Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل النواشئ الاختصاصية الغيبية من الحضرة المحمدية

إلا الله وهل السعداء والأشقياء على هذا الحكم أو يختص به الأشقياء دون السعداء وعلم من يخرج الله من النار من غير شفاعة شافع من المخلوقين هل هو إخراج امتناني حتى لا يتقيد أو هل هو عن شفاعة الأسماء الإلهية كما قال تعالى يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً ومعلوم أنه لا يحشر إلى شي‏ء من كان عند ذلك الشي‏ء ولما كان الاتقاء والخوف من حكم المتقي منه وهو الاسم الشديد العقاب والسريع الحساب فكان المتقي في حكم أمثال هذه الأسماء الإلهية فحشرهم الله يوم القيامة إلى الرحمن وزال عنهم حكم هؤلاء الأسماء الآخر فإن كان الأمر على هذا فقد يكون خروج شفاعة وإن لم يكن فهو خروج امتنان وهبة. وعلم صور الأعراض عن الحق والكل في قبضته. وعلم ما يتميز به الإنسان من سائر الحيوان كله والنبات والجماد والملائكة مخلوقون في المعارف إلا لطيفة الإنسان وإنها تخالف سائر المخلوقات في الخلق وهل العقل الذي في الإنسان وجد لاقتناء العلوم أو لدفع الهوى خاصة ما له غير ذلك وهذه المسألة من مسائل سهل بن عبد الله التستري ما رأيت غيره ذكرها ولا وصلت إلينا إلا من طريقه وعلوم هذا المنزل لا تحصى كثرة فاقتصرنا من ذلك على ما ذكرناه فإنه كالأمهات لما بقي في المنزل من العلوم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيل‏

«الباب الحادي عشر وثلاثمائة في معرفة منزل النواشئ الاختصاصية الغيبية من الحضرة المحمدية»

دثروني زملوني قول من *** خصه الرحمن بالعلم الحسن‏

حين جلى الروح بالأفق له *** وهو في غار حراء قد سجن‏

نفسه فيه لأمر جاءه *** في غيابات الفؤاد المستكن‏

لتجل قام في خاطره *** صورة مجموعة من كل فن‏

سورة سينية صادية *** جمع السر لديها والعلن‏

فأتى يرجف منها هيبة *** غادة تؤنسه حتى سكن‏

سألته ما الذي أقلقه *** قال أمر قد نفى عني الوسن‏

هو أن الله قد أكرمني *** بالذي أكرم أصحاب اللسن‏

من رسول ونبي مجتبى *** في علوم وبلاء ومحن‏

كلما أحضره في خلدي *** حن قلبي لتجليه وأن‏

فلذا يقلقني مشهده *** ولذا أزهد في دندن دن‏

اعلم أنه ليلة تقييدي هذا الباب رأيت رؤيا سررت بها واستيقظت وأنا أنشد بيتا كنت قد عملته قبل هذا في نفسي وهو من باب الفخر وهو

في كل عصر واحد يسمو به *** وأنا لباقي العصر ذاك الواحد

وذلك أني ما أعرف اليوم في علمي من تحقق بمقام العبودية أكثر مني وإن كان ثم فهو مثلي فإني بلغت من العبودية غايتها فأنا العبد المحض الخالص لا أعرف للربوبية طعما رى‏ء يوما عتبة الغلام وهو يخطر في مشيته شغل التائه المعجب بنفسه فقيل له يا عتبة ما هذا التيه الذي أنت فيه ولم يكن يعرف هذا منك قبل اليوم فقال وحقيق لمثلي أن يتيه وكيف لا أتيه وقد أصبح لي مولى وأصبحت له عبدا

[أن في كل زمان لا بد من واحد فيه في كل مرتبة متبرز]

واعلم أنه في كل زمان لا بد من واحد فيه في كل مرتبة متبرز حتى في أصحاب الصنائع وفي كل علم لو تفقد ذلك الزمان وجد الأمر على ما قلناه والعبودية من جملة المراتب والله سبحانه قد منحنيها هبة أنعم بها علي لم أنلها بعمل بل اختصاص إلهي أرجو من الله أن يمسكها علينا ولا يحول بيننا وبينها إلى أن نلقاه بها فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون واعلم أن هذا المنزل منزل النواشئ الاختصاصية وهي عبارة عن بداية وأولية كل مقام وحال قال تعالى ونُنْشِئَكُمْ في ما لا تَعْلَمُونَ فلو كانت إعادة أرواحنا إلى أجسادنا على هذا المزاج الخاص الذي كان لنا في النشأة الدنيا لم يصح قوله تعالى في ما لا تَعْلَمُونَ فإنه قد قال تعالى ولَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى‏ فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ وقال كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ يعني في النشأة الآخرة إنها تشبه النشأة الدنياوية في عدم المثال فإن الله أنشأنا على غير مثال سبق‏

وكذلك ينشئنا على غير مثال سبق فإن قيل فما فائدة قوله تَعُودُونَ قلنا يخاطب الأرواح الإنسانية إنها تعود إلى تدبير الأجسام في الآخرة كما كانت في الدنيا على المزاج الذي خلق تلك النشأة عليه ويخرجها من قبرها فيها ومن النار حين ينبتون كما تنبت الحبة تكون في حميل السيل مع القدرة منه على إعادة ذلك المزاج لكن ما شاء ولهذا علق المشيئة به فقال تعالى ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ يعني ذلك المزاج الذي كان عليه فلو كان هو بعينه لقال ثم ينشره فنرجع إلى ما نريد أن نبينه من بعض علوم هذا المنزل وهو العلم الذي يدور عليه فنقول إن العالم عالمان والحضرة حضرتان وإن كان قد تولد بينهما حضرة ثالثة من مجموعهما فالحضرة الواحدة حضرة الغيب ولها عالم يقال له عالم الغيب والحضرة الثانية هي حضرة الحس والشهادة ويقال لعالمها عالم الشهادة ومدرك هذا العالم بالبصر ومدرك عالم الغيب بالبصيرة والمتولد من اجتماعهما حضرة وعالم فالحضرة حضرة الخيال والعالم عالم الخيال وهو ظهور المعاني في القوالب المحسوسة كالعلم في صورة اللبن والثبات في الدين في صورة القيد والإسلام في صورة العمد والايمان في صورة العروة وجبريل في صورة دحية الكلبي وفي صورة الأعرابي وتمثل لمريم في صورة بشر سوى كما ظهر السواد في جسم العفص والزاج عند اجتماعهما ولم يكن لهما ذلك الوصف في حال افتراقهما ولذلك كانت حضرة الخيال أوسع الحضرات لأنها تجمع العالمين عالم الغيب وعالم الشهادة فإن حضرة الغيب لا تسع عالم الشهادة فإنه ما بقي فيها خلاء وكذلك حضرة الشهادة فقد علمت إن حضرة الخيال أوسع بلا شك وأنت قد عاينت في حسك وعلى ما تعطيه نشأتك في نفسك المعاني والروحانيين يتخيلون ويتمثلون في الأجساد المحسوسة في نظرك بحيث إذا وقع أثر في ذلك المتصور تأثر المعنى المتصور فيه في نفسه ولا شك إنك أحق بحضرة الخيال من المعاني ومن الروحانيين فإن فيك القوة المتخيلة وهي من بعض قواك التي أوجدك الحق عليها فأنت أحق بملكها والتصرف فيها من المعنى إذ المعنى لا يتصف بأن له قوة خيال ولا الروحانيين من الملإ الأعلى بأن لهم في نشأتهم قوة خيال ومع هذا فلهم التميز في هذه الحضرة الخيالية بالتمثل والتخيل فأنت أولى بالتخيل والتمثل منهم حيث فيك هذه الحضرة حقيقة فالعامة لا تعرفها ولا تدخلها إلا إذا نامت ورجعت القوي الحساسة إليها والخواص يرون ذلك في اليقظة لقوة التحقق بها فتصور الإنسان في عالم الغيب في حضرة الخيال أقرب وأولى ولا سيما وهو في نشأته له في عالم الغيب دخول بروحه الذي هو باطنه وله في عالم الشهادة دخول بجسمه الذي هو ظاهره والروحاني ليس كذلك وليس له دخول في عالم الشهادة إلا بالتمثل في عالم الخيال فيشهده الحس في الخيال صورة ممثلة نوما ويقظة فإن تميز الإنسان في عالم الغيب فله ذلك فإنه يتميز فيه حقيقة لا خيالا من حيث روحه الذي لا يدركه الحس وهو من عالم الغيب وإن أراد أن يتروحن بجسمه ويظهر به في عالم الغيب وجد المساعد وهو روحه المرتبط بتدبيره فهو أقرب إلى التمثل في عالم الغيب من الروحاني المتمثل في صورة عالم الشهادة ولكن هذا المقام يكتسب وينال مثل قضيب البان رحمه الله فلقد كان له هذا المقام ففي قوة الإنسان ما ليس في قوة عالم الغيب فإن في قوة الإنسان من حيث روحه التمثل في غير صورته في عالم الشهادة فيظهر الإنسان في أي صورة شاء من صور بنى آدم أمثاله وفي صور الحيوانات والنبات والحجر وقد وقع ذلك منهم ولقد أخبرني شيخ من شيوخ طريق الله وهو عندي ثقة عدل وفاوضته في هذه المسألة فقال أنا أخبرك بما شاهدته من ذلك تصديقا لقولك وذلك أني صحبت رجلا ممن له هذا المقام ولم يكن عندي من ذلك خبر فسألته الصحبة من بغداد إلى الموصل في ركب الحاج عند رجوعه فقال لي إذا عزمت فلا تبتدئني بشي‏ء من مأكول ومشروب حتى أكون أنا الذي أطلبه منك فعاهدته على ذلك وكان قد أسن فركب في شقة محارة وأنا أمشي على قدمي قريبا منه لئلا تعرض له حاجة إلي فمرض بعلة الإسهال وضعف فصعب ذلك علي وهو لا يتداوى بما يقطعه‏

