الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
| الباب: | فى معرفة منزل تجديد المعدوم وهو من الحضرة الموسوية | |
|
ينبغي الاتفاق وفيما ذا ينبغي الاختلاف وهل للاختلاف وجه إلى الموافقة أم لا وعلم السبب الذي منه تنبأ من ليس بنبي وهو المتنبئ وعلم سبب السهو في العالم وعلم الفتن والملاحم وعلم صورة الأخذ من الله كيف يكون على الكشف وما أنتجه في الآخذين من أعمالهم في زمان التكليف وعلم المسامرة بعد إعطاء الحقوق وعلم الستر والتجلي في بعض المواطن وعلم أداء الحقوق ومن يؤدي بعد طلب صاحب الحق حقه ومن يبادر به وعلم علامات اليقين وعلم أينيات الأشياء ويتميز كل أين بتميز الشيئية التي تطلبه وعلم التشبيه بين الأشياء للروابط التي تجمعها والوجوه وإن فرقتها أمور أخر فحكم الجامع لا يزول كما إن حكم الفارق لا يزول فإنه الحكم المقوم لذات الشيء وعلم حقوق الزائرين وعلم سبب تقديم السلام على تقديم الطعام للضيف النازل وتقديم الطعام قبل الكلام وعلم ما يتعين على الضيف أن يقوله ويعرف به صاحب المنزل وما لا يتعين عليه وعلم الرسالة وظهور الملك في صورة البشر عند أداء الرسالة ما سببه في بعض الأحوال دون بعض وعلم الرسالة البشرية وعلم الأخذات الإلهية وعلم تأثير القوة هل يؤثر في قوى أو ضعيف مطلق أو ضعيف إضافي وعلم التمهيد والسياسات والنواميس والشرائع وعلم النتاج والإنتاج بين الزوجين وعلم ما طلب الحق من عباده على الإطلاق والعموم وعلى التقييد «الباب الرابع والثلاثون وثلاثمائة في معرفة منزل تجديد المعدوم وهو من الحضرة الموسوية»هوى النور فارتدت عقول كثيرة *** عن الحق لما أن تحققت الهوى وجاء بحب لا يشوب صفاءه *** من الرنق ما يعميه في موقف السوي وأثبته النعت الودود بذاته *** فقام خطيبا بين مروة والصفا وقال أنا العشق الذي سجدت له *** جباه لعشاق وأوجهها العلا [أن تجديد المعدوم لا يكون إلا في المعدوم الإضافي]اعلم أيدك الله أن تجديد المعدوم لا يكون إلا في المعدوم الإضافي كعدم زيد الذي كان في الدار فعاد إلى الدار بعد ما كان معدوما عنها بوجوده في السوق قال تعالى في هذا المقام ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فكان محدثا عندهم لا في عينه وأما في الأعراض فهل ترد بأعيانها بعد عدمها أو هي أمثالها لا أعيانها ففي إمكان النظر العقلي أنه لا يحيل رجوعها في أعيانها بعد عدمها فيكون عين الحركة من المتحرك إذا التحقت بالعدم ثم أعقبها السكون ثم تحرك ذلك الساكن في زمان آخر يمكن أن يكون تحريكه عين حكم تلك الحركة أوجدها الحق بعد عدمها أو زمان عدمها بكونه خلقها في متحرك آخر غير ذلك المحل فيكون ذلك تجديد الوجود عليها فتنصف بالوجود مرتين أو مرارا وهذا في الكشف لا يكون للاتساع الإلهي فلا يتكرر شيء أصلا فهو في خلق جديد لا في تجديد فإذا أطلق على الجديد اسم التجديد فلما يعطيه الشبه القوي الذي يعسر ميزه وفصله عن مثله فيتخيل لوجود الإمكان في النظر العقلي أنه عين ما انعدم جدد الحق عليه الوجود ويقال في الليل والنهار الجديدان لا المتجددان فما هو يوم السبت يوم الأحد ولا هو يوم السبت من الجمعة الأخرى ولا هو من الشهر ولا من السنة الأخرى ولا واحد الأحد عشر المركب من العشرة والواحد الذي كان واحدا في أول العدد والعشرة التي انتهى إليها العدد وحينئذ ظهر التركيب بل هذا واحد مثله وعشرة مثلها ولهما حقيقة واحدة هي أحدية الأحد عشر والواحد والعشرين والواحد والثلاثين وكل ما ظهر من واحد مركب ما هو عين الواحد الآخر المركب ولا هو عين الواحد البسيط تركب بل هو أحد عشر لنفسه حقيقة واحدة وكذلك واحد وعشرون وواحد ومائة وواحد وألف كل واحد مع ما أضيف إليه عين واحدة ما هو مركب من أمرين فاعلم ذلك فإنه علم نافع في الإلهيات لما فيها من الأسماء والصفات المقولة على الذات المعقول منها كونها كذا ما هو عين كونها كذا فتعرف من هذا من تجلى لك في كل تجل ولهذا قالت الطائفة من أهل الأذواق إن الله ما تجلى في صورة واحدة مرتين ولا في صورة واحدة لشخصين فهو في كل يوم من أيام الأنفاس التي هي أصغر الأيام في شأن بل في شئون فمن علم سعة الله علم سعة رحمته فلم يدخلها تحت الحجر ولا قصرها على موجود دون موجود [أن القرآن مجدد الإنزال على قلوب التالين له دائما]واعلم أيدنا الله وإياك أن القرآن مجدد الإنزال على قلوب التالين له دائما أبدا لا يتلوه من يتلوه إلا عن تجديد تنزل من الله الحكيم الحميد وقلوب التالين لنزوله عرش يستوي عليها في نزوله إذ أنزل وبحسب ما يكون عليه القلب المتخذ عرشا لاستواء القرآن عليه من الصفة يظهر القرآن بتلك الصفة في نزوله وذلك في حق بعض التالين وفي حق بعضهم تكون الصفة للقرآن فيظهر عرش القلب بها عند نزوله عليه سئل الجنيد رضي الله عنه عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه ولو سئل عارف عن القرآن والقلب المنزل عليه لأجاب بمثل هذا الجواب [القرآن المطلق للعرش المطلق]واعلم أن الله نعت العرش بما نعت به القرآن فجاء القرآن مطلقا من غير تقييد وجاء ذكر العرش مطلقا من غير تقييد فالقرآن المطلق للعرش المطلق أو العرش المطلق للقرآن المطلق بحسب ما يقع به الشهود من المؤثر والمؤثر فيه والعرش المقيد بما قيد به القرآن فقرآن عظيم لعرش عظيم وقرآن كريم لعرش كريم وقرآن مجيد لعرش مجيد فكل قرآن مستو على عرشه بالصفة الجامعة بينهما فلكل قلب قرآن من حيث صفته مجدد الإنزال لا مجدد العين والدرجات الرفيعة لذي العرش كالآيات والسور للقرآن فأما القرآن المطلق فمثل قوله شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ والعرش المطلق في قوله رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ فالقلب ترتفع درجاته بارتفاع درج آيات القرآن ولهذا يقال لقارئ القرآن يوم القيامة اقرأ وارق كما كنت تقرأ وينتهي بالرقي إلى آخر آية ينتهي إليها بالقراءة والدرجات عين المنازل فإذا نزل القرآن على قلب عبد وظهر فيه حكمه واستوى عليه بجميع ما هو عليه مطلقا وكان خلقا لهذا القلب كان ذلك القلب عرشا له سألت عائشة عن خلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقالت كان خلقه القرآن فما من آية في القرآن إلا ولها حكم في قلب هذا العبد لأن القرآن لهذا نزل ليحكم لا ليحكم عليه فكان عرشا له مطلقا كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في تلاوته القرآن إذا مر بآية نعيم حكمت عليه بأن يسأل الله من فضله فكان يسأل الله من فضله وإذا مر بآية عذاب ووعيد حكمت عليه بالاستعاذة فكان يستعيذ وإذا مر بآية تعظيم لله حكمت عليه بأن يعظم الله ويسبحه بالنوع الذي أعطته تلك الآية من الثناء على الله وإذا مر بآية قصص وما مضى من الحكم الإلهي في القرون قبله حكمت عليه بالاعتبار فكان يعتبر وإذا مر بآية حكم حكمت عليه إن يقيم في نفسه من يوجه عليه ذلك الحكم فيحكم عليه به فكان يفعل ذلك وهذا هو عين التدبر لآيات القرآن والفهم فيه ومتى لم يكن التالي حاله في تلاوته كما ذكرنا فما نزل على قلبه القرآن ولا كان عرشا لاستوائه لأنه ما استوى عليه بهذه الأحكام وكان نزول هذا القرآن أحرفا ممثلة في خياله كانت حصلت له من ألفاظ معلمه إن كان أخذه عن تلقين أو من حروف كتابته إن كان أخذه عن كتابة فإذا أحضر تلك الحروف في خياله ونظر إليها بعين خياله ترجم اللسان عنها فتلاها من غير تدبر ولا استبصار بل لبقاء تلك الحروف في حضرة خياله وله أجر الترجمة لا أجر القرآن ولم ينزل على قلبه منه شيء كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في حق قوم