Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة قوله --ص-- إنى لأجد نَفَس الرحمن من قبل اليمن ومعرفة هذا المنزل ورجاله

واحدا عليها لما اختلفت الحركات وهي مختلفة فدل إن التوجه الذي حرك القمر في فلكه ما هو التوجه الذي حرك الشمس ولا غيرها من الكواكب والأفلاك ولو لم يكن الأمر كذلك لكانت السرعة أو الإبطاء في الكل على السواء قال تعالى كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ فلكل حركة توجه إلهي أي تعلق خاص من كونه مريدا

[إنما اختلفت التوجهات لاختلاف المقاصد]

وقولنا إنما اختلفت التوجهات لاختلاف المقاصد فلو كان قصد الحركة القمرية بذلك التوجه عين قصد الحركة الشمسية بذلك التوجه لم يتميز أثر عن أثر والآثار بلا شك مختلفة فالتوجهات مختلفة لاختلاف المقاصد فتوجهه بالرضى عن زيد غير توجهه بالغضب على عمرو فإنه قصد تعذيب عمرو وقصد تنعيم زيد فاختلفت المقاصد

[إنما اختلفت المقاصد لاختلاف التجليات‏]

وقولنا إنما اختلفت المقاصد لاختلاف التجليات فإن التجليات لو كانت في صورة واحدة من جميع الوجوه لم يصح أن يكون لها سوى قصد واحد وقد ثبت اختلاف القصد فلا بد أن يكون لكل قصد خاص تجل خاص ما هو عين التجلي للآخر فإن الاتساع الإلهي يعطي أن لا يتكرر شي‏ء في الوجود وهو الذي عولت عليه الطائفة والناس في لبس من خلق جديد يقول الشيخ أبو طالب المكي صاحب قوت القلوب وغيره من رجال الله عز وجل إن الله سبحانه ما تجلى قط في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة مرتين ولهذا اختلفت الآثار في العالم وكني عنها بالرضى والغضب‏

[إنما اختلفت التجليات لاختلاف الشرائع‏]

وقولنا إنما اختلفت التجليات لاختلاف الشرائع فإن كل شريعة طريق موصلة إليه سبحانه وهي مختلفة فلا بد أن تختلف التجليات كما تختلف العطايا أ لا تراه عز وجل إذا تجلى لهذه الأمة في القيامة وفيها منافقوها وقد اختلف نظرهم في الشريعة فصار كل مجتهد على شرع خاص هو طريقه إلى الله ولهذا اختلفت المذاهب وكل شرع في شريعة واحدة والله قد قرر ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عندنا فاختلفت التجليات بلا شك فإن كل طائفة قد اعتقدت في الله أمرا ما إن تجلى لها في خلافه أنكرته فإذا تحول لها في العلامة التي قد قررتها تلك الطائفة مع الله في نفسها أقرت به فإذا تجلى للأشعري في صورة اعتقاد من يخالفه في عقده في الله وتجلى للمخالف في صورة اعتقاد الأشعري مثلا أنكره كل واحد من الطائفتين كما ورد وهكذا في جميع الطوائف فإذا تجلى لكل طائفة في صورة اعتقادها فيه تعالى وهي العلامة التي ذكرها مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقروا له بأنه ربهم وهو هو لم يكن غيره فاختلفت التجليات لاختلاف الشرائع‏

[إنما اختلفت الشرائع لاختلاف النسب الإلهية]

وقولنا إنما اختلفت الشرائع لاختلاف النسب الإلهية قد تقدم ودار الدور فكل شي‏ء أخذته من هذه المسائل صلح أن يكون أولا وآخرا ووسطا وهكذا كل أمر دوري يقبل كل جزء منه بالفرض الأولية والآخرية وما بينهما وقد ذكرنا مثل هذا الشكل الدوري في التدبيرات الإلهية مضاهيا لقول المتقدم إذ قال العالم بستان سياجه الدولة الدولة سلطان تحجبه السنة السنة سياسة يسوسها الملك الملك راع يعضده الجيش الجيش أعوان يكفلهم المال المال رزق يجمعه الرعية الرعية عبيد تعبدهم العدل العدل مألوف فيه صلاح العالم العالم بستان ودار الدور ويكفي هذا القدر من الإيماء إلى العلل والأسباب مخافة التطويل فإن هذا الباب واسع جدا إذ كان العالم كله مرتبطا بعضه ببعض أسباب ومسببات وعلل ومعلولات والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ انتهى الجزء الخامس والعشرون‏

