في معرفة النفس بفتح الفاء
وهو الباب 198 من الفتوحات المكية
[أن الله تعالى تسمى بالظاهر والباطن]
![]() |
![]() |
[3] - [أن الله تعالى تسمى بالظاهر والباطن]
ثم اعلم بعد هذا أن الحق تسمى بالظاهر والباطن فالظاهر للصور التي يتحول فيها والباطن للمعنى الذي يقبل ذلك التحول والظهور في تلك الصور فهو عالم الغيب من كونه الباطن والشهادة من كونه الظاهر وقد أعلمتك أن العالم نسخة إلهية على صورة حق ولذلك قلنا علم الله بالأشياء علمه بنفسه فلذلك حكمنا عليه بالصورة
وبذا وردت الأسماء الإلهية وورد في الصحيح
أن الله خلق آدم على صورته
وهو الإنسان الكامل المختصر الظاهر بحقائق الكون كله حديثه وقديمه وجعل سبحانه النفس بخرج من القلب للأمر الذي قد علم وقررناه فيجد المخارج إذا قصد المتنفس الكلام وإن لم يقصد الكلام كان النفس بالحرف الهاوي خاصة وما هو عندنا من الحروف وهو يهوى على ثلاث مراتب هويا ذاتيا يعبر عنه بالألف وهو المسمى عند القراء الحرف الهاوي فإذا مر بالأرواح العلوية في هويه حدث له منها واو العلة وهو امتداد الهواء من المتنفس عن ضم الحرف وهو إشباع حركة الضم وإذا مر بالأجسام الطبيعية السفلية في هويه حدث له من ذلك ياء العلة وهو امتداد الهواء من المتنفس عن خفض الحرف وهو إشباع حركة الخفض لأن الخفض من العالم الأسفل وما لهذا النفس في هويه أكثر من هذه الثلاث المراتب فاعلم ذلك فحدثت رسالة الملك بالواو المضموم ما قبلها وحدثت رسالة البشر بالياء المكسور ما قبلها وكان الألف على الأصل عن الله وهو سبب الأسباب كلها ولما ذكر الله عن نفسه أنه الظاهر وأنه الباطن وأن له كلاما وكلمات ذكر أن له نفسا من الاسم الرحمن الذي به استوى على العرش فاسأل به خبيرا وهو العارف من عباد الله من نبي وغيره ممن شاء الله من عباده لأنه قال يُؤْتِي الْحِكْمَةَ من يَشاءُ فنكر الأمر ولم يعرفه فهو نكرة في معرفة يعلمها هو لا غيره لأن الأمور معينة عنده مفصلة ليس في حقه إجمال ولا يصح ولا مبهم مع علمه بالمجمل في حق من يكون في حقه الأمر مجملا ومبهما وغير ذلك فلما علمنا أن له نفسا وأنه الباطن وأن له كلاما وأن الموجودات كلماته علمنا أن الله ما أعلمنا بذلك إلا لنقف على حقائق الأمور بأنا على الصورة فنقبل جميع ما تنسبه الألوهة إليها على ألسنة رسلها وكتبها المنزلة وجعل النطق في الإنسان على أتم الوجود فجعل له ثمانية وعشرين مقطعا للنفس يظهر في كل مقطع حرفا معينا ما هو عين الآخر ميزه المقطع مع كونه ليس غير النفس فالعين واحدة من حيث إنها نفس وكثيرة من حيث المقاطع وجعلها ثمانية وعشرين لأن العالم على ثمانية وعشرين من المنازل التي تجول السيارة فيها وفي بروجها وهي أمكنتها من الفلك المستدير كأمكنة المخارج للنفس لإيجاد العالم وما يصلح له ولكل عالم أعطت هذه المقاطع التي أظهرت أعيان الحروف ثم قسم هذه المقاطع إلى ثلاثة أقسام قسم أقصى عن الطرف الأقصى الآخر فالأقصى الواحد يسمى حروف الحلق وهو على طبقات والأقصى الثاني حروف الشفتين وما بينهما حروف الوسط فإن الحضرة الإلهية على ثلاث مراتب باطن وطاهر ووسط وهو ما يتميز به الظاهر عن الباطن وينفصل عنه وهو البرزخ فله وجه إلى الباطن ووجه إلى الظاهر بل هو الوجه عينه فإنه لا ينقسم وهو الإنسان الكامل أقامه الحق برزخا بين الحق والعالم فيظهر بالأسماء الإلهية فيكون حقا ويظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقا وجعله على ثلاث مراتب عقل وحس وهما طرفان وخيال وهو البرزخ الوسط بين المعنى والحس فلما عرفنا الله أنه باطن وظاهر وله نفس وكلمة وكلمات نظرنا ما ظهر من ذلك ولم ينسب إلى ذاته النفس وما يحدث عنه فقلنا عين النفس هو العماء فإن نفس المتنفس المقصود بالعبارة عنه ما يتنزل منزلة الريح وإنما يتنزل منزلة البخار فالنفس هذا حقيقته حيث كان فكان عنه العماء كما يحدث العماء عن بخار رطوبات الأركان فيصعد ويعلو فيظهر منه العماء أولا ثم بعد ذلك يكثف والهواء يحمله والريح تسوقه فما هو عين الهواء وإنما هو عين البحار ولذلك
جاء في صفة العماء الذي كان فيه ربنا قبل خلق الخلق إنه عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء
فذكر أن له الفوق وهو كون الحق فيه والتحت وهو كون العالم فيه فلم يكن ثم غير نفس الحق ففيه يكون الهواء وجرت الرياح ما بين زعزع ورخاء وهي الحروف الشديدة والرخوة وظهر عن هذا النفس أصوات الرعود كالحروف المجهورة وهبوب النسيم وهي الحروف المهموسة وظهرت الطباق في الأفلاك كالحروف المطبقة من تنفس الإنسان بالقول إذا قصده وهو في الإلهيات إذا أردناه أن نقول له كن فالحروف المطبقة في النفس الإلهي وجود سبع سماوات طباقا وكل موجود في العالم على جهة الانطباق وأبرز في هذا النفس الإلهي افتتاح الوجود بالكون إذ كان ولا شيء معه وجعلها في المتنفس حقيقة الحروف المنفتحة ثم لما أوجد العالم وفتح صورته في العماء وهو النفس الذي هو الحق المخلوق به مراتب العالم وأعيانه وأبان منازله جعل منه عالم الأجسام كالحروف المنسفلة لأنها من جانب الطبيعة وهو حد الكون الظلم وجعل منه عالم الأرواح وهو الحروف المستعلية في المتنفس بالنفس الإنساني
وكل ذلك كلمات العالم فتسمى في الإنسان حروفا من حيث آحادها وكلمات من حيث تركيبها كذلك أعيان الموجودات حروف من حيث آحادها وكلمات من حيث امتزاجاتها وجعل في النفس الإلهي علة الإيجاد من جانب الرحمة بالخلق ليخرجهم من شر العدم إلى خير الوجود فكان بالحرف الهاوي ثم أبان لهم أيضا بوجود ما يؤدي إلى السعادة ببعثة الرسول الملكي والبشرى إرسال رحمة فكانت حروف اللين في المتنفس الإنساني ثم أوجد في هذا النفس الصوت عند خروجه من الباطن إلى الظاهر بطريق الوحي الذي شبهه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم سلسلة على صفوان فكان في تنفس الإنسان حروف الصفير ثم انفش ذلك النفس الإلهي على أعيان العالم الثابتة ولا وجود لها فكان مثل ذلك في الكلام الإنساني حروف التفشي ثم إن النفس الإلهي استطالت عليه الأكوان بالدعوى والتحكم حيث عددت وكثرت ما هو أحدي العين وهو في نفس المتنفس الإنساني الحرف المستطيل وهو الضاد وحده لأنه طال حتى أدرك مخرج اللام ثم إن هذا النفس الإلهي في إيجاد الشرائع قد جعل طريقا مستقيما وخارجا عن هذه الاستقامة المعينة ويسمى ذلك تحريفا وهو قوله يُحَرِّفُونَهُ من بَعْدِ ما عَقَلُوهُ مع كونه إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ يقول وإن تعدد فالنفس يجمعه فسمى ذلك التحريف في نفس المتنفس الإنساني الحرف المنحرف فخالط أكثر الحروف وهو اللام وليس لغيره هذه المرتبة وهو كبعض الأحكام الذي تجتمع فيه الشرائع ثم إنه ظهر في النفس الإلهي في الصور الأمثال فلم يقع التمييز فتخيل فيه التكرار والحقيقة تعطي أنه لا تكرار فظهر في عالم الحروف البشرية الحرف المكرر وهو الراء فإذا كان النفس يحمل الروائح فيعرف أن خروجه على المشام وهو المسمى في الحروف في النطق الإنساني حروف الغنة لأنها من الخيشوم وتمت مراتب الحروف بكمالها والحمد لله انتهى الجزء الثامن عشر ومائة
( (بسم الله الرحمن الرحيم))
![]() |
![]() |





