The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل العلم الأمى الذى ما تقدّمه علم من الحضرة الموسوية

ليعلموا أنهم في مرتبة النقص وهو كمالهم عن الكمال الإلهي فقال والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ به يعني محمدا صلى الله عليه وسلم فكنى عنه بالذي جاء بالصدق والذي من الأسماء النواقص ولما علم إن العبد المقرب يتألم بظهور نقصه ويخاف من الحاقة بالعدم ورجوعه إلى أصله آنسه سبحانه من باب اللطف والكرم فسمى سبحانه نفسه بالأسماء النواقص فقال هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وقال هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ من السَّماءِ وليس في القرآن لله تعالى أكثر من الأسماء النواقص فكان ذلك تأمينا للخلفاء فإنهم قاطعون بأن الحق ليس له مرتبة النقص ولا يقبلها ومع ذلك قد جرت عليه الأسماء النواقص فلو أثرت الأسماء لذاتها في المسمى لأثرت في الله وهي غير مؤثرة فيه إذا فنرجو أنها لا تؤثر فينا تأثير العدم ولكن كمالنا في أن تؤثر فينا تأثير وقوفنا مع عجزنا وفقرنا وهذا الباب الذي فتحناه علينا في هذا المنزل باب واسع لا يتسع الوقت لا يراد بعض ما يعطيه فليكف هذا القدر منه والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ انتهى السفر التاسع عشر من الفتوح المكي والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏

«الباب التاسع والثمانون ومائتان في معرفة منزل العلم الأمي الذي ما تقدمه علم من الحضرة الموسوية»

العلم بالله تزيين وتحلية *** والعلم بالفكر تشبيه وتضليل‏

والعلم بالفكر إجمال ومغلطة *** والعلم بالله تحقيق وتفصيل‏

والعلم بالفكر أعلام مجردة *** والعلم بالله تحويل وتبديل‏

فلا تغرنك أقوال مزخرفة *** فإن مدلولها جهل وتعليل‏

فالفيلسوف يرى نفي الإله بما *** تعطيه علته وذاك تعطيل‏

والأشعري يرى عينا مكثرة *** وذاك علم ولكن فيه تمثيل‏

[الأمية عند ابن العربي‏]

الأمية عندنا لا تنافي حفظ القرآن ولا حفظ الأخبار النبوية ولكن الأمية عندنا من لم يتصرف بنظره الفكري وحكمه العقلي في استخراج ما تحوي عليه من المعاني والأسرار وما تعطيه من الأدلة العقلية في العلم بالإلهيات وما تعطيه للمجتهدين من الأدلة الفقهية والقياسات والتعليلات في الأحكام الشرعية فإذا سلم القلب من علم النظر الفكري شرعا وعقلا كان أميا وكان قابلا للفتح الإلهي على أكمل ما يكون بسرعة دون بطء ويرزق من العلم اللدني في كل شي‏ء ما لا يعرف قدر ذلك إلا نبي أو من ذاقه من الأولياء وبه تكمل درجة الايمان ونشأته ويقف بهذا العلم على إصابة الأفكار وغلطاتها وبأي نسبة ينسب إليها الصحة والسقم وكل ذلك من الله ويعلم مع حكمه بالباطل أنه لا باطل في الوجود إذ كان كل ما دخل في الوجود من عين وحكم لله تعالى لا لغيره فلا عبث ولا باطل في عين ولا حكم إذ لا فعل إلا لله ولا فاعل إلا الله ولا حكم إلا لله ولا حاكم إلا الله فمن تقدمه العلم بما ذكرناه فبعيد إن يحصل له من العلم اللدني الإلهي ما يحصل للأمي منا الذي ما تقدمه ما ذكرناه فإن الموازين العقلية وظواهر الموازين الاجتهادية في الفقهاء ترد كثيرا مما ذكرناه إذ كان الأمر جله ومعظمه فوق طور العقل وميزانه لا يعمل هنالك وفوق ميزان المجتهدين من الفقهاء لا فوق الفقه فإن ذلك عين الفقه الصحيح والعلم الصريح وفي قصة موسى والخضر دليل قوي على ما ذكرناه فكيف حال الفقيه وأين الأينية وما شاكلها التي نسبها الشارع والكشف إلى الإله من الموازين النظرية والبراهين العقلية على زعم العقل وحكم المجتهد فالرحمة التي يعطيها الله عبده أن يحول بينه وبين العلم النظري والحكم الاجتهادي من جهة نفسه حتى يكون الله يحابيه بذلك في الفتح الإلهي والعلم الذي يعطيه من لدنه قال تعالى في حق عبده خضر عَبْداً من عِبادِنا فأضافه إلى نون الجمع

آتَيْناهُ رَحْمَةً من عِنْدِنا بنون الجمع وعَلَّمْناهُ بنون الجمع من لَدُنَّا بنون الجمع عِلْماً أي جمع له في هذا الفتح العلم الظاهر والباطن وعلم السر والعلانية وعلم الحكم والحكمة وعلم العقل والوضع وعلم الأدلة والشبه ومن أعطى العلم العام وأمر بالتصرف فيه كالأنبياء ومن شاء الله من الأولياء أنكر عليه ولم ينكر هذا الشخص على أحد ما يأتي به من العلوم وإن حكم بخلافه ولكن يعرف موطنه وأين يحكم به فيعطي البصر حقه في حكمه وسائر الحواس ويعطي العقل حكمه وسائر القوي المعنوية ويعطي النسب الإلهية والفتح الإلهي حكمهم فبهذا يزيد العالم الإلهي على غيره وهو

البصيرة التي نزل القرآن بها في قوله تعالى أَدْعُوا إِلَى الله عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا ومن اتَّبَعَنِي وهو تتميم قوله تعالى بَعَثَ في الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ فهو النبي الأمي الذي يدعو على بصيرة مع أميته والأميون هم الذين يدعون معه إلى الله على بصيرة فهم التابعون له في الحكم إذ كان رأس الجماعة والمجتهد وصاحب الفكر لا يكون أبدا على بصيرة فيما يحكم به فأما المجتهد فقد يحكم اليوم في نازلة شرعية بحكم فإذا كان في غد لاح له أمر آخر أبان له خطأ ما حكم به بالأمس في النازلة فرجع عنه وحكم اليوم بما ظهر له ويمضي الشارع حكمه في الأول والآخر ويحرم عليه الخروج عما أعطاه الدليل في اجتهاده في ذلك الوقت فلو كان على بصيرة لما حكم بالخطإ في النظر الأول بخلاف حكم النبي فإن ذلك صحيح أعني الحكم الأول ثم رفع الله ذلك الحكم بنقيضه وسمي ذلك نسخا وأين النسخ من الخطاء فالنسخ يكون مع البصيرة والخطاء لا يكون مع البصيرة وكذلك صاحب العقل وهو واقع من جماعة من العقلاء إذا نظروا واستوفوا في نظرهم الدليل وعثروا على وجه الدليل أعطاهم ذلك العلم بالمدلول ثم تراهم في زمان آخر أو يقوم لهم خصم من طائفة أخرى كمعتزلي وأشعري أو برهمى أو فيلسوف بأمر آخر يناقض دليله الذي كان يقطع به ويقدح فيه فينظر فيه فيرى إن ذلك الأول كان خطأ وأنه ما استوفى أركان دليله وأنه أخل بالميزان في ذلك ولم يشعر وأين هذا من البصيرة ولما ذا لا يقع له هذا في ضرورات العقل فالبصيرة في الحكم لأهل هذا الشأن مثل الضروريات للعقول فمثل هذا العلم ينبغي للإنسان أن يفرح به حكي عن أبي حامد الغزالي المترجم عن أهل هذه الطريقة بعض ما كانوا يتحققون به قال لما أردت أن انخرط في سلكهم وآخذ مأخذهم وأغرف من البحر الذي اغترفوا منه خلوت بنفسي واعتزلت عن نظري وفكري وشغلت نفسي بالذكر فانقدح لي من العلم ما لم يكن عندي ففرحت بذلك وقلت إنه قد حصل لي ما حصل للقوم فتأملت فيه فإذا فيه قوة فقهية مما كنت عليه قبل ذلك فعلمت أنه بعد ما خلص لي فعدت إلى خلوتي واستعملت ما استعمله القوم فوجدت مثل الذي وجدت أولا وأوضح وأسنى فسررت فتأملت فإذا فيه قوة فقهية مما كنت عليه وما خلص لي عاودت ذلك مرارا والحال الحال فتميزت عن سائر النظار أصحاب الأفكار بهذا القدر ولم ألحق بدرجة القوم في ذلك وعلمت أن الكتابة على المحو ليست كالكتابة على غير المحو أ لا ترى الأشجار منها ما يتقدم ثمره زهره وهو كمرتبة علماء النظر إذا دخلوا طريق الله كالفقيه والمتكلم ومنه ما لا يتقدم ثمره زهره وهو الأمي الذي لم يتقدم علمه اللدني علم ظاهر فكري فيأتيه ذلك بأسهل الوجوه وسبب ذلك أنه لما كان لا فاعل إلا الله وجاء هذا الفقيه والمتكلم إلى الحضرة الإلهية بميزانهما ليزنوا على الله وما عرفوا إن الله تعالى ما أعطاهم تلك الموازين إلا ليزنوا بها لله لا على الله فحرموا الأدب ومن حرم الأدب عوقب بالجهل بالعلم اللدني الفتحي فلم يكن على بصيرة من أمره فإن كان وافر العقل علم من أين أصيب فمنهم من دخل وترك ميزانه على الباب حتى إذا خرج أخذه ليزن به لله وهذا أحسن حالا ممن دخل به على الله ولكن قلبه متعلق بما تركه إذ كان في نفسه الرجوع إليه فحرم من الحق المطلوب بقدر ما تعلق به خاطره فيما تركه للالتفات الذي له إليه وأحسن من هذا حالا من كسر ميزانه فإن كان خشبا أحرقه وإن كان مما يذوب أذابه أو برده حتى يزول كونه ميزانا وإن بقي عين جوهره فلا يبالي وهذا عزيز جدا ما سمعنا أن أحدا فعله فإن فرضنا وليس بمحال إن الله قوى بعض عباده حتى فعل مثل هذا كما ذكر أبو حامد الغزالي عن نفسه أنه بقي أربعين يوما حائرا وهذا خطر ليس حال الأمي على هذا فإن الأمي يدخل إلى الله مؤمنا وهذه الحال التي ذكرها أبو حامد ليست حال القوم وإنما هي حالة من لم يكن على شريعة فأراد إن يعرف ما ثم فسأل فدل على طريق القوم فدخل ليعرف الحق بتعريف الله فهذا أيضا طاهر المحل وأبو حامد

كان محله مشغولا بالحيرة فلم يقو قوة هذا في قبول ما يرد به الفتح الإلهي فإذا اتفق على التقدير أن يفتح على مثل هذا الشخص الذي هو بهذه المثابة أبصر فيما يفتح له به تلك الموازين التي أذهبها فيعجب من ذلك فلما خرج خرج بها فوزن بها لله لا عليه كما فعلته الأنبياء عليهم السلام فهو لا يرد شيئا ولا يضع شيئا في غير ميزانه وارتفع الغلط والشك وعرف معنى قوله ونَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فجعلها موازين كثيرة ليزن بكل ميزان ما وضع له ولما وزن المتكلم بميزان عقله ما هو خارج عن‏

العقل لكونه وراء طوره وهو النسب الإلهية لم يقبله ميزانه ورمى به وكفر به وتخيل أنه ما ثم حق إلا ما دخل في ميزانه والمجتهد الفقيه وزن حكم الشرع بميزان نظره كالشافعي المذهب مثلا أراد أن يزن بميزانه تحليل النبيذ الذي قبله ميزان أبي حنيفة فرمى به ميزان الشافعي فحرمه وقال أخطأ أبو حنيفة ولم يكن ينبغي للشافعي المذهب مثلا أن يقول مثل هذا دون تقييد وقد علم إن الشرع قد تعبد كل مجتهد بما أداه إليه اجتهاده وحرم عليه العدول عن دليله فما وفى الصنعة حقها وأخطأ الميزان العام الذي يشمل حكم الشريعة على الإطلاق وهو الذي استند إليه علماء الشريعة بلا خلاف في أصول الأدلة وفي فروع الأحكام فأما في الأصول فالمثبتون القياس دليلا أداهم إلى ذلك اجتهادهم المشروع لهم وقد علم المخالف لهم من الظاهرية أن كل مجتهد متعبد بما أعطاه اجتهاده ولكن يقول فيهم إنهم أخطئوا في إثباتهم القياس دليلا وليس للظاهرية تخطئة ما قرره الشرع حكما فيثبت القياس دليلا شرعا ويثبت نفي القياس أن يكون دليلا شرعا وأما في الفروع‏

فكعلي رضي الله عنه الذي يرى نكاح الربيبة إذا لم تكن في الحجر وإن دخل بأمها لعدم وجود الشرطين معا وإنه بوجودهما تحرم الربيبة

يعني بالمجموع والمخالف لا يرى ذلك فالميزان العام يمضي حكم كل واحد منهما ولكن العامل بالميزان العام قليل لعدم الإنصاف فقد بينا في هذا الفصل سبب الحرمان الذي حكم على الفقهاء العقلاء النظار فلم يلجوا باب هذا العلم الشريف الإحاطي الذي يسلم لكل طائفة ما هي عليه سواء قادهم ذلك إلى السعادة أو إلى الشقاء ولا يسلم له أحد طريقه سوى من ذاق ما ذاقوه وآمن به كما قال أبو يزيد إذا رأيتم من يؤمن بكلام أهل هذه الطريقة ويسلم لهم ما يتحققون به فقولوا له يدعو لكم فإنه مجاب الدعوة وكيف لا يكون مجاب الدعوة والمسلم في بحبوحة الحضرة ولكن لا يعرف أنه فيها لجهله بها فالله يجعلنا ممن جعل له نورا من النور الذي يَهْدِي به من يَشاءُ من عِبادِهِ حتى يهدي به إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ الله الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ من الموازين والصراطات أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُورُ وترجع قال تعالى في معرض الامتنان منه على رسوله صلى الله عليه وسلم وكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً من أَمْرِنا وهو قوله يُلْقِي الرُّوحَ من أَمْرِهِ ... ما كُنْتَ تَدْرِي ما الْكِتابُ ولا الْإِيمانُ وهو عرو المحل عن كل ما يشغله عن قبول ما أوحي به إليه ولكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً يعني هذا المنزل نَهْدِي به من نَشاءُ من عِبادِنا فجاء بمن وهي نكرة في الدلالة مختصة عنده ببعض عباده من نبي أو ولي وإنك لتهدي بذلك النور الذي هديتك به فإن كان هذا العبد نبيا فهو شرع وإن كان وليا فهو تأييد لشرع النبي وحكمه أمر مشروع مجهول عند بعض المؤمنين به إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ في حق النبي طريق السعادة والعلم وفي حق الولي طريق العلم لما جهل من الأمر المشروع فيما يتضمنه من الحكمة قال تعالى يُؤْتِي الْحِكْمَةَ من يَشاءُ ومن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً لا يقال فيه قليل ثم قال وما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ واللب نور في العقل كالدهن في اللوز والزيتون والتذكر لا يكون إلا عن علم منسي فتنبه لما حررناه في هذه الآيات تسعد إن شاء الله تعالى وبعد أن أبنت لك عن مرتبة هذا العلم من هذا المنزل فلنبين أصل هذا العلم ومادة بقائه وحجاب مادته وبما ذا يوصل إلى ذلك بتأييد الله وتوفيقه‏

[العلوم الإلهي الذي ينتهى إليه العارفون‏]

فاعلم إن أصل هذا العلم الإلهي هو المقام الذي ينتهي إليه العارفون وهو أن لا مقام كما وقعت به الإشارة بقوله تعالى يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ وهذا المقام لا يتقيد بصفة أصلا وقد نبه عليه أبو يزيد البسطامي رحمه الله لما قيل له كيف أصبحت فقال لا صباح لي ولا مساء إنما الصباح والمساء لمن تقيد بالصفة وأنا لا صفة لي فالصباح للشروق والمساء للغروب والشروق للظهور وعالم الملك والشهادة والغروب للستر وعالم الغيب والملكوت فالعارف في هذا المقام كالزيتونة المباركة التي لا هي شرقية ولا غربية فلا يحكم على هذا المقام وصف ولا يتقيد به وهو حظه من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ فالمقام الذي بهذه المثابة هو أصل هذا العلم وبين هذا الأصل وهذا العلم مراتب فالأصل هو الثبات على التنزيه عن قبول الوصف والميل إلى حال دون حال ثم ينتج هذا الثبات صورة يتصف بها العارف لها ظاهر ولها باطن فالباطن منها لا يصل إليه إلا بعد المجاهدة البدنية والرياضة النفسية فإذا وصل إلى سر هذا الباطن وهو علم خاص هو لهذا العلم المطلوب كالدهن للسراج والعلم‏

كالسراج فلا يظهر لهذا العلم ثمرة إلا في العلماء به كما لا يظهر للدهن حكم إلا في السراج القائم بالفتيلة وهنا يقع له اكتساب الأوصاف التي نزهنا الأصل عنها في ذلك المقام وفي هذا المقام نصفه بها من أجلنا لا من أجله فهذا الوصف للآثار لا له كان الله ولا شي‏ء معه وسيأتي الكلام على هذا الأصل في الباب الخمسين وثلاثمائة من هذا الكتاب ومما يتضمنه هذا المنزل علم خلق الأجسام الطبيعية وأن أصلها من النور ولذلك إذا عرف الإنسان كيف يصفي جميع الأجسام الكثيفة الظلمانية أبرزها شفافة للنورية التي هي أصلها مثل الزجاج إذا خلص من كدورة رملة يعود شفافا وجلى الأحجار من هذا الباب ومعادن البلور والمها وإنما كان ذلك لأن أصل الموجودات كلها الله من اسمه نُورُ السَّماواتِ وهي ما علا والْأَرْضِ وهي ما سفل فتأمل في إضافته النور إلى السموات والأرض ولو لا النورية التي في الأجسام الكثيفة ما صح للمكاشف أن يكشف ما خلف الجدران وما تحت الأرض وما فوق السموات ولو لا اللطافة التي هي أصلها ما صح اختراق بعض الأولياء الجدران ولا كان قيام الميت في قبره والتراب عليه أو التابوت مسمرا عليه مجعولا عليه التراب لا يمنعه شي‏ء من ذلك عن قعوده وإن كان الله قد أخذ بأبصارنا عنه ويكشفه المكاشف منا وقد ورد في ذلك أخبار كثيرة وحكايات عن الصالحين ولهذا ما ترى جسما قط خلقه الله وبقي على أصل خلقته مستقيما قط ما يكون أبدا إلا مائلا للاستدارة لا من جماد ولا من نبات ولا من حيوان ولا سماء ولا أرض ولا جبل ولا ورق ولا حجر وسبب ذلك ميلة إلى أصله وهو النور فأول موجود العقل وهو القلم وهو نور إلهي إبداعي وأوجد عنه النفس وهو اللوح المحفوظ وهي دون العقل في النورية للواسطة التي بينها وبين الله وما زالت الأشياء تكثف حتى انتهت إلى الأركان والمولدات وبما كان لكل موجود وجه خاص إلى موجدة به كان سريان النور فيه وبما كان له وجه إلى سببه به كان فيه من الظلمة والكثافة ما فيه فتأمل إن كنت عاقلا فلهذا كان الأمر كلما نزل أظلم وأكثف فأين منزلة العقل من منزلة الأرض كم بينهما من الوسائط ثم لتعلم إن جسم الإنسان آخر مولد فهو آخر الأولاد مركب من حَمَإٍ مَسْنُونٍ صَلْصالٍ وهو كما رأيت مائل إلى الاستدارة وإن كانت له الحركة المستقيمة دون البهائم والنبات وفيه من الأنوار المعنوية والحسية والزجاجية ما فيه مما لا تجده في غيره من المولدات بما أعطاه الله من القوي الروحانية فما قبلها إلا بالنورية التي فيه فهي المناسبة لقبول هذه الإدراكات ولهذا قال تعالى وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ

[لو لا النور ما كانت ظلمة]

فاعلم إن النور مبطون في الظلمة فلو لا النور ما كانت الظلمة ولم يقل نسلخ منه النور إذ لو أخذ منه النور لانعدم وجود الظلام إن كان أخذ عدم وإن كان أخذ انتقال تبعه حيث ينتقل إذ هو عين ذاته والنهار من بعض الأنوار المتولدة عن شروق الشمس فلو لا إن للظلمة نورا ذاتيا لها ما صح أن تكون ظرفا للنهار ولا صح أن تدرك وهي مدركة ولا يدرك الشي‏ء إن لم يكن فيه نور يدرك به من ذاته وهو عين وجوده واستعداده بقبول إدراك الأبصار بما فيها من الأنوار له واختص الإدراك بالعين عادة وإنما الإدراك في نفسه إنما هو لكل شي‏ء فكل شي‏ء يدرك بنفسه وبكل شي‏ء أ لا ترى الرسول صلى الله عليه وسلم كيف كان يدرك من خلف ظهره كما كان يدرك من أمامه ولم يحجبه كثافة عظم الرأس وعروقه وعظامه وعصبه ومخه غير إن الله أعطى الظلمة والكثافة الأمانة فهي تستر ما تحوي عليه ولهذا لا تظهر ما فيها فإذا ظهر فيكون خرق عادة لقوة إلهية أعطاها الله بعض الأشخاص وإذا أمر من أودع الأمانة من أودعها أن يظهرها لمن شاءه المودع وهو الحق تعالى فله أن يؤديها إليه فلا أمين مثل الأجسام المظلمة على ما تنطوي عليه من الأنوار وقد نبه الله على أمانتهم بذكر بعضهم في قوله وهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ فسماه أمينا وهو أرض ذو جدران وأسوار وتراب وطين ولبن فوصفه بالأمانة وأقسم به كما أقسم بغيره تعظيما لمخلوقات الله وتعليما لنا أن نعظم خالقها ونعظمها بتعظيم الله إياها لا من جهة القسم بها فإنه لا يجوز لنا أن نقسم بها ومن أقسم بغير الله كان مخالفا أمر الله وهي مسألة فيها خلاف بين علماء الرسوم مشهور أعني القسم بغير الله فكلما اعوجت الأجسام كانت أقرب إلى الأصل الذي هو الاستدارة فإن أول شكل قبل الجسم الأول الاستدارة فكان فلكا ولما كان ما تحته عنه كان مثله وما بعد عنه كان قريبا منه ولو لم تكن الطبيعة نورا في أصلها لما وجدت بين النفس الكلية وبين الهيولى الكل والهيولى الذي هو الهباء أول ما ظهر الظلام بوجودها فهو

جوهر مظلم فيه ظهرت الأجسام الشفافة وغيرها فكل ظلام في العالم من جوهر الهباء الذي هو الهيولى وبما هي في أصلها من النور قبلت جميع الصور النورية للمناسبة فانتفت ظلمتها بنور صورها فإن الصورة أظهرتها فنسبت إلى الطبع الظلمة في اصطلاح العقلاء وعندنا ليست الظلمة عبارة عن شي‏ء سوى الغيب إذ الغيب لا يدرك بالحس ولا يدرك به والظلمة تدرك ولا يدرك بها فلو لا إن الظلمة نور ما صح أن تدرك ولو كانت غيبا ما صح أن تشهد فالغيب لا يعلمه إلا هو وهذه كلها مفاتيح الغيب ولكن لا يعلم كونها مفاتح إلا الله يقول تعالى وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وإن كانت موجودة بيننا لكن لا نعلم أنها مفاتح للغيب وإذا علمنا بالأخبار أنها مفاتح لا نعلم الغيب حتى نفتحه بها فهذا بمنزلة من وجد مفتاح بيت ولا يعرف البيت الذي يفتحه به عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً ثم لتعلم بعد ما عرفتك بسريان النور في الأشياء أن الخلق بين شقي وسعيد فبسريان النور في جميع الموجودات كثيفها ولطيفها المظلمة وغير المظلمة أقرت الموجودات كلها بوجود الصانع لها بلا شك ولا ريب وبما له الغيب المطلق لا تعلم ذاته من طريق الثبوت لكن تنزه عما يليق بالمحدثات كما أن الغيب يعلم أن ثم غيبا ولكن لا يعلم ما فيه ولا ما هو فإذا وردت الأخبار الإلهية على ألسنة الروحانيين ونقلتها إلى الرسل ونقلتها الرسل عليهم السلام إلينا فمن آمن بها وترك فكره خلف ظهره وقبلها بصفة القبول التي في عقله وصدق المخبر فيما أتاه به فإن اقتضى عملا زائدا على التصديق به عمله فذلك المعبر عنه بالسعيد وهو مما أَلْقَى السَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ وله الجزاء بما وعده به من الخير في دار القرار والنعيم الدائم الذي لا يجري إلى أجل مسمى فينقطع بحلول أجله من حيث الجملة حكما إلهيا لا يتبدل ولا ينخرم ولا ينتسخ ومن لم يؤمن بها وجعل فكره الفاسد أمامه واقتدى به ورد

الأخبار النبوية إما بتكذيب الأصل وإما بالتأويل الفاسد فإن كذب المخبر بما أتاه به ولم يعمل بمقتضى ما قيل له إن اقتضى ذلك عملا زائدا على التصديق به فذلك المعبر عنه بالشقي وهو من جهة ما فيه من الظلمة كما آمن السعيد من جهة ما فيه من النور وله الجزاء بما أوعده إن كذب من الشر في دار البوار وعدم القرار لوجود العذاب الدائم الذي لا يجري إلى أجل مسمى وإن كان له أجل في نفس الأمر من حيث الجملة حكما إلهيا عدلا كما كان في السعيد فضلا لا يتبدل ولا ينخرم ولا ينتسخ وفي هذا خلاف بين أهل الكشف وهي مسألة عظيمة بين علماء الرسوم من المؤمنين وبين أهل الكشف وكذلك أيضا بين أهل الكشف فيها الخلاف هل يتسرمد العذاب عليهم إلى ما لا نهاية له أو يكون لهم نعيم بدار الشقاء فينتهي العذاب فيهم إلى أجل مسمى واتفقوا في عدم الخروج منها وإنهم بها ماكثون إلى ما لا نهاية له فإن لكل واحدة من الدارين ملؤها وتتنوع عليهم أسباب الآلام ظاهرا لا بد من ذلك وهم يجدون في ذلك لذة في أنفسهم بالخلاف المتقدم باطنا بعد ما يأخذ الألم منهم جزاء العقوبة حدثني عبد الله الموروري في جماعة غيره عن أبي مدين إمام الجماعة أنه قال يدخل أهل الدارين فيهما السعداء بفضل الله وأهل النار بعدل الله وينزلون فيهما بالأعمال ويخلدون فيهما بالنيات وهذا كشف صحيح وكلام حر عليه حشمة فيأخذ جزاء العقوبة الألم موازيا لمدة المعمر في الشرك في الدنيا فإذا فرغ الأمد جعل لهم نعيم في النار بحيث إنهم لو دخلوا الجنة تألموا لعدم موافقة المزاج الذي ركبهم الله فيه فهم يتلذذون بما هم فيه من نار وزمهرير وما فيها من لدغ الحيات والعقارب كما يلتذ أهل الجنة بالظلال والنور ولثم الحور الحسان لأن مزاجهم يقضي بذلك أ لا ترى الجعل في الدنيا هو على مزاج يتضرر بريح الورد ويلتذ بالنتن كذلك من خلق على مزاجه وقد وقع في الدنيا أمزجة على هذا شاهدناها فما ثم مزاج في العالم إلا وله لذة بالمناسب وعدم لذة بالمنافر أ لا ترى المحرور يتألم بريح المسك فاللذات تابعة للملائم والآلام لعدم الملائم فهذا الأمر محقق في نفسه لا ينكره عاقل وإنما الشأن هل أهل النار على هذا المزاج بهذه المثابة بعد فراغ المدة أم لا أو هم على مزاج يقتضي لهم الإحساس بالآلام للأشياء المؤلمة والنقل الصحيح الصريح النص الذي لا إشكال فيه إذا وجد مفيدا للعلم يحكم به بلا شك ف الله عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ وإن كنت لا أجهل الأمر في ذلك ولكن لا يلزم الإفصاح عنه فإن الإفصاح عنه لا يرفع الخلاف من العالم وبعض أهل الكشف قال إنهم يخرجون إلى الجنة حتى لا يبقى فيها أحد من الناس البتة وتبقي أبوابها تصفق وينبت فيها الجرجير ويخلق الله لها أهلا يملؤها بهم من مزاجها كما يخلق السمك في الماء وعالم الهواء في الهواء وعالم‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!