The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل وجوب العذاب من الحضرة المحمدية

ذي الجلال والإكرام وعلم التفرقة وعلم الخلق والاختراع ولما ذا يرجع وعلم الجهات وعلم الأسرار وعلم الكمون والظهور وعلم الاقتدار الإلهي وعلم المسابقة بين الحق والخلق وعلم الإمهال والإهمال وما حكمته وهل الحليم يمهل أو يهمل وعلم البعث فهذا قد أبنت لك ما ذكرت أن أبينه والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الخامس عشر وثلاثمائة في معرفة منزل وجوب العذاب من الحضرة المحمدية»

إذا حقت حقائقنا اتحدنا *** ولكن لا سبيل إلى الوصول‏

إلى هذا المقام بكل وجه *** من أجل الاستواء مع النزول‏

وكيف يصح أن يرقى إليه *** وأين سنا الجليل من الخليل‏

رأيت حبيبه صلى عليه *** كما صلى على نفس الخليل‏

فعين الجمع عين الفرق فيه *** كذا جاء الحديث عن الرسول‏

إذا أفلت شموس العلم تاهت *** عقول حظها علم الدليل‏

لو أن الغيب تشهده عيون *** لكان طلوعها عين الأفول‏

[أن وجوب العذاب وقوعه بالمعذب‏]

اعلم أيها الولي الحميم أن وجوب العذاب وقوعه بالمعذب يقال وجب الحائط إذا سقط ولا يكون السقوط إلا ممن لم يكن له علو ذاتي ولم يستحق العلو لذاته فلما علا من هذه صفته لم يكن له حقيقة تمسك عليه علوه فسقط تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الْأَرْضِ والصفات النفسية لا تكون مرادة للموصوف بها فمن علا بغيره ولم يكن له حافظ يحفظ عليه علوه سقط وقوتل فالعالي من أعلى الله منزلته كما قال ورَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا فلما كانت الرفعة من الله الذي له العلو الذاتي حفظ على كل من أعلى الله منزلته علوه ومن علا بنفسه من الجبارين والمتكبرين قصمه الله وأخذه ولهذا قال والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أي عاقبة العلو الذي علا به من أراد علوا في الأرض يكون للمتقين أي يعطيهم الله العلو في المنزلة في الدنيا والآخرة فأما في الآخرة فأمر لازم لا بد منه لأن وعده صدق وكلامه حق والدار الآخرة محل تميز المراتب وتعيين مقادير الخلق عند الله ومنزلتهم منه تعالى فلا بد من علو المتقين يوم القيامة وأما في الدنيا فإنه كل من تحقق صدقه في تقواه وزهده فإن نفوس الجبارين والمتكبرين تتوفر دواعيهم إلى تعظيمه لكونهم ما زاحموهم في مراتبهم فأنزلهم ما حصل في نفوسهم من تعظيم المتقين عن علوهم وقصدوا خدمتهم والتبرك بهم وانتقل ذلك العلو الذي ظهروا به إلى هذا المتقي وكان عاقبة العلو للمتقي والجبار لا يشعر ويلتذ الجبار إذا قيل فيه إنه قد تواضع ونزل إلى هذا المتقي فيتخيل الجبار أن المتقي هو الأسفل وأن الجبار نزل إليه بل علو الجبار انتقل إلى المتقي من حيث لا يشعر ونزل الجبار تحت علو هذا المتقي ولو سئل المتقي عن علوه ما وجد عنده منه شي‏ء فثبت إن العلو في الإنسان إنما هو تحققه بعبوديته وعدم خروجه واتصافه بما ليس له بحقيقة أ لا ترى حكمة الله تعالى في قوله لَمَّا طَغَى الْماءُ أي علا وارتفع وأضاف العلو له وما أضافه الحق إلى نفسه فلما علا للماء وارتفع حمل الله من أراد نجاته من سطوة ارتفاع الماء في أخشاب ضم بعضها إلى بعض حتى كانت سفينة فدخل فيها كل من أراد الله نجاته من المؤمنين فعلت السفينة بمن فيها على علو الماء وصار الماء تحتها وزال في حق السفينة طغيان الماء فانكسر في نفسه وسبب ذلك إضافة العلو له وإن كان من عند الله وبأمر الله ولكن ما أضاف الله العلو إلا للماء فلو أضاف علو الماء إلى الله تعالى لحفظ علوه عليه فلم يكن تعلو عليه سفينة ولا يطفو على وجه الماء شي‏ء أبدا فهذا شؤم الدعوى فسقوط العذاب بالمعذب إنما كان سقوطه من ارتفاعه في نفسه لكونه صفة ملكية للاسم الله المعذب فأعطته هذه النسمة سمة العلو لأنه صفة من له العلو وهو الاسم المعذب فلما رأى الاسم المعذب ما قام في نفس العذاب من العلو بسببه أسقطه على المعذب به فزال عن العلو الذي كان يزهو به حين كان المعذب موصوفا به فلهذا يقال بوجوب العذاب على المعذب وتحقيق ذلك أن الأمر الصحيح أن الملك لا يعذب أحدا إلا حتى يقوم به الغضب على ذلك الذي يريد تعذيبه لأمر صدر منه يستوجب به العذاب فأثر ذلك الأمر في نفس الملك غضبا تأذى به الملك والملك جليل القدر لا يليق بمكانته لعلو منصبه أن يتعذب بشي‏ء وقد فعل هذا

