﴿وَ مٰا نُنَزِّلُهُ إِلاّٰ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر:21] من اسمه الحكيم فالحكمة سلطانة هذا الإنزال الإلهي و هو إخراج هذه الأشياء من هذه الخزائن إلى وجود أعيانها و هو قولنا في أول خطبة هذا الكتاب الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم و عدمه و عدم العدم وجود فهو نسبة كون الأشياء في هذه الخزائن محفوظة موجودة لله ثابتة لأعيانها غير موجودة لأنفسها فبالنظر إلى أعيانها هي موجودة عن عدم و بالنظر إلى كونها عند اللّٰه في هذه الخزائن هي موجودة عن عدم العدم و هو وجود فإن شئت رجحت جانب كونها في الخزائن فنقول أوجد الأشياء من وجودها في الخزائن إلى وجودها في أعيانها للنعيم بها أو غير ذلك و إن شئت قلت أوجد الأشياء عن عدم بعد أن تقف على معنى ما ذكرت لك فقل ما شئت فهو الموجد لها على كل حال في الموطن الذي ظهرت فيه لأعيانها و أما قوله ﴿مٰا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ﴾ [النحل:96] فهو صحيح في العلم لأن الخطاب هنا لعين الجوهر و الذي عنده أعني عند الجوهر من كل موجود إنما هو ما يوجده اللّٰه في محله من الصفات و الأعراض و الأكوان و هي في الزمان الثاني أو في الحال الثاني كيف شئت قل من زمان وجودها أو حال وجودها تنعدم من عندنا و هو قوله ﴿مٰا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ﴾ [النحل:96] و هو يجدد للجوهر الأمثال أو الأضداد دائما من هذه الخزائن و هذا معنى قول المتكلمين إن العرض لا يبقى زمانين و هو قول صحيح خبر لا شبهة فيه لأنه الأمر المحقق الذي عليه نعت الممكنات و بتجدد ذلك على الجوهر يبقى عينه دائما ما شاء اللّٰه و قد شاء إنه لا يفنى فلا بد من بقائه فيعلم التابع من هذه الحضرة التكوينات الجنانية و جميع ما ذكرناه و أما صاحب النظر رفيق التابع فما عنده خبر بشيء من هذا كله لأنه تنبيه نبوي لا نظر فكري و صاحب النظر مقيد تحت سلطان فكره و ليس للفكر مجال إلا في ميدانه الخاص به و هو معلوم بين الميادين فإنه لكل قوة في الإنسان ميدان يجول فيه لا يتعداه و مهما تعدت ميدانها وقعت في الغلط و الخطاء و وصفت بالتحريف عن طريقها المستقيم و قد يشهد الكشف البصري بما تعثر فيه الحجج العقلية و سبب ذلك خروجها عن طورها فالعقول الموصوفة بالضلال إنما أضلتها أفكارها و إنما ضلت أفكارها لتصرفها في غير موطنها و إنما تصرف ما تصرف منها في غير موطنه و جال في غير ميدانه ليظهر فضل بعض الناس على بعضهم و إنما ظهر الفضل في العالم ليعلم أن الحق له عناية ببعض عباده و له خذلان في بعض عباده و ليعلم أن الممكن لم يخرج عن إمكانه و أن المرجح له نظر خصوصي لمن شاء من هذه القوي بما يشاء
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية