The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة القرب وهو القيام بالطاعات وقد يطلقونه ويريدون به قول قاب قوسين وهما قوسا الدائرة إذا قطعت بخط أو أدنى

الواردات مع أنها ما ترد إلا على قلب مستعد لقبولها فإذا ورد الوارد على القلب فجأة من غير تصنع فيعطيه ذلك الوارد حسرة فوت الوقت فإنه منبه لمن غفل عن حكم وقته فيه فلم يتأدب مع وارد وقته أراد الحق أن ينبهه عناية منه به فبعث إليه هذا الوارد رسولا من الله يكشف له عن فوت وقته وإنه ممن أساء الأدب مع الله فيندمه على ما كان منه من فوت الوقت فيجبر له هذا الندم فضيلة ما فاته من وقته حتى يكون كأنه ما فاته شي‏ء وهذا غلط عظيم فيتزين وقته بزينة ندمه كما كان يتزين بزينة أدبه معه لو حضر معه ولم يفته فهذه فائدة الهجوم يجبر الوقت الذي فإنه ولنا في ذلك‏

بادر لجبر الذي قد فات من عمرك *** ولتتخذ زادك الرحمن في سفرك‏

وأما البوادة فهي أيضا فجأة إلهية تفجأ القلوب من حضرة الغيب بحكم الوقت ولا تأتي في اصطلاحهم هذه البوادة إلا أن تعطي فرحا في القلب أو حزنا فتضحك وتبكي وهو قول أبي يزيد ضحكت زمانا وبكيت زمانا يريد أنه كان في حكم البوادة ثم قال وأنا اليوم لا أضحك ولا أبكي يعرف بانتقاله من تأثر حال البوادة فيه إلى حال العظمة ولا تكون البوادة إلا فيمن يتصف ومن لا وصف له لا بديهة له غير أنه لما كانت البوادة من حضرة الهو لم يعرف متى تأتي فإذا وردت إنما ترد فجأة وبغتة فتعطي ما وردت به وتنصرف وأما البديهة التي تعرفها الناس فليست تتقيد بفرح ولا ترح فما هي التي اصطلح عليها القوم وهي عينها إلا أن القوم ما سموا بديهة إلا ما أوجب فرحا أو ترحا وأما إذا لم يوجب ذلك فأحوالهم فيها أحوال الناس غير أن أهل الطريق يعلمون أن البوادة إذا وردت لا يخطئ حكمها البتة ولها الإصابة في كل ما ترد به ولهذا إذا سأل الشيوخ تلاميذهم عن مسألة على تعليم الأخذ عن الله لا يتركونه يفكر في الجواب فيكون جوابهم نتيجة فكر وإنما يقولون لا تجب إلا بما يخطر لك فيما سألت عنه عند السؤال فتنظر إلى قلبك ما ألقى فيه عند ورود السؤال فاذكره ببادئ الرأي فإن لم يفعل فلا يقبل منه الجواب وإن أصاب عن فكر ونظر فإن الله لا يغفل في كل نفس عن قلب أحد من عباده بل هو الرقيب عليه فيهبه في كل نفس بحسب ما يريده سبحانه فأصحاب القلوب المراقبين قلوبهم من أجل آثار ربهم فيها يجيبون بورود الوارد في كل نفس فيعملون بمقتضاه إن وافق الميزان الشرعي الذي قد شرع لسعادتهم وإن لم يوافق طريق السعادة فإن لهم لهذا الوارد أخذا مخصوصا فيأخذونه تنبيها من الحق وتعريفا لا مؤثرا في ظاهرهم ولا باطنهم فهذا قد بينا معنى البوادة والهجوم عند القوم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الموفي ستين ومائتان في معرفة القرب»

وهو القيام بالطاعات وقد يطلقونه ويريدون به قرب قابَ قَوْسَيْنِ وهما قوسا الدائرة إذا قطعت بخط أَوْ أَدْنى‏

إذا قطعت بخط أكرة فبدا *** قوسان ذلك قرب الحق فاعتبروا

إلى حقيقة أدنى منهما فإذا *** ما حزته لاح ما يقضي به النظر

إن المعارج للأرواح نسبتها *** خلاف نسبة ما يسرى به البصر

[المطلوب في القرب أن يكون صفة العبد]

قال تعالى ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ فوصف نفسه بالقرب من عباده والمطلوب بالقرب إنما هو أن يكون صفة العبد فيتصف بالقرب من الحق اتصاف الحق بالقرب منه كما قال وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ والرجال يطلبون أن يكونوا مع الحق أبدا في أي صورة تجلى وهو لا يزال متجليا في صور عباده دائما فيكون العبد معه حيث تجلى دائما كما لا يخلو العبد عن أينية دائما والله معه أينما كان دائما فأينية الحق صورة ما يتجلى فيها فالعارفون لا يزالون في شهود القرب دائمين لأنهم لا يزالون في شهادة الصور في نفوسهم وفي غير نفوسهم وليس إلا تجلى الحق وأما القرب الذي هو القيام بالطاعات فذلك القرب من سعادة العبد بالفوز من شقاوته وسعادة العبد في نيل جميع أغراضه كلها ولا يكون له ذلك إلا في الجنة وأما في الدنيا فإنه لا بد من ترك بعض أغراضه القادحة في سعادته فقرب العامة والقرب العام إنما هو القرب من السعادة فيطيع ليسعد وقرب العارفين ما ذكرناه فهو يتضمن السعادة وزيادة ولو لا الأسماء الإلهية وحكمها في الأكوان ما ظهر حكم القرب والبعد في العالم فإن كل عبد في كل وقت لا بد أن يكون صاحب‏

