The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل الأعداد المشرفة من الحضرة المحمدية

ليسوا منها بمخرجين ويصدق‏

قوله تعالى سبقت رحمتي غضبي‏

ويصدق قوله لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ من الْجِنَّةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ ويصدق قوله ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وقد أظهرت أمرا في هذه المسألة لم يكن باختياري ولكن حق القول الإلهي بإظهاره فكنت فيه كالمجبور في اختياره والله ينفع به من يشاء لا إله إلا هو وهذا القدر كاف من علم هذا المنزل والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

(الباب الخامس والتسعون ومائتان في معرفة منزل الأعداد المشرفة من الحضرة المحمدية)

تفجرت الأنهار من ذات أحجار *** وغاصت بأرضي في خزائن أسراري‏

فعشر من العلم اللدني ظاهر *** وما كتمت منه فتسعة أعشار

تطالبني نفسي بمثنى وجودها *** ويطلبني وترى المصاب بأوتار

فحصنت نفسي في مدينة سيد *** بناها من الماء المركب والنار

فلم ير حصن مثله في ارتفاعه *** تحصنت فيه خلف سبعة أسوار

مكانتها ما بين ذل وعزة *** يعاملني فيها على حد مقداري‏

إلى أن يكون النفخ في صور حسه *** إلى صور تخييل ببرزخ أغياري‏

ويبقى دوام الأمر فيه مخلدا *** إلى أن يكون البعث من قبر أفكاري‏

فأشهده علما وعينا وحالة *** بمشهد أنوار ومشهد أسراري‏

منوعة تلك المظاهر عندنا *** برؤية أفكار ورؤية أبصار

[علم اللوائح وهي منزلة عجيبة لا تقبل الغفلة والنسيان‏]

فهرست ما يتضمنه هذا المنزل من العلوم وذلك علم اللوائح وهي مقدمات الذوق وهي منزلة عجيبة لا تقبل الغفلة والنسيان وفيه علم دخول التأنيث في العدد وهو مذكر وفيه علم المانية من أين ضلت وما وجه الحق الذي عندها حتى قادها إلى هذا الاعتقاد وهل لها عذر مقبول في ذلك يوم القيامة أم لا وفيه علم الدخول وهو طلب الأوتار ولما ذا تطلب ولمن يرجع فضلها وهل المغصوب على نفسه بالقتل هل يرضى بذلك أم لا ولاية حكمة جعل ذلك للولي وهل إذا عفا الولي عن الدم هل يسقط حق المقتول يوم القيامة أم مثل الحوالة في الدين إذا قبلها صاحب الحق لم يبق له رجوع على الأول إن أعسر المرجوع إليه عنه بعد رضاء صاحب الدين بالحوالة وفيه علم قرار الغيب حتى لا يشهد ولما ذا يقر وفيه علم الغيب الذي يجب أن يشهد وطلبه لذلك من الله وفيه علم العقل ومرتبة صاحبه وفيه علم الاعتبار وفيه علم الانتقال في الأحوال والمقامات وفيه علم الكيفيات والكميات وفيه علم التعالي ولما ذا يؤدي وإنه مخصوص بأهل البلادة دون الأذكياء وفيه علم الصلاح والفساد وفيه علم ما يترتب على الأعمال سواء وقع التكليف أو لم يقع وفيه من أين أخذ علم أهل النجوم الحاكمون بها الواقفون على ما أودع الله فيها من الأحكام من العلوم الإلهية وشرفه على سائر العلوم وذكر الحيوان الذي إذا أكل أعلاه أعطى بالخاصية لمن أكله علم النجوم وإذا أكل وسطه أعطى علم النبات وإذا أكل عجزه وهو ما يلي ذنبه أعطى علم المياه المغيبة في الأرض فيعرف إذا أتى أرضا لا ماء فيها على كم ذراع يكون الماء فيها وهذا الحيوان حية ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة لا يوجد إلا بأحواز شلب من غرب الأندلس وكان قد وقع بها عندنا عبد الله بن عبدون كاتب أمير المسلمين فقطع رأسها وذنبها بسكين ذي شعبتين في ضربة واحدة وقسمها ثلاث قطع وكانوا ثلاثة إخوة فأكل عبد الله أعلاها فكان في علم القضاء بالنجوم آية من غير مطالعة كتاب أو توقيف إمام وأكل أخوه عبد المجيد الوسط منها فكان آية في علم النبات وخواصه وتركيباته من غير مطالعة كتاب ولا توقيف أخبرني ولده المنجنيقي بذلك بقونية وأكل الأخ الثالث القطعة الاخيرة التي تلي الذنب منها فكان آية في استخراج المياه من جوف الأرض فسبحان من أودع أسراره في خلقه وفيه علم الفرق في خرق العوائد بين الكرامة والاستدراج وفيه علم السبب الذي أوجب أن يحب العالم الحيواني الإنساني غير الله وسبب الحب أمران النسبة والإحسان والنسبة إلى الله أقرب فإنه مخلوق على الصورة والإحسان من الله فهو المنعم عليه بإيجاد عينه ثم لكل ما هو فيه فكيف يحب غيره ويفنى فيه وفيه‏

علم الآخرة وما يتعلق بها من حين وقوف الناس على الجسر دون الظلمة إلى أن يدخلوا منازلهم من الشقاء والسعادة فهذا جميع ما يتضمنه هذا المنزل من العلوم قد نبهتك عليها لترتفع الهمة إلى طلبها فلنذكر منها مسألة أو أكثر على قدر ما يتسع الكلام مع الاختصار دون الإطالة والإكثار فأقول والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

[خلق الأرواح الملكية المهيمة والكروبيون‏]

اعلم أن الله لما خلق الأرواح الملكية المهيمة وهم الذين لا علم لهم بغير الله لا يعلمون أن الله خلق شيئا سواهم وهم الكروبيون المقربون المعتكفون المفردون المأخوذون عن أنفسهم بما أشهدهم الحق من جلاله اختص منهم المسمى بالعقل الأول والأفراد منا على مقامهم فجلال الله في قلوب الأفراد على مثل ذلك فلا يشهدون سوى الحق وهم خارجون عن حكم القطب الذي هو الإمام وهو واحد منهم ولكنه يكون مادته من العقل الأول الذي هو أول موجود من عالم التدوين والتسطير وهو الموجود الإبداعي ثم بعد ذلك من غير بعدية زمان انبعث عن هذا العقل موجود انبعاثي وهو النفس وهو اللوح المحفوظ المكتوب فيه كل كائن في هذه الدار إلى يوم القيامة وذلك علم الله في خلقه وهو دون القلم الذي هو العقل في النورية والمرتبة الضيائية فهو كالزمردة الخضراء لانبعاث الجوهر الهبائي الذي في قوة هذه النفس فانبعث عن النفس الجوهر الهبائي وهو جوهر مظلم لا نور فيه وجعل الله مرتبة الطبيعة بين النفس والهباء مرتبة معقولة لا موجودة ثم بما أعطى الله من وضع الأسباب والحكم ورتب في العالم من وجود الأنوار والظلم لما يقتضيه الظاهر والباطن كما جعل الابتداء في الأشياء والانتهاء في مقاديرها بأجل معلوم وذلك إلى غير نهاية فما ثم إلا ابتداءات وانتهاءات دائمة من اسميه الأول والآخر فعن تينك الحقيقتين كان الابتداء والانتهاء دائما فالكون جديد دائما فالبقاء السرمدي في التكوين فأعطى لهذه النفس لما ذكرناه قوة عملية عن تلك القوة أوجد الله سبحانه بضرب من التجلي الجسم الكل صورة في الجوهر الهبائي وما من موجود خلقه الله عند سبب إلا بتجل إلهي خاص لذلك الموجود لا يعرفه السبب فيتكون هذا الموجود عن ذلك التجلي الإلهي والتوجه الرباني عند توجه السبب لا عن السبب ولو لا ذلك لم يكن ذلك الموجود وهو قوله سبحانه وتعالى فينفخ فيه فلم يكن للسبب غير النفخ فيكون طائرا بإذن الله فالطائر إنما كان لتوجه أمر الله عليه بالكون وهو قوله تعالى كُنْ بالأمر الذي يليق بجلاله فلما أوجد هذا الجسم الأول لزمه الشكل إذ كانت الأشكال من لوازم الأجسام فأول شكل ظهر في الجسم الشكل المستدير وهو أفضل الأشكال وهو للاشكال بمنزلة الألف للحروف يعم جميع الأشكال كما إن حرف الألف يعم جميع الحروف بمروره هواء من الصدر على مخارجه إلى أن يجوز الشفتين فهو يظهر ذوات الحروف في المخارج فإذا وقف في الصدر ظهر حرف الهاء والهمزة في أعيانهما عن حرف الألف فإذا انتقل من الصدر إلى الحلق ووقف في مراتب معينة في الحلق أظهر في ذلك الوقوف وجود الحاء المهملة ثم العين المهملة ثم الخاء المعجمة ثم الغين المعجمة ثم القاف المعقودة ثم الكاف وأما القاف التي هي غير معقودة فهي حرف بين حرفين بين الكاف والقاف المعقودة ما هي كاف خالصة ولا قاف خالصة ولهذا ينكرها أهل اللسان فأما شيوخنا في القراءة فإنهم لا يعقدون القاف ويزعمون أنهم هكذا أخذوها عن شيوخهم وشيوخهم عن شيوخهم في الأداء إلى أن وصلوا إلى العرب أهل ذلك اللسان وهم الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك أداء وأما العرب الذين لقيناهم ممن بقي على لسانه ما تغير كبني فهم فإني رأيتهم يعقدون القاف وهكذا جميع العرب فما أدري من أين دخل على أصحابنا ببلاد المغرب ترك عقدها في القرآن وهكذا حديث سائر الحروف إلى آخرها وهو الواو وليس وراء الواو مرتبة لحرف أصلا وليس للاشكال في الأجسام حد ينتهي إليه يوقف عنده لأنه تابع للعدد والعدد في نفسه غير متناه فكذلك الأشكال فأول شكل ظهر بعد الاستدارة المثلث ومن المثلث المتساوي الأضلاع والزوايا تمشي الأشكال في المجسمات إلى غير نهاية وأفضل الأشكال وأحكمها المسدس وكلما اتسع الجسم وعظم قبل الكثير من الأشكال ثم أمسك الله الصورة الجسمية في الهباء بما أعطته الطبيعة من مرتبتها التي جعلناها بين النفس والهباء ولو لم يكن هنالك مرتبتها لما ظهر الجسم في هذا الجوهر ولا كان له فيه ثبوت فكانت الطبيعة للنفس كالآلة للصانع التي يفتح بها الصور الصناعية في المواد فظهر الجسم الكل في هذا الجوهر عن النفس بآلة الحرارة وظهرت الحياة فيه بمصاحبة

الحرارة الرطوبة وثبتت صورته في الهباء بالبرودة واليبوسة وجعله أعني هذا الجسم الكري على هيأة السرير وخلق له حملة أربعة بالفعل ما دامت الدنيا وأربعة أخر بالقوة يجمع بين هؤلاء الأربعة والأربعة الآخر يوم القيامة فيكون المجموع ثمانية وسماه العرش وجعله معدن الرحمة فاستوى عليه باسمه الرحمن وجعله محيطا بجميع ما يحوي عليه من الملك متحيزا يقبل الاتصال والانفصال وعمر الأينية الظرفية المكانية وكان مرتبة ما فوقه بينه وبين العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء وهو للاسم الرب والله هو الاسم الجامع المهيمن على جميع الأسماء الإلهية فصفته المهيمنية وتوحدت الكلمة في العرش فهي أول الموجودات التي قبلها عالم الأجسام ثم أوجد جسما آخر في جوهر هذا الهباء فإن جوهر هذا الهباء هو الذي عمر الخلأ فكل ما ظهر من الصور المتحيزة الجسمية والجسمانية فهذا الجوهر هو القابل لها وإنما قلنا هذا لئلا يتخيل أن الكرسي صورة في العرش وليس كذلك وإنما هو صورة أخرى في الهباء قبلها كما قبل صورة العرش على حد واحد ولكن بنسب مختلفة فسمى هذا الموجود الآخر كرسيا ودلى إليه القدمين من العرش فانفلقت الرحمة انفلاق الحب فتنوعت الرحمة في الصفة إلى إطلاق وتقييد فظهرت الرحمة المقيدة وهي القدم الواحدة وتيمزت الرحمة المطلقة بظهور هذه القدم الأخرى فظهر في هذه القدم انقسام الكلمة الواحدة العرشية التي لم يظهر لها انقسام في العرش إلى خبر وحكم وانقسم الحكم إلى أمر ونهي وانقسم الأمر إلى وجوب وندب وإباحة وانقسم النهي إلى حظر وكراهة وانقسم الخبر إلى هذه الأقسام وزيادة من استفهام وتقرير ودعاء وإنكار وقصص وتعليم فتنوعت الألسن وظهرت الملاحن في الكرسي فظهر تفصيل النغمات التي كانت مجملة في العرش فهو أول طرب ظهر في عالم الأجسام من السماع ومن هنالك سرى في عالم الأفلاك والسموات والأركان والمولدات ثم أوجد الحق أيضا جسما آخر مستديرا دون الكرسي في الرتبة وجعله مستديرا فلكيا غير مكوكب قدر فيه سبحانه أثنى عشر تقديرا مقادير معينة سمي كل مقدار منها باسم لم يسم به الآخر وهي المعروفة بالبروج وأظهر منها سلطان الطبيعة فجعل منها ثلاثة من اجتماع الحرارة واليبوسة وجعل أحكامها مختلفة وإن كانت على طبيعة واحدة ولكن المكان المعين من هذا الفلك لما اختلف اختلفت أحكامها من ذلك الوجه وبما هي على طبيعة واحدة من الحر واليبس اتفقت أحكامها فتعمل بالاتفاق من وجه وبالاختلاف من وجه ولهذا ظهر عنها الكون والفساد والتغيير والاستحالات ولست أعني بالفساد الشرور المعتادة عندنا هنا وإنما أعني بالفساد زوال نظم مخصوص يقال فيه فسد ذلك النظام أي زال كما تأكل التفاحة أو تشقها بالسكين إلى أقسام فقد فسد نظامها فذهبت تلك الصورة بظهور صورة أخرى فيها وعن

هذا الفلك يتكون جميع ما في الجنة وعنه يكون الشهوة لأهلها وهو عرش التكوين ثم إن الله تعالى أوجد في جوف هذا الفلك الأطلس الذي هو محل لهذه الطبائع التي هي آلة النفس العملية فلكا آخر في جوهر الهباء كما ذكرنا وبالتجلي الإلهي كما ذكرنا إذ لا يكون التكوين الإله سبحانه وهذا الفلك هو فلك الكواكب الثابتة والمنازل التي يقدر بها تقسيم البروج المقدرة في الأطلس إذ كان الأطلس متشابه الأجزاء وهي ثمانية وعشرون منزلة وهي النطح والبطين والثريا والدبران والهنعة والهقعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعوا والسماك والغفر والزبايا والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية والفرع المقدم والفرع المؤخر والرساء فهذه ثمان وعشرون منزلة معروفة مسماة يحكم لها بطبائع البروج وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت ولهذا الفلك المكوكب أعني فلك المنازل قطع في الفلك الأطلس فلك البروج وجعل لكل تقدير في فلك البروج منزلتين وثلث من المنازل المذكورة ولمنازله وجميع كواكبه سباحة في أفلاك لها بطيئة لا يحس بها البصر إلا بعد آلاف من السنين كما ذكر عن أهرام مصر أنها بنيت‏

والنسر في الأسد وهو اليوم في الجدي ونحن في سنة أربع وثلاثين وستمائة ثم أوجد على سطح هذا الفلك المكوكب الجنة بما فيها بطالع الأسد وهو برج ثابت فلهذا كان لها الدوام فإن أصحاب هذا الفن قد سموا هذه البروج بالأسماء التي ذكرناها ونعتوها بأمور على حسب ما أطلعهم الله عليه‏

من آثارها العجيبة في حركاتها فعرفوا منها الثابت والمنقلب وذا الجسدين وغير ذلك وإلى الفلك الأطلس ينتهي علم أهل الإرصاد وعلى الحقيقة إنما ينتهي إلى الكوكب فإن حركات الكواكب والكواكب تعين أفلاكها ولو لا ذلك ما عرف عددها وأما الفلك الأطلس فما استدلوا عليه من حيث أدركوه حسا كما أدركوا أفلاك لكواكب وإنما علموا إن هذه الأفلاك لا تقطع إلا في أمر وجودي فلكي مثلها فأثبتوه عقلا لا حسا وسموه أطلس لكونه لا كوكب فيه يعينه للحس ويبطل عليهم هذا الدليل بحركة أقصى الأفلاك فإن حركتها موجودة ولا تقطع في شي‏ء عندهم أصلا فما يدريك يا صاحب الرصد لعل هذا الفلك المكوكب يقطع في لا شي‏ء والحكماء لم يمنعوا أن يكون فوق الفلك الأطلس أفلاك أخر إلا أن الراصد لم يبلغ إليها لأنه ما ثم ما يدل عليها بل هي في حكم الجواز عندهم لكن قالوا إن كان هنالك فلك فلا بد أن يكون له نفس وعقل ومع ذلك لا بد من الانتهاء ومن هذا الفلك وقع الخلاف بيننا وبين الحكماء من الفلاسفة في ترتيب التكوين وما نازعونا فيما فوق الأطلس الذي هو الكرسي والعرش وقالوا بالجواز فيه فترتيب الأمر عندنا بعد الفلك المكوكب ولم يكن مكوكبا عند خلقه وإنما ظهرت الكواكب بعد هذا فيه وفي غيره من السموات فيها كانت حركة ما ذكرناه من هذه الأفلاك الموجودة الأربعة التي كملت فيها الطبيعة وظهر سلطانها حسا بعد ما كان معقولا فإن المعاني هي أصل الأشياء فهي في أنفسها معان معقولة غيبية ثم تظهر في حضرة الحس محسوسة وفي حضرة الخيال متخيلة وهي هي إلا أنها تنقلب في كل حضرة بحسبها كالحرباء تقبل الألوان التي تكون عليها فأول ما أوجد الأرض وهي نهاية الخلأ وهو أقصى الكثائف والظلم وهو نازل إلى الآن دائما والخلأ لا نهاية له فإنه امتداد متوهم لا في جسم فالعالم كله بأسره نازل أبدا في طلب المركز وهذا الطلب طلب معرفة ومركزه هو الذي يستقر عليه أمره فلا يكون له بعد ذلك طلب وهذا غير كائن فنزوله للطلب دائم مستمر وهو المعبر عنه بطلب الحق فالحق هو مطلوبه وأثر فيه هذا الطلب التجلي الذي حصل له تعشق به فهو يطلبه بحركة عشقية وهكذا سائر المتحركات إنما حركتها المحبة والعشق لا يصح إلا هذا ومن لا يعشق ذلك التجلي وهو المنعوت بالجمال والجمال معشوق لذاته ولو لا ما تجلى سبحانه في صورة الجمال لما ظهر العالم فكان خروج العالم إلى الوجود بذلك العشق صل حركته عشقية واستمر الحال فحركة العالم دائمة لا نهاية لها ولو كان ثم أمر ينتهي إليه يسمى المركز يكون إليه النهاية لسكن العالم بعضه على بعض بالضرورة وبطلت الحركة فبطل الإمداد فادى ذلك إلى فناء العالم وذهاب عينه والأمر على خلاف هذا وإنما الناس وأكثر الخلق لا يشعرون بحركة العالم ولأنه بكله متحرك فيبقى الترتيب المشهود من البعد والقرب على حاله فلهذا الشهود يتخيلون سكون الأرض حول المركز ثم أوجد ركن الماء وهو كان الموجود الأول من الأركان وإنما ذكرنا الأرض مقدمة من أجل السفل والماء كان أول العناصر فما كثف منه كان أرضا وما سخف منه كان هواء ثم ما سخف منه كان نارا وهو كرة الأثير فأصل العناصر عندنا الماء ووافقنا على ذلك بعض الناس من النظار في هذا الفن لكن مستندنا الكشف فيما ندعيه من هذا وغيره من العلوم وقد تكون تلك العلوم مما تدرك بالنظر الفكري فمن أصاب في نظره وافق أهل الكشف ومن أخطأ في نظره خالف أهل الكشف والحكماء في هذه المسألة على ستة مذاهب خمسة منها خطأ والواحد منها صواب وهو الذي وافق الكشف والتعريف الإلهي لأهل خطابه من ملك ونبي وولي وكان وجود هذه العناصر ببرج السرطان وما من برج إلا وقد جعل له الله مدة في الولاية معلومة مع المشاركة لغيره في مدته فلجميعها مدة معلومة عندنا نسميها أعني الجملة عمر العالم فإذا انتهت المدد عاد الأمر ابتداء على حاله من الدوام فلا عدم يلحقه أبدا من حيث جوهره ولا يبقى صورة أبدا زمانين فالخلق لا يزال والأعيان قابلة للخلع عنها وعليها فالعالم في كل نفس من حيث الصورة في خلق جديد لا

