبيح فإنه سبحانه يقول سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ والعزة المنع من الوصول إليه بشي‏ء من الثناء عليه الذي لا يكون الإله عما يصفون وكل مثن واصف فذكر سبحانه تسبيحه في كل حال ومن كل عين فقال تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ والْأَرْضُ ومن فِيهِنَّ وما ثم إلا هؤلاء وقال آمرا لمحمد عند انقضاء رسالته وما شرع له أن يشرع من الثناء عليه فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ فقال أنت كما أثنيت على نفسك هذا هو التسبيح بحمده فلما كان الأمر بالثناء على الله على ما قررناه لم يتمكن لنا أن نستنبط له ثناء وإنما نذكره بما ذكر عن نفسه فيما أنزله في كتبه على حد ما يعلمه هو لا على حد ما نفهمه نحن فنكون في الثناء عليه حاكين تالين لأن الثناء على المثنى عليه مجهول الذات لا يقبل الحدود والرسوم ولا يدخل تحت الكيفية ولا يعرف كما هو عليه في نفسه وهو الغني عن العالمين فلا تدل على المعرفة به الدلالات وإنما تدل على استنادنا إليه من حيث لا يشبهنا أو لا يقبل وصفنا وما من اسم إلهي إلا ونتصف به فما تلك هي المعرفة المقصودة التي يعلم بها نفسه فشرع التسبيح وفطر عليه كل شي‏ء وهو نفي عن كل وصف لا إثبات ولهذا بعض أهل النظر تنهوا إلى شي‏ء من هذا وإن كان العلماء لم يرتضوا ما ذهبوا إليه ولكن هو حق في نفس الأمر من وجه ما مليح وذلك أنهم رأوا أن المشاركة بين المحدث والله لا تصح حتى في إطلاق الألفاظ عليه فإذا قيل لهم الله موجود يقولون ليس بمعدوم فإن المحدث موصوف بالوجود ولا مشاركة فإذا قيل لهم الله حي يقولون ليس بميت الله عالم يقولون ليس بجاهل الله قادر يقولون ليس بعاجز الله مريد يقولون ليس بقاصر فأتوا بلفظة النفي والتسبيح تنزيه ونفي لا إثبات فجروا على الأصل الذي نطق الله به كل شي‏ء فسلكوا مسلكا غريبا بين النظار

والثناء على الله بالتسبيح لا تكل به الألسنة بخلاف الثناء بالأسماء فإن الألسنة تكل وتعيا وتقف فيها ولهذا قال من قال مما شرع له أن يقول من الثناء على الله فقال خاتما عند الإعياء والحصر لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وانظر حكمة الله تعالى في

كونه لم يجعل له صفة في كتبه بل نزه نفسه عن الوصف فقال ولِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فجعلها أسماء وما جعلها نعوتا ولا صفات وقال فَادْعُوهُ بِها وبها كان الثناء والاسم ما يعطي الثناء والاسم ما يعطي الثناء وإنما يعطيه النعت والصفة وما شعر أكثر الناس لكون الحق ما ذكر له نعتا في خلقه وإنما جعل ذلك أسماء كأسماء الأعلام التي ما جاءت للثناء وإنما جاءت للدلالة وتلك الأسماء الإلهية الحسنى هي لنا نعوت يثنى علينا بها وأثنينا علينا بها وأثنى الله على نفسه بها لأنا قدمنا إن نزول الشرائع في العالم من الله إنما تنزل بحكم ما تواطأ عليه أهل ذلك اللسان سواء صادف أهل ذلك اللسان الحق في ذلك أو لا وقد تواطأ الناس على إن هذه الأسماء التي سمي الحق بها نفسه مما يثنى بها في المحدثات إذا قامت بمن تقوم به نعتا أو صفة فأثنى الله على نفسه بها ونبه على أنها أسماء لا نعوت ليفهم السامع الفهم الفطن أن ذلك من حكم التواطؤ لا حكم الأمر في نفسه كما دل دليل الشرع ب لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ من جميع الوجوه فلا يقبل الأينية فإنه لو قبلها لم يصدق لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ على الإطلاق فإن قبول الأينية مماثلة وأما الدليل العقلي فلا يقول بها أصلا ومع هذا الحكم للتواطئ‏

فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم للسوداء الخرساء أين الله فأطلق عليه لفظ الأينية لعلمه أن الأينية في حقه بمنزلة الاسم لا بمنزلة النعت فقالت السوداء في السماء بالإشارة فقبل ما أشارت به وجعلها مؤمنة

لأن الله أخبر عن نفسه أنه في السماء فصدقته في خبره فكانت مؤمنة ولم يقل صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيها عند ذلك إنها عالمة وأمر بعتقها والعتق سراح من قيد العبودية تنبيه من النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بالعتق في حقها من قيد العبودية والملك على أنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ سراح من قيد الأينية وفاء الظرف التي أتت به السوداء في الجواب فانظر ما أعجب الشارع العارف بالله وهذا كله تنزيه فالثناء على الله بصفات الإثبات التي جعلها أسماء وجعلها الخلق نعوتا كما هي لهم نعوت إذا وقع هذا الثناء من العبد صورة لا يكون روح تلك الصورة تسبيحا بليس كمثله شي‏ء كان جهلا بما يستحقه المثنى عليه فإنه أدخله تحت الحد والحصر بخلاف كون ذلك أسماء لا نعوتا فيا ولي لا يفارق التسبيح ثناؤك على الله جملة واحدة فإنك إذا كنت بهذه المثابة نفخت روحا في صورة ثنائك التي أنشأتها فلا تكن من المصورين الذين يعذبون يوم القيامة بأن يقال لهم أحيوا ما خلقتم ولا قدرة لهم على ذلك هناك لأن الدعوى هناك لا تقع لما هو عليه من كشف الأمور وفي الدنيا ليس كذلك ثم انظر في تحقيق ما ذكرناه من إنشاء صورة الثناء إذا لم تنفخ فيها روح التسبيح قوله لطائفة قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ من دُونِ الله أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا من الْأَرْضِ فلو قالوا عيسى دعي إلها من دون الله وقد خلق من الأرض لما عجنه طينا لانتظام الأجزاء الترابية بما في الماء من الرطوبة والبرودة فزادت كمية برودة التراب فثقل عن التحليل وعدم الانتظام وأزالت الرطوبة اليبوسة التي في التراب فالتأمت أجزاؤه لظهور شكل الطائر فقدم الحق لأجل هذا القول إن خلق عيسى للطير كان بإذن الله فكان خلقه له عبادة يتقرب بها إلى الله لأنه مأذون له في ذلك فقال وإِذْ تَخْلُقُ من الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي فما أضاف خلقه إلا لإذن الله والمأمور عبد والعبد لا يكون إلها وإنما جئنا بهذه المسألة لعموم كلمة ما فإنها لفظة تطلق على كل شي‏ء ممن يعقل ومما لا يعقل كذا قال سيبويه وهو المرجوع إليه في العلم باللسان فإن بعض المنتحلين لهذا الفن يقولون إن لفظة ما تختص بما لا يعقل ومن تختص بمن يعقل وهو قول غير محرر وقد رأينا في كلام العرب جمع من لا يعقل جمع من يعقل وإطلاق ما على من يعقل وإنما قلنا هذا لئلا يقال في قوله ما تَدْعُونَ من دُونِ الله إنما أراد من لا يعقل وعيسى يعقل فلا يدخل في هذا الخطاب وقول سيبويه أولى فهذا قد ترجمنا عن هذا المنزل بما فيه تنبيه على شموخه وتفلته من العالم به إن لم يكن له مراقبا دائما وهو يحوي على علوم منها علم ما خص الله به أولية الحمد من الرحمة هل أعطاها الرحمة العامة أو الخاصة فإن التي تجاوره الرحمة الواجبة وهي جزء من الرحمة العامة فهل لواء الحمد يقتصر عليها وهو أن لا يثني على الله إلا بالأسماء الحسنى في العرف أو يتعداها إلى الرحمة العامة في الثناء على الله بجميع الأسماء والكنايات إذ له الفعل المطلق من غير تقييد وله كل اسم يطلبه الفعل وإن لم يطلق عليه فإن الرحمة الإلهية العامة تعم هذه‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!