من حفاظ حروف القرآن يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم أي ينزل من الخيال الذي في مقدم الدماغ إلى اللسان فيترجم به ولا يجاوز حنجرته إلى القلب الذي في صدره فلم يصل إلى قلبه منه شيء وقال فيهم إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا ترى فيه أثرا من دم الرمية وكلامنا ليس هو مع من هذه صفته من التالين وليس التالي إلا من تلاه عن قلبه والقرآن صفة ربه وصفة ذاته والقلب المؤمن به التقى الورع قد وسعه فهذا هو العرش الذي وسع استواء الحق الذي هو رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ وما أحسن ما نبه الله على صاحب هذا المقام الذي كان قلبه عرشا للقرآن ذوقا وتجليا فيعلم لذوقه وخبرته اتصاف الرحمن بالاستواء على العرش ما معناه وأمر من ليس يعلم ذلك أن يسأل من يعلمه علم خبرة من نفسه لا علم تقليد فقال تعالى ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا أي فالمسئول الذي هو بهذه الصفة من الخبرة يعلم الاستواء كما يعلمه العرش الذي استوى عليه الرحمن لأن قلبه كان عرشا لاستواء القرآن كما قررناه فانظر ما أعجب تعليم الله عباده المتقين الذي قال فيهم إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً واتَّقُوا الله ويُعَلِّمُكُمُ ومعناه أن يفهمكم الله معاني القرآن فتعلموا مقاصد المتكلم به لأن فهم كلام المتكلم ما هو بأن يعلم وجوه ما تتضمنه تلك الكلمة بطريق الحصر مما تحوي عليه مما تواطأ عليه أهل ذلك اللسان وإنما الفهم أن يفهم ما قصده المتكلم بذلك الكلام هل قصد جميع الوجوه التي يتضمنها ذلك الكلام أو بعضها فينبغي لك أن تفرق بين الفهم للكلام أو الفهم عن المتكلم وهو المطلوب فالفهم عن المتكلم ما يعلمه لا من نزل القرآن على قلبه وفهم الكلام للعامة فكل من فهم من العارفين عن المتكلم فقد فهم الكلام وما كل من فهم الكلام فهم عن المتكلم ما أراد به على التعيين إما كل الوجوه أو بعضها فقد نبهتك على أمر إذا تعملت في تحصيله من الله حصلت على الخير الكثير وأوتيت الحكمة جعلنا الله ممن رزق الفهم عن الله فنزول القرآن على القلب بهذا الفهم الخاص هي تلاوة الحق على العبد والفهم عنه فيه تلاوة العبد على الحق وتلاوة العبد على الحق عرض الفهم عنه ليعلم أنه على بصيرة في ذلك بتقرير الحق إياه عليه ثم يتلوه باللسان على غيره بطريق التعليم أو يذكره لنفسه لاكتساب الأجر وتجديد خلق فهم آخر لأن العبد المنور البصيرة الذي هو عَلى نُورٍ من رَبِّهِ له في كل تلاوة فهم في تلك الآية لم يكن له ذلك الفهم في التلاوة التي قبلها ولا يكون في التلاوة التي بعدها وهو الذي أجاب الله دعاءه في قوله رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فمن استوى فهمه في التلاوتين فهو مغبون ومن كان له في كل تلاوة فهم فهو رابح مرحوم ومن تلا من غير فهم فهو محروم فالآية عنده ثابتة محفوظة والذي يتجدد له الفهم فيها عن الله في كل تلاوة ولا يكون ذلك إلا بإنزال فتارة يحدث إنزاله من الرب الذي ينظر إلى التالي خاصة لا من حضرة مطلق الربوبية وتارة يحدث إنزاله من الرحمن مطلقا لكون الرحمن له الاستواء على العرش المحيط مطلقا وله الرحمة التي وسعت كل شيء فلم يتقيد والرب ليس كذلك فإنه ما ورد الرب في القرآن إلا مضافا إلى غائب أو مخاطب أو إلى جهة معينة أو إلى عين مخصوصة بالذكر أو معين بدعاء خاص لم يرد قط مطلقا مثل الرحمن والاسم الله له حكم الرحمن وحكم الرب فورد مضافا ومطلقا مثل قوله قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ فورد مطلقا ومثل قوله وإِلهُكُمْ فورد مقيدا ولكن بلفظة إله لا بلفظ الله فمن راعى قصد التعريف لم يفرق بين الله والإله ومن راعى حفظ الاسم وحرمته حيث لم يتسم به أحد وتسمى بإله فرق بين اللفظتين وإذا فرق فيكون حكم لفظ الله لا يتقيد فإذا كان حدوثه في الإنزال على القلب من الرب ينزل مقيد أو لا بد فيكون عند ذلك قرآنا كريما أو قرآنا مجيدا أو قرآنا عظيما ويكون القلب النازل عليه بمثل ما نزل عليه من الصفة عرشا عظيما أو عرشا كريما أو عرشا مجيدا وإذا حدث نزوله من الرحمن على القلب لم يتقيد بإضافة أمر خاص فكان القلب له عرشا غير مقيد بصفة خاصة بل له مجموع الصفات والأسماء كما إن الرحمن له الأسماء الحسنى كذلك لهذا العرش النعوت العلى بمجموعها وإنما قلنا ذلك لأنه نزل علينا في الفهم عن الله في القرآن إطلاق القرآن في موضع وتقييده بالعظمة في موضع في قوله ولَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً من الْمَثانِي والْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وقيده في موضع آخر بالمجد فقال بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ وق والْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وقيده في موضع آخر بصفة الكرم فقال تعالى إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فلما أطلقه وقيده بهذه الصفات المعينة وجعل القلب مستواه خلع عليه نعوت القرآن من إطلاق وتقييد فوصف عرش القلب بالإطلاق في قوله ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ ولم يقيد العرش بشيء من الصفات كما لم يصف الرحمن ولما قيد العرش قيده بما قيد به القرآن من الصفات فقال في العظمة رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ فأخذه من القرآن العظيم وقال في الكرم رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ فاستوى عليه القرآن الكريم وقال ذو العرش المجيد في قراءة من خفض وجعله نعتا للعرش فاستوى عليه القرآن المجيد فعظم العرش القلبي ومجد وكرم لعظم القرآن وكرمه ومجده فجاء بثلاثة نعوت للقرآن لما هو عليه الأمر في نفسه من التثليث وقد تقدم الكلام قبل هذا في غير هذا الباب في الاسم الفرد وأن له في المرتبة الأولى التي يظهر فيها وجود عينه مرتبة الثلاثة فهي أول الأفراد فلتنظر هناك رتبة التثليث في العالم وقد تقدم لنا شعر في التثليث في بعض منظومنا نشير به إلى هذا المعنى وهو في ديوان ترجمان الأشواق لنا وأول المقطوعة بذي سلم والدير من حاضري الحمى *** ظباء تريك الشمس في صور الدمي فارقب أفلاكا وأخدم بيعة *** وأحرس روضا بالربيع منمنما فوقتا اسمي راعي الظبي بالفلا *** ووقتا اسمي راهبا ومنجما إلى آخر القصيدة وشرحناها عند شرحنا لديوان ترجمان الأشواق وقد علمت يا ولي حدوث نزول القرآن المطلق على القلب من غير تقييد وإنه الذكر الذي آتاه من الرحمن ولكن ما أعرض عنه كما أعرض من تولى عن ذكره تعالى بل تلقاه بالقبول والترحيب فقال له أهلا وسهلا ومرحبا فرد بتأهيل وسهل ومرحب وجعل قلبه عرشا له فاستوى عليه بحكمه وأما إذا أتاه القرآن من ربه فإنه القرآن المقيد بالصفات التي ذكرناها فيتلقاه أيضا هذا العبد كما تلقاه من الرحمن بأهل وسهل ومرحب ويجعل قلبه عرشا له من حيث تلك الصفة المعينة فيكسوه القرآن صفة ما جاء به من عظمة أو مجد أو كرم فظهرت صورة القرآن في مرآة هذا القلب فوصف القلب بما وصف به القرآن فإن كان نزوله بصفة العظمة أثر في القلب هيبة وجلالا وحياء ومراقبة وحضورا وإخباتا وانكسارا وذلة وافتقارا وانقباضا وحفظا ومراعاة وتعظيما لشعائر الله وانصبغ القرآن كله عنده بهذه الصفة فأورثه ذلك عظمة عند الله وعند أهل الله ولم يجهل أحد من المخلوقات عظمة هذا الشخص إلا بعض الثقلين لأنهم ما سمعوا نداء الحق عليه بالتعريف وقد ورد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال إذا أحب الله عبدا قال لجبريل إني أحب فلانا فيحبه جبريل ثم يأمره أن يعلم بذلك أهل السماء فيقول ألا إن الله تعالى قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء كلهم ثم يوضع له القبول في الأرض ولكن عند من وأين كان قتلة الأنبياء من هذا القبول أخبرنا صاحبنا موسى السدراني وكان صاحب خطوة محمولا قال لما وصلت إلى جبل قاف وهو جبل عظيم طوق الله به الأرض وطوق هذا الجبل بحية عظيمة قد جمع الله رأسها إلى ذنبها بعد استدارتها بهذا الجبل قال موسى فاستعظمت خلقها قال فقال لي صاحبي الذي كان يحملني سلم عليها فإنها ترد عليك قال ففعلت فردت السلام وقالت كيف حال الشيخ أبي مدين فقلت لها وأنى لك بالعلم بهذا الشيخ فقالت وهل على وجه الأرض أحد يجهل الشيخ أبا مدين فقلت لها كثير يستخفونه ويجهلونه ويكفرونه فقالت عجبا لبني آدم إن الله مذ أنزل محبته إلى من في الأرض وإلى الأرض عرفته جميع البقاع والحيوانات وعرفته أنا في جملة من عرفه فما تخيلت أن أحدا من أهل الأرض يبغضه ولا يجهل قدره كما هم أهل السماء في حق من أحبه الله فلما سمعت منه هذه الحكاية قلت أين هذا الأمر من كتاب الله قال لا أدري قلت له لما خلق الله آدم الإنسان الكامل على الصورة أعطاه حكمها في العالم حتى تصح النسبة والنسب فقال تعالى أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ من في السَّماواتِ ومن في الْأَرْضِ فأطلق والشَّمْسُ والْقَمَرُ والنُّجُومُ والْجِبالُ والشَّجَرُ والدَّوَابُّ فعم الأمهات والمولدات وما ترك شيئا من أصناف المخلوقات فلما وصل بالتفصيل إلى ذكر الناس قال وكَثِيرٌ من النَّاسِ ولم يقل كلهم فجعل عبده الصالح المحبوب في الحكم على صورته فأحبه بحب الله جميع من في السموات ومن في الأرض على هذا التفصيل وكثير من الناس لا كلهم فكفروه كما كفروا بالله وشتموه كما شتموا الله تعالى وكذبوه كما كذبوا الله وقد ورد في الحديث الصحيح الإلهي أن الله يقول كذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك الحديث فإذا وجد الإنسان من نفسه هذه الصفة التي ذكرناها عند التلاوة أو استحضار القرآن علم إن القرآن العظيم أتاه من ربه في ذلك الوقت وإذا جلى الله له سبحانه وكشف له عن شرف نفسه بخلقه على صورة ربه وما أعطاه الله من ظهوره بالأسماء الإلهية وما فضله الله به من حيث إنه جعله العين المقصودة ووسع قلبه حتى وسع علما بما تجلى له وكشف له عن منزلته عنده وقبوله لزيادة العلم به دائما وتأهله للترقي في ذلك إلى غير نهاية دنيا وآخرة وما سخر في حقه مما في السموات وما في الأرض جميعا ونظر إلى نظر كل جزء من العالم إليه بعين التعظيم والشغوف عليه ورأى كل العالم في خدمته كما هو في تسبيح ربه لظهوره عندهم في صورة ربه ويظهر هذا كله لهذا الشخص عند التلاوة للقرآن لا غير علم عند ذلك أنه يتلو القرآن المجيد وأنه الذي نزل عليه وأتاه من ربه ولهذا كشف له منزولة شرفه ومجده فاستوى مجيد على مجيد وإذا جلى الله له سبحانه وكشف له عن كرم نفسه بما يؤثر به على نفسه مع وجود الحاجة لما آثر به وسعى في قضاء حوائج الناس من مؤمن وغير مؤمن ونظر جميع العالم بعين الرحمة فرحمه ولم يخص بذلك شخصا من شخص ولا عالما من عالم بل بذل الوسع في إيصال الرحمة إليهم وقبل أعذارهم وتحمل أعباءهم وجهلهم وإذا هم وجازاهم بالإساءة إحسانا وبالذنب عفوا وعن الإساءة تجاوزا وسعى في كل ما فيه راحة لمن سعى له وذلك كله في حال تلاوته علم قطعا أنه يتلو القرآن الكريم فإن هذه صفته وأنه القرآن الذي أتاه من ربه وأن الله يعامله بمثل ما عامل به وأعظم ما يتكرم به العبد ما يتكرم به على الحق بطاعته وامتثال أمره فإن الله يفرح بتوبة عبده فإذا تكرم على الله بمثل هذا فقد أغاظ عدو الله وهذا أعظم الكرم فإن الأخلاق المحمودة لا تحصل للعبد إلا بهذا الطريق الذي |