تكرار فيه فلو شاهدته لرأيت أمرا عظيما يهولك منظره ويورثك خوفا على جوهر ذاتك ولو لا ما يؤيد الله أهل الكشف بالعلم لتاهوا خوفا فلما حصلت العناصر وهي الأركان الأربعة محلا مهيئا أنوثيا لقبول التناسل والولادة وظهرت الاحتراقات من عنصر النار في رطوبات الهواء والماء صعد منها دخان يطلب الأعظم الذي هو الفلك الأعلى الأقصى فوجد فلك الكواكب يمنعه من الرقي إلى الفلك الأعلى فعاد ذلك الدخان يتموج بعضه في بعض متراكم فريق‏

ففتق الله رتقه بسبع سماوات ثم إنه تتطايرت الشرر من كرة الأثير في ذلك الدخان فقبلت من السموات ومن الفلك المكوكب أماكن فيها رطوبات طبيعية فتعلقت بها تلك الشرر فانقدت تلك الأماكن لما فيها من الرطوبات فحدثت الكواكب فأضاء الجو كما يضي‏ء البيت بالسراج أ لا ترى القادح للزناد يعلق الشرر الحراق بما فيه من الرطوبة فيتقد فيكون منه المصباح ولهذا قال تعالى وجعلنا الشمس سراجا يضي‏ء به العالم وتبصر به الأشياء التي كان يسترها الظلام فحدث الليل والنهار بحدوث كوكب الشمس والأرض فالليل ظلمة الأرض الحجابية عن انبساط نور الشمس والكواكب عندنا كلها مستنيرة لا تستمد من الشمس كما يراه بعضهم والقمر على أصله لا نور له البتة قد محا الله نوره وذلك النور الذي ينسب إليه هو ما يتعلق به البصر من الشمس في مرآة القمر على حسب مواجهة الأبصار منه فالقمر مجلى الشمس وليس فيه من نور الشمس لا قليل ولا كثير ثم إن الله رتب في كل فلك وسماء عالما من جنس طبيعة ذلك الفلك سماهم ملائكة على مقامات فطرهم الله عليها من التسبيح والتهليل وكل ثناء على الله تعالى وجعل منهم ملائكة مسخرين لمصالح ما يخلقه في عالم العناصر من المولدات وهي ثلاثة عوالم طبيعية ويسرى في كل عالم مولد من هذه الثلاثة من النفس الكلية صاحبة الآلات أرواح هي نفوس هذه المولدات بها تعلم خالقها ومنشئها وبها سرت الحياة فيها كلها وبها خاطبها الحق وكلفها وهو رسول الحق إليها وداع كل شخص منه إلى ربه فما بطنت حياته سمي جمادا ونباتا وانفصل هذان المولدان وتميزا بالنمو والغذاء فقيل في النامي منه نبات وفي غير النامي جماد وما ظهرت حياته وحسه سمي حيوانا والكل قد عمته الحياة فنطق بالثناء على خالقه من حيث لا نسمع وعلمهم الله الأمور بالفطرة من حيث لا نعلم فلم يبق رطب ولا يابس ولا حار ولا بارد ولا جماد ولا نبات ولا حيوان إلا وهو مسبح لله تعالى بلسان خاص بذلك الجنس وخلق الجان من لهب النار والإنسان مما قيل لنا ونفخ الأرواح في الكل وقدر الأقوات التي هي الأغذية لهذه المولدات من الإنس والجن والحيوان البحري والبري والهوائي وأَوْحى‏ في كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها بما أودع الله في حركات هذه الكواكب واقتراناتها وهبوطها وصعودها في بيوت نحوسها وسعودها وعن حركاتها وحركات ما فوقها من الأفلاك حدثت المولدات وعن حركات الأفلاك الأربعة حدثت الأركان وهذا خلاف ما ذهب إليه غير أهل الكشف من المتكلمين في هذا الشأن فأودع الله في خزائن هذه الكواكب التي في الأفلاك علوم ما يكون من الآثار في العالم العنصري من التقليب والتغيير فهي أسرار إلهية قد جعل الله لها أهلا يعرفون ذلك ولكن لا على العلم بل على التقريب والأمر في نفسه صحيح غير إن الناظر من أهل هذا الشأن قد لا يستوفي النظر حقه لأمر فإنه من غفلة أو غلط في عدد ومقدار لم يشعر بذلك فيحكم فيخطئ فوقع الخطاء من نظره لا من نفس الأمر وقد يوافق النظر العلم فيقع ما يقوله ولكن ما هو على بصيرة فيه من حيث تعيين مسألة بعينها وهذا العلم لا تفي الأعمار بإدراكه فيعلم أصله من النبوات فكان أول من شرع في تعليم الناس هذا العلم إدريس عليه السلام عن الله فأعلمه ما أوحى في كل سماء وما جعل في حركة كل كوكب وبين له اقترانات الكواكب ومقادير الاقترانات وما يحدث عنها من الأمور المختلفة بحسب الأقاليم وأمزجة القوابل ومساقط نطفه في أشخاص الحيوان فيكون القرآن واحدا ويكون أثره في العالم العنصري مختلفا بحسب الإقليم وما يعطيه طبيعته فشروطه كثيرة يعلمها أهل ذلك الشأن فلما أعطتهم الأنبياء الموازين وعلمتهم المقادير علموا ما يحدث الله من الأمور والشئون في الزمان البعيد وعن الزمان البعيد الذي لو وكلهم الله فيه إلى نفوسهم بالحكم المعتاد حتى يتكرر ذلك عليهم تكرار يوجب القطع عادة ورب أمر لا يظهر تكراره الذي يوجب القطع الظني به إلا بعد آلاف من السنين فهذا كان سبب التعريف الإلهي على السنة الأنبياء عليهم السلام فأعلمت الناس بما أوحى الله إليها ما أمن الله عليها هذه الكواكب المسخرة من الحوادث ولو عرف الجهال‏

المنكرون هذا العلم قوله تعالى والنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ لما قالوا شيئا مما قالوه فما علموا تسخيرها وإنها كما قال تعالى ورَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا كما سخر الرياح والبحار والفلك هكذا سخر الكواكب وهل في هذه المسخرات من الكواكب والأفلاك والرياح والبحار والدواب وكل مسخر عالم بما هو له مسخر أم لا هذا لا يعرفه‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!