ويزيل عنه القيام قال فقلت له يا سيدي أروح لي هذا الرجل الذي على سبيل صاحب سنجار آخذ من المارستان دواء قابضا فنظر إلي كالمنكر وقال الشرط أملك فسكت عنه قال فزاد به الحال فما قدرت على السكوت فلما نزل الركب بالليل وأسرجت المشاعل وقصد صاحب سبيل سنجار وكان خادما أسود وقد وقفت الرجال بين يديه وأصحاب العلل يجيئون إليه يطلبون منه الأدوية بحسب عللهم وأمراضهم فقلت له يا مولاي أرح قلبي وفرج عني بأن تأمرني‏

آتيك بدواء من عند هذا الرجل قال فتبسم وقال لي رح إليه قال فجئت إليه ولم يكن يعرفني قبل ذلك ولا كنت أنا على حالة وبزة توجب تعظيمي فمشيت إليه وأنا خائف إن يردني أو ينتهرني لما كان فيه من الشغل فوقفت على رأسه بين الناس فلما وقعت عينه علي قام إلي وأقعدني وسلم علي بفرح وبسط وتبشبش وقال ما حاجتك فقلت له عن حال الشيخ ومرضه فاستدعى بالدواء من الوكيل على أكمل ما يمكن واعتذر وقال لي تعنيت وهلا بعثت إلي في ذلك وقمت أخرج من الخيمة فقام لقيامى ومشت المشاعل بين يدي فودعته بعد ما مشى معي خطوات وأمر المشاعلي أن يمشي بالضوء أمامي فقلت له ما الحاجة وخفت من الشيخ أن يعز ذلك عليه فرجع المشاعلي وجئت فوجدت الشيخ على حاله كما تركته فقال لي ما فعلت فقلت له ببركتك أكرمني وهو لا يعرفني ولا أعرفه ووصفت له تفصيل ما كان منه فتبسم الشيخ وقال لي يا حامد أنا أكرمتك ما كان الخادم الذي أكرمك لا شك أني رأيتك كثير الجزع علي لعلتى فأردت إن أريح سرك فأمرتك إن تمشي إليه وخفت عليك منه لئلا يفعل معك ما يفعله مع الناس من الإهانة والطرد فترجع منكسرا فتجردت عن هيكلي وتصورت لك في صورته فأكرمتك وعظمت قدرك وفعلت معك ما رأيت إلى أن انفصلت وهذا دواؤك لا أستعمله فبقيت مبهوتا فقال لي لا تعجل ارجع إليه وانظر إلى ما يفعل بك قال فجئت إليه وسلمت عليه فلم يقبل علي وطردت فذهبت متعجبا فرجعت إلى الشيخ فقصصت إليه ما جرى لي فقال ما قلت لك فقلت له عجبا كيف رجعت خادما أسود فقال الأمر كما رأيت ومثل هذه الحكاية عن الرجال كثير وهذا يشبه علم السيمياء وليس بعلم السيمياء والفرق بيننا في هذا المقام وبين علم السيمياء إنك إذا أكلت بالسيمياء أكلت ولا تجد شبعا والذي يقبض عندك مما تقبضه من هذا العلم أنما ذلك في نظرك ثم تطلبه فلا تجده وإذا أراك صاحب هذا العلم السيماوي تدخل الحمام ثم ترجع إلى نفسك لا ترى لذلك حقيقة بل كل ما تراه بطريق السيمياء إنما هو مثل ما يرى النائم فإذا انتبه لم يجد شيئا مما رآه فإن صاحب علم السيمياء له سلطان وتحكم على خيالك بخواص الأسماء أو الحروف أو القلقطيرات فإن السيمياء لها ضروب أكثفها القلقطيرات وألطفها التلفظ بالكلام الذي يخطف به بصر الناظر عن الحس ويصرفه إلى خياله فيرى مثل ما يرى النائم وهو في يقظته وهذا المقام الذي ذكرناه ليس كذلك فإنك إن أكلت به شبعت وإن مسكت فيه شيئا من ذهب أو ثياب أو ما كان بقي معك على حاله لا يتغير وقد وجدنا هذا المقام من نفوسنا وأخذناه ذوقا في أول سلوكنا مع روحانية عيسى عليه السلام ولهذا

