[السماع المطلق و السماع المقيد]
و اعلم أن هؤلاء الرجال إنما كان سبب اشتغالهم بمعرفة النية كونهم نظروا إلى الكلمة و فيها فعلموا أنها ما ألفت حروفها و جمعت إلا لظهور نشأة قائمة تدل على المعنى الذي جمعت له في الاصطلاح فإذا تلفظ بها المتكلم فإن السامع يكون همه في فهم المعنى الذي جاءت له فإن بذلك تقع الفائدة و لهذا وجدت في ذلك اللسان على هذا الوضع الخاص و لهذا لا يقول هؤلاء الرجال بالسماع المقيد بالنغمات لعلو همتهم و يقولون بالسماع المطلق فإن السماع المطلق لا يؤثر فيهم إلا فهم المعاني و هو السماع الروحاني الإلهي و هو سماع الأكابر و السماع المقيد إنما يؤثر في أصحابه النغم و هو السماع الطبيعي فإذا ادعى من ادعى أنه يسمع في السماع المقيد بالألحان المعنى و يقول لو لا المعنى ما تحركت و يدعي أنه قد خرج عن حكم الطبيعة في ذلك يعني في السبب المحرك فهو غير صادق و قد رأينا من ادعى ذلك من المتشيخين المتطفلين على الطريقة فصاحب هذه الدعوى إذا لم يكن صادقا يكون سريع الفضيحة و ذلك أن هذا المدعي إذا حضر مجلس السماع فاجعل بالك منه فإذا أخذ القوال في القول بتلك النغمات المحركة بالطبع للمزاج القابل أيضا و سرت الأحوال أ النفوس الحيوانية فحركت الهياكل حركة دورية لحكم استدارة الفلك و هو أعني الدور مما يدلك على إن السماع طبيعي لأن اللطيفة الإنسانية ما هي عن الفلك و إنما هي عن الروح المنفوخ منه و هي غير متحيزة فهي فوق الفلك فما لها في الجسم تحريك دوري و لا غير دوري و إنما ذلك للروح الحيواني الذي هو تحت الطبيعة و الفلك فلا تكن جاهلا بنشأتك و لا بمن يحركك فإذا تحرك هذا المدعي و أخذه الحال و دار أو قفز إلى جهة فوق من غير دور و قد غاب عن إحساسه بنفسه و بالمجلس الذي هو فيه فإذا فرغ من حاله و رجع إلى إحساسه فاسأله ما الذي حركه فيقول إن القوال قال كذا و كذا ففهمت منه معنى كذا و كذا فذلك المعنى حركني فقل له ما حركك سوى حسن النغمة و الفهم إنما وقع لك في حكم التبعية فالطبع حكم على حيوانيتك فلا فرق بينك و بين الجمل في تأثير النغمة فيك فيعز عليه مثل هذا الكلام و يثقل و يقول لك ما عرفتني و ما عرفت ما حركني فاسكت عنه ساعة فإن صاحب هذه الدعوى تكون الغفلة مستولية عليه ثم خذ معه في الكلام الذي يعطي ذلك المعنى فقل له ما أحسن قول اللّٰه تعالى حيث يقول و اتل عليه آية من كتاب اللّٰه تتضمن ذلك المعنى الذي كان حركه من صوت المغني و حققه عنده حتى يتحققه فيأخذ معك فيه و يتكلم و لا يأخذه لذلك حال و لا حركة و لا فناء و لكن يستحسنه و يقول لقد تتضمن هذه الآية معنى جليلا من المعرفة بالله فما أشد فضيحته في دعواه فقل له يا أخي هذا المعنى بعينه هو الذي ذكرت لي أنه حركك في السماع البارحة لما جاء به القوال في شعره بنغمته الطيبة فلأي معنى سرى فيك الحال البارحة و هذا المعنى موجود فيما قد صغته لك و سقته بكلام الحق تعالى الذي هو أعلى و أصدق و ما رأيتك تهتز مع الاستحسان و حصول الفهم و كنت البارحة يتخبطك ﴿اَلشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة:275]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية