Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة أسرار أهل الإلهام المستدلين ومعرفة علم إلهى فاض على القلب ففرق خواطره وشتتها

(الباب الثامن والخمسون) في معرفة أسرار أهل الإلهام‏

المستدلين ومعرفة علم إلهي فاض على القلب ففرق خواطره وشتتها

إذا أعطاك بالإلهام علما *** تحققه فأنت به سعيد

كمثل النحل مختلف المعاني *** قوي في مبانيه سديد

فتلقى طيبا عن طيب أصل *** وأنت لحالها أبدا شهيد

وفي الأشجار والشم الرواسي *** لها من فعلها قصر مشيد

فلا تعجزك للعلياء نحل *** وأنت السيد الندب الجليد

فمنك القصد خيرا واختيارا *** كما لك في منازلك القصود

فحقق والتمس علما وحيدا *** كمثلك إنك الخلق الجديد

[معرفة الله من طريقى العقل والنقل‏]

اعلم أيدك الله بروح منه أن الله عز وجل أمرنا بالعلم بوحدانيته في ألوهيته غير أن النفوس لما سمعت ذلك منه مع كونها قد نظرت بفكرها ودلت على وجود الحق بالأدلة العقلية بل بضرورة العقل بعلم وجود الباري تعالى ثم دلت على توحيد هذا الموجود الذي خلقها وأنه من المحال أن يوجد واجبا الوجود لنفسه ولا ينبغي أن يكون إلا واحدا ثم استدلوا على ما ينبغي أن يكون عليه من هو واجب الوجود لنفسه من النسب التي ظهر عنه بها ما ظهر من الممكنات ودل على إمكان الرسالة ثم جاء الرسول وأظهر من الدلائل على صدقه أنه رسول من الله إلينا فعرفنا بالأدلة العقلية أنه رسول الله فلم نشك وقام لنا الدليل العقلي على صدق ما يخبر به فيما ينسب إليه ورآه قد أتى في أخباره عنه تعالى بنسب وأمور كان الدليل العقلي يحيلها ويرمي بها فتوقف العقل وأنهم معرفته وقدح في دليله هذا الإنباء الإلهي بما نسبه لنفسه ولا يقدر على تكذيب المخبر

[معرفة من طريق النقل ليست عين معرفة الله من طريق العقل‏]

ثم كان من بعض ما قال له هذا الشارع اعرف ربك وهذا العاقل لو لم يعلم ربه الذي هو الأصل المعول عليه ما صدق هذا الرسول فلا بد أن يكون العلم الذي طلب منه الرسول أن يعلم به ربه غير العلم الذي أعطاه دليله وهو أن يتعمل في تحصيل علم من الله بالله يقبل به على بصيرة هذه الأمور التي نسبها الله إلى نفسه ووصف نفسه بها التي أحالها العقل بدليله فانقدح له بتصديقه الرسول إن ثم وراء العقل وما يعطيه بفكره أمرا آخر يعطي من العلم بالله ما لا تعطيه الأدلة العقلية بل تحيله قولا واحدا

[المعرفة النقلية وراء طور العقل‏]

فإذا علمه بهذه القوة التي عرف أنها وراء طور العقل هل يبقى له الحكم فيما كان يحيله العقل من حيث فكره أولا على ما كان عليه أم لا يبقى فإن لم يبق له الحكم بأن ذلك محال فلا بد أن يعثر على الوجه الذي وقع له منه الغلط بلا شك وأن ذلك الذي اتخذه دليلا على إحالة ذلك على الله لم يكن دليلا في نفس الأمر وإذا كان هذا فما ذلك الأمر مما هو وراء طور العقل فإن العقل قد يصيب وقد يخطئ وإن بقي للعقل بعد كشفه وتحقيقه لصحة هذا الأمر الذي نسبه الله لنفسه ووصف به نفسه وقبلته عقول الأنبياء وقبله عقل هذا المكاشف بلا شك ولا ريب ومع هذا فإنه يحكم على الله بأن ذلك الأمر محال عقلا من حيث فكره لا من حيث قبوله وحينئذ يصح أن يكون ذلك المقام وراء طور العقل من جهة أخذه عن الفكر لا من جهة أخذه عن الله‏

[عجبا للعقل يتبع فكره ولا يتبع ربه‏]

هذا ومن أعجب الأمور عندنا إن يكون الإنسان يقلد فكره ونظره وهو محدث مثله وقوة من قوى الإنسان التي خلقها الله فيه وجعل تلك القوة خديمة للعقل ويقلدها العقل فيما تعطيه هذه القوة ويعلم أنها لا تتعدى مرتبتها وأنها تعجز في نفسها عن إن يكون لها حكم قوة أخرى مثل القوة الحافظة والمصورة والمتخيلة والقوي التي هي الحواس من لمس وطعم وشم وسمع وبصر ومع هذا القصور كله يقلدها العقل في معرفة ربه ولا يقلد ربه فيما يخبر به عن نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا من أعجب ما طرأ في العالم من الغلط

[حدود آفاق العقل من حيث قواه الظاهرة والباطنة]

وكل صاحب فكر تحت حكم هذا الغلط بلا شك إلا من نور الله بصيرته فعرف إن الله قد أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ فأعطى السمع خلقه فلا يتعدى إدراكه وجعل العقل فقيرا إليه يستمد منه معرفة الأصوات وتقطيع الحروف وتغيير الألفاظ وتنوع اللغات فيفرق بين صوت الطير وهبوب الرياح وصرير الباب وخرير الماء وصياح الإنسان ويعار الشاة وثؤاج الكباش وخوار البقر ورغاء الإبل وما أشبه هذه الأصوات كلها ولبس في قوة لعقل من حيث ذاته إدراك‏

شي‏ء من هذا ما لم يوصله إليه السمع وكذلك القوة البصرية جعل الله العقل فقيرا إليها فيما توصله إليه من المبصرات فلا يعرف الخضرة ولا الصفرة ولا الزرقة ولا البياض ولا السواد ولا ما بينهما من الألوان ما لم ينعم البصر على العقل بها وهكذا جميع القوي المعروفة بالحواس ثم إن الخيال فقير إلى هذه الحواس فلا يتخيل أصلا إلا ما تعطيه هذه القوي ثم إن القوة الحافظة إن لم تمسك على الخيال ما حصل عنده من هذه القوي لا يبقى في الخيال منها شي‏ء فهو فقير إلى الحواس وإلى القوة الحافظة ثم إن القوة الحافظة قد تطرأ عليها موانع تحول بينها وبين الخيال فيفوت الخيال أمور كثيرة من أجل ما طرأ على القوة الحافظة من الضعف لوجود المانع فافتقر إلى القوة المذكرة فتذكره ما غاب عنه فهي معينة للقوة الحافظة على ذلك ثم إن القوة المفكرة إذا جاءت إلى الخيال افتقرت إلى القوة المصورة لتركب بها مما ضبطه الخيال من الأمور صورة دليل على أمر ما وبرهان تستند فيه إلى المحسوسات أو الضرورات وهي أمور مركوزة في الجبلة فإذا تصور الفكر ذلك الدليل حينئذ يأخذه العقل منه فيحكم به على المدلول وما من قوة إلا ولها موانع وأغاليط فيحتاج إلى فصلها من الصحيح الثابت فانظر يا أخي ما أفقر العقل حيث لا يعرف شيئا مما ذكرناه إلا بوساطة هذه القوي وفيها من العلل ما فيها فإذا أنفق للعقل أن يحصل شيئا من هذه الأمور بهذه الطرق ثم أخبره الله بأمر ما توقف في قبوله وقال إن الفكر يرده فما أجهل هذا العقل بقدر ربه كيف قلد فكره وجرح ربه‏

[طريق العقل إلى الله من جهة الشرع أقرب إليه من جهة الفكر]

