فالمجموع سبعمائة و هم أربعة طوائف رسل و أنبياء و أولياء و مؤمنون فلكل متصدق من هؤلاء الأربعة سبعمائة ضعف من النعيم في عملهم فانظر ما أعجب القرآن في بيانه الشافي و موازنته في خلقه في الدارين الجنة و النار لإقامة العدل على السواء في باب جزاء النعيم و جزاء العذاب فبهذا القدر يقع الاشتراك بين أهل الجنة و أهل النار للتساوي في عدد الدرج و الدرك و يقع الامتياز بأمر آخر و ذلك أن النار امتازت عن الجنة بأنه ليس في النار دركات اختصاص إلهي و لا عذاب اختصاص إلهي من اللّٰه فإن اللّٰه ما عرفنا قط إنه اختص بنقمته من يشاء كما أخبرنا أنه ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشٰاءُ﴾ [البقرة:105] و بفضله فالجنة في نعيمها مخالف لميزان عذاب أهل النار فأهل النار معذبون بأعمالهم لا غير و أهل الجنة ينعمون بأعمالهم و بغير أعمالهم في جنات الاختصاص
[جنات أهل السعادة]
فلأهل السعادة ثلاث جنات جنة أعمال و جنة اختصاص و جنة ميراث و ذلك أنه ما من شخص من الجن و الإنس إلا و له في الجنة موضع و في النار موضع و ذلك لإمكانه الأصلي فإنه قبل كونه يمكن أن يكون له البقاء في العدم أو يوجد فمن هذه الحقيقة له قبول النعيم و قبول العذاب فالجنة تطلب الجميع و الجميع يطلبها و النار تطلب الجميع و الجميع يطلبها فإن اللّٰه يقول ﴿وَ لَوْ شٰاءَ لَهَدٰاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النحل:9] أي أنتم قابلون لذلك و لكن حقت الكلمة و سبق العلم و نفذت المشيئة فلا راد لأمره و ﴿لاٰ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ [الرعد:41] فينزل أهل الجنة في الجنة على أعمالهم و لهم جنات الميراث و هي التي كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة و لهم جنات الاختصاص يقول اللّٰه تعالى ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبٰادِنٰا مَنْ كٰانَ تَقِيًّا﴾ [مريم:63] فهذه الجنة التي حصلت لهم بطريق الورث من أهل النار الذين هم أهلها إذ لم يكن في علم اللّٰه أن يدخلوها و لم يقل في أهل النار إنهم يرثون من النار أماكن أهل الجنة لو دخلوا النار و هذا من سبق الرحمة بعموم فضله سبحانه فما نزل من نزل في النار من أهلها إلا بأعمالهم و لهذا يبقى فيها أماكن خالية و هي الأماكن التي لو دخلها أهل الجنة عمروها فيخلق اللّٰه خلقا يعمرونها على مزاج لو دخلوا به الجنة تعذبوا و هو «قوله صلى اللّٰه عليه و سلم فيضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط» أي حسبي حسبي فإنه تعالى يقول لها
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية