The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل التلاوة الأولى من الحضرة الموسوية

المخلوقة من لفظ التوبة عن ذلك الشر فإن الكشف أعطى ذلك وصدقه الوحي المنزل بقول الله تعالى في هذا الصنف يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ فجعل التبديل في عين السيئة وهو ما ذكرناه ولقد أخبرني عبد الكريم بن وحشي المصري وكان من الرجال بمكة رحمه الله سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال لي ركبت البحر من جدة نطلب الديار المصرية فلما مخرنا جئنا ليلة ونحن نجري في وسط البحر وقد نام أهل المركب فإذا شخص من الجماعة قد قام يريد قضاء الحاجة فزلقت رجله ووقع في البحر وأخذته الأمواج فسكت الرائس وما تكلم وكانت الريح طيبة فما شعر رائس المركب إلا والرجل يجي‏ء على وجه الماء حتى دخل المركب وصحبته طائر كبير فلما وصل إلى المركب طار الطائر ونزل بجامور الصاري على رأس القرية ثم رآه قد مد منقاره إلى إذن ذلك الرجل كأنه يكلمه ثم طار فلم يقل له الرائس شيئا حتى إذا كان في وقت آخر من النهار أخذه الرائس وأكرمه وسأله الدعاء فقال له الرجل ما أنا من القوم الذين يسأل منهم الدعاء فقال له الربان رأيتك البارحة وما جرى منك فقال يا أخي ليس الأمر كما ظننت ولكني لما وقعت في البحر وأخذتني الأمواج تيقنت بالهلاك وعلمت إن الاستغاثة بكم لا تفيد فقلت ذلك تقدير العزيز العليم مستسلما لقضاء الله فما شعرت إلا وطائر قد قبض علي وأقامني من بين الأمواج وحملني على موج البحر إلى أن أدخلني المركب كما رأيت فتعجبت من صنع الله وبقيت أتطلع إلى الطائر وأقول يا ليت شعري من يكون هذا الطائر الذي جعله الله سبب نجاتي وحياتي فمد الطائر منقاره من أعلى الصاري إلى أذني وقال لي أنا كلمتك ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وبه سميت فكان اسم ذلك الطائر ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فهذا مما أشرنا إليه من خلق الله الملائكة من الكلمات وتلك الكلمات تكون أسماءهم وبها يتميزون وبها يدعون كانت ما كانت ويختص بهذا المنزل علوم كثيرة وتجليات يطول الكلام فيها ويكفي هذا القدر والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثامن والثمانون ومائتان في معرفة منزل التلاوة الأولى من الحضرة الموسوية»

كن للاله كبسم الله للبشر *** من اسمه الرب رب الروح والصور

فالخلق والأمر والتكوين أجمعه *** له فلا فرق بين العقل والحجر

كالزاهد المتعالي في غناه به *** فلا يميز بين العين والمدر

والعارف المتعالي في نزاهته *** له التميز بين العين والبصر

إذ الرجوع إلى التحقيق شيمة من *** يرى المنازل في الأعلام والسور

[أول ما أمر الله به عبده الأدب‏]

أول ما أمر الله به عبده الجمع وهو الأدب وهو مشتق من المأدبة وهو الاجتماع على الطعام كذلك الأدب عبارة عن جماع الخير كله‏

قال صلى الله عليه وسلم إن الله أدبني أي جمع في جميع الخيرات لأنه قال فحسن أدبي‏

أي جعلني محلا لكل حسن فقيل للإنسان اجمع الخيرات فإن الله جعل في الدنيا عبده عاملا جابيا يجبي له سبحانه جميع ما رسم له فهو في الدنيا يجمع ذلك فما خلقه الله إلا للجمع فإن جمع ما أمر بجمعه وجباه كان سعيدا ووهبه الحق جميع ما جباه وأنعم عليه فكانت أجرته عين ما جمعه مع الثناء الإلهي الحسن عليه بالأمانة والعدل وعدم الظلم والخيانة وإن كان عبد سوء خان في أمانته فأعطاها غير أهلها وجمع ما لم يؤمر بجمعه مما نهي عنه إن يدخل فيه نفسه وترك جمع ما أمر بجمعه فلما انقلب إلى سيده وحصل في ديوان المحاسبة وقعد أهل الديوان يحاسبونه ورأى شدة الهول في حسابه وحساب غيره ورأى الأمناء الذين جبوا على حد ما رسم لهم قد سعدوا وآمنوا كثر عليه الغم والحزن فمنهم من عفي عنه وخلى سبيله لشفاعة شافع ومنهم من لم يكن له شفيع فعذب وعصر فمن عرف ما خلق له وعمل عليه استراح راحة الأبد مع أنه في نفسه في زمان جبايته على حذر وخطر وإن كان هذا فأحسن ما جمعه الإنسان في حياته العلم بالله والتخلق بأسمائه والوقوف عند ما تقتضيه عبوديته وأن يوفي ما تستحقه مرتبة سيده من امتثال أوامره ومنزل هذا الأمر من الأسماء الإلهية الاسم الرب وقد نعت الله سبحانه هذا الاسم بالعظمة والكرم والعلو في مواضع من كتابه العزيز وذكر ما جعل تحت حكمه وبيده من الأمور وجعل للباء في هذا المنزل سلطانا عظيما حيث جعلها واسطة

بين الله وعبده فإن الله تعالى قال لعبده سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فأمره بتنزيهه فقال له العبد مقالة حال بما نسبحه فقال فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ أي لا تنزهه إلا بأسمائه لا بشي‏ء من أكوانه وأسماؤه لا تعرف إلا منه عندنا وإن كانت هذه المسألة مسألة خلاف بين علماء الرسوم فإذا لم تعرف أسماؤه إلا منه ولا ينزه إلا بها فكان العبد ناب مناب الحق في الثناء عليه بما أثنى هو على نفسه لا بما أحدثه العبد من نظره وأي شرف أعظم من شرف من ناب مناب الحق في الثناء عليه والمعرفة به فكان الحق استخلف عبده عليه في هذه الرتبة فلو إن المثنى على الله بأسمائه يعرف قدر هذه المنزلة التي أنزله الله فيها لفنى عن وجوده فرحا بما هو عليه ثم لا يخلو العبد في هذا الثناء إما أن يثني على الله بأسماء التنزيه أو بأسماء الأفعال فالمتقدم عندنا من جهة الكشف أن تبتدئ بأسماء التنزيه وبالنظر العقلي بأسماء الأفعال فلا بد من مشاهدة المفعولات فأول مفعول أشاهده الأقرب إلي وهو نفسي فأثنى عليه بأسماء فعله بي وفي وكلما رمت أن أنتقل من نفسي إلى غيري اطلعت على حادث آخر أحدثه في نفسي بطلب يطلب مني الثناء عليه به فلا أزال كذلك أبد الأبد دنيا وآخرة ولا يكون إلا هكذا فانظر ما يبقى علي من منازل الثناء على الله من مشاهدة ما سواى من المخلوقين وهذا المشهد يطلب لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ولهذا التتميم قال الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك وبعد الفراغ مني ومن المخلوقين حينئذ أشرع في الثناء عليه بأسماء التنزيه والفراغ من نفسي محال فالوصول إلى مشاهدة الأكوان بالفراغ من الأكوان محال فالوصول إلى أسماء التنزيه محال فإذا رأيت أحدا من العامة أو ممن يدعي المعرفة بالله يثني على الله بأسماء التنزيه على طريق المشاهدة أو بأسماء الأفعال من حيث ما هي متعلقة بغيره‏

[من عمى عن نفسه‏]

فاعلم أنه ما عرف نفسه ولا شاهدها ولا أحس بآثار الحق فيه ومن عمي عن نفسه التي هي أقرب إليه فهو على الحقيقة عن غيره أعمى وأضل سبيلا قال تعالى ومن كانَ في هذِهِ أَعْمى‏ يعني في الدنيا وسماها دنيا لأنها أقرب إلينا من الآخرة قال تعالى إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا يريد القريبة وهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى‏ يعني البعيدة فَهُوَ في الْآخِرَةِ أَعْمى‏ وأَضَلُّ سَبِيلًا ثم لتعلم أنك من جملة أسمائه بل من أكملها اسما حتى إن بعض الشيوخ وهو أبو يزيد البسطامي سأله بعض الناس عن اسم الله الأعظم فقال أروني الأصغر حتى أريكم الأعظم أسماء الله كلها عظيمة فاصدق وخذ أي اسم إلهي شئت ولقيت الشيخ أبا أحمد بن سيد بون بمرسية وسأله إنسان عن اسم الله الأعظم فرماه بحصاة يشير إليه إنك اسم الله الأعظم وذلك أن الأسماء وضعت للدلالة فقد يمكن فيها الاشتراك وأنت أدل دليل على الله وأكبره فلك إن تسبحه بك فإن قلت وهكذا في جميع الأكوان قلنا نعم إلا إنك أكمل دليل عليه وأعظمه من جميع الأكوان لكونه سبحانه خلقك على صورته وجمع لك بين يديه ولم يقل ذلك عن غيرك من الموجودات فإن قلت فقد وصف نفسه بالعظمة قلنا وقد وصفك بالعظمة وندبك إلى تعظيمه فقال ومن يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله فَإِنَّها من تَقْوَى الْقُلُوبِ وأنت أعظم الشعائر فيتضمن قوله تعالى فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ إن تنزهه بوجودك وبالنظر في ذاتك فتطلع على ما أخفاه فيك من قرة أعين فأنت اسمه العظيم ومن كونك على صورته ثبتت العلاقة بينك وبينه فقال يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ والمحبة علاقة بين المحب والمحبوب ولم يجعلها إلا في المؤمنين من عباده ولا خفاء إن الشكل يألف شكله وهو الإنسان الكامل الذي لا يماثل في لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ولك حرف لام ألف من الصورة فإنه يلتبس على الناظر أي الفخذين هو اللام وأيهما هو الألف للمشابهة في لآ تداخل كل واحد منهما على صاحبه ولهذا كان لام الألف من جملة الحروف وإن كان مركبا من ذاتين موجودتين في العلم غير مفترقتين في الشكل ولهذا وقع الإشكال في أفعالنا لنا أو لله فلا يتخلص في ذلك دليل يعول عليه فالألف لها الأحدية في المرتبة والأول من العدد واللام لها المرتبة الثالثة من أول مراتب العقد والثلاثة هي أول الأفراد فقد ظهر التناسب بين الأحد والفرد من حيث الوترية فهو أول في الأحدية والإنسان الكامل أول في الفردية فاعلم ذلك ولهذا جاء في نشأة الإنسان أنه علقة من العلاقة والعلقية في ثالث مرتبة من أطوار خلقته فهي في الفردية المناسبة له من جهة اللام في مراتب العدد قال تعالى خَلَقْنَا الْإِنْسانَ من سُلالَةٍ من طِينٍ وهذه‏

أول مرتبة ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً في قَرارٍ مَكِينٍ هدى ثانية ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً وهي المرتبة الفردية ولها الجمع والإنسان محل الجمع لصورة الحضرة الإلهية ولصورة العالم الكبير ولهذا كان الإنسان وجوده بين الحق والعالم الكبير وانفصل جميع المولدات ما سوى الإنسان عن وجود الإنسان بأن جميع المولدات ما عداه موجودون عن العالم فهو عن أم بغير أب كوجود عيسى بن مريم صلوات الله عليه وإنما نبهناك على هذا لئلا تقول إن جميع المولدات وجدوا بين الله والعالم وما كان الأمر كذلك وإلا فلا فائدة لقوله خلق آدم على صورته ولو كانت الصورة ما يتوهمه بعض أصحابنا بل شيوخنا من كونه ذاتا وسبع صفات فإن ذلك ليس بصحيح فإن الحيوان معلوم أن له ذاتا وأنه حي عالم مريد قادر متكلم سميع بصير فكان يبطل اختصاص الإنسان بالصورة وإنما جاءت على جهة التشريف له فلم يبق إلا أن تكون الصورة غير ما ذكروه فإن منعت العلم عن الحيوان كابرت الحس فإن الحيوان مفطور على العلم وأنه يوحى إليه كما قال وأَوْحى‏ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ فإن نازعت في الكلام قلنا لك كلامه من جنس ما يليق بمزاجه وأما المكاشف فلا يحتاج معه إلى هذا فإنه يرى ما نرى ويعلم ما نعلم فإن قلت فكلامنا هو الحقيقة قلنا فالكلام الذي تثبته لنفسك إن أردت به الأصوات والحروف المركبة فكلام الله عندك على خلاف هذا ليس بصوت ولا حرف إن كنت أشعريا وإن كنت معتزليا فالكلام لمن خلقه وإن كان الكلام عندك عبارة عن كلام النفس فذلك موجود في الحيوان فصوت السنور إذا طلب ما يأكل خلاف صوته إذا طلب ما ينكح فقد أعرب بصوته عما حدثته به نفسه فإن قلت إن ذلك الذي في النفس إرادة وليس بكلام قلنا وكذلك الإنسان الذي في نفسه إرادة وليس بكلام فإن قلت ما استدل به أبو إسحاق الأسفراييني الأستاذ من حديث النفس بما مضى وما مضى لا يكون مرادا إذن فليست إرادة أعني ذلك الذي في النفس قلنا ذلك هو العلم بما قد مضى والتبس عليك ولا دليل لهم على كلام النفس أوضح من هذا وهو مدخول كما رأيت فخرج من هذا أن قوله صلى الله عليه وسلم على صورته لا يريد ما ذكره أصحابنا من الذات والصفات وكل الجماعة على ذلك فابحث على هذا الكنز حتى يفتح الله عليك به كما فتح به على من شاء من خلقه في قوله يُلْقِي الرُّوحَ من أَمْرِهِ عَلى‏ من يَشاءُ من عِبادِهِ ومما يختص به هذا المنزل من العلوم أيضا إن الله لما خلق العقل الأول أعطاه من العلم ما حصل له به الشرف على من هو دونه ومع هذا ما قال فيه إنه مخلوق على الصورة مع أنه

مفعول إبداعي كما هي النفس مفعول انبعاثي فلما خلق الله الإنسان الكامل أعطاه مرتبة العقل الأول وعلمه ما لم يعلمه العقل من الحقيقة الصورية التي هي الوجه الخاص له من جانب الحق وبها زاد على جميع المخلوقات وبها كان المقصود من العالم فلم تظهر صورة موجود إلا بالإنسان والعقل الأول على عظمه جزء من الصورة وكل موجود مما عدا الإنسان إنما هو في البعضية ولهذا ما طغى أحد من الخلائق ما طغى الإنسان وعلا في وجوده فادعى الربوبية وأكبر العصاة إبليس وهو الذي يقول إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ عند ما يكفر الإنسان إذا وسوس في صدره بالكفر وما ادعى قط الربوبية وإنما تكبر على آدم لا على الله فلو لا كمال الصورة في الإنسان ما ادعى الربوبية فطوبى لمن كان على صورة تقتضي له هذه المنزلة من العلو ولم تؤثر فيه ولا أخرجته من عبوديته فتلك العصمة التي حبانا الله بالحظ الوافر منها في وقتنا هذا فالله يبقيها علينا فيما بقي من عمرنا إلى أن نقبض عليها أنا وجميع إخواننا ومحبينا بمنه لا رب غيره ومن هذا المنزل تعرف عقوبة من لم يعرف قدره وجاز حده واحتجب بالصورة عما أراد الحق منه في خلقه بما أخبر به في شريعته فقال وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ثم لتعلم إن علم القربة في هذا المنزل من وقف عليه وشاهده كان على بينة من ربه فيما يتقرب إليه به وهو ما نبهناك عليه ومما يتضمنه هذا المنزل خاصة علم الجمع بين التقدير

والإيجاد ولا تجد ذلك في منزل من المنازل مفصلا لا واسطة بينهما إذ كان التقدير يتقدم الإيجاد في نفس الأمر في عالم الزمان ولهذا قيل وبعض الناس يخلق ثم لا يفري‏

[أنه لم يكن في الأزل شي‏ء يقدر به ما يكون في الأبد إلا الهو]

فاعلم أنه لم يكن في الأزل شي‏ء يقدر به ما يكون في الأبد إلا الهو فأراد الهو أن يرى نفسه رؤية كمالية تكون لها ويزول في حقه حكم الهو فنظر في الأعيان الثابتة فلم يرعينا يعطي النظر إليها هذه الرتبة الأنانة إلا عين الإنسان الكامل فقدرها عليه وقابلها به فوافقت إلا حقيقة واحدة نقصت عنه وهي وجودها لنفسها فأوجدها لنفسها فتطابقت‏

الصورتان من جميع الوجوه وقد كان قدر تلك العين على كل ما أوجده قبل وجود الإنسان من عقل ونفس وهباء وجسم وفلك وعنصر ومولد فلم يعط شي‏ء منها رتبة كمالية إلا الوجود الإنساني وسماه إنسانا لأنه آنس الرتبة الكمالية فوقع بما رآه الإنس له فسماه إنسانا مثل عمران فالألف والنون فيه زائدتان في اللسان العربي فإن قلت فلما ذا ينصرف وعمران لا ينصرف قلنا في عمران علتان وهما اللتان منعتاه من الصرف وهما الزيادة والتعريف أعني تعريف العلمية والإنسان ليس كذلك فإن فيه علة واحدة وهي الزيادة وما لفظ الإنسان للإنسان اسم علم وإنما تعريفه إذا سمي بآدم فلما سمي بآدم لم ينصرف للتعريف والوزن وإنما سمي باسم معلول بعلة تمنعه من الصرف الذي هو التصرف في جميع المراتب ليعلم في صورته الإلهية أنه مقهور ممنوع عبد ذليل مفتقر إذ كانت الصورة الإلهية تعطيه التصرف في جميع المراتب ولهذا سمي بإنسان فرفع وخفض ونصب وما ثم في الأسماء مرتبة أخرى فهو إنسان من حيث الصورة ومنها يتصرف في المراتب كلها ومنع الصرف من حيث هو في قبضة موجدة ملك يبقيه ما شاء ويعدمه إن شاء فبالصورة نال الخلافة والتصريف واسم الإنسانية فمن إنسانيته ثبت أنه غير يؤنس به ومن الخلافة ثبت أنه عبد فقير ما له قوة من استخلفه بل الخلافة خلعت عليه يزيلها متى شاء ويجعلها على غيره كما قد وقع ولهذا قال تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الْأَرْضِ وهي محل الخفض إذ الخفض لا يليق بالجناب العالي فلهذا أقام له نائبا فيه ليعلم أنه عبد فلو استخلف الإنسان في السماء مع وجوده على الصورة لم يشاهد عبوديته في رفعته للصورة والمكان والمكانة فربما طغى ولو طغى ما وقع الأنس به ولهذا من زاحم قصم‏

قال الله الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني واحدا منهما قصمته‏

فالعبد صغير في كبرياء الحق فإن هذا الكبرياء الإلهي ألبسه الصغار وهو حقير في عظمة الحق فإن هذه العظمة الإلهية ألبسته الحقارة فالصغار رداء العبد والحقارة إزاره فمن نازعه من الأناسي واحدة منهما أي طلب مشاركته فيهما عصم لا قصم ورحم ما حرم ولهذا خلق فتأمل أيها الإنسان لم سماك إنسانا وتأمل لم سماك خليفة وتأمل لم سماك آدم في أول صورة ظهرت ولا تتعد ما تعطيه حقيقة هذه الأسماء ولا تغب عنك فتكون من المفلحين ولهذا ختم الاستخلاف الكامل باسم منصرف وهو محمد صلى الله عليه وسلم ليجبر به ما منع آدم من التصريف فإنه ما منع إلا لعلة قامت به وهو أول في هذا النوع فعصم باسم غير منصرف ليعلم أنه تحت الحجر مقهور لا ينصرف ولا يتصرف إلا فيما حد له ثم بعد ذلك أعطى التصريف جماعة من الخلفاء كنوح وشيث وشعيب وصالح ومحمد وهود ولوط وغيرهم لأنه أمن بالأول وقوع ما كان يحذر ثم إنه تخلل هؤلاء الخلفاء أسماء لا تنصرف كإدريس وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وسليمان وداود تنبيها للإنسان إذا سلك طريق الله ثم عاد بعد قطع الأسباب والاعتماد على الله إلى القول بالأسباب والوقوف عندها لكون الحق وضعها وربط الأمور بها وحاله الاعتماد على الله والطبع من عادته الألفة ويسرق صاحبه إلى الركون لمألوفه كما قلنا لأنه إنسان يأنس بمألوفه فربما يتخلله اعتماد على السبب فيضعف اعتماده على الله تعالى فيتفقد نفسه بقطع الأسباب وقتا بعد وقت كما فعل الله بأسماء الخلائف وقتا دعاهم باسم يقتضي لهم التصريف ووقتا دعاهم باسم يمنعهم التصريف تعليما لهم لئلا يقعوا في محظور محذور قال تعالى عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ فلهذا كانت هذه الأسماء التي تمنع الصرف في بعض الخلفاء وأما الذين أعطوا التصريف فهم على قسمين منهم من أعطى التصريف ظاهرا ومعنى وهو التصريف الكامل فلهم الاسم الكامل مثل محمد وصالح وشعيب وكل اسم منصرف ظاهر لواحد من هؤلاء الخلفاء والقسم الآخر أعطى التصريف معنى لا ظاهرا فليست له علة تمنعه من الصرف في المعنى وكان آخره حرف علة منعه ذلك الحرف من التصرف في الظاهر فكان مقصورا وسمي ذلك الاسم مقصورا كموسى وعيسى ويحيى فقصروا على المعنى دون الظاهر وسميت هذه بالمقصورة أي قصرت عن درجة التصرف في الظاهر وحبست عنه ومنه حور مقصورات في الخيام وإنما قصر من قصر منهم صيانة لا سجنا فصانوا مثل هؤلاء كما صين من لم ينصرف من الأسماء عناية ثم إن الله تعالى لما أراد أن لا يحجبهم عنهم طبا في حقهم لما يعلم ما تقتضيه هذه النشأة من العلل إذ كان الكمال لا يطاق حكمه إلا بالعناية الإلهية فكان من العناية الإلهية بهم إن أجرى عليهم الأسماء النواقص‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!