The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل مالى وأسراره من المقام الموسوى

الحق في تلك الحضرة عند تلك النظرة هل كان بينكم وبينه علامة تعرفونه بها فيقولون نعم فيتحول لهم سبحانه في تلك العلامة مع اختلاف العلامات فإذا رأوها وهي الصورة التي كانوا يعبدونه فيها حينئذ اعترفوا به ووافقهم العارف بذلك في اعترافهم أدبا منه مع الله وحقيقة وأقر له بما أقرت الجماعة فهذه فائدة علم المواقف وما ثم منزل ولا مقام كما قلنا إلا وبينهما موقف إلا منزلان أو حضرتان أو مقامان أو حالان أو منازلتان كيف شئت قل ليس بينهما موقف وسبب ذلك أنه أمر واحد غير أنه يتغير على السالك حاله فيه فيتخيل أنه قد انتقل إلى منزل آخر أو حضرة أخرى فيحار لكونه لم ير الحق أوقفه والتغيير عنده حاصل فلا يدري هل ذلك التغير الذي ظهر فيه هل هو من انتقاله في المنزل أو انتقاله عنه فإن كان هنالك عارف بالأمر عرفه وإن لم يكن له أستاذ بقي التلبيس فإنه من شأن هذا الأمر أن لا يوقفه الحق كما فعل معه فيما تقدم وكما يفعل معه فيما يستقبل فيخاف السالك من سوء الأدب في الحال الذي يظهر عليه هل يعامله بالأدب المتقدم أوله أدب آخر وهذا لمن أوقفه الحق من السالكين فإذا لم يوقفه الحق في موقف من هذه المواقف ولم يعطه الفصل بين ما ينتقل إليه وعنه كان عنده الانتقالات في نفس المنزل الذي هو فيه فإنه ما ثم عند صاحب هذا الذوق إلا أمر واحد فيه تكون الانتقالات وهو كان حال المنذري صاحب المقامات وعليها بنى كتابه المعروف بالمقامات وأوصلها إلى مائة مقام في مقام واحد وهو المحبة فمثل هذا لا يقف ولا يتحير ولكن يفوته علم جليل من العلم بالله وصفاته المختصة بما ينتقل إليه فلا يعرف المناسبات من جانب الحق إلى هذا المنزل فيكون علمه علم إجمال قد تضمنه الأمر الأول عند دخوله إلى هذه الحضرات ويكون علم صاحب المواقف علم تفصيل ولكن يعفى عنه ما يفوته من الآداب إذا لم تقع منه وتجهل فيه ولا يؤثر في حاله بل يعطي الأمور على ما ينبغي ولكن لا يتنزل منزلة الواقف ولا يعرف ما فاته فيعرفه الواقف وهو لا يعرف الواقف فلهذا المنزل الذي نحن فيه موقف يجهل لا بل يحار فيه صاحب المواقف لأن المناسبة بين ما يعطيه الموقف الخاص به وبين هذا المنزل بعيدة مما بنى المنزل عليه وكذلك الذي يأتي بعده غير أن النازل فيه وإن كان حائرا فإنه يحصل له من الموقف في تلك الوقفة إذا ارتفعت المناسبة بين المنزل والوقفة إن المناسبة ترجع بين الوقفة والنازل فيعرف ما تستحقه الحضرة من الآداب مع ارتفاع المناسبة فيشكر الله على ذلك فصاحب المواقف متعوب لكنه عالم كبير والذي لا موقف له مستريح في سلوكه غير متعوب فيه وربما إذا اجتمعا ورأى من لا موقف له حال من له المواقف ينكر عليه ما يراه فيه من المشقة ويتخيل أنه دونه في المرتبة فيأخذ عليه في ذلك ويعتبه فيها ويقول له الطريق أهون من هذا الذي أنت عليه ويتشيخ عليه وذلك لجهله بالمواقف وأما صاحب المواقف فلا يجهله ولا ينكر عليه ما عامله به من سوء الأدب ويحمله فيه ولا يعرفه بحاله ولا بما فإنه من الطريق فإنه قد علم إن الله ما أراده بذلك ولا أهله فيقبل كلامه وغايته إن يقول له يا أخي سلم إلى حالي كما سلمت إليك حالك ويتركه وهذا الذي نبهتك عليه من أنفع ما يكون في هذا الطريق لما فيه من الحيرة والتلبيس فافهم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثمانون ومائتان في معرفة منزل مالي وأسراره من المقام الموسوي»

قلت مالي فقال مالك عبدي *** قلت مالي فقال مالك عندي‏

قلت لما أضفته لي ملكا *** لم خصصته بقولك عندي‏

قال لما علمت أنك عندي *** كان ما تحت ملك عندك عندي‏

قلت إن كان عين إنك أني *** صح ما قلت إن عندك عندي‏

وكما قلت إن عندك عندي *** فلنقل نحن إن عندك عندي‏

وهو أولى فإن ذاتي ظرف *** وتعاليت أنت فالعند عندي‏

هذا منزل عال ليس بينه وبين موقفه مناسبة فترجع المناسبة إلى الواقف كما كان في المنزل الذي قبله من هذا المنزل قال يعقوب عليه السلام لبنيه وما أُغْنِي عَنْكُمْ من الله من شَيْ‏ءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ومن هذا المنزل‏

قال محمد صلى الله عليه وسلم وقد نزل عليه وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ فوقف على الصفا وجاء الناس يهرعون إليه فقال لأكرم الناس عليه يا فاطمة

بنت محمد انظري لنفسك لا أغنى عنك من الله شيئا وقال مثل هذه المقالة لجميع الأقربين وكان عمه أبو لهب حاضرا فنفخ في يده وقال ما حصل بأيدينا مما قاله شي‏ء وصدق أبو لهب فإنه ما نفعه الله بإنذاره ولا أدخل قلبه منه شيئا لما أراد به من الشقاء فأنزل الله فيه تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وتَبَّ ما أَغْنى‏ عَنْهُ مالُهُ وما كَسَبَ‏

فإنه كان معتمدا على ماله فمن اعتمد على غير الله في أموره خسر والقائلون بالأسباب إذا اعتمدوا عليها وتركوا الاعتماد على الله لحقوا بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا وإذا أثبتوا الأسباب واعتمدوا على الله ولم يتعدوا فيها منزلتها التي أنزلها الله فيها فأولئك الأكابر من رجال الله الذين لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وأثبت لهم الحق الرجولة في هذا الموطن ومن شهد له الحق بأمر فهو على حق في دعواه إذا ادعاه ومن أثبت الأسباب بإثبات الحق وركن إليها ركون الطبع واضطرب عند فقدها في نفس الاعتماد على الله فذلك من متوسط الرجال وإذا وقع الاضطراب في النفس فإن أحس بالفقد واضطرب المزاج فذلك من خصائص الرجال الأكابر وإن لم يضطرب المزاج ولم يحس بالفقد فذلك حال الاعتماد على الله وهو مقام المتوسطين أصحاب الأحوال ومن هذا المنزل‏

قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة لما وقف بين يديه رجل ممن كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد قتله فلما قضى حاجته منه وانصرف قال النبي صلى الله عليه وسلم لم لم تقتلوه حين وقف بين يدي فقال له أصحابه هلا أومأت إلينا بطرفك فقال صلى الله عليه وسلم ما كان لنبي أن تكون له خائنة عين‏

وهي حالة لا يسلم منها وغاية إن يسلم منها من سلم في الشر وأما في الخير فإنهم ربما اتخذوها في الخير طريقا محمودة فيومئ الكبير في حق الحاضر إلى بعض من يمتثل أمره أن يجي‏ء إليه بخلعة أو بمال يهبه لذلك الحاضر يكون ذلك إيماء بالعين لا تصريحا باللفظ من غير شعور من يومي في حقه بذلك الخير ولا يقع مثل هذا وإن كان خيرا من نبي وسببه أن لا تعتاده النفس فربما تستعمله في الشر لاستصحابها إياه في الخير إذ كانت النفس من طبعها أن تسترقها العادة وإنما سميت خائنة عين لأن الإفصاح عما في النفس إنما هو لصفة الكلام ليس هو من صفة العين وإن كان في قوة العين الإفصاح بما في النفس بالإشارة ولكن إنما لها النظر والذي عندها من صفة الكلام إنما هو أمانة بيدها للكلام فإذا تصرفت في تلك الأمانة بالإيماء والإشارة لمن تومئ إليه في أمر ما فقد خانت الكلام فيما أمنها عليه من ذلك فلهذا سميت خائِنَةَ الْأَعْيُنِ فوصفت بالخيانة والخيانة التصرف في الأمانة فإن الأمانة ليست بملك لك وإنك مأمور بأدائها إلى أهلها فإذا اقتضى المنزل الأمر بخير وشر في حق شخص وفي قوة العين الإفصاح عن ذلك لمن يشير إليه به فعلمت إن ذلك صفة للكلام فلم تفعل وردت تلك الأمانة إلى اللسان فنطق فقد أدت هذه العين الأمانة إلى أهلها ولم تخن فيها قال تعالى يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ أي يعلم أنها خيانة وكيف هي خيانة ولم يقل يعلم ما أشارت به الأعين وما أومأت فإن المشار إليه يعلم ذلك فلا يكون مدحا ولكن لا يعلم كل أحد أنها خيانة إلا من أعلمه الله بذلك وقد أعلمنا بها فعلمناها فهي في الخير خيانة محمودة وفي الشر خيانة مذمومة وما زالت عن كونها خيانة في الحالين وبعد أن بينا لك هذا الأمر فتحفظ منها ما استطعت أن تفعلها مع الحضور فإنك لست بمعصوم فاستعمل الحضور عسى تفوز بهذا المقام فإن قلت قد أشارت من شهد لها بالكمال ومنعت من الكلام وهي مريم إلى عيسى إن يسألوه عن شأنه قلنا بعد ذلك نالت الكمال لا في ذلك الوقت أ لا ترى زكريا قيل له آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً والرمز ما يقع بالإشارة فإن الإشارة صريحة في الأمر المطلوب بل هي أقوى في التعريف من التلفظ باسم المشار إليه في مواطن يحتاج المتكلم فيها إلى قرينة حال حتى لو قال شخص لآخر كلم زيدا بكذا وكذا وزيد حاضر احتمل أن يفهم عنه السامع زيدا آخر غير هذا والمتكلم إنما أراد الحاضر فإذا ترك التلفظ باسمه وأشار إليه بيده أو بعينه فقال كلم هذا مشيرا إليه كان أفصح وأبعد من الإبهام والنكر والحرف إنما هو لفظ مجمل يحتمل التوجيه فيه إلى أمور مثل ما رمز الشاعر في التعريف بالنار من غير إن يسميها فقال‏

وطائرة تطير بلا جناح *** وتأكل في المساء وفي الصباح‏

وتمشي في الغصون لها صياح *** وهز في الحسام لدى الكفاح‏

تفر الأسد منها في الفيافي *** وتغلب للصوارم والرماح‏

وتجلس بين أفخاذ العذارى *** وتكشف ما خفي تحت الوشاح‏

إذا ماتت تجارح والداها *** فترجع حية عند الجراح‏

يريد بالوالدين الزناد فهذا هو الرمز في النار وقال الآخر في العين فأحسن‏

وطائرة تطير بلا جناح *** تفوق الطائرين وما تطير

إذا ما مسها الحجر استكنت *** وتنكر أن يلامسها الحرير

يريد بالحجر الإثمد

[الظن لا يغني من الحق شيئا]

واعلم أنه من أقام في نفسه معبودا يعبده على الظن لا على القطع خانه ذلك الظن وما أغنى عنه من الله شيئا قال تعالى إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي من الْحَقِّ شَيْئاً وقال في عبادتهم إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وما تَهْوَى الْأَنْفُسُ فما نسب إليهم قط أنهم عبدوا غير الله إلا على طريق الظن لا على جهة العلم فإن ذلك في نفس الأمر ليس بعلم فمن هنا تعلم أن العلم سبب النجاة وإن شقي في الطريق فالمال إلى النجاة فما أشرف مرتبة العلم ولهذا لم يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يطلب من الله تعالى الزيادة من شي‏ء إلا من العلم فقال له وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فمن فهم ما أشرنا إليه علم أهل السعادة من أهل الشقاء ولم تؤثر فيه الأمور العرضية التي توجب الشقاء في الطريق فلو علم المشرك ما يستحقه الحق من نعوت الجلال لعلم أنه لا يستحق أن يشرك به ولو علم المشرك أن الذي جعله شريكا لا يستحق أن يوصف بالشركة لله في الوهته لما أشرك فما أخذ إلا بالجهل من

الطرفين قال تعالى فَلا تَكُونَنَّ من الْجاهِلِينَ وقال إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ من الْجاهِلِينَ فلو اقتصر المشرك على الشركة في الفعل لا في الألوهة لكان في الأمر سعة فإن إضافة الأفعال إلى المخلوقين فيه إشكال ويعذر صاحبه فيمن هو ذو فعل فإذا أضافوا الأفعال إلى من يعلمون أنه ليس بفاعل فبالجهل أخذوا وبه وقع التوبيخ فقيل لهم أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وقال في حق ذي فعل وأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وما هَدى‏ فنسب الإضلال لفرعون وما نسبه إلى قومه فإنه عندهم ذو فعل وفي نفس الأمر كذلك وقوله وما هَدى‏ أي ما بين لهم طريق الحق فإنه موضع لبس لكونه ذا أفعال فلو كان المعبود جمادا ما وقع اللبس فإن قيل فإن اتخذوا إلها من له فعل بالخاصية من جماد ونبات أ يعذرون قلنا لا يعذرون فإن خاصيته لا تكون سارية في كل شي‏ء حتى تضاف إليه الأفعال كما تضاف إلى الله وبهذا القدر من الجهل أخذوا عبدة المخلوقين ذوي الأفعال كفرعون وغيره فإن القدرة التي له لا تزيد على قدرة العابد إياه فهي قاصرة عن سريانها في جميع الأفعال فإن القدرة الحادثة لا تخلق المتحيزات من أعيان الجواهر والأجسام فعبدوا من لم يخلق أعيانهم ولهذا وبخهم بقوله تعالى أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ فإن قيل فإن أقدر أحد على جهة خرق العادة على خلق جوهر فعبده أحد لذلك هل يعذر أم لا قلنا لا بعذر فإنه يشهد أنه يقبل الحوادث ولا يخلو عنها وما لا يخلو عن الحوادث يستحيل أن يتقدمها على الجملة وإذا لم يتقدم الحوادث على الجملة كان حادثا مثلها ومن شأن الإله أن يكون أقدم من كل ما يحدث على الجملة فلا بد أن يكون الحادث متأخرا عنه بأي نسبة كان من نسب التأخر فلما فاته هذا القدر من العلم وكان جاهلا به لم يعذر وأخذ بذلك وأصله إنما كان الجهل بذلك فمن استند إلى معبود موضوع فإنما استند إليه بظنه لا بعلمه فلذلك أخذ به فشقي إلا أن يعطي المجهود من نفسه في نفي الشريك فلم يعط فكره ولا نظره ولا اجتهاده نفيه جملة واحدة ولم يبعث إليه رسول ولم تصل إليه دعوته فإن جماعة من أهل النظر قالوا بعذر من هذه حالته وهو مأجور في نفس الأمر مع أنه مخطئ وليس بصاحب ظن بل هو قاطع لا عالم والقطع على الشي‏ء لا يلزم أن يكون عن علم وربما يستروح من قول الله تعالى ومن يَدْعُ مَعَ الله إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ به إن الله يعذره ولا شك أن المجتهد الذي أخطأ في اجتهاده في الأصول يقطع أنه على برهان فيما أداه إليه نظره وإن كان ليس ببرهان في نفس الأمر فقد يعذره الله تعالى لقطعه بذلك عن اجتهاده كما قطع الصاحب أنه رأى دحية وكان المرئي جبريل فهذا قاطع على غير علم فاجتهد فأخطأ فإنه غير ذاكر لما نقصه من التقسيم فإنه لو قال إن لم يكن روحا تجسد وإلا فهو دحية بلا شك فتدبر ما قررناه في مثل هذا

فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في المجتهد إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر

ولم يفصل بين الاجتهاد في الأصول والفروع وقال‏

تعالى وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ويلحق بهذا الباب طوائف ممن أوجب أكثر العلماء عليهم العذاب وحكموا عليهم بالشقاء من غير دليل واضح يفيد العلم فأنزلوهم منازل الأشقياء بالظن والقطع على غير علم في نفس الأمر فالإله لا يكون بالحسبان فثبت بما ذكرناه أنه من ظن لم ينج من عذاب في الإله فإن قيل‏

يقول الله أنا عند ظن عبدي بي‏

قلنا له هو مذهبنا فإنه قال بي فقد أثبته وما قال أنا عند ظن العبد بمن جعله إلها فمتعلق الظن كان عنده بالله فيما يظنه من سعادة أو شقاء فإنه عالم بالله صاحب ظن في مؤاخذته على الذنب أو العفو عنه وبعد أن تقرر هذا

[أن الجنة جنتان جنة حسية وجنة معنوية كما أن النار ناران‏]

فلتعلم إن الجنة جنتان جنة حسية وجنة معنوية فالمحسوسة تتنعم بها الأرواح الحيوانية والنفوس الناطقة والجنة المعنوية تتنعم بها النفوس الناطقة لا غير وهي جنة العلوم والمعارف ما ثم غيرهما والنار ناران نار محسوسة ونار معنوية فالنار المحسوسة تتعذب بها النفوس الحيوانية والنفوس الناطقة والنار المعنوية تتعذب بها النفوس الناطقة لا غير والفرق بين النعيمين والعذابين إن العذاب الحسي والنعيم الحسي يكون بالمباشرة للذي يكون عن مباشرته الألم القائم بالروح الحيواني والعذاب المعنوي لا يكون بمباشرة للنفوس الناطقة وإنما هو بما حصل لها من العلم بما فاتها من العمل والعلم المؤدي إلى سعادة الروح الحيواني الذي يتضمن سعادة النفس الناطقة وأما نار الفكر الذي يتعلق ألمه بالحس وبالنفس فهي نار معنوية فإن حصل العلم عنها أعقبها نعيم جنة معنوية وإن لم يحصل العلم عنها لم يزل صاحبها معذبا ما دام مفكرا ولا نعيم له معنوي وإذا زال الفكر عنه بأي وجه زال من غير حصول علم فذلك النعيم الذي تجده النفس إنما هو الراحة من فقد نار التفكر المسلط على قلبه فهي راحة حسية لا معنوية فاعلم ذلك‏

[إحراق النار بالطبع‏]

واعلم أن هذا المنزل يتضمن علم عقل ما ليس بحيوان في الإدراك الحس العادي عن الله تعالى ما يأمره به مثل قوله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ والْأَرْضِ والْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وقوله تعالى فَقالَ لَها ولِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فجمعهما جمع من يعقل وأثبت لها ما أثبت للحي العالم السميع القادر وقوله تعالى عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ فأخبر أنها مسلطة ولا يقبل التسليط إلا من يعقل وأنها محرقة بالطبع فإنه لو لم تحرق بالطبع ما قبلت الإرسال على الكفار إذ لو كان الحرق فيها بغير الطبع لما تصورت منها المخالفة لأن المخالف إنما هو الاحتراق فهو أمر آخر يفتقر وجوده إلى إيجاد موجدة والحق ما خاطب إلا النار والإحراق عرض والعرض يفتقر إلى وجود في غير عين النار فإنه إن وجد في النار فإنه لا ينتقل إلى الجسم المسلط عليه النار لأن العرض لا ينتقل إذ لو انتقل لخلا عن المحل وقام بنفسه والعرض لا يقوم بنفسه فمن المحال تحريق الجسم المحرق بالنار فيكون خطاب النار بالإحراق عبثا وقد وقع الخطاب على النار بالتسليط فعلى من وقع فبطل إن يكون الحق يتكلم بالعبث فكيف يخرج هذا الخطاب وعلى من يقع إذا لم يكن الإحراق للنار بالطبع وهكذا كل جماد ونبات وحيوان خوطب لا بد أن يكون حيا عاقلا قابلا لما يخاطب به من شأنه أن يعقل ما قيل له افعل قبولا ذاتيا تابعا لوجود عينه فهذا قد نبهتك على هذا النوع من الإدراك الذي يتضمنه هذا المنزل واعلم أن جميع ما يحويه هذا المنزل من العلوم لا يوصل إليها إلا بالتعريف الإلهي بوساطة روحانية الأنبياء لهذا المكاشف وتلك الأرواح لا يعلمها من الله إلا بوسائط لغموضها ودقتها فمن جملة ما يحويه علم كسر المكسور إلى ما لا نهاية له ومعلوم من طريق العقل إن المكسور محصور فهو متناه لنفسه فكيف يقبل الكسر إلى ما لا يتناهى وهذه مسألة تشبه بمسألة انقسام الجسم إلى ما لا نهاية له عقلا لا حسا عند الحكماء لإبطال إثبات الجوهر الفرد الذي تنتهي إليه قسمة الجسم في مذهب المتكلمين فمن هذا المنزل تعرف الحق عند من هو من هاتين الطائفتين وتطلع من هذا المنزل على علم قيام العذاب وحمله في غير أجسام المعذبين وعذاب المعذبين به مع كونه غير قائم بهم وهو من أشكل المسائل كيف يوجب المعنى حكمه لغير من قام به فتشبه أيضا هذه المسألة مسألة من يقول إن الله إذا أراد أن يمضي أمرا خلق إرادة لا في محل ثم أراد بها إمضاء ذلك الأمر فقد أوجب المعنى حكمه لمن لم يقم به عند مثبتي الصفات أعيانا لها أحكام وهم المتكلمون والفرق بين هذه المسألة وبين مسألتنا أن العذاب محمول في أجسام وحكمه في أجسام أخر غير الأجسام القائم بها العذاب والعذاب المحمول في هذه الأجسام لا تتعذب به وهو قائم بها وهي متصفة به من كونها محلا



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!