The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل نسخ الشريعة المحمدية وغير المحمدية بالأغراض النفسية عافانا اللّه وإياكم من ذلك بمنه

تعالى إليه بالنوافل أحبه وإذا أحبه قال الله تعالى فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ويده وفي رواية كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا

فقوله كنت يدل على أنه كان الأمر على هذا وهو لا يشعر فكانت الكرامة التي أعطاه هذا التقرب الكشف والعلم بأن الله كان سمعه وبصره فهو يتخيل أنه يسمع بسمعه وهو يسمع بربه كما كان يسمع الإنسان في حال حياته بروحه في ظنه لجهله وفي نفس الأمر إنما يسمع بربه‏

أ لا ترى نبيه الصادق في أهل القليب كيف قال ما أنتم بأسمع منهم حين خاطبهم فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا وكان قد جيفوا

فما من أحد من المخلوقات إلا وهو يسمع ولكن فطروا على منع توصيل ما يعلمون ويسمعون وهذه الحياة التي تظهر لا عين الخلق عند خرق العوائد في إحياء الموتى كبقرة موسى وغيرها فالاسم الظاهر هو العالم إن تحققته فإنه للحق بمنزلة الجسم للروح المدبرة والاسم الباطن لما خفي عن الموجودات في نسبة الحياة لأنفسهم وبالمجموع يكون الإنسان إذ حده حيوان ناطق فالحيوانية صورته الظاهرة فإن الحيوانية مطابقة في الدلالة للجسم المتغذي الحساس إلا أنها أخصر فرجحوها في عالم العبارة للاختصار لأنها

تساويها في الدلالة وهو ناطق من حيث معناه وليس معناه سوى ما ذكرناه فالعالم كله عندنا الذي هو عبارة عن كل ما سوى الله حيوان ناطق لكن تختلف أجسامه وأغذيته وحسه فهو الظاهر بالصورة الحيوانية وهو الباطن بالحياة الذاتية الكائنة عن التجلي الإلهي الدائم الوجود فما في الوجود إلا الله تعالى وأسماؤه وأفعاله فهو الأول من الاسم الظاهر وهو الآخر من الاسم الباطن فالوجود كله حق ما فيه شي‏ء من الباطل إذ كان المفهوم من إطلاق لفظ الباطل عدما ما فيما ادعى صاحبه أنه وجود فافهم ولو لم يكن الأمر كذلك لانفرد الخلق بالفعل ولم يكن الاقتدار الإلهي يعم جميع الممكنات بل كانت الإمكانات تزول عنه فسبحان الظاهر الذي لا يخفى وسبحان الخفي الذي لا يظهر حجب الخلق به عن معرفته وأعماهم بشدة ظهوره فهم منكرون مقرون مترددون حائرون مصيبون مخطئون والحمد لله الذي من علينا بمثل هذه المشاهد وجلا لأبصارنا هذه الحقائق فلم تقع لنا عين إلا عليه ولا كان منا استناد إلا إليه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ومن أراد أن يعرف حقيقة ما أو مات إليه في هذه المسألة فلينظر في خيال الستارة وصورة ومن الناطق في تلك الصور عند الصبيان الصغار الذين بعدوا عن حجاب الستارة المضروبة بينهم وبين اللاعب بتلك الأشخاص والناطق فيها فالأمر كذلك في صور العالم والناس أكثرهم أولئك الصغار الذين فرضناهم فتعرف من أين أتى عليهم فالصغار في ذلك المجلس يفرحون ويطربون والغافلون يتخذونه لهوا ولعبا والعلماء يعتبرون ويعلمون أن الله ما نصب هذا إلا مثلا ولذلك يخرج في أول الأمر شخص يسمى الوصاف فيخطب خطبة يعظم الله فيها ويمجده ثم يتكلم على كل صنف صنف من الصور التي تخرج بعده من خلف هذه الستارة ثم يعلم الجماعة أن الله نصب هذا مثلا لعباده ليعتبروا وليعلموا أن أمر العالم مع الله مثل هذه الصور مع محركها وأن هذه الستارة حجاب سر القدر المحكم في الخلائق ومع هذا كله يتخذونه الغافلون لهوا ولعبا وهو قوله تعالى الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً ولَعِباً ثم يغيب الوصاف وهو بمنزلة أول موجود فينا وهو آدم عليه السلام ولما غاب كان غيبته عنا عند ربه خلف ستارة غيبة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثامن عشر وثلاثمائة في معرفة منزل نسخ الشريعة المحمدية وغير المحمدية بالأغراض النفسية عافانا الله وإياكم من ذلك بمنه»

أنا إن فارقت نفسي قام لي *** مثلها في الحسن من غير البشر

ذات حسن وبهاء وسنا *** ليس منها بدليل الشرع شر

فكان الشمس في ذاك السنا *** وكان الشهد في ذلك الأثر

من رأى الشبل إلى جانبه *** أسد عن ناب شدقيه كشر

حذرا منه على أشباله *** طالبا كل خؤون وأشر

صار يستعذب في مرضاته *** صبر الصبر ويستحلي العشر

فلتترجم بكلام حسن *** لا تكن ممن هذي ثم فشر

لا يرى الحق عبيد لم يكن *** يبصر المعنى من الحرف نشر

فإذا أبصره قام به *** ورأى الكون فقيرا فنشر

رحمة الله على عالمه *** ودعا الخلق إليه وحشر

[إن الله قد حرم أعراض المسلمين‏]

اعلم أيها الولي الحميم أنا روينا في هذا الباب عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إن رجلا أصاب من عرضه فجاء إليه يستحله من ذلك فقال له يا ابن عباس إني قد نلت منك فاجعلني في حل من ذلك فقال أعوذ بالله أن أحل ما حرم الله إن الله قد حرم أعراض المسلمين فلا أحلها ولكن غفر الله لك فانظر ما أعجب هذا التصريف وما أحسن العلم ومن هذا الباب حلف الإنسان على ما أبيح له فعله أن لا يفعله أو يفعله ففرض الله تحلة الايمان وهو من باب الاستدراج والمكر الإلهي إلا لمن عصمه الله بالتنبيه عليه فما ثم شارع إلا الله تعالى قال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ الله ولم يقل بما رأيت بل عتبة سبحانه وتعالى لما حرم على نفسه باليمين في قضية عائشة وحفصة فقال تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ فكان هذا مما أرته نفسه فهذا يدلك أن قوله تعالى بِما أَراكَ الله إنه ما يوحي به إليه لا ما يراه في رأيه فلو كان الدين بالرأي لكان رأى النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أولى من رأى كل ذي رأى فإذا كان هذا حال النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيما أرته نفسه فكيف رأى من ليس بمعصوم ومن الخطاء أقرب إليه من الإصابة فدل إن الاجتهاد الذي ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنما هو طلب الدليل على تعيين الحكم في المسألة الواقعة لا في تشريع حكم في النازلة فإن ذلك شرع لم يأذن به الله ولقد أخبرني القاضي عبد الوهاب الأزدي الإسكندري بمكة سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال رأيت رجلا من الصالحين بعد موته في المنام فسألته ما رأيت فذكر أشياء منها قال ولقد رأيت كتبا موضوعة وكتبا مرفوعة فسألت ما هذه الكتب المرفوعة فقيل لي هذه كتب الحديث فقلت وما هذه الكتب الموضوعة فقيل لي هذه كتب الرأي حتى يسأل عنها أصحابها فرأيت الأمر فيه شدة

[أن الشريعة هي المحجة البيضاء محجة السعداء]

اعلم وفقك الله أن الشريعة هي المحجة البيضاء محجة السعداء وطريق السعادة من مشى عليها نجا ومن تركها هلك‏

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لما نزل عليه قوله تعالى وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً خط رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الأرض خط وخطا خطوطا عن جانبي الخط يمينا وشمالا ثم وضع أصبعه على الخط وقال تاليا وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ وأشار إلى تلك الخطوط التي خطها عن يمين الخط ويساره فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ وأشار إلى الخط المستقيم‏

ولقد أخبرني بمدينة سلا مدينة بالمغرب على شاطئ البحر المحيط يقال لها منقطع التراب ليس وراءها أرض رجل من الصالحين الأكابر من عامة الناس قال رأيت في النوم محجة بيضاء مستوية عليها نور سهلة ورأيت عن يمين تلك المحجة وشمالها خنادق وشعابا وأودية كلها شوك لا تنسلك لضيقها وتوعر مسالكها وكثرة شوكها والظلمة التي فيها ورأيت جميع الناس يخبطون فيها عشواء ويتركون المحجة البيضاء السهلة وعلى المحجة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ونفر قليل معه يسير وهو ينظر إلى من خلفه وإذا في الجماعة متأخر عنها لكنه عليها الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن قرقور المحدث كان سيدا فاضلا في الحديث اجتمعت بابنه فكان يفهم عن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه يقول له ناد في الناس بالرجوع إلى الطريق فكان ابن قرقور يرفع صوته ويقول في ندائه ولا من داع ولا من مستدع هلموا إلى الطريق هلموا قال فلا يجيبه أحد ولا يرجع إلى الطريق أحد

