The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل القواصم وأسرارها من الحضرة المحمدية

أي أنه أدرك أن ثم أمرا يعجز عن إدراكه فهذا علم لا علم فيعلم الإنسان يوم القيامة عجز فكره عن إدراك ما حسب أنه أدركه غير أنه معذب بفكره بنار اصطلامه فإن حجة الشرع عليه قائمة إذ قد أبان له وأعرب عما ينبغي له أن يفكر فيه كما قال أَ ولَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ من جِنَّةٍ أي أنه يوصل إلى معرفة الرسول بالدليل وبهذه الآية يستدل على أنه لا بد من أن ينصب الله تعالى على يد هذا الرسول دليلا يصدقه في دعواه ولو لم يكن كذلك ما صدق قوله أَ ولَمْ يَتَفَكَّرُوا ولا تكون الفكرة إلا في دليل على صدقه إنه رسول من عند الله والدليل هو المنظور فيه الموصل إلى المدلول فلو لا ما نصب الأدلة ما شرع للعقلاء التفكر ولا طالبهم وكذلك في معرفتهم به سبحانه فقال لما ذكر أمورا إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فإذا تعدى بالفكر حده وفكر فيما لا ينبغي له أن يفكر فيه عذب يوم القيامة بنار فكره ثم إن الإنسان يشغله الفكر فيما لم يشرع له التفكر فيه عن شكر المنعم على النعم التي أنعم الله عليه بها فيكون صاحب عذابين عذاب الفكر فيما لا ينبغي وعذاب عدم الشكر على ما أنعم به عليه ولا نعمة أعظم من نعمة العلم وإن كانت نعم الله لا تحصى من حيث أسبابها الموجبة لها وإنما النعيم على الحقيقة وجود اللذة في نفس المنعم عليه بها عند أسباب كثيرة لا تحصى محصورة في أمرين في وجود ما تكون به اللذة وفي عدم ما يكون بعدمه اللذة وهي أمور نسبية كوجود لذة خائف من عدو يتوقعه فيهلك ذلك العدو فيجد هذا من اللذة عند هلاكه ما لا يقدر قدرها وذلك لوجود الأمن مما كان يحذره فالأسباب لا تحصى كثرة واللذة واحدة وهي النعمة المحققة كما إن الألم هو العذاب المحقق وأسبابه لا تحصى فسمى الشي‏ء باسم الشي‏ء إذا كان مجاورا له أو كان منه بسبب‏

[أن الزيارة وهو الميل‏]

واعلم أن الزيارة مأخوذة من الزور وهو الميل فمن زار قوما فقد مال إليهم بنفسه فإن زارهم بمعناه فقد مال إليهم يقلبه وشهادة الزور الميل إلى الباطل عن الحق فزيارة الموتى الميل إليهم تعشقا لصفة الموت إن تحل به فإن الميت لا حكم له في نفسه وإنما هو في حكم من يتصرف فيه ولا يتصور من الميت منع ولا إباية ولا حمد ولا ذم ولا اعتراض بل هو مسلم تسليم حال ذاتي كذلك ينبغي لزائره إن يكون حاله مع الله حال الميت مع من يتصرف فيه وإذا بلغ إلى هذا المقام على الحد المشروع فيه لا على الإطلاق حينئذ يبلغ مبلغ الرجال ولا يكون موصوفا بهذه الصفة على الإطلاق إلا في معناه لا في حسه الظاهر والباطن بل ينبغي له أن يكون حيا في أفعاله الظاهرة والباطنة في الأمور التي تعلق بها النهي الإلهي ويكون ميتا بالتسليم لموارد القضاء عليه في كل ذلك لا للمقضي والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

(الباب الثالث والثمانون ومائتان في معرفة منزل القواصم وأسرارها من الحضرة المحمدية)

إذا كنت مشغوفا بحب المعاصم *** تذكر من الآيات آي القواصم‏

فإن لها عن ذاك زجرا وعصمة *** وأفلح من تحييه آي العواصم‏

وهذي أمور لم أنلها بفكرة *** ولكنها جاءت على يد قاسم‏

ويعطي إله الخلق عدلا ومنة *** بقصمة قهار وعصمة عاصم‏

فكم بين شخص بالملائك ملحق *** وبين شخيص ملحق بالبهائم‏

اعلم أنه لما وصلت إلى هذا المنزل في وقت معراجي الذي عرج بي ليريني من آياته سبحانه ما شاء ومعي الملك قرعت بابه فسمعت من خلف الباب قائلا يقول من ذا الذي يقرع باب هذا المنزل المجهول الذي لا يعرف إلا بتعريف الله فقال الملك عبد الحضرة عبدك محمد بن نور ففتح فدخلت فيه فعرفني الحق جميع ما فيه ولكن بعد سنين من شهودي إياه فكان ذلك شهودا صوريا من غير تعريف ثم بعد ذلك وقع التعريف به ولما عرفني بأنه منزل مجهول قصم ظهري ولما وقع التعريف به رأيته كله قواصم إلا أن يعصم الله مما رأيت فخفت فسكن الله روعي بما جلى لي فرأيت في هذا المنزل تحول الصور الحسية في الصور الجسمية كما يتشكل الروحانيون في الصور فتخيلت إن تلك الصور الأول ذهبت فحققت النظر فيها فلم أدركها حتى أعطيت القوة عليها فتحولت فأدركت المطلوب فإذا هو على نوعين في التحول النوع الواحد أن تعطي قوة تؤثر بها في عين الرائي ما شئته من الصور التي تحب أن تظهر له فيها فلا يراك إلا عليها وأنت في نفسك على‏

صورتك ما تغيرت لا في جوهرك ولا في صورتك إلا أنه لا بد أن تحضر تلك الصورة التي تريد أن تظهر للرائي فيها في خيالك فيدركها بصر الرائي في خيالك كما تخيلتها ويحجبه ذلك النظر في الوقت عن إدراك صورتك المعهودة هذا طريق وطريقة أخرى يتضمنها هذا المنزل وذلك أن الصورة التي أنت عليها عرض في جوهرك فيزيل الله ذلك العرض ويلبسك ما أردت أن تظهر به من صور الأعراض من حية أو أسد أو شخص آخر إنساني وجوهرك باق وروحك المدبر جوهرك على ما هو عليه من العقل وجميع القوي فالصورة صورة حيوان أو نبات أو جماد والعقل عقل إنسان وهو متمكن من النطق والكلام فإن شاء تكلم وإن شاء لم يتكلم بأي لسان شاء الحق أن ينطقه به فحكمه حكم عين الصورة في المعهود ومن هذا الباب يعرف نطق الجمادات والنبات والحيوان وهي على صورها وتسمعها كنطق الإنسان كما إن الروح إذا تجسد في صورة البشر تكلم بكلام البشر لحكم الصورة عليه وليس في قوة الروحاني أن يتكلم بكلام غير الصورة التي يظهر فيها بخلاف الإنسان وهو في غير صورة الإنسان وهذا منزل الممسوخ من هذه الحضرة تمسخ الصورة الحسية في الدنيا والآخرة ومن هذا المنزل تمسخ البواطن فترى الصورة أناسا وفي الباطن غير تلك الصورة من ملك أو شيطان بصورة حيوان مناسب لما هو باطنه عليه من كلب أو خنزير أو قرد أو أسد وكل ذلك يخالف ما تطلبه إنسانيته إما عال وإما دون ومسلخ البواطن قد كثر في هذا الزمان كما ظهر المسخ في الصورة الظاهرة في بنى إسرائيل حين جعلهم الله قردة وخنازير ولا بد في آخر الزمان أن يظهر المسخ في هذه الأمة ولكن في اليهود منها لا في المسلمين فإن الايمان يحفظهم فما يمسخ من هذه الأمة إلا يهودي أو منافق يظهر الإسلام ويخفى اليهودية وإنما ألحقنا اليهود بهذه الأمة لأن أمة النبي ليست قبيلته وإنما أمته جميع من بعث إليهم ومحمد صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس عامة فجميع الناس أمته من جميع الملل فمنهم من آمن ومنهم من كفر ومنهم من أسلم وأما دخول الجن في دينه صلى الله عليه وسلم فكان دخولهم في دينه مثل ما كان دخول من لم يبعث إليه نبي في وقته في دين نبي وقته ثم إن ذلك النبي الذي ما بعث إليه إذا لم يكن ذلك الداخل ممن بعث إليه نبي آخر تجري أحكامه على من بعث إليه بما بعث به فإن لكل نبي شِرْعَةً ومِنْهاجاً فهكذا كان إيمان الجن برسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما ذكرناه من مسخ البواطن‏

فقول النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن ربه في صفة قوم من أمته أنهم إخوان العلانية أعداء السريرة ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب يلبسون للناس جلود الضأن من اللين‏

فهذا هو مسخ البواطن أن يكون قلبه قلب ذئب وصورته صورة إنسان فالله العاصم من هذه القواصم وطريقة أخرى في التحول في الصورة وهي أن تبقي صورة هذا الشخص على ما كانت عليه ويلبس نفسه صورة روحاني يجد ذلك الروحاني في أي صورة شاء هذا الشخص أن يظهر للرائي فيها ويغيب هذا الشخص في تلك الصورة وهي عليه كالهواء الحاف به فتقع عين الرائي على تلك الصورة الأسدية أو الكلبية أو القردية أو ما كانت كل ذلك بتقدير العزيز العليم وطريقة أخرى وهي أن يشكل الهواء الحاف به على أي صورة شاء ويكون الشخص باطن تلك الصورة فيقع الإدراك على تلك الصورة الهوائية المشكلة في الصورة التي أراد أن يظهر فيها ولكن إن وقع من تلك الصورة نطق فلا يقع إلا بلسانه المعروف عند الرائي فيسمع النعمة فيعرفها ويرى الصورة فينكرها لا يتمكن لمن هذه حالته أن يزول عن نغمته وهذه قوة الجن لمن يعرفهم فإنهم يظهرون فيما شاءوه من الصور والنغمة منهم نغمة جن لا يقدرون على أكثر من ذلك ومن لا معرفة له بهذا القدر فلا معرفة له بالجن إلا إن ثم أقواما تلعب الجن بعقولهم فتخيل لهم في عيونهم صورا مثل ما يخيل الساحر الحبال في صورة حيات ساعية فيحسبون أنهم يرون الجن وليسوا بجن وتكلمهم تلك الصور فيما يخيل إليهم وليست الصور بمتكلمة بخلاف تجسد الجن في أنفسهم فمن عرف من العارفين نغمات كل طائفة عرف ما رأى ولم يطرأ عليه تلبيس فيما رآه وقد رأينا جماعة بالأندلس ممن يرون الجن من غير تشكل وفي تشكلهم منهم فاطمة بنت ابن المثنى من أهل قرطبة وكانت عارفة بهم من غير تلبيس ورأيت طائفة بمدينة فاس ممن كانت الجن تخيل لهم صورا في أعينهم وتخاطبهم بما شاءوا لتفتنهم وليسوا بجن ولا بشكل جن منهم أبو العباس الزقاق بمدينة فاس وكان قد لبس عليه الأمر في ذلك فكان يخيل إليه أن الأرواح الجنية تخاطبه‏

ويقطع بذلك وسبب ذلك الجهل بنغمتهم فكان إذا قعد عندي وحضر مجلسي يبهت ثم يصف ما يرى فاعلم أنه يخيل له فكان يصل في ذلك إلى حد الملاعبة والمصاحبة والمحادثة وربما يقع بينه وبين ذلك الذي شاهده مخاصمة في أمور ومناكرة فتضره الجن من طريق آخر وهو يتخيل أن تلك الصور منها صدر الضرر وغلب عليه ذلك رحمه الله وكان أبو العباس الدهان وجميع أصحابنا يشاهدون ذلك منه فمن عرف النغمات لم تلتبس عليه صورة أصلا وقليل من يعرف ذلك ويغترون بصدق ما يظهر من تلك الصور في أوقات فهذا قد بينا لك مراتب التحول في الصور من هذا المنزل وفيه من هذا الظهور في الصور عجائب جمة تنهر العقول وأعظمها تغير المزاج إلى مزاج آخر مع بقاء الجوهر لا بد منه الحامل لهذه الصورة فإن لم يبق الجوهر فما تحول قط ولكن هذا جوهر آخر في صورته ما تبدل ولا هو ذلك كما إن زيدا ليس عمرا ومن هذا المنزل أيضا وزن أبي بكر الصديق بالأمة فرجح هذا منزل حضرة الوزن بين المخلوقين من كل ما سوى الله ومن عرف ما في هذا المنزل وشاهد حكمه ورفعت له موازين الخلق على ما وضعهم الله عليه من الحال والمقام عرف فضل الملائكة بعضهم على بعض وفضل الناس بعضهم على بعض وفضل الجن بعضهم على بعض وفضل الحيوان بعضه على بعض وفضل النبات بعضه على بعض وفضل الجماد بعضه على بعض والمفاضلة بين الملائكة والبشر وبين الجن والبشر وبين الجماد والنبات والبشر ويعرف مفاضلة كل جنس مع غير جنسه ومن هنا يعرف فضل الحجر الأسود مع كونه جمادا وهو يمين الله فانظر هذه الرتبة وهو جماد وانظر في فرعون وأبي جهل وهو إنسان ومن هذا المنزل إذا وقفت على هذه المفاضلات رأيت الجنة فيمن تسري من هؤلاء الأجناس وأنواع الأجناس وأنواع الأنواع إلى آخر درجة وهي أشخاص النوع الأخير ويشاهد أيضا سريان النار في الأجناس بين حر وزمهرير وفي أنواع الأجناس وأنواع الأنواع حتى تنتهي إلى أشخاص النوع الأخير فتحكم على كل من تشاهده بما تشاهده فإنك إنما تشاهده بما له لا بوقته وهنا يقع تلبيس من حضرة خيالية في مقابلة هذه الحضرة فيشاهد ما يعطيه شاهد الوقت فيحكم عليه بالمال وهو تلبيس شيطاني من الصفة التي ذكرناها آنفا من كون الجن والشياطين تخيل للناس صورا عنهم وعن غيرهم وليس بحقيقة وهذه المسألة التبس الأمر فيها على أبي حامد الغزالي وغيره وممن التبس عليه الأمر في ذلك من الشيوخ الذين أدركناهم أبو أحمد بن سيد بون بوادي أشت فكان يقول هو وأمثاله إن الإنسان إنما يطرأ عليه التلبيس ما دام في عالم العناصر فإذا ارتقى عنها وفتحت له أبواب السماء عصم من التلبيس فإنه في عالم الحفظ والعصمة من المردة والشياطين فكل ما يراه هنالك حق فلنبين لك الحق في ذلك ما هو وذلك أن الذي ذهبت إليه هذه الطائفة القائلون بما حكيناه عنهم من رفع التلبيس فيما يرونه لكونهم في محال لا تدخلها الشياطين فهي محال مقدسة مطهرة كما وصفها الله وذلك صحيح إن الأمر كما زعموه ولكن إذا كان المعراج فيها جسما وروحا كمعراج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما من عرج به بخاطره وروحانيته بغير انفصال موت بل بفناء أو قوة نظر يعطي إياها وجسده في بيته وهو غائب عنه بفناء أو حاضر معه لقوة هو عليها فلا بد من التلبيس إن لم يكن لهذا الشخص علامة إلهية بينه وبين الله يكون فيها عَلى‏ بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ فيما يراه ويشاهده ويخاطب به فإن كان له علامة يكون بها عَلى‏ بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ وإلا فالتلبيس يحصل له وعدم القطع بالعلم في ذلك إن كان منصفا وقد يكون الذي شاهده حقا ويكون معصوما محفوظا في نفس الأمر ولكن لا علم له بذلك فإذا كان عَلى‏ بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ حينئذ يأمن التلبيس كما أمنته الأنبياء عليهم السلام فيما يلقى إليهم من الوحي في بيوتهم وذلك أن الشيطان لا يزال مراقبا لحال هذا المريد المكاشف سواء كان من أهل العلامات أو لم يكن فإن له حرصا على الإغواء والتلبيس ولعلمه بأن الله قد يخذل عبده بعد عصمته مما يلقي إليه فيقول عسى ويعيش بالترجي والتوقع وإن عصم باطن الإنسان منه ورأى أنوار الملائكة قد حفت بهذا العبد انتقل إلى حسه فيظهر له في صورة الحس أمورا عسى يأخذه بها عما هو بسبيله مع الله في باطنه وهذا فعله مع كل معصوم محفوظ بأنوار الملائكة حسا في باطنه وأما إن كان معصوما في نفس الأمر وليس على باطنه حفظة من الملائكة فإن الشيطان يأتي إلى قلبه وهذا الشخص بكونه معصوما في نفس الأمر بالبينة التي هو عليها من ربه لا يقبل منه ما يلقى إليه هذا إن لم يكن متبحرا في العلم ويكون‏

صاحب مقام مقصور عليه وأما إن كان صاحب تمكين وتبحر في العلم الإلهي أخذ ذلك منه فإنه رسول من الله إليه فإن كان محمودا فقلب عينه في مجرد الأخذ حيث أخذه عن الله ولم يلتفت إلى الواسطة لعلمه بمحلها عند الله من الطرد والبعد فينقلب خاسئا حيث أراد أمرا فلم يتم له بل كان فيه زيادة سعادة لهذا الشخص ولكن من حرصه على الإغواء يعود إليه المرة بعد المرة وإن كان الذي أتاه به مذموما قلب عينه فصار محمودا في حقه بأن يصرفه على المصرف المرضى فينقلب خاسئا حيث أراد أمرا فلم يتم له بل كان فيه سعادة لهذا الشخص فإن كان حال هذا الشخص الأخذ من الأرض أقام له الشيطان أرضا ليأخذ منها فأما إن يرده خاسئا ويفرق بين الأرضين وإما أن يكون متبحرا فيشكر الله حيث أعطاه أيضا أرضا متخيلة كما أعطاه أرضا محسوسة وينظر سر الله فيها ويأخذ منها ما أودع الله فيها من الأسرار التي لم تخطر ببال إبليس ويردها الله لهذا الشخص زيادة في ملكه وإن كان حاله السماء فإن الشيطان يقيم له سماء مثل السماء التي يأخذ منها ويدرج له من السموم القاتلة ما يقدر عليه فيعامله العارف بما ذكرناه في معاملته له بالأرض وإن لم يكن في هذا المقام لبس عليه وتجرع تلك السموم القاتلة ولحق بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا وإن كان حاله في سدرة المنتهى أو في ملك من الملائكة جلى له صورة سدرة مثلها أو صورة مثل صورة ذلك الملك وتسمى له باسمه ثم ألقى إليه ما عرف أنه يلقى إليه من ذلك المقام الذي هو فيه ليلبس عليه فإن كان من أهل التلبيس فقد ظفر به عدوه وإن كان معصوما حفظ منه فيطرده ويرمي ما جاء به أو يأخذه من الله دونه ويشكر الله على ما أولاه وما زاده ثم يرتقي هذا الشخص إلى حال هو أعلى فإن كان حاله العرش أو العماء أو الأسماء الإلهية ألقى إليه الشيطان بحسب حاله ميزانا بميزان فإن كان من أهل التلبيس كان كما ذكرناه وإن لم يكن انقسم أمره إلى ما ذكرناه فقد أعلمتك أن الشيطان لا يجلي للشخص إلا على ما هي عليه حالته في صورة ذلك على السواء وعلى ما استقر في ذهنه مما قررته الشريعة أ لا ترى ابن صياد لما أظهر له إبليسه العرش إذ كان حاله وأبصر ذلك العرش على البحر لأنه رأى الله تعالى يقول وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ فجلى له العرش على البحر وهو قاعد عليه يأخذ عنه ابن صياد ويتخيل أنه يأخذ عن الله‏

فإن الله قد قال على ما أخبره به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذا ترى قال أرى العرش قال أين قال على البحر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عرش إبليس وخبا له رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الدخان من القرآن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خبأت لك فقال الدخ والدخ هي لغة في الدخان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اخسأ فلن تعدو قدرك‏

يعني إنك ممن لبس عليه الأمر فإنه صلى الله عليه وسلم ما خبا له إلا سورة الدخان وهي تحوي على الدخان وعلى غيره فما خبا له الدخان فأتاه باسم السورة لا بما خبا له وما قال سورة الدخان وإنما قال الدخ ولم يأت في هذه السورة إلا الدخان لا الدخ وإن كان هو بعينه فلم يفرق ابن صياد بين سورة الدخان وبين الدخان فجهل فلهذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اخسأ فلن تعدو قدرك حيث جاءه من هذه السورة بما يناسب إبليس الذي عرفه بذلك وهو أن الشيطان مخلوق من النار فما رأى من تلك الخبيئة إلا ما يناسبه وما عرف أنها سورة الدخان فالقى إلى ابن الصياد في روعة هذا القدر وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تلفظ باسم السورة عند ما عينها في نفسه فسرقها الشيطان واختطفها من لفظه ولو أضمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه ما عرفها إبليس فإنه ليس له على قلبه صلى الله عليه وسلم اطلاع ولا استشراف بخلاف قلب الولي ولهذا إن النبي معصوم من الوسوسة في حال نزول الوحي وفي غيرها لا فرق أ لا ترى الشيطان لما علم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة والعناية من الله في عصمة قلبه من استشراف إبليس عليه جاءه في الصلاة في قبلته بشعلة نار مخيلة فرمى بها في وجهه وغرضه أن يحول بينه وبين الصلاة لما يرى له فيها من الخير فإنه يحسده بالطبع فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم إلى خلف ولم يقطع صلاته وأخبر بذلك أصحابه وأما الولي فقد يلقى إليه في قلبه وقد يسمع منه ما يحدث به نفسه فيطمع أن يلبس عليه حاله كما ذكرناه فمن كان على بينة من ربه فقد سعد وارتفع الإشكال ولا بد للبينة التي يكون عليها أن تكون بينة له وإن لم تكن بينة فلا يقدر أن يحكم بها فإنه قد تكون علامة لا بينة فيتخيل إن العلامة هي‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!