قال عليه السلام وقد نهى عن الوصال فقيل له إنك تواصل فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لست كهيئتكم إني أبيت معي مطعم يطعمني وساق يسقيني وفي رواية يطعمني ربي ويسقيني‏

فلم يكن في تلك الجماعة التي خاطبها في ذلك الوقت من له هذا المقام ولم يقل لست كهيئة الناس فكان إذا أكل شبع وواصل على قوة معتادة ولما كان الأكل في حضرة الخيال لا في حضرة الحس صح أن يكون مواصلا وقد رأينا أن جبريل ظهر في صورة الحس رجلا معروفا كظهوره في صورة دحية وفي وقت رجلا غير معروف ولم يبلغنا أنه ظهر في عالم الغيب في الملائكة في صورة غيره من الملائكة فجبريل لا يظهر في الملائكة وفي عالم الغيب في صورة ميكائيل أو إسرافيل ولهذا قال تعالى عنه وما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وقد رأينا من له قوة التمثل من البشر يظهر في البشر في صورة بشر آخر غير صورته فيظهر زيد في صورة عمرو وليس للملك ذلك في عالم الغيب وكما ظهر جبريل في صورة البشر يظهر الإنسان في عالم الغيب عند الملائكة في صورة ملك من الملائكة أي صورة ملك شاء وأعجب من هذا أن بعض الرجال من المحبين من أهل هذه الطريقة دخل على شيخ فتكلم له الشيخ في المحبة وقد رآه بعض الحاضرين قد دخل عليه فما زال ذلك المحب يذوب في نفسه حسا من كلام ذلك الشيخ في المحبة لقوة تحقق ذلك المحب إلى أن رجع بين يدي ذلك الشيخ كفا من ماء فدخل عليه رجال فسألوه عن ذلك المحب أين هو فإنا ما رأيناه خرج فقال هذا الماء هو ذلك المحب الذي بين يدي فنظروا إلى ماء قليل على الحصير بين يدي الشيخ فانظر كيف رجع إلى أصله الذي خلق منه فيا ليت شعري أين تلك الأجزاء

[إذا علم الإنسان أنه على أصل وحقيقة تقبل الصور]

فاعلم إن الإنسان في هذا الطريق يعطي من القوة ما يظهر به في هذه النشأة كما يظهر في النشأة الآخرة التي يظهر فيها على أي صورة شاء فإن هذا في أصل هذه الصورة الدنياوية ولكن لا يصل كل واحد إلى معرفة هذا