[لما غلبت الأهواء على النفوس تركوا المحجة البيضاء]

واعلم أنه لما غلبت الأهواء على النفوس وطلبت العلماء المراتب عند الملوك تركوا المحجة البيضاء وجنحوا إلى التأويلات البعيدة ليمشوا أغراض الملوك فيما لهم فيه هوى نفس ليستندوا في ذلك إلى أمر شرعي مع كون الفقيه ربما لا يعتقد ذلك ويفتي به وقد رأينا منهم جماعة على هذا من قضاتهم وفقهائهم ولقد أخبرني الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وقد وقع بيني وبينه في مثل هذا كلام فنادى بمملوك وقال جئني بالحرمدان فقلت له ما شأن الحرمدان قال أنت تنكر على ما يجري في بلدي ومملكتي من المنكرات والظلم وأنا والله أعتقد مثل ما تعتقد أنت فيه من أن ذلك كله منكر ولكن والله يا سيدي ما منه منكر

إلا بفتوى فقيه وخط يده عندي بجواز ذلك فعليهم لعنة الله ولقد أفتاني فقيه هو فلان وعين لي أفضل فقيه عنده في بلده في الدين والتقشف بأنه لا يجب على صوم شهر رمضان هذا بعينه بل الواجب على شهر في السنة والاختيار لي فيه أي شهر شئت من شهور السنة قال السلطان فلعنته في باطني ولم أظهر له ذلك وهو فلان وسماه لي رحم الله جميعهم فلتعلم إن الشيطان قد مكنه الله من حضرة الخيال وجعل له سلطانا فيها فإذا رأى الفقيه يميل إلى هوى يعرف أنه يردي عند الله زين له سوء عمله بتأويل غريب يمهد له فيه وجها يحسنه في نظره ويقول له إن الصدر الأول قد دانوا الله بالرأي وقاس العلماء في الأحكام واستنبطوا العلل للأشياء وطردوها وحكموا في المسكوت عنه بما حكموا به في المنصوص عليه للعلة الجامعة بينهما والعلة من استنباطه فإذا مهد له هذه السبيل جنح إلى نيل هواه وشهوته بوجه شرعي في زعمه فلا يزال هكذا فعله في كل ماله أو لسلطانه فيه هوى نفس ويرد الأحاديث النبوية ويقول لو أن هذا الحديث يكون صحيحا وإن كان صحيحا يقول لو لم يكن له خبر آخر يعارضه وهو ناسخ له لقال به الشافعي إن كان هذا الفقيه شافعيا أو لقال به أبو حنيفة إن كان الرجل حنفيا وهكذا أقوال أتباع هؤلاء الأئمة كلهم ويرون أن الحديث والأخذ به مضلة وأن الواجب تقليد هؤلاء الأئمة وأمثالهم فيما حكموا به وإن عارضت أقوالهم الأخبار النبوية فالأولى الرجوع إلى أقاويلهم وترك الأخذ بالأخبار والكتاب والسنة فإذا قلت لهم قد روينا عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال إذا أتاكم الحديث يعارض قولي فاضربوا بقولي الحائط وخذوا بالحديث فإن مذهبي الحديث وقد روينا عن أبي حنيفة أنه قال لأصحابه حرام على كل من أفتى بكلامي ما لم يعرف دليلي وما روينا شيئا من هذا عن أبي حنيفة إلا من طريق الحنفيين ولا عن الشافعي إلا من طريق الشافعية وكذلك المالكية والحنابلة فإذا ضايقتهم في مجال الكلام هربوا وسكتوا وقد جرى لنا هذا معهم مرارا بالمغرب وبالمشرق فما منهم أحد على مذهب من يزعم أنه على مذهبه فقد انتسخت الشريعة بالأهواء وإن كانت الأخبار موجودة مسطرة في الكتب الصحاح وكتب التواريخ بالتجريح والتعديل موجودة والأسانيد محفوظة مصونة من التغيير والتبديل ولكن إذا ترك العمل بها واشتغل الناس بالرأي ودانوا أنفسهم بفتاوى المتقدمين مع معارضة الأخبار الصحاح لها فلا فرق بين عدمها ووجودها إذ لم يبق لها حكم عندهم وأي نسخ أعظم من هذا وإذا قلت لأحدهم في ذلك شيئا يقول لك هذا هو المذهب وهو والله كاذب فإن صاحب المذهب قال له إذا عارض الخبر كلامي فخذ بالحديث واترك كلامي في الحش فإن مذهبي الحديث فلو أنصف لكان على مذهب الشافعي من ترك كلام الشافعي للحديث المعارض فالله يأخذ بيد الجميع وبعد أن تبين ما قررناه‏

[إن الإنسان إذا زهد في غرضه أقام له الحق عوضا من صورة نفسه صورة هداية إلهية]

فاعلم إن الإنسان إذا زهد في غرضه ورغب عن نفسه وآثر ربه أقام له الحق عوضا من صورة نفسه صورة هداية إلهية حقا من عند حق حتى يرفل في غلائل النور وهي شريعة نبيه ورسالة رسوله فيلقي إليه من ربه ما يكون فيه سعادته فمن الناس من يراها على صورة نبيه ومنهم من يراها على صورة حاله فإذا تجلت له في صورة نبيه فليكن عين فهمه فيما تلقي إليه تلك الصورة لا غير فإن الشيطان لا يتمثل على صورة نبي أصلا فتلك حقيقة ذلك النبي وروحه أو صورة ملك مثله عالم من الله بشريعته فما قال له فهو ذاك ونحن قد أخذنا عن مثل هذه الصورة أمورا كثيرة من الأحكام الشرعية لم نكن نعرفها من جهة العلماء ولا من الكتب فلما عرضت ما خاطبتني به تلك الصورة من الأحكام الشرعية على بعض علماء بلادنا ممن جمع بين الحديث والمذاهب فأخبرني بجميع ما أخبرته به أنه روى في الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما غادر حرفا واحدا وكان يتعجب من ذلك حتى أنه من جملة ذلك رفع اليدين في الصلاة في كل خفض ورفع ولا يقول بذلك أهل بلادنا جملة واحدة وليس عندنا من يفعل ذلك ولا رأيته فلما عرضته على محمد بن علي بن الحاج وكان من المحدثين روى لي فيه حديثا صحيحا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ذكره مسلم ووقفت عليه بعد ذلك في صحيح مسلم لما طالعت الأخبار ورأيت بعد ذلك أن فيه رواية عن مالك بن أنس رواها ابن وهب وذكر أبو عيسى الترمذي هذا الحديث وقال وبه يقول مالك والشافعي وكذا اتفق لي في

الأخذ من صورة نبيي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما يعرض علي من الأحكام المشروعة التي لم يكن لنا علم بها وأما إذا ظهرت له على غير صورة رسوله فتلك الصورة

راجعة إلى حاله لا بد من ذلك أو إلى منزلة الشرع في ذلك الوقت في ذلك الموضع الذي رآه فيه مثل الرؤيا سواء إلا إن هذا الإنسان يراها في اليقظة والعامة ترى ذلك في النوم فلا يأخذ عن تلك الصورة إذا تجلت بهذه المثابة شيئا من الأحكام المشروعة وكل ما أتى به من العلوم والأسرار مما عدا التحليل والتحريم فلا تحجير عليه فيما يأخذه منها لا في العقائد ولا في غيرها فإن الحضرة الإلهية تقبل جميع العقائد إلا الشرك فإنها لا تقبله فإن الشريك عدم محض والوجود المطلق لا يقبل العدم والشريك لا شك أنه خارج عن شريكه بخلاف ما يعتقد فيه مما يتصف به الموصوف في نفسه فلهذا قلنا لا يقبل الشريك لأنه ما ثم شريك حتى يقبل وإن كان قد جاء في قوله تعالى ومن يَدْعُ مَعَ الله إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ به فافهم هذه الإشارة فإن الشبهة تأتي في صورة البرهان فهذا ذم للمقلدة لا لأصحاب النظر وإن أخطئوا

[أن الغرض هو عين الإرادة]

ثم اعلم أن الغرض هو عين الإرادة إلا أنه إرادة للنفس بها تعشق وهوى فثبتت فسميت غرضا إذا كان الغرض هو الإشارة التي تنصبها الرماة للمناضلة ولما كانت السهام من الرماة تقصدها وهي ثابتة لا تزول سميت الإرادة التي بهذه المثابة غرضا لثبوتها في نفس من قامت به لتعشقه بذلك الأمر ولا يبالي من سهام أقوال الناس فيه لذلك وسواء كان ذلك الغرض محمودا أو مذموما لكنهم اصطلحوا على أنه إذا قيل فيه غرض نفسي ونسبوه إلى النفس أن يكون مذموما وإذا عرى عن هذه النسبة قد يكون محمودا وقد يكون مذموما ولهذا وصف الحق بأن له إرادة ولم يتصف بأن له غرضا لأن الغرض الغالب عليه تعلق الذم به وهو عرض يعرض للنفس فأعجم القضاء والقدر عينه فسمي غرضا لما ذكرناه لما يقوم بصاحبه من اللجاج في إمضائه وهو عين العلة التي لأجلها كان وقوع ذلك الفعل أو تركه إن كان الغرض تركه والعلة مرض والأغراض أمراض النفوس وإنما قلنا بأنه أمر يعرض للنفس لأن النفس إنما خلق لها الإرادة لتريد بها ما أراد الله أن تأتيه من الأمور أو تتركه على ما حد لها الشارع فالأصل هو ما ذكرناه فلما عرض لهذه الإرادة تعشق نفسي بهذا الأمر ولم تبال من حكم الشرع فيه بالفعل أو الترك حتى لو صادف الأمر الشرعي بإمضائه لم يكن بالقصد منه وإنما وقع له بالاتفاق كون الشارع أمره به ففعله صاحب هذه الصفة لغرضه لا لحكم الشارع فلهذا لم يحمده الله على فعله إلا إن سأل قبل إمضاء الغرض هل للشرع في إمضائه حكم يحمد فيفتيه المفتي بأن الشارع قد حكم فيه بالإباحة أو بالندب أو بالوجوب فيمضيه عند ذلك فيكون حكما شرعيا وافق هوى نفس فيكون مأجورا عليه والأول ليس كذلك فإن الأول هوى نفس وغرض وافق حكم شرع محمود فلم يمضه للشرع على طريق القربة فخسر فانظر يا ولي في أغراضك النفسية إذا عرضت لك ما حكمها في الشرع فإذا حكم عليك الشرع بالفعل فافعله أو بالترك فاتركه فإن غلب عليك بعد السؤال ومعرفتك بحكم الشرع فيه بالترك ولم تتركه واعتقدت إنك مخطئ في ذلك فأنت مأجور من وجوه من بحثك وسؤالك عن حكم الشرع فيه قبل إمضائه ومن اعتقادك أولا في الشرع حتى سألت عن حكمه في ذلك الأمر ومن اعتقادك بعد العلم بأنه حرام يجب تركه ومن استنادك إلى أن الله غفور رحيم يعفو ويصفح بطريق حسن الظن بالله ومن كونك لم تقصد انتهاك حرمة الله ومن كونك معتقد السابق القضاء والقدر فيك بإمضاء هذا الأمر كمسألة موسى مع آدم عليه السلام فهذه وجوه كثيرة أنت مأجور من جهتها في عين معصيتك وأنت مأثوم فيها من وجه واحد وهو عين إمضاء ذلك الأمر الذي هو هوى نفسك وإن زاد إلى تلك الوجوه إنك يسوؤك ذلك الأمر كما

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم المؤمن من سرته حسنته وساءته سيئته‏

فبخ على بخ وهذا كله إنما جعله الله للمؤمن إرغاما للشيطان الذي يزين للإنسان سوء عمله فإن الشيطان يأمر بالفحشاء فوعد الله بالمغفرة وهي الستر الذي يجعله الله بين المؤمن العاصي وبين الكفر الذي يرديه عند وقوع المعصية فيعتقد أنها معصية ولا يبيح ما حرم الله وذلك من بركة ذلك الستر ثم ثم مغفرة أخرى وهو ستر خلف سترين ستر عليه في الدنيا لم يمض فيه حد الله المشروع في تلك المعصية وإن ستر عليه في الآخرة لم يعاقبه عليها فالستر الأول محقق في الوقت قال تعالى والله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وفَضْلًا فهذه المغفرة لأمره بالفحشاء والفضل لما وعد به الشيطان من الفقر في قوله تعالى الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ويَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ فأراح الله المؤمن حيث ناب عنه الحق سبحانه في مدافعة ما أراد الشيطان إمضائه في المؤمن فدفع الله عن عبده المؤمن وعدا إلهيا دفع‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!