(الباب التاسع والأربعون) في معرفة قوله صلى الله عليه وسلم إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن‏

معرفة هذا المنزل ورجاله (بسم الله الرحمن الرحيم)

نفس الرحمن ليس له *** في سوى الرحمن مستند

حكمه في كل طائفة *** ما لها ركن ولا سند

يمن الأكوان منزله *** وهو لا روح ولا جسد

ما له حد يعينه *** وهو المطلوب والصمد

فجميع الخلق يطلبه *** ثم لم يظفر به أحد

أحد ما مثله أحد *** بكمال النعت منفرد

[الإتيان إلهي والإتيان الإلهي الخاص‏]

اعلم يا ولي أن لله عبادا من حيث اسمه الرحمن وهو قوله وعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً يقول تعالى يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً ولله عباد يأتي إليهم الرحمن من اسمه الرب فإن الله يقول قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فكماله من الاسم الله الأسماء الحسنى كذلك له من الاسم الرحمن الأسماء الحسنى‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا إلى السماء الدنيا

وقال وجاءَ رَبُّكَ فثم إتيان عام مثل هذا وهو الإتيان للفصل والقضاء وثم إتيان خاص بالرحمة لمن اعتنى به من عباده‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتد كربه من المنازعين إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن‏

وهو ما مشى إلى اليمن لكن النفس أدركه من قبل اليمن وما أدركه حتى أتاه فجاء بالتنفيس من الشدة والضيق الذي كان فيه بالأنصار رضي الله عن جميعهم فتقدم إليه النفس في باطنه وقلبه مبشرا بما يظهره الله من نصرة الدين وإقامته على أيدي الأنصار

[ابن عربي بدمشق وحديث الأنصار]

ولقد جرى لنا في حديث الأنصار ما نذكره إن شاء الله وذلك أنه عندنا بدمشق رجل من أهل الفضل والأدب والدين يقال له يحيى بن الأخفش من أهل مراكش كان أبوه يدرس العربية بها فكتب إلي يوما من منزله بدمشق وأنا بها يقول لي في كتابه يا ولي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة بجامع دمشق وقد نزل بمقصورة الخطابة إلى جانب خزانه المصحف المنسوب إلى عثمان رضي الله عنه والناس يهرعون إليه ويدخلون عليه يبايعونه فبقيت واقفا حتى خف الناس فدخلت عليه وأخذت يده فقال لي هل تعرف محمدا قلت له يا رسول الله من محمد فقال له ابن العربي قال فقلت له نعم أعرفه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قد أمرناه بأمر فقل له يقول لك رسول الله انهض لما أمرت به واصحبه أنت فإنك تنتفع بصحبته وقل له يقول لك رسول الله امتدح الأنصار ولتعين منهم سعد بن عبادة ولا بد ثم استدعى بحسان بن ثابت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حسان حفظه بيتا يوصله إلى محمد بن العربي يبني عليه وينسج على منواله في العروض والروي فقال حسان يا يحيى خذ إليك وأنشدني بيتا وهو

شغف السهاد بمقلتي ومزاري *** فعلى الدموع معولي ومشاري‏

وما زال يردده علي حتى حفظته ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مدح الأنصار فاكتبه بخط بين واحمله ليلة الخميس إلى تربة هذا الذي تسمونها قبر الست فستجد عندها شخصا اسمه حامد فادفع إليه المديح فلما أخبرني بذلك هذا الرائي وفقه الله عملت القصيدة من وقتي من غير فكرة ولا روية ولا تثبط ودفعت القصيدة إليه فكتب إلى أنه لما جاء قبر الست وصل إليه بعد العشاء الآخرة قال فرأيت رجلا عند القبر فقال لي ابتداء أنت يحيى الذي جاء من عند فلان وسماني قال فقلت له نعم قال فأين القصيد الذي مدح به الأنصار عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هو ذا عندي فناولته إياه فقرب من الشمعة ليقرأ القصيدة فلم أره يخبر ذلك الخط فقلت له تأمرني أنشدك إياها قال نعم فأنشدته إياها وهذا نص القصيدة

قال ابن ثابت الذي فخرت به *** فقر الكلام ونشأة الأشعار

شغف السهاد بمقلتي ومزاري *** فعلى الدموع معولي ومشاري‏

وكانت أمي تنسب إلى الأنصار فقلت‏

فلذا جعلت رويه الراء التي *** هي من حروف الرد والتكرار

فأقول مبتدئا لطاعة أحمد *** في مدح قوم سادة أبرار

إني امرؤ من جملة الأنصار *** فإذا مدحتهمو مدحت نجاري‏

بسيوفهم قام الهدى وبهم علت *** أنواره في رأس كل منار

قاموا بنصر الهاشمي محمد *** المصطفى المختار من مختار

صحبوا النبي بنية وعزائم *** فازوا بهن حميدة الآثار

باعوا نفوسهمو لنصرة دينه *** ولذاك ما صحبوه بالإيثار

عنهم كنى المختار بالنفس الذي *** يأتيه من يمن مع الأقدار

سعد سليل عبادة فخرت به *** يوم السقيفة جملة الأنصار

لله آساد لكل كريهة *** نزلت بدين الله والأخيار

عزوا بدين الله في إعزازهم *** دين الهدى بالعسكر الجرار

فيهم علا يوم القيامة مشهدي *** وبهم ترى يوم الورود فخاري‏

لو أنني صغت الكلام قلائدا *** في مدحهم ما كنت بالمكثار

كرش النبي وعيبة لرسوله *** لحقت بهم أعداؤه بتبار

رهبان ليلا يقرءون كلامه *** آساد غاب في الوغى بنهار

وقصة الرؤيا طويلة فاقتصرت من ذلك على ما نحتاج إليه في هذا الباب من ذكر الأنصار

[الأنصار، مع المهاجرين، عون النبي على إقامة دين الله‏]

ثم نرجع فنقول فما جاءت الأنصار إلا بعد أن نفس الله عن نبيه بما بشره به فلقيته الأنصار في حال اتساع وانشراح وسرور وتلقاها صلى الله عليه وسلم تلقي الغني بربه فكان معها والمهاجرين عونا على إقامة دين الله كما أمرهم الله قال الله عز وجل والله يَقْبِضُ ويَبْصُطُ فلله الأسماء الحسنى ولها آثار وتحكم في خلقه وهي المتوجهة من الله تعالى على إيجاد الممكنات وما تحوي عليه من المعاني التي لا نهاية لها

[الجن، مع الإنس، خلقوا للعبادة]

والله من حيث ذاته غني عن العالمين وإنما عرفنا الله تعالى أنه غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ليعلمنا أنه سبحانه ما أوجدنا إلا لنا لا لنفسه وما خلقنا لعبادته إلا ليعود ثواب ذلك العمل وفضله إلينا ولذلك ما خص بهذا الخطاب إلا الثقلين فقال تعالى وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ولا نشك أن كل ما خلق من الملائكة وغيرهم من العالم ما خلقهم إلا مسبحين بحمده وما خص بهذه الصفة غير الثقلين أعني صفة العبادة وهي الذلة فما خلقهم حين خلقهم إذ لا وإنما خلقهم ليذلوا وخلق ما سواهم إذ لا في أصل خلقهم فما جعل العلة في سوى الثقلين الذلة كما جعلها فينا

[الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‏]

وذلك أنه ما تكبر أحد من خلق الله على أمر الله غير الثقلين ولا عصى الله أحد من خلق الله سوى الثقلين فأمر إبليس فعصى ونهى آدم عليه السلام أن يقرب الشجرة فكان من أمره ما قال الله لنا في كتابه وعَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ وأما الملائكة فقد شهد لهم الله بأنهم لا يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ردا على من تكلم بما لا ينبغي في حق الملكين ببابل من المفسرين بما لا يليق بهم ولا يعطيه ظاهر الآية لكن الإنسان يجترئ على الله تعالى فيقول فيه ما لا يليق بجلاله فكيف لا يقول في الملائكة فكما كذب الإنسان ربه في أمور فيكون هذا القائل قد كذب ربه في قوله في حق الملائكة لا يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ وفي صحيح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل يقول الله عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك‏