الأصل وهو قوله تعالى الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ وهي هذه النشأة الظاهرة ثم قال في أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ أي هذه النشأة المسواة المعدلة قابلة لجميع الصور فيجليه الله تعالى في أي صورة شاء فأعلمنا أن هذه النشأة تعطي القبول لأي صورة كانت وكذلك قوله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ بعد الفراغ من تسوية صورة الإنسان الظاهر فعين له صورة من الصور التي في قوته وتركيبه أن يقبلها فإذا علم الإنسان بالكشف الإلهي أنه على أصل وحقيقة تقبل الصور فيتعمل في تحصيل أمر يتوصل به إلى معرفة الأمر فإذا فتح له فيه ظهر في عالم الشهادة في أي صورة من صور عالم الشهادة شاء وظهر في عالم الغيب والملكوت في أي صورة من صوره شاء غير أن الفرق بيننا وبين عالم الغيب إن الإنسان إذا تروحن وظهر للروحانيين في عالم الغيب يعرفون أنه جسم تروحن والناس في عالم الشهادة إذا أبصروا روحا تجسد لا يعلمون أنه روح تجسد ابتداء حتى يعرفوا بذلك كما

قال عليه السلام حين دخل عليه الروح الأمين في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر قال الراوي لا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وذكر حديث سؤاله إياه عن الإسلام والايمان والإحسان والساعة وما لها من الشروط فلما فرغ من سؤاله قام ينصرف فلما غاب قال النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لأصحابه أ تدرون من الرجل وفي رواية ردوا على الرجل فالتمس فلم يجدوه فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم‏

غير أن بعض الناس يعرفون الروحاني إذا تجسد من خارج من غيره من الناس أو من جنس تلك الصورة التي يظهر فيها وما كل أحد يعرف ذلك ويفرقون أيضا بين الصورة الروحانية المعنوية المتجسدة وبين الصورة الممثلة من داخل بعلامات يعرفونها وقد علمتها وتحققتها فإني أعرف الروح إذا تجسد من خارج أو من داخل من الصورة الجسمية الحقيقية والعامة لا تعرف ذلك والملائكة كلهم يعرفون الإنسان إذا تروحن وظهر فيهم بصورة أحدهم أو بصورة غريبة لم يروا مثلها فيزيدون على عامة البشر بهذا وينقصهم أن يظهروا في عالمهم على صور بعضهم كما نظهر في عالمنا إذا كان لنا هذا المقام في صورة جنسنا فسبحان العليم الحكيم مقدر الأشياء والقادر عليها لا إله إلا هو العليم القدير

[العلم الإلهي في التجلي الإلهي‏]

واعلم أن أصل هذا الأمر الذي ذكرته في هذه المسألة إنما هو من العلم الإلهي في التجلي الإلهي فمن هناك ظهر هذا الأمر في عالم الغيب والشهادة إذ كان العالم بجملته والإنسان بنسخته والملك بقوته على صورة مقام التجلي في الصور المختلفة ولا يعرف حقيقة تلك الصور التي يقع التحول فيها على الحقيقة إلا من له مقام التحول في أي صورة شاء وإن لم يظهر بها وليس ذلك المقام إلا للعبد المحض الخالص فإنه لا يعطيه مقام العبودية أن يتشبه بشي‏ء من صفات سيده جملة واحدة حتى أنه يبلغ من قوته في التحقق بالعبودية أنه يفنى وينسى ويستهلك عن معرفة القوة التي هو عليها من التحول في الصور بحيث أن لا يعرف ذلك من نفسه تسليما لمقام سيده إذ وصف نفسه بذلك ولو لا هذا الأصل الإلهي وأن الحق له هذا وهو في نفسه عليه ما صح أن تكون هذه الحقيقة في العالم إذ يستحيل أن يكون في العالم أمر لا يستند إلى حقيقة إلهية في صورته التي يكون عليها ذلك الأمر ولو كان لكان في الوجود من هو خارج عن علم الله فإنه ما علم الأشياء إلا من علمه بنفسه ونفسه علمه ونحن في علمه كالصور في الهباء لو كنت تعلم يا فتى من أنت علمت من هو إذ لا يعلم الله إلا من يعلم نفسه‏

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من عرف نفسه عرف ربه‏

فالحق علمك من نفسه وأعلمك أنك لا تعرفه إلا من نفسك فمن تفطن لهذا المعنى علم ما تقول وما نومئ إليه فأما حديث التجلي يوم القيامة فأنا أورده إن شاء الله كما ورد في الصحيح وذلك أنه‏

خرج مسلم عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ليس معها سحاب وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال كذلك لا تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما

إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا ويتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغير أهل الكتاب قال فتدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزيرا ونقول إنه ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله‏

من صاحبة ولا ولد فما ذا تبغون قالوا يا رب إنا عطشنا فاسقنا فيشار إليهم أ لا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم تدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ونقول إنه ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد ويقال لهم ما ذا تبغون قالوا عطشنا يا رب فاسقنا قال فيشار إليهم أ لا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر فيأتيهم رب العالمين تبارك وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال فيقول ما ذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم قال فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبين ربكم آية تعرفونها فيقولون نعم قال فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون نعم أنت ربنا قال ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة الحديث إلى آخره وقد طال الكلام فلنذكر ما يحوي عليه هذا المنزل من العلوم‏

[علم الاسم القيوم‏]

فمن ذلك علم الاسم القيوم واختلف فيه أصحابنا هل يتخلق به أم لا فكان الشيخ أبو عبد الله بن جنيد القبر فيقي من كبار مشايخ هذه الطريقة بالأندلس وكان معتزليا سمعته يمنع التخلق به وفاوضته في ذلك مرارا في محله بحضور أصحابه بقبر فيق من أعمال ونده إلى أن رجع إلى قولنا من التخلق بالقيوم كسائر الأسماء الإلهية وفيه علم نش‏ء عالم الغيب وفيه علم مقادير عالم الغيب وفيه علم وصف كلام الله بالتتابع وفيه علم تنزل الأرواح وما يجده من تنزل عليه من الثقل وضيق النفس ولقد كنت انقطعت في القبور مدة منفردا بنفسي فبلغني إن شيخنا يوسف بن يخلف الكرمي قال إن فلانا وسماني ترك مجالسة الأحياء وراح يجالس الأموات فبعثت إليه لو جئتني لرأيت من أجالس فصلى الضحى وأقبل إلي وحده فطلب علي فوجدني بين القبور قاعدا مطرقا وأنا أتكلم على من حضرني من الأرواح فجلس إلى جانبي بأدب قليلا قليلا فنظرت إليه فرأيته قد تغير لونه وضاق نفسه فكان لا يقدر يرفع رأسه من الثقل الذي نزل عليه وأنا أنظر إليه وأتبسم فلا يقدر أن يتبسم لما هو فيه من الكرب فلما فرغت من الكلام وصدر الوارد خفف عن الشيخ واستراح ورد وجهه إلي فقبل بين عيني فقلت له يا أستاذ من يجالس الموتى أنا أو أنت قال لا والله بل أنا أجالس الموتى والله لو تمادى على الحال فطست وانصرف وتركني فكان يقول من أراد أن يعتزل عن الناس فليعتزل مثل فلان وفيه علم استقامة عالم الغيب وعصمته من المخالفة وإنه عالم الوفاق وفيه علم ما تواطأت عليه القوي الإنسانية وعلم ما اختلفت فيه فعين تجمعها وعين تفرقها وفيه علم الأسماء التي تعطي الذكر في كل ذاكر وما حضرتها وما أثرها وفيه علم الانفراد بالحق وما الذي يدعوه إلى ذلك وهل يصح في الملإ الانفراد أو لا يصح إلا بكلية الإنسان ظاهرا وباطنا وفيه علم أسماء الجهات من حضرة الربوبية وفيه علم توحيد كل حضرة وفيه علم ملك الملك وهو علم تصريف الخلق الحق وهو مقام عزيز وفيه علم السياسة في ترك أبناء الجنس وفيه علم الوعيد وفيه علم الرسالة ومن أين بعثت الرسل ولمن بعثت من صفات الإنسان وما مقام الرسول من المرسل إليه وفيه علم الموطن الذي يلحق الأصاغر بالأكابر بالخاصية وهو علم انطواء الزمان كانطواء ألف سنة من الزمان في يوم من أيام الرب وانطواء خمسين ألف سنة من

الزمان عندنا في يوم من أيام ذي المعارج وهو كاللمحة في عالمه وكانطواء ثلاثمائة يوم وستين يوما من أيام الزمان المعلوم في يوم من أيام الشمس ولكل كوكب من السيارة والثوابت أيام تقدر لها من الأيام الزمانية بقدر اتساعها وهو من علوم هذا المنزل وفيه علم إثبات المشيئة للعبد من أي حضرة هي وأي اسم إلهي ينظر إليها وفيه علم تقلب الإنسان في عالم الغيب بين دخول وخروج وفيه علم المقادير والأوزان وما يعطي بالكيل والميزان فإنه