في معرفة النفس بفتح الفاء
وهو الباب 198 من الفتوحات المكية
[نسيم الأرواح ونسيم الرياح]
![]() |
![]() |
[4] - [نسيم الأرواح ونسيم الرياح]
وقد رأينا من رجال الروائح جماعة وكان عبد القادر الجيلي منهم يعرف الشخص بالشم أخبرني صاحبي أبو البدر عنه إن ابن قائد الأواني جاء إليه وكان ابن قائد يرى لنفسه حظا في الطريق فأخذ عبد القادر يشمه نحو ثلاث مرات ثم قال له لا أعرفك فكان ذلك تربية في حقه فعلت همة ابن قائد إلى أن التحق بالإفراد والنفس أبدا أكثر ما يظهر حكمه في المحبين العشاق هو مقامهم ومرتبتهم ويضيفون ذلك إلى نفس الرياح لا إلى نفس الأرواح كما قال بعضهم
ناشدتك الله نسيم الصبا *** من أين هذا النفس الطيب
هل أودعت برداك عند الضحى *** مكان ألقت عقدها زينب
أو ناسمت رياك روض الحمى *** وذيلها من فوقها تسحب
فهات أ تحفني بأخبارها *** فعهدك اليوم بها أقرب
هذه الأبيات على لطافتها ورقتها من أكثف ما قيل في عشق الأرواح لأن نسيم الأرواح ألطف من نسيم الرياح لأنها بعيدة المناسبة عن عالم الطبيعة والرياح ليست كذلك فالأرواح إذا تنسمت لا تسوق إلا طيبا فإنها تهب من الحضرة الذاتية من الغيب الأقدس فلا تأتي إلا بكل طيب وطيبة والرياح ليست كذلك لأنها من عالم الطبيعة فإن مرت على خبيث جاءت بخبيث وإن مرت بطيب جاءت بطيب ونسيم الأرواح إذا مر بخبيث رده طيبا وإذا مر بطيب زاده طيبا فلو كان هذا القائل عاشقا حقيقة لا يتكلم بدعوى زور لم يجعل الطيب من زينب وإن كانت طيبة فلو ذكر أن طيبها زاد به طيب المكان طيبا وجعل محبوبته تنم بأسرارها الرياح فليست بمنيعة الحمى وعالم الطبيعة يخترقها وهو الريح وأخذ يهجو الريح حيث تعجب من أين له هذا النفس الطيب فلو ساق الطيب بطريق المفاضلة بأن يقول من أين هذا النفس الأطيب فإنه لم يكن الريح بأمر زائد على نفس محبوبته إذا حققت لأنها عين الطيب حيث ظهر طيب وسألني بعض أصحابي أن أشرح له هذه الأبيات لو قالها عارف من المحبين الإلهيين فأجبته إلى ذلك
فأنا أشرحها إن شاء الله ثم أعود إلى الكلام على تحقيق النفس في هذا الباب فنقول والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
![]() |
![]() |





