The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة دورة المُلْك وأول منفصِل فيها عن أول موجود وآخر منفصل فيها عن آخر منفصل عنه وبماذا عمُر الموضع المنفصل عنه منهما وتمهيد الله هذه المملكة حتى جاء مليكها وما مرتبة العالَم الذى بين عيسى ومحمد عليهما السلام وهو زمان الفترة

إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ولا أكذبه مع ضعف عقل المرأة عن عقل الرجل فإن النساء ناقصات عقل فما ظنك بقوة الرجل وسبب ذلك أن النشأة الإنسانية تعطي التؤدة في الأمور والأناة والفكر والتدبير لغلبة العنصرين الماء والتراب على مزاجه فيكون وافر العقل لأن التراب يثبطه ويمسكه والماء يلينه ويسهله والجان ليس كذلك فإنه ليس لعقله ما يمسكه عليه ذلك الإمساك الذي للإنسان ولهذا يقال فلان خفيف العقل وسخيف العقل إذا كان ضعيف الرأي هلباجة وهذا هو نعت الجان وبه ضل عن طريق الهدى لخفة عقله وعدم تثبته في نظره فقال أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ فجمع بين الجهل وسوء الأدب لخفته‏

[الشيطان الأول من الجان‏]

فمن عصى من الجان كان شيطانا أي مبعودا من رحمة الله وكان أول من سمي شيطانا من الجن الحارث فأبلسه الله أي طرده من رحمته وطرد الرحمة عنه ومنه تفرعت الشياطين بأجمعها فمن آمن منهم مثل هامة بن إلهام بن لاقيس بن إبليس التحق بالمؤمنين من الجن ومن بقي على كفره كان شيطانا وهي مسألة خلاف بين علماء الشريعة فقال بعضهم إن الشيطان لا يسلم أبدا وتأول‏

قوله عليه السلام في شيطانه وهو القرين الموكل به إن الله أعانه عليه فأسلم‏

روى برفع الميم وفتحها أيضا فتأول هذا القائل الرفع بأنه قال فأسلم منه أي ليس له على سبيل وهكذا تأوله المخالف وتأول الفتح فيه على الانقياد قال فمعناه انقاد مع كونه عدوا فهو بعينه لا يأمرني إلا بخير جبرا من الله وعصمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال المخالف معنى فأسلم بالفتح أي آمن بالله كما يسلم الكافر عندنا فيرجع مؤمنا وهو الأولى والأوجه‏

[إبليس أول الأشقياء من الجن‏]

وأكثر الناس يزعمون أنه أول الجن بمنزلة آدم من الناس وليس كذلك عندنا بل هو واحد من الجن وإن الأول فيهم بمنزلة آدم في البشر إنما هو غيره ولذلك قال الله تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ من الْجِنِّ أي من هذا الصنف من المخلوقين كما كان قابيل من البشر وكتبه الله شقيا فهو أول الأشقياء من البشر وإبليس أول الأشقياء من الجن وعذاب الشياطين من الجن في جهنم أكثر ما يكون بالزمهرير لا بالحرور وقد يعذب بالنار وبنو آدم أكثر عذابهم بالنار ووقفت يوما على مخبول العقل من الأولياء وعيناه تدمعان وهو يقول للناس لا تقفوا مع قوله تعالى لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ لإبليس فقط بل انظروا في إشارته سبحانه لكم بقوله لإبليس جَهَنَّمَ مِنْكَ فإنه مخلوق من النار فيعود لعنه الله إلى أصله وإن عذب به فعذاب الفخار بالنار أشد فتحفظوا فما نظر هذا الولي من ذكر جهنم إلا النار خاصة وغفل عن إن جهنم اسم لحرورها وزمهريرها وبجملتها سميت جهنم لأنها كريهة المنظر والجهام السحاب الذي قد هرق ماءه والغيث رحمة الله فلما أزال الله الغيث من السحاب بإنزاله أطلق عليه اسم الجهام لزوال الرحمة الذي هو الغيث منه كذلك الرحمة أزالها الله من جهنم فكانت كريهة المنظر والمخبر وسميت أيضا جهنم لبعد قعرها يقال ركية جهنام إذا كانت بعيدة القعر نسأل الله العظيم لنا وللمؤمنين الأمن منها ويكفي هذا القدر من هذا الباب‏

«الباب العاشر» في معرفة دورة الملك‏

وأول منفصل فيها عن أول موجود وآخر منفصل فيها عن آخر منفصل عنه وبما ذا عمر الموضع المنفصل عنه منهما وتمهيد الله هذه المملكة حتى جاء مليكها وما مرتبة العالم الذي بين عيسى ومحمد عليهما السلام وهو زمان الفترة

الملك لو لا وجود الملك ما عرفا *** ولم تكن صفة مما به وصفا

فدورة الملك برهان عليه لذا *** قد التقت طرفاها هكذا كشفا

فكان آخرها كمثل أولها *** وكان أولها عن سابق سلفا

وعند ما كملت بالختم قام بها *** مليكها سيد الله معترفا

أعطاه خالقه فضلا معارفها *** وما يكون وما قد كان وانصرفا

[الأنبياء نواب محمد]

اعلم أيدك الله أنه‏

ورد في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا سيد ولد آدم ولا فخر

بالراء وفي رواية بالزاي وهو التبجح بالباطل وفي صحيح مسلم أنا سيد الناس يوم القيامة

فثبتت له السيادة والشرف على أبناء جنسه من البشر وقال عليه السلام كنت نبيا وآدم بين الماء والطين‏

يريد على علم بذلك فأخبره الله تعالى بمرتبته وهو روح قبل إيجاده الأجسام‏

الإنسانية كما أخذ الميثاق على بنى آدم قبل إيجاده أجسامهم وألحقنا الله تعالى بأنبيائه بأن جعلنا شهداء على أممهم معهم حين يبعث من كل أمة شَهِيداً عَلَيْهِمْ من أَنْفُسِهِمْ وهم الرسل فكانت الأنبياء في العالم نوابه صلى الله عليه وسلم من آدم إلى آخر الرسل عليهم السلام وقد أبان صلى الله عليه وسلم عن هذا المقام بأمور منها

قوله صلى الله عليه وسلم والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني‏

وقوله في نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان إنه يؤمنا

أي يحكم فينا بسنة نبينا عليه السلام ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم قد بعث في زمان آدم لكانت الأنبياء وجميع الناس تحت حكم شريعته إلى يوم القيامة حسا ولهذا لم ببعث عامة إلا هو خاصة فهو الملك والسيد وكل رسول سواه فبعث إلى قوم مخصوصين فلم تعم رسالة أحد من الرسل سوى رسالته صلى الله عليه وسلم فمن زمان آدم عليه السلام إلى زمان بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ملكه وتقدمه في الآخرة على جميع الرسل وسيادته فمنصوص على ذلك في الصحيح عنه‏

[روحانية محمد مع كل نبي ورسول‏]

فروحانيته صلى الله عليه وسلم موجودة وروحانية كل نبي ورسول فكان الإمداد يأتي إليهم من تلك الروح الطاهرة بما يظهرون به من الشرائع والعلوم في زمان وجودهم رسلا وتشريعه الشرائع كعلي ومعاذ وغيرهما في زمان وجودهم ووجوده صلى الله عليه وسلم وكإلياس وخضر عليهما السلام وعيسى عليه السلام في زمان ظهوره في آخر الزمان حاكما بشرع محمد صلى الله عليه وسلم في أمته المقرر في الظاهر لكن لما لم يتقدم في عالم الحس وجود عينه صلى الله عليه وسلم أولا نسب كل شرع إلى من بعث به وهو في الحقيقة شرع محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان مفقود العين من حيث لا يعلم ذلك كما هو مفقود العين الآن وفي زمان نزول عيسى عليه السلام والحكم بشرعه‏

[شرع محمد ناسخ لجميع الشرائع‏]

وأما نسخ الله بشرعه جميع الشرائع فلا يخرج هذا النسخ ما تقدم من الشرائع أن يكون من شرعه فإن الله قد أشهدنا في شرعه الظاهر المنزل به صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة النسخ مع إجماعنا واتفاقنا على إن ذلك المنسوخ شرعه الذي بعث به إلينا فنسخ بالمتأخر المتقدم فكان تنبيها لنا هذا النسخ الموجود في القرآن والسنة على إن نسخه لجميع الشرائع المتقدمة لا يخرجها عن كونها شرعا له وكان نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان حاكما بغير شرعه أو بعضه الذي كان عليه في زمان رسالته وحكمه بالشرع المحمدي المقرر اليوم دليلا على أنه لا حكم لأحد اليوم من الأنبياء عليهم السلام مع وجود ما قرره صلى الله عليه وسلم في شرعه ويدخل في ذلك ما هم عليه أهل الذمة من أهل الكتاب ما داموا يعطون الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهُمْ صاغِرُونَ فإن حكم الشرع على الأحوال‏

[سيادة محمد على جميع بني آدم‏]

فخرج من هذا المجموع كله أنه ملك وسيد على جميع بنى آدم وأن جميع من تقدمه كان ملكا له وتبعا والحاكمون فيه نواب عنه فإن قيل‏

فقوله صلى الله عليه وسلم لا تفضلوني‏

فالجواب نحن ما فضلناه بل الله فضله فإن ذلك ليس لنا وإن كان قد ورد أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ لما ذكر الأنبياء عليهم السلام فهو صحيح فإنه قال فَبِهُداهُمُ وهداهم من الله وهو شرعه صلى الله عليه وسلم أي ألزم شرعك الذي ظهر به نوابك من إقامة الدين ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ فلم يقل فبهم اقتده وفي قوله ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ تنبيه على أحدية الشرائع وقوله اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ وهو الدين فهو مأمور باتباع الدين فإن الدين إنما هو من الله لا من غيره وانظروا في‏

قوله عليه السلام لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني‏

فأضاف الاتباع إليه وأمر هو صلى الله عليه وسلم باتباع الدين وهدى الأنبياء لا بهم فإن الإمام الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوابه حكم الإله فإذا غاب حكم النواب بمراسمه فهو الحاكم غيبا وشهادة وما أوردنا هذه الأخبار والتنبيهات إلا تأنيسا لمن لا يعرف هذه المرتبة من كشفه ولا أطلعه الله على ذلك من نفسه‏

[شواهد أهل الله‏]

وأما أهل الله فهم على ما نحن عليه فيه قد قامت لهم شواهد التحقيق على ذلك من عند ربهم في نفوسهم وإن كان يتصور على جميع ما أوردناه في ذلك احتمالات كثيرة فذلك راجع إلى ما تعطيه الألفاظ من القوة في أصل وضعها لا ما هو عليه الأمر في نفسه عند أهل الأذواق الذين يأخذون العلم عن الله كالخضر وأمثاله فإن الإنسان ينطق بالكلام يريد به معنى واحدا مثلا من المعاني التي يتضمنها ذلك الكلام فإذا فسر بغير مقصود المتكلم من تلك المعاني فإنما فسر المفسر بعض ما تعطيه قوة اللفظ وإن كان لم يصب مقصود المتكلم أ لا ترى الصحابة كيف شق عليهم قوله تعالى الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ فأتى به نكرة فقالوا وأينا لم يلبس إيمانه بظلم فهؤلاء الصحابة وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ما عرفوا

مقصود الحق من الآية والذي نظروه سائغ في الكلمة غير منكور

فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ليس الأمر كما ظننتم وإنما أراد الله بالظلم هنا ما قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏

فقوة الكلمة تعم كل ظلم وقصد المتكلم إنما هو ظلم معين مخصوص فكذلك ما أوردناه من الأخبار في أن بنى آدم سوقة وملك لهذا السيد محمد صلى الله عليه وسلم هو المقصود من طريق الكشف كما كان الظلم هناك المقصود من المتكلم به الشرك خاصة ولذلك تتقوى التفاسير في الكلام بقرائن الأحوال فإنها المميزة للمعاني المقصودة للمتكلم فكيف من عنده الكشف الإلهي والعلم اللدني الرباني فينبغي للعاقل المنصف أن يسلم لهؤلاء القوم ما يخبرون به فإن صدقوا في ذلك فذلك الظن بهم وأنصفوا بالتسليم حيث لم يرد المسلم ما هو حق في نفس الأمر وإن لم يصدقوا لم يضر المسلم بل انتفعوا حيث تركوا الخوض فيما ليس لهم به قطع وردوا علم ذلك إلى الله تعالى فوفوا الربوبية حقها إذ كان ما قاله أولياء الله ممكنا فالتسليم أولى بكل وجه‏

[دورة الملك‏]

وهذا الذي نزعنا إليه من دورة الملك قال به غيرنا كالإمام أبي القاسم بن قسي في خلعه وهو روايتنا عن ابنه عنه وهو من سادات القوم وكان شيخه الذي كشف له على يديه من أكبر شيوخ المغرب يقال له ابن خليل من أهل لبلة فنحن ما نعتمد في كل ما نذكره إلا على ما يلقي الله عندنا من ذلك لا على ما تحتمله الألفاظ من الوجوه وقد تكون جميع المحتملات في بعض الكلام مقصودة للمتكلم فنقول بها كلها فدورة الملك عبارة عما مهد الله من آدم إلى زمان محمد صلى الله عليه وسلم من الترتيبات في هذه النشأة الإنسانية بما ظهر من الأحكام الإلهية فيها فكانوا خلفاء الخليفة السيد فأول موجود ظهر من الأجسام الإنسانية كان آدم عليه السلام وهو الأب الأول من هذا الجنس وسائر الآباء من الأجناس يأتي بعد هذا الباب إن شاء الله وهو أول من ظهر بحكم الله من هذا الجنس ولكن كما قررناه ثم فصل عنه أبا ثانيا لنا سماه أما فصح لهذا الأب الأول الدرجة عليها لكونه أصلا لها فختم النواب من دورة الملك بمثل ما به بدأ لينبه على إن الفضل بيد الله وأن ذلك الأمر ما اقتضاه الأب الأول لذاته فأوجد عيسى عن مريم فتنزلت مريم منزلة آدم وتنزل عيسى منزلة حواء فكما وجدت أنثى من ذكر وجد ذكر من أنثى فختم بمثل ما به بدأ في إيجاد ابن من غير أب كما كانت حواء من غير أم فكان عيسى وحواء إخوان وكان آدم ومريم أبوان لهما

[مثل عيسى عند الله كمثل آدم‏]

إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ فأوقع التشبيه في عدم الأبوة الذكرانية من أجل أنه نصبه دليلا لعيسى في براءة أمه ولم يوقع التشبيه بحواء وإن كان الأمر عليه لكون المرأة محل التهمة لوجود الحمل إذ كانت محلا موضوعا للولادة وليس الرجل بمحل لذلك والمقصود من الأدلة ارتفاع الشكوك وفي حواء من آدم لا يقع الالتباس لكون آدم ليس محلا لما صدر عنه من الولادة وهذا لا يكون دليلا إلا عند من ثبت عنده وجود آدم وتكوينه والتكوين منه وكما لا يعهد ابن من غير أب كذلك لا يعهد من غير أم فالمثل من طريق المعنى أن عيسى كحواء ولكن لما كان الدخل بتطرق في ذلك من المنكر لكون الأنثى كما قلنا محلا لما صدر عنها ولذلك كانت التهمة كان التشبيه بآدم لحصول براءة مريم مما يمكن في العادة فظهور عيسى بن مريم من غير أب كظهور حواء من آدم من غير أم وهو الأب الثاني‏

[انفصال حواء من آدم‏]

ولما انفصلت حواء من آدم عمر موضعها منه بالشهوة النكاحية إليها التي وقع بها الغشيان لظهور التناسل والتوالد وكان الهواء الخارج الذي عمر موضعه جسم حواء عند خروجها إذ لا خلاء في العالم فطلب ذلك الجزء الهوائي موضعه الذي أخذته حواء بشخصيتها فحرك آدم لطلب موضعه فوجده معمورا بحواء فوقع عليها فلما تغشاها حملت منه فجاءت بالذرية فبقي ذلك سنة جارية في الحيوان من بنى آدم وغيره بالطبع لكن الإنسان هو الكلمة الجامعة ونسخة العالم فكل ما في العالم جزء منه وليس الإنسان بجزء لواحد من العالم وكان سبب هذا الفصل وإيجاد هذا المنفصل الأول طلب الأنس بالمشاكل في الجنس الذي هو النوع الأخص وليكون في عالم الأجسام بهذا الالتحام الطبيعي الإنساني الكامل بالصورة الذي أراده الله ما يشبه القلم الأعلى واللوح المحفوظ الذي يعبر عنه بالعقل الأول والنفس الكل وإذا قلت القلم الأعلى فتفطن للاشارة التي تتضمن الكاتب وقصد الكتابة فيقوم معك معنى‏

قول الشارع إن الله خلق آدم على صورته‏

[كن والكون‏]

ثم عبارة الشارع في الكتاب العزيز في إيجاد الأشياء عن كُنْ فأتى بحرفين اللذين هما بمنزلة المقدمتين وما يكون عند كن بالنتيجة وهذان الحرفان هما الظاهران والثالث الذي هو

الرابط بين المقدمتين خفي في كن وهو الواو المحذوف لالتقاء الساكنين كذلك إذا التقى الرجل والمرأة لم يبق للقلم عين ظاهرة فكان القاؤه النطفة في الرحم غيبا لأنه سر ولهذا عبر عن النكاح بالسر في اللسان قال تعالى ولكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا وكذلك عند الإلقاء يسكنان عن الحركة ويمكن إخفاء القلم كما خفي الحرف الثالث الذي هو الواو من كن للساكنين وكان الواو لأن له العلو لأنه متولد عن الرفع وهو إشباع الضمة وهو من حروف العلة

[أول منفصل وآخر منفصل في دورة الملك‏]

وهذا الذي ذكرناه إنما هو إذا كان الملك عبارة عن الأناسي خاصة فإن نظرنا إلى سيادته على جميع ما سوى الحق كما ذهب إليه بعض الناس‏

للحديث المروي إن الله يقول لولاك يا محمد ما خلقت سماء ولا أرضا ولا جنة ولا نارا

وذكر خلق كل ما سوى الله فيكون أول منفصل فيها النفس الكلية عن أول موجود وهو العقل الأول وآخر منفصل فيها حواء عن آخر موجود آدم فإن الإنسان آخر موجود من أجناس العالم فإنه ما ثم إلا ستة أجناس وكل جنس تحته أنواع وتحت الأنواع أنواع فالجنس الأول الملك والثاني الجان والثالث المعدن والرابع النبات والخامس الحيوان وانتهى الملك وتمهد واستوى وكان الجنس السادس جنس الإنسان وهو الخليفة على هذه المملكة وإنما وجد آخرا ليكون إماما بالفعل حقيقة لا بالصلاحية والقوة فعند ما وجد عينه لم يوجد إلا واليا سلطانا ملحوظا ثم جعل له نوابا حين تأخرت نشأة جسده فأول نائب كان له وخليفة آدم عليه السلام ثم ولد واتصل النسل وعين في كل زمان خلفاء إلى أن وصل زمان نشأة الجسم الطاهر محمد صلى الله عليه وسلم فظهر مثل الشمس الباهرة فاندرج كل نور في نوره الساطع وغاب كل حكم في حكمه وانقادت جميع الشرائع إليه وظهرت سيادته التي كانت باطنة ف هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ وهُوَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ فإنه‏

قال أوتيت جوامع الكلم‏

وقال عن ربه ضرب بيده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت علم الأولين والآخرين‏

فحصل له التخلق والنسب الإلهي من قوله تعالى عن نفسه هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ وهُوَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ وجاءت هذه الآية في سورة الحديد الذي فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ومَنافِعُ لِلنَّاسِ فلذلك بعث بالسيف وأرسل رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ وكل منفصل عن شي‏ء فقد كان عامرا لما عنه انفصل وقد قلنا إنه لا خلاء في العالم فعمر موضع انفصاله بظله إذ كان انفصاله إلى النور وهو للظهور فلما قابل النور بذاته امتد ظله فعمر موضع انفصاله فلم يفقده من انفصل عنه فكان مشهودا لمن انفصل إليه ومشهودا لمن انفصل عنه وهو المعنى الذي أراده القائل بقوله‏

(شهدتك موجودا بكل مكان)

فمن أسرار العالم أنه ما من شي‏ء يحدث إلا وله ظل يسجد لله ليقوم بعبادة ربه على كل حال سواء كان ذلك الأمر الحادث مطيعا أو عاصيا فإن كان من أهل الموافقة كان هو وظله على السواء وإن كان مخالفا ناب ظله منابه في الطاعة لله قال الله تعالى وظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ والْآصالِ‏

[السلطان ظل الله في الأرض‏]

السلطان ظل الله في الأرض إذ كان ظهوره بجميع صور الأسماء الإلهية التي لها الأثر في عالم الدنيا والعرش ظل الله في الآخرة فالضلالات أبدا تابعة للصورة المنبعثة عنها حسا ومعنى فالحس قاصر لا يقوي قوة الظل المعنوي للصورة المعنوية لأنه يستدعي نورا مقيدا لما في الحس من التقييد والضيق وعدم الاتساع ولهذا نبهنا على الظل المعنوي بما جاء في الشرع من أن السلطان ظل الله في الأرض فقد بان لك أن بالظلالات عمرت الأماكن فهنا قد ذكرنا طرفا مما يليق بهذا الباب ولم نمعن فيه مخافة التطويل وفيما أوردناه كفاية لمن تنبه إن كان ذا فهم سليم وتذكرة لمن شاهد وعلم واشتغل بما هو أعلى أو غفل بما هو أنزل فيرجع إلى ما ذكرناه عند ما ينظر في هذا الباب‏

(فصل) [مراتب أهل الفترة]

وأما مرتبة العالم الذي بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم وهم أهل الفترة فهم على مراتب مختلفة بحسب ما يتجلى لهم من الأسماء عن علم منهم بذلك وعن غير علم فمنهم من وحد الله بما تجلى لقلبه عند فكره وهو صاحب الدليل فَهُوَ عَلى‏ نُورٍ من رَبِّهِ ممتزج بكون من أجل فكره فهذا يبعث أمة وحده كقُسِّ بن ساعدة وأمثاله فإنه ذكر في خطبته ما يدل على ذلك فإنه ذكر المخلوقات واعتباره فيها وهذا هو الفكر ومنهم من وحد الله بنور وجده في قلبه لا يقدر على دفعه من غير فكرة ولا روية ولا نظر ولا استدلال فهم على نور من ربهم خالص غير ممتزج بكون فهؤلاء يحشرون أخفياء أبرياء ومنهم من ألقى في نفسه وأطلع من كشفه لشدة نوره وصفاء سره لخلوص يقينه على منزلة محمد



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!