الشخص أمرا أغضب الملك فأنزل الملك العذاب الذي كان يجده الملك في نفسه المعبر عنه بالغضب أو الذي أثمر الغضب في نفس الملك أوجبه بهذا الشخص أي أسقطه عليه فإذا وجب العذاب على هذا الشخص وجد الملك راحته بعذاب هذا الشخص وليس الأمر كذلك هنا وإنما وجود الراحة بزوال العذاب الذي كان في نفس الملك الذي أورثه فعل هذا الشخص فتعذب الملك به فلما أنزله بهذا الشخص انتقل عنه فوجد الراحة بانتقاله ويسمى في العامة التشفي وهو من الشفاء والشفاء زوال العلة لا نزول العلة التي كانت في العليل بشخص آخر هذا تحقيق الشفاء والراحة ثم كونه نزل ذلك الألم بشخص آخر لهذا به لذة فتلك لذة أخرى زائدة على لذة زوال العذاب والعلو هنا حقيقة للاسم الإلهي فلهذا اتصف العذاب بالسقوط وهو الوجوب قال تعالى أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أي وجبت وسقطت فإن قلت هذا يصح في حق المخلوقين كيف يتمشى ذلك في حق الجناب العالي سبحانه قلنا فلما عجزنا عن معرفة الله ويحق لنا العجز فينبغي لنا إذا تركنا وعقولنا وحقائقنا أن نلتزم ذلك وننفي عنه مثل هذا وغيره فإن قوة العقل تعطي ذلك غير إن قوة العقل والدليل الواضح قاما للعقل على تصديق الرسول الذي بعثه إلينا في إخباره الذي يخبر به عن ربه بما يكون منه سبحانه في خلقه وبما يكون عليه سبحانه في نفسه ومما يصف به نفسه مما يحيله عليه العقل إذا انفرد بدليله دون الشارع فالعاقل الحازم يقف ذليلا مشدود الوسط في خدمة الشرع قابلا لكل ما يخبر به عن ربه سبحانه وتعالى مما

يكون عليه ومنه فكان مما قد أخبر الحق عن نفسه إن قال إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا أحد أصبر على أذى من الله‏

وقال تعالى كذبني ابن آدم وشتمني ابن آدم‏

وقال تعالى وغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وقالت الأنبياء قاطبة إن الله يوم القيامة يغضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله‏