الحديث‏

فلا أحد أصبر على أذى من الله كذا ورد أيضا في الخبر

وهو سبحانه يرزقهم ويحسن إليهم وهم في حقه بهذه الصفة

[السبب الموجب لتكبر الثقلين دون سائر الموجودات‏]

فاعلم إن السبب الموجب لتكبر الثقلين دون سائر الموجودات إن سائر المخلوقات توجه على إيجادهم من الأسماء الإلهية أسماء الجبروت والكبرياء والعظمة والقهر والعزة فخرجوا أذلاء تحت هذا القهر الإلهي وتعرف إليهم حين أوجدهم بهذه الأسماء فلم يتمكن لمن خلق بهذه المثابة أن يرفع رأسه ولا إن يجد في نفسه طعما للكبرياء على أحد من خلق الله فكيف على من خلقه وقد أشهده أنه في قبضته وتحت قهره وشهدوا كشفا نواصبهم ونواصي كل دابة بيده في القرآن العزيز ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ثم قال متمما إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ والأخذ بالناصية عند العرب إذلال هذا هو المقرر عرفا عندنا فمن كان حاله في شهود نظره إلى ربه أخذ النواصي بيده ويرى ناصيته من جملة النواصي كيف يتصور منه عز أو كبرياء على خالقه مع هذا الكشف وأما الثقلان فخلقهم بأسماء اللطف والحنان والرأفة والرحمة والتنزل الإلهي فعند ما خرجوا لم يروا عظمة ولا عزا ولا كبرياء ورأوا نفوسهم مستندة في وجودها إلى رحمة وعطف وتنزل ولم يبد الله لهم من جلاله ولا كبريائه ولا عظمته في خروجهم إلى الدنيا شيئا يشغلهم عن نفوسهم أ لا تراهم في الأخذ الذي عرض لهم‏

من ظهورهم حين قال لهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ هل قال أحد منهم نعم لا والله بل قالُوا بَلى‏ فأقروا له بالربوبية لأنهم في قبضة الآخذ محصورون فلو شهدوا أن نواصيهم بيد الله شهادة عين أو إيمان كشهادة عين كشهادة الأخذ ما عصوا الله طرفة عين وكانوا مثل سائر المخلوقات يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ فلما ظهروا عن هذه الأسماء الرحمانية قالوا يا ربنا لم خلقتنا قال لتعبدون أي لتكونوا أذلاء بين يدي فلم يروا صفة قهر ولا جناب عزة تذلهم ولا سيما وقد قال لهم لتذلوا إلي فأضاف فعل الإذلال إليهم فزادوا بذلك كبرا فلو قال لهم ما خلقتكم إلا لأذلكم لفرقوا وخافوا فإنها كلمة قهر فكانوا يبادرون إلى الذلة من نفوسهم خوفا من هذه الكلمة كما قال للسماوات والأرض ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فلو لم يقل كرها فإنها كلمة قهر حيثما أتت فلهذا قلنا ما أوجد كل ما عدا الثقلين ولا خاطبهم إلا بصفة القهر والجبروت فلما قال للثقلين عن السبب الذي لأجله أوجدهم وخلقهم نظروا إلى الأسماء التي وجدوا عنها فما رأوا اسما إلهيا منها يقتضي أخذهم وعقوبتهم إن عصوا أمره ونهيه وتكبروا على أمره فلم يطيعوه وعصوه ف عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ وهو أول الناس وعصى إبليس ربه فسرت المخالفة من هذين الأصلين في جميع الثقلين يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن آدم لما جحد ونسي ما وهبه لداود من عمره فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته إِلَّا من رَحِمَ رَبُّكَ فعصمه ولكن من التكبر على الله لا من تكبر بعضهم على بعض وعلى سائر المخلوقين فما عصم أحد من ذلك ابتداء فإن الله قد شاء أن يتخذ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ولكن إذا اعتنى الله بعبده ففي الحالة الثانية يرزقه التوفيق والعناية فيلزم ما خلق له من العبادة فيلحق بسائر المخلوقات وهو عزيز الوجود وأين العبد الذي هو في نفسه مع أنفاسه عبد لله دائما فلا يدل أحد من الثقلين إلا عن قهر يجده فهو في ذله مجبور فإذا وجد ذلك حينئذ يلتفت إلى الأسماء التي عنها وجد وهي أسماء الرحمة فيطلبها لتزيل عنه ما هو فيه من الضيق والحرج الذي ما اعتاده فيحن إلى جهتها ويعرف أن لها قوة وسلطانا فتنفس عنه ما يجده من ذلك‏

[نفس الرحمن من قبل اليمن‏]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نفس الرحمن فأشار إلى الاسم الذي خلق به الثقلين وقرن معه جهة القوة فقال من قبل اليمن والقبل الناحية والجهة واليمن من اليمين وهو القوة قال الشاعر

إذا ما راية رفعت لمجد *** تلقاها عرابة باليمين‏

أراد بالقوة فإن اليمين محل القوة والسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ وكذلك كان لما نظر إليه الاسم الرحمن الذي عنه وجد كان النصر على أيدي الأنصار

[رحمة الله سبقت غضبه‏]

وكذلك قوله يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ فإن المتقي هو الحذر الخائف الوجل ولا يكون أحد يشهد الرحمن الرحيم الرءوف ويتقيه وإنما مشهود المتقي السريع الحساب الشديد العقاب المتكبر الجبار فيتقي ويخاف فيؤمنه الله تعالى بأن يحشره إلى الرحمن فيأمن سطوة الجبار القهار ولهذا

قال تعالى فينا إن رحمته سبقت غضبه‏

لأنه بالرحمة أوجدنا لم يوجدنا بصفة القهر وكذلك تأخرت المعصية فتأخر الغضب عن الرحمة في الثقلين فالله يجعل حكمهما في الآخرة كذلك ولو كانت بعد حين أ لا ترى الله تعالى إذا ذكر أسماءه لنا يبتدئ بأسماء الرحمة ويؤخر أسماء الكبرياء لأنا لا نعرفها فإذا قدم لنا أسماء الرحمة عرفناها وحننا إليها عند ذلك يتبعها أسماء الكبرياء لنأخذها بحكم التبعية فقال تعالى هُوَ الله الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ والشَّهادَةِ فهذا نعت يعم الجميع وليس واحدته بأولى من الآخر ثم ابتدأ فقال هُوَ الرَّحْمنُ فعرفنا الرحمن الرَّحِيمُ لأنا عنه وجدنا ثم قال بعد ذلك هُوَ الله الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ابتداء ليجعله فصلا بين الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ وبين الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ فقال الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ وهذا كله من نعوت الرحمن ثم جاء وقال الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ فقبلنا هذه النعوت بعد أن آنسنا بأسماء اللطف والحنان وأسماء الاشتراك التي لها وجه إلى الرحمة ووجه إلى الكبرياء وهو الله والملك فلما جاء بأسماء العظمة والمحل قد تأنس بترادف الأسماء الكثيرة الموجبة الرحمة قبلنا أسماء العظمة لما رأينا أسماء الرحمة قد قبلتها حيث كانت نعوتا لها فقبلناها ضمنا تبعا لأسمائنا ثم إنه لما علم الخلق أن صاحب القلب والعلم بالله وبمواقع خطابه إذا سمع مثل أسماء العظمة لا بد أن تؤثر فيه أثر خوف وقبض نعتها بعد ذلك وأردفها بأسماء لا تختص بالرحمة على الإطلاق ولا تعرى عن العظمة على الإطلاق فقال هُوَ الله الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ وهذا كله تعليم من الله عباده وتنزل إليهم‏

[بسملة النمل السليمانية تكميل لسورة التوبة]

فمنازل أصحاب هذا الباب هي هذه الأسماء المذكورة وحضراتها ولهذا قدم‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!