فقد علمنا إن العقل ما عنده شي‏ء من حيث نفسه وأن الذي يكتسبه من العلوم إنما هو من كونه عنده صفة القبول فإذا كان بهذه المثابة فقبوله من ربه لما يخبر به عن نفسه تعالى أولى من قبوله من فكره وقد عرف أن فكره مقلد لخياله وأن خياله مقلد لحواسه ومع تقليده فهو غير قوي على إمساك ما عنده ما لم تساعده على ذلك القوة الحافظة والمذكرة ومع هذه المعرفة بأن القوي لا تتعدى خلقها وما تعطيه حقيقتها وأنه بالنظر إلى ذاته لا علم عنده إلا الضروريات التي فطر عليها لا يقبل قول من يقول له إن ثم قوة أخرى وراءك تعطيك خلاف ما أعطتك القوة المفكرة نالها أهل الله من الملائكة والأنبياء والأولياء ونطقت بها الكتب المنزلة فاقبل منها هذه الأخبار الإلهية فتقليد الحق أولى وقد رأيت عقول الأنبياء على كثرتهم والأولياء قد قبلتها وآمنت بها وصدقتها ورأت أن تقليدها ربها في معرفة نفسه أولى من تقليد أفكارها فما لك أيها العاقل المنكر لها لا تقبلها ممن جاء بها ولا سيما عقول تقول إنها في محل الايمان بالله ورسله وكتبه‏

[الرياضيات والخلوات والمجاهدات وأثرها في المعرفة الحقيقية]

ولما رأت عقول أهل الايمان بالله تعالى إن الله قد طلب منها أن تعرفه بعد أن عرفته بأدلتها النظرية علمت إن ثم علما آخر بالله لا تصل إليه من طريق الفكر فاستعملت الرياضات والخلوات والمجاهدات وقطع العلائق والانفراد والجلوس مع الله بتفريغ المحل وتقديس القلب عن شوائب الأفكار إذ كان متعلق الأفكار الأكوان واتخذت هذه الطريقة من الأنبياء والرسل وسمعت أن الحق جل جلاله ينزل إلى عباده ويستعطفهم فعلمت إن الطريق إليه من جهته أقرب إليه من الطريق من فكرها ولا سيما أهل الايمان وقد سمعت‏

قوله تعالى من أتاني يسعى أتيته هرولة

وإن قلبه وسع جلال الله وعظمته فتوجه إليه بكله وانقطع من كل ما يأخذ عنه من هذه القوي فعند هذا التوجه أفاض الله عليه من نوره علما إلهيا عرفه بأن الله تعالى من طريق المشاهدة والتجلي لا يقبله كون ولا يرده ولذلك قال إِنَّ في ذلِكَ يشير إلى العلم بالله من حيث المشاهدة لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ولم يقل غير ذلك‏

[القلب كقوة وراء طور العقل تصل العبد بالرب‏]

فإن القلب معلوم بالتقليب في الأحوال دائما فهو لا يبقى على حالة واحدة فكذلك التجليات الإلهية فمن لم يشهد التجليات بقلبه ينكرها فإن العقل يقيد وغيره من القوي إلا القلب فإنه لا يتقيد وهو سريع التقلب في كل حال ولذا

قال الشارع إن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء

فهو يتقلب بتقلب التجليات والعقل ليس كذلك فالقلب هو القوة التي وراء طور العقل فلو أراد الحق في هذه الآية بالقلب أنه العقل ما قال لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ فإن كل إنسان له عقل وما كل إنسان يعطي هذه القوة التي وراء طور العقل المسماة قلبا في هذه الآية فلذلك قال لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ فالتقليب في القلب نظير التحول الإلهي في الصور فلا تكون معرفة الحق من الحق إلا بالقلب لا بالعقل ثم يقبلها العقل من القلب كما يقبل من الفكر فلا يسعه سبحانه إلا أن يقلب ما عندك ومعنى قلب ما عندك هو أنك علقت المعرفة به عز وجل وضبطت عندك في علمك أمرا ما وأعلى أمر ضبطته في‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!