وسلم العاقل ذلك كله إلى الله في خبره عن نفسه كما سلم إليه سبحانه أنه يفرح بتوبة عبده وكل من اتصف بالفرح فيتصف بنقيضه ووصف نفسه بأنه يتعجب من الشاب ليست له صبوة ووصف نفسه بأنه يضحك إذا قال هناد يوم القيامة أ تستهزئ بي وأنت رب العالمين ووصف نفسه بأنه يتبشبش لعبده إذا جاء المسجد يريد الصلاة ووصف نفسه بأنه يكره لعباده الكفر ويرضى لهم الشكر والايمان فهذا كله واجب على كل مسلم الايمان به ولا يقول العقل هنا كيف ولا لم كان كذا بل يسلم ويستسلم ويصدق ولا يكيف فإنه ليس كمثله شي‏ء فلما رأيناه وصف نفسه بالغضب والأذى ووصف العذاب بالوجوب والسقوط لا يكون إلا من العلو والعلو لا ينبغي إلا لله تعالى فعلمنا إن الأذى الذي وصف الحق به نفسه هو هذا فعلا الأذى بعلو من اتصف به فأسقطه عن ذلك العلو على من يستحقه وهو الذي آذى الله ورسوله فحل به العذاب في دار الخزي والهوان فإن علمت ما قررناه جمعت بين الايمان الذي هو الدِّينُ الْخالِصُ وبين ما تستحقه مرتبتك من التسليم لله في كل ما يخبر به عن نفسه ولا يتمكن في الإفصاح عن هذا المقام بأكثر من هذا ولا أبلغ إلا أن يخبر الحق بما هو أجلي في النسبة وأوضح وإنما غاية المخلوق من هذا الأمر بمجرد عقله هذا الذي قررناه إلا عقولا أدركها الفضول فتأولت هذه الأمور فنحن نسلم لهم حالهم ولا نشاركهم في ذلك التأويل فإنا لا ندري هل ذلك مراد الله بما قاله فنعتمد عليه أو ليس بمراده فنرده فلهذا التزمنا التسليم فإذا سألنا عن مثل هذا قلنا إنا مؤمنون بما جاء من عند الله على مراد الله به وإنا مؤمنون بما جاء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ورسله عليه السلام على مراد رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ومراد رسله عليه السلام ونكل العلم في كل ذلك إليه سبحانه وإليهم وقد تكون الرسل بالنسبة إلى الله في هذا الأمر مثلنا يرد عليها هذا الإخبار من الله فتسلمه إليه سبحانه وتعالى كما سلمناه ولا تعرف تأويله هذا لا يبعد وقد تكون تعرف تأويله بتعريف الله تعالى بأي وجه كان هذا أيضا لا يبعد وهذه كانت طريقة السلف جعلنا الله لهم خلفا بمنه فطوبى لمن راقب ربه وخاف ذنبه وعمر بذكر الله قلبه وأخلص لله حبه فهذا قد أعلمتك بمعنى وجوب العذاب على من وجب عليه وأكثر من هذا فلا يحتمل هذا الباب فإن مجاله ضيق في العامة وإن كان المجال فيه رحبا فيه رحبا عند أمثالنا بما منحنا الله به من المعرفة بالله ولكن العقول المحجوبة بالهوى وبطلب الرئاسة والنفاسة والعلو على أبناء الجنس يمنعهم ذلك من القبول والانقياد ونحن فما نحن رسل من الله حتى نتكلف إيصال‏

مثل هذه العلوم بالتبليغ وما نذكر منها ما نذكر إلا للمؤمنين العقلاء الذين اشتغلوا بتصفية نفوسهم مع الله وألزموا نفوسهم التحقق بذلة العبودية والافتقار إلى الله في جميع الأحوال فنور الله بصيرتهم إما بالعلم وإما بالإيمان والتسليم لما جاء به الخبر عن الله وكتبه ورسله فتلك العناية الكبرى والمكانة الزلفى والطريقة المثلى والسعادة العظمى ألحقنا الله بمن هذه صفته وأما ما يتضمن هذا المنزل من العلوم فهو يتضمن علم الحق ومنه ما كنا بسبيله في شرح وجوب العذاب وفيه أيضا علم الاسم الإلهي الذي يستفهم منه الحق عباده مثل قوله يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم وهو أعلم ومثل قوله كيف تركتم عبادي يقوله للملائكة الذين باتوا فينا ثم عرجوا إليه وهو علم شريف وفيه الزواجر الإلهية وهل هي كونية أو إلهية وعلم السبب الموجب لهلاك الأمم عند كفرهم ومن هلك من المؤمنين بهلاكهم وهلاك المقلدة معهم كل ذلك في الدنيا ومن يخرج من هذا الهلاك في الآخرة ولما ذا وقع الهلاك بالمؤمنين حين وقع بالكافرين فعم الجميع واختلفت الصفة وهل هذا من الركون كما قال ولا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وعلم الركون الموجب لمس النار إياهم هل هو ركون حسي أو معنوي وقوله بتضعيف العذاب على الركون وإن قصد خيرا قال تعالى لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وضِعْفَ الْمَماتِ ما سبب هذا الضعف الذي هو أشد من العذاب المستحق بالأصالة وما مراد الله في مثل هذه الآية التي لا يعلم ما فيها إلا بتعريف الله وهو علم عظيم بتضمنه هذا المنزل ومن أهلك بنفسه ومن أهلك بغيره وما حد الهلاك بالغير وما حد الهلاك بالنفس وما مقدار زمانه وهل الهلاك في اختلاف أنواعه لاختلاف الأحوال في الهالكين أو لاختلاف حقائق الأسماء الإلهية حتى يأخذ كل اسم إلهي بهذا المقام قسطه من العذاب وما ينعدم من الأسماء بعد وجودها وما يبقى ولا ينعدم بهلاك أو غيره وعلم الفرق بين من عصى الله وعصى رسوله وعصى أولي الأمر وما يتضمنه عصيان الرسول وعصيان أولي الأمر من معصية الله فإن في عصيانهم عصيان أمر الله وليس في عصيان الله عصيانهم إلا في الرسول خاصة فإن في عصيان الله عصيان رسول الله إذ متعلق المعصية الأمر الإلهي والنهي ولا يعرف ذلك إلا بتبليغ الرسول وعلى لسانه فإن الله لا يبلغ أمره إلا رسل الله وليس لغير الرسل من البشر هذا المقام ومع هذا فلله أمر يعصى فيه وللرسول أمر يعصى فيه وثم أمر بجمع فيه معصية الله ورسوله فكل أمر يتعلق بجناب الله ليس لمخلوق فيه دخول فتلك معصية الله وكل أمر يتعلق بجناب المخلوق الذي هو رسول الله فتلك معصية الرسول وكل أمر يتضمن الجانبين فتلك معصية الله ورسوله قال الله تعالى ومن يَعْصِ الله ورَسُولَهُ وقال ومعصية الرسول فأفرده وقال ومن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ فأفرد نفسه وعلم من يستحق العظمة والصفة التي تطلبها وعلم التذكير وعلم السماع من الحق وعلم الملك وملك الملك وعلم ملك العزة وعلم الملك الحامل وعلم الملك المحمول وعلم ملك الهباء وعلم الهول الأعظم وعلم الكنز الذي تحت العرش‏

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن لا حول ولا قوة إلا بالله خرجت من كنز تحت العرش‏

وما هو الكنز وما يتضمن من الذكر المكنوز فيه سوى لا حول ولا قوة إلا بالله وعلم القوة الإلهية والكونية وعلم ضم المعاني بعضها إلى بعض في حضرة الكلمات وهل لها انضمام في أنفسها مجردة عن مواد الكلمات أو ليس لها ضم في أنفسها وإذا لم يكن لها ضم فهل ذلك لاستحالة الأمر في نفسه فلا يقبل الانضمام أو بإرادة الله وما الفرق بين كتابة المخلوق وكتابة الخالق وهو علم عجيب رأيناه وشاهدناه‏

فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم خرج وفي يديه كتابان مطويان قابض بكل يد على كتاب فسأل أصحابه أ تدرون ما هذان الكتابان فأخبرهم إن في الكتاب الذي بيده اليمنى أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم من أول من خلقه الله إلى يوم القيامة وفي اليد الأخرى في الكتاب الآخر أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم إلى يوم القيامة ولو أخذ المخلوق يكتب هذه الأسماء على ما هي عليه في هذين الكتابين لما قام بذلك كل ورق في العالم‏

فمن هنا يعرف كتابة الله من كتابة المخلوقين (و قد حكي) عن بعض البله من أهل الحاج أنه لقي رجلا وهو يطوف طواف الوداع فأخذ ذلك الرجل يمازح هذا الأبله هل أخذت من الله براءتك من النار فقال الأبله لا وهل أخذ الناس ذلك قال له نعم فبكى ذلك الأبله ودخل الحجر وتعلق بأستار الكعبة وجعل يبكي ويطلب‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!