The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى العلم العيسوى ومن أين جاء وإلى أين ينتهى وكيفيته وهل تعلق بطول العالم أو بعرضه أو بهما

الشهوات الطبيعية الصارفة عن النظر الصحيح واقتناء العلوم الإلهية فيأخذ في الشروع في ذلك فهذا أيضا سبب نقص العلوم ولا أعني بالعلوم التي يكون النقص منها عيبا في الإنسان إلا العلوم الإلهية وإلا فالحقيقة تعطي أنه ما ثم نقص قط وأن الإنسان في زيادة علم أبدا دائما من جهة ما تعطيه حواسه وتقلبات أحواله في نفسه وخواطره فهو في مزيد علوم لكن لا منفعة فيها والظن والشك والنظر والجهل والغفلة والنسيان كل هذا وأمثاله لا يكون معها العلم بما أنت فيه بحكم الظن أو الشك أو النظر أو الجهل أو الغفلة أو النسيان و

[علوم التجلي: نقصها وزيادتها]

أما نقص علوم التجلي وزيادتها فالإنسان على إحدى حالتين خروج الأنبياء بالتبليغ أو الأولياء بحكم الوراثة النبوية كما قيل لأبي يزيد حين خلع عليه خلع النيابة وقال له اخرج إلى خلقي بصفتي فمن رآك رآني فلم يسعه إلا امتثال أمر ربه فخطا خطوة إلى نفسه من ربه فغشي عليه فإذا النداء ردوا على حبيبي فلا صبر له عني فإنه كان مستهلكا في الحق كأبي عقال المغربي فرد إلى مقام الاستهلاك فيه الأرواح الموكلة به المؤيدة له لما أمر بالخروج فرد إلى الحق وخلعت عليه خلع الذلة والافتقار والانكسار فطاب عيشه ورأى ربه فزاد أنسه واستراح من حمل الأمانة المعارة التي لا بد له أن تؤخذ منه‏

[معراج الإنسان في سلم العرفان‏]

والإنسان من وقت رقية في سلم المعراج يكون له تجل إلهي بحسب سلم معراجه فإنه لكل شخص من أهل الله سلم يخصه لا يرقى فيه غيره ولو رقى أحد في سلم أحد لكانت النبوة مكتسبة فإن كل سلم يعطي لذاته مرتبة خاصة لكل من رقى فيه وكانت العلماء ترقي في سلم الأنبياء فتنال النبوة برقيها فيه والأمر ليس كذلك وكان يزول الاتساع الإلهي بتكرار الأمر وقد ثبت عندنا أنه لا تكرار في ذلك الجناب غير إن عدد درج المعالي كلها الأنبياء والأولياء والمؤمنون والرسل على السواء لا يزيد سلم على سلم درجة واحدة فالدرجة الأولى الإسلام وهو الانقياد وآخر الدرج الفناء في العروج والبقاء في الخروج وبينهما ما بقي وهو الايمان والإحسان والعلم والتقديس والتنزيه والغني والفقر والذلة والعزة والتلوين والتمكين في التلوين والفناء إن كنت خارجا والبقاء إن كنت داخلا إليه وفي كل درج في خروجك عنه ينقص من باطنك بقدر ما يزيد في ظاهرك من علوم التجلي إلى أن تنتهي إلى آخر درج فإن كنت خارجا ووصلت إلى آخر درج ظهر بذاته في ظاهرك على قدرك وكنت له مظهرا في خلقه ولم يبق في باطنك منه شي‏ء أصلا وزالت عنك تجليات الباطن جملة واحدة فإذا دعاك إلى الدخول إليه فهي أول درج يتجلى لك في باطنك بقدر ما ينقص من ذلك التجلي في ظاهرك إلى أن تنتهي إلى آخر درج فيظهر على باطنك بذاته ولا يبقى في ظاهرك تجل أصلا وسبب ذلك أن لا يزال العبد والرب معا في كمال وجود كل واحد لنفسه فلا يزال العبد عبدا والرب ربا مع هذه الزيادة والنقص فهذا هو سبب زيادة علوم التجليات ونقصها في الظاهر والباطن وسبب ذلك التركيب ولهذا كان جميع ما خلقه الله وأوجده في عينه مركبا له ظاهر وله باطن والذي نسمعه من البسائط إنما هي أمور معقولة لا وجود لها في أعيانها فكل موجود سوى الله تعالى مركب هذا أعطانا الكشف الصحيح الذي لا مرية فيه وهو الموجب لاستصحاب الافتقار له فإنه وصف ذاتي له فإن فهمت فقد أوضحنا لك المنهاج ونصبنا لك المعراج فاسلك وأعرج تبصر وتشاهد ما بيناه لك ولما عينا لك درج المعارج ما أبقينا لك في النصيحة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لو وصفنا لك الثمرات والنتائج ولم نعين لك الطريق إليها لشوقناك إلى أمر عظيم لا تعرف الطريق الموصل إليه فو الذي نفسي بيده أنه لهو المعراج والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب العشرون في العلم العيسوى ومن أين جاء وإلى أين ينتهي وكيفيته وهل تعلق بطول العالم أو بعرضه أو بهما»

علم عيسى هو الذي *** جهل الخلق قدره‏

كان يحيى به الذي *** كانت الأرض قبره‏

قاوم النفخ إذن من *** غاب فيه وأمره شأن لاهوته الذي‏

كان في الغيب صهره *** هو روح ممثل‏

أظهر الله سره‏

جاء من غيب حضرة *** قد محا الله بدره‏

صار خلقا من بعد ما *** كان روحا فغره‏

وانتهى فيه أمره *** فحباه وسره‏

من يكن مثله فقد *** عظم الله أجره‏

[في علم الحروف‏]

اعلم أيدك الله أن العلم العيسوى هو علم الحروف ولهذا أعطى النفخ وهو الهواء الخارج من تجويف القلب الذي هو روح الحياة فإذا انقطع الهواء في طريق خروجه إلى فم الجسد سمي مواضع انقطاعه حروفا فظهرت أعيان الحروف فلما تألفت ظهرت الحياة الحسية في المعاني وهو أول ما ظهر من الحضرة الإلهية للعالم ولم يكن للاعيان في حال عدمها شي‏ء من النسب إلا السمع فكانت الأعيان مستعدة في ذواتها في حال عدمها لقبول الأمر الإلهي إذا ورد عليها بالوجود فلما أراد بها الوجود قال لها كن فتكونت وظهرت في أعيانها فكان الكلام الإلهي أول شي‏ء أدركته من الله تعالى بالكلام الذي يليق به سبحانه فأول كلمة تركبت كلمة كن وهي مركبة من ثلاثة أحرف كاف وواو ونون وكل حرف من ثلاثة فظهرت التسعة التي جذرها الثلاثة وهي أول الأفراد وانتهت بسائط العدد بوجود التسعة من كن فظهر بكن عين المعدود والعدد ومن هنا كان أصل تركيب المقدمات من ثلاثة وإن كانت في الظاهر أربعة فإن الواجد يتكرر في المقدمتين فهي ثلاثة وعن الفرد وجد الكون لا عن الواحد

[في نفس الرحمن‏]

وقد عرفنا الحق أن سبب الحياة في صور المولدات إنما هو النفخ الإلهي في قوله فَإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ من رُوحِي وهو النفس الذي أحيا الله به الايمان فأظهره‏

قال صلى الله عليه وسلم إن نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن‏

فحييت بذلك النفس الرحماني صورة الايمان في قلوب المؤمنين وصورة الأحكام المشروعة فأعطى عيسى علم هذا النفخ الإلهي ونسبته فكان ينفخ في الصورة الكائنة في القبر أو في صورة الطائر الذي أنشأه من الطين فيقوم حيا بالإذن الإلهي الساري في تلك النفخة وفي ذلك الهواء ولو لا سريان الأذن الإلهي فيه لما حصلت حياة في صورة أصلا فمن نفس الرحمن جاء العلم العيسوى إلى عيسى فكان يحيي الموتى بنفخه عليه السلام وكان انتهاؤه إلى الصور المنفوخ فيها وذلك هو الحظ الذي لكل موجود من الله وبه يصل إليه إذا صارت إليه الأمور كلها

[السر الإلهي الذي في الإنسان‏]

وإذا تحلل الإنسان في معراجه إلى ربه وأخذ كل كون منه في طريقه ما يناسبه لم يبق منه إلا هذا السر الذي عنده من الله فلا يراه إلا به ولا يسمع كلامه إلا به فإنه يتعالى ويتقدس أن يدرك إلا به وإذا رجع الشخص من هذا المشهد وتركبت صورته التي كانت تحللت في عروجه ورد العالم إليه جميع ما كان أخذه منه مما يناسبه فإن كل عالم لا يتعدى جنسه فاجتمع الكل على هذا السر الإلهي واشتمل عليه وبه سبحت الصورة بحمده وحمدت ربها إذ لا يحمده سواه ولو حمدته الصورة من حيث هي لا من حيث هذا السر لم يظهر الفضل الإلهي ولا الامتنان على هذه الصورة وقد ثبت الامتنان له على جميع الخلائق فثبت إن الذي كان من المخلوق لله من التعظيم والثناء إنما كان من ذلك السر الإلهي ففي كل شي‏ء من روحه وليس شي‏ء فيه فالحق هو الذي حمد نفسه وسبح نفسه وما كان من خير إلهي لهذه الصورة عند ذلك التحميد والتسبيح فمن باب المنة لا من باب الاستحقاق الكوني فإن جعل الحق له استحقاقا فمن حيث إنه أوجب ذلك على نفسه فالكلمات عن الحروف والحروف عن الهواء والهواء عن النفس الرحماني وبالأسماء تظهر الآثار في الأكوان وإليها ينتهي العلم العيسوى ثم إن الإنسان بهذه الكلمات يجعل الحضرة الرحمانية تعطيه من نفسها ما تقوم به حياة ما يسأل فيه بتلك الكلمات فيصير الأمر دوريا دائما

[عيسى روح الله: والروح لها الحياة بالذات‏]

واعلم أن حياة الأرواح حياة ذاتية ولهذا يكون كل ذي روح حي بروحه ولما علم بذلك السامري حين أبصر جبريل وعلم أن روحه عين ذاته وأن حياته ذاتية فلا يطأ موضعا إلا حيي ذلك الموضع بمباشرة تلك الصورة الممثلة إياه فأخذ من أثره قبضة وذلك قوله تعالى فيما أخبر به عنه أنه قال ذلك فَقَبَضْتُ قَبْضَةً من أَثَرِ الرَّسُولِ فلما صاغ العجل وصورة نبذ فيه تلك القبضة فخارا العجل ولما كان عيسى عليه السلام روحا كما سماه الله وكما أنشأه روحا في صورة إنسان ثابتة أنشأ جبريل في صورة أعرابي غير ثابتة كان يحيي الموتى بمجرد النفخ ثم إنه أيده بروح القدس فهو روح مؤيد بروح طاهرة من دنس الأكوان والأصل في هذا كله الحي‏

الأزلي عين الحياة الأبدية وإنما ميز الطرفين أعني الأزل والأبد وجود العالم وحدوثه الحي وهذا العلم هو المتعلق بطول العالم أعني العالم الروحاني وهو عالم المعاني والأمر ويتعلق بعرض العالم وهو عالم الخلق والطبيعة والأجسام والكل لله أَلا لَهُ الْخَلْقُ والْأَمْرُ قُلِ الرُّوحُ من أَمْرِ رَبِّي تَبارَكَ الله رَبُّ الْعالَمِينَ وهذا كان علم الحسين بن منصور رحمه الله فإذا سمعت أحدا من أهل طريقنا يتكلم في الحروف فيقول إن الحرف الفلاني طوله كذا ذراعا أو شبر أو عرضه كذا كالحلاج وغيره فإنه يريد بالطول فعله في عالم الأرواح وبالعرض فعله في عالم الأجسام ذلك المقدار المذكور الذي يميزه به وهذا الاصطلاح من وضع الحلاج‏

[كن- علم عيسى- الرحمة الشاملة]

فمن علم من المحققين حقيقة كن فقد علم العلم العلوي ومن أوجد بهمته شيئا من الكائنات فما هو من هذا العلم ولما كانت التسعة ظهرت في حقيقة هذه الثلاثة الأحرف ظهر عنها من المعدودات التسعة الأفلاك وبحركات مجموع التسعة الأفلاك وتسيير كواكبها وجدت الدنيا وما فيها كما أنها أيضا تخرب بحركاتها وبحركة الأعلى من هذه التسعة وجدت الجنة بما فيها وعند حركة ذلك الأعلى يتكون جميع ما في الجنة وبحركة الثاني الذي يلي الأعلى وجدت النار بما فيها والقيامة والبعث والحشر والنشر وبما ذكرناه كانت الدنيا ممتزجة نعيم ممزوج بعذاب وبما ذكرناه أيضا كانت الجنة نعيما كلها والنار عذابا كلها وزال ذلك المزج في أهلها فنشأة الآخرة لا تقبل مزاج نشأة الدنيا وهذا هو الفرقان بين نشأة الدنيا والآخرة ألا أن نشأة النار أعني أهلها إذا انتهى فيهم الغضب الإلهي وأمده ولحق بالرحمة التي سبقته في المدى يرجع الحكم لها فيهم وصورتها لا تتبدل ولو تبدلت تعذبوا فيحكم عليهم أولا بإذن الله وتوليته حركة الفلك الثاني من الأعلى بما يظهر فيهم من العذاب في كل محل قابل للعذاب وإنما قلنا في كل محل قابل للعذاب لأجل من فيها ممن لا يقبل العذاب فإذا انقضت مدتها وهي خمس وأربعون ألف سنة تكون في هذه المدة عذابا على أهلها يتعذبون فيها عذابا متصلا لا يفتر ثلاثة وعشرين ألف سنة ثم يرسل الرحمن عليهم نومة يغيبون فيها عن الإحساس وهو قوله تعالى لا يَمُوتُ فِيها ولا يَحْيى‏ وقوله عليه السلام في أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها ولا يحيون‏

يريد حالهم في هذه الأوقات التي يغيبون فيها عن إحساسهم مثل الذي يغشى عليه من أهل العذاب في الدنيا من شدة الجزع وقوة الآلام المفرطة فيمكثون كذلك تسع عشرة ألف سنة ثم يفيقون من غشيتهم وقد بدل الله جلودهم جلودا غيرها فيعذبون فيها خمسة عشر ألف سنة ثم يغشى عليهم فيمكثون في غشيتهم إحدى عشرة ألف سنة ثم يفيقون وقد بدل الله جلودهم جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ فيجدون العذاب الأليم سبعة آلاف سنة ثم يغشى عليهم ثلاثة آلاف سنة ثم يفيقون فيرزقهم الله لذة وراحة مثل الذي ينام على تعب ويستيقظ وهذا من رحمته التي سبقت غضبه ووَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فيكون لها حكم عند ذلك حكم التأبيد من الاسم الواسع الذي به وسع كُلَّ شَيْ‏ءٍ رَحْمَةً وعِلْماً فلا يجدون ألما ويدوم لهم ذلك ويستغنمونه ويقولون نسينا فلا نسأل حذرا أن نذكر بنفوسنا وقد قال الله لنا اخْسَؤُا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ فيسكتون وهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ولا يبقى عليهم من العذاب إلا الخوف من رجوع العذاب عليهم فهذا القدر من العذاب هو الذي يسرمد عليهم وهو الخوف وهو عذاب نفسي لا حسي وقد يذهلون عنه في أوقات فنعيمهم الراحة من العذاب الحسي بما يجعل الله في قلوبهم من أنه ذو رحمة واسعة يقول الله تعالى الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ ومن هذه الحقيقة يقولون نسينا إذا لم يحسوا بالآلام وكذلك قوله نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ وكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى‏ أي تترك في جهنم إذ كان النسيان الترك وبالهمز التأخر

[أهل النار]

فأهل النار حظهم من النعيم عدم وقوع العذاب وحظهم من العذاب توقعه فإنه لا أمان لهم بطريق الأخبار عن الله ويحجبون عن خوف التوقع في أوقات فوقتا يحجبون عنه عشرة آلاف سنة ووقتا ألفي سنة ووقتا ستة آلاف سنة ولا يخرجون عن هذا المقدار المذكور متى ما كان لا بد أن يكون هذا القدر لهم من الزمان وإذا أراد الله أن ينعمهم من اسمه الرحمن ينظرون في حالهم التي هم عليها في الوقت وخروجهم مما كانوا فيه من العذاب فينعمون بذلك القدر من النظر فوقتا يدوم لهم هذا النظر ألف سنة ووقتا تسعة آلاف سنة ووقتا خمسة آلاف سنة فيزيد وينقص فلا تزال حالهم هذه دائما في جهنم إذ هم أهلها وهذا الذي ذكرناه كله من العلم العيسوى الموروث من المقام المحمدي والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!