قرب من اسم إلهي صاحب بعد من اسم آخر لا حكم له فيه في الوقت فإن كان حكم ذلك الاسم الحاكم في الوقت المتصف بالقرب منه يعطي للعبد فوزا من الشقاء وحيازة لسعادته فذلك هو القرب المطلوب عند القوم وهو كل ما يعطي العبد سعادة وإن لم يعط ذلك فليس بقرب عند القوم وإن كان قربا من وجه آخر لا من حيث ما وقع عليه الاصطلاح‏

أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في هذا الباب أن الله يقول ما تقرب المتقربون بأحب إلي من أداء ما افترضته عليهم ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا

وقال سبحانه في الخبر الصحيح من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يسعى أتيته هرولة

وقال تعالى وإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ وقال في حق الميت ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ ولكِنْ لا تُبْصِرُونَ ومعناه عندنا لا تميزون يقول تبصرون ولكن لا تعرفون ما تبصرون فكأنكم لا تبصرون‏

[أن القرب من الله على ثلاثة أنحاء]

اعلم أن القرب من الله على ثلاثة أنحاء

قرب بالنظر في معرفة الله جهد الاستطاعة

أصاب في ذلك أو أخطأ بعد بذل الوسع في الاجتهاد في ذلك فقد يعتقد المجتهد فيما ليس ببرهان أنه برهان فيجازيه الله مجازاة أصحاب البراهين الصحيحة وقد نبه سبحانه على ما يفهم منه ما ذكرناه وهو قوله ومن يَدْعُ مَعَ الله إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ به وقد رأى بعض العلماء أن الاجتهاد يسوغ في الفروع والأصول فإن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران‏

[النوع الثاني قرب بالعلم‏]

والنوع الآخر قرب بالعلم‏

والنوع الثالث قرب بالعمل‏

وينقسم على قسمين قرب بأداء الواجبات وقرب بالمندوبات في عمل الظاهر والباطن‏

فأما قرب العلم فأعلاه توحيد الله في الوهته فإنه لا إله إلا هو فإن كان عن شهود لا عن نظر وفكر فهو من أولي العلم الذين ذكرهم الله في قوله شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ والْمَلائِكَةُ وأُولُوا الْعِلْمِ لأن الشهادة إن لم تكن عن شهود وإلا فلا فإن الشهود لا يدخله الريب ولا الشكوك وإن وحده بالدليل الذي أعطاه النظر فما هو من هذه الطائفة المذكورة فإنه ما من صاحب فكر وإن أنتج له علما إلا وقد يخطر له دخل في دليله وشبهة في برهانه يؤديه ذلك إلى التحير والنظر في رد تلك الشبهة فلذلك لا يقوى صاحب النظر في علم ما يعطيه لنظر قوة صاحب الشهود وهذا الصنف إذا قضى الله عليه بدخول النار لأسباب أوجبت له ذلك فهو الذي يخرجه الحق من النار بعد شفاعة الشافعين وأما قرب العمل فهو علم ظاهر وهو ما يتعلق بالجوارح وعلم باطن وهو ما يتعلق بالنفس فأعم الأعمال الباطنة الايمان بالله وما جاء من عنده لقول الرسول لا للعلم بذلك وعمل الايمان يعم جميع الأفعال والتروك فما من مؤمن يرتكب معصية ظاهرة أو باطنة إلا وله فيها قربة إلى الله من حيث إيمانه بها إنها معصية فلا يخلص أبد المؤمن عمل سيئ دون أن يخالطه عمل صالح قوله تعالى فيمن هذه صفته عَسَى الله أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وما ذكر لهم قربة فما تاب هنا في هذه الآية عليهم ليتوبوا وإنما هو رجوع بالعفو والتجاوز وعسى من الله واجبة عند جميع العلماء فالشرط المصحح لقبول جميع الفرائض فرض الايمان ثم يتقرب العبد بأداء الفرائض فمن حصل له هنا ثمرتها كان سمعا للحق وبصرا فيريد الحق بإرادته على غير علم منه أن مراده مراد لله وقوعه فإن علم فليس هو صاحب هذا المقام هذا ميزان أداء الفرائض وهو أحب ما يتقرب به إلى الله وأما قرب النوافل فإنه أيضا يحبه الله ومحبة الله أعطته أن يكون الحق سمعه وبصره هذا ميزانها في قرب النوافل ولما كانت المحبة لها مراتب متميزة في المحب قيل محب وأحب وقد وصف الله نفسه بأحب في قوله بأحب إلي

من أداء ما افترضته عليه وفي النوافل قال أحببته من غير مفاضلة وافترض عليه الايمان به وبما جاء من عنده فالمؤمن له مرتبة الحب والأحب وأما عمل الجوارح فإنه قرب أيضا ولا بد أن تجني الجارحة ثمرتها أي ثمرة عملها في حق كل إنسان من غير تقييد ولكن هم في ذلك على طبقات مختلفة في أي دار كانوا أو من أي صنف كانوا وسواء قصد القرب بذلك العمل أو لم يقصد فإن العمل يطلب ميزانه وقد وقع من الجارحة فهو حق لها والنية حق للنفس حتى أنه لو ذكر الله بيمين فاجرة يقتطع بها حق امرئ لكان للجارحة أجر ذكر الله لما جرى على اللسان وعلى النفس وزر ما نوته من ذلك والتنبيه على ما ذكرناه كون حكم ظاهر الشرع أسقط عنه بيمينه حق الطالب فإذا كان أثرها في الظاهر بهذه القوة في الدنيا فما ظنك بما تجنيه تلك الجارحة الذاكرة ربها في الأخرى فإن الجارحة لا خبر لها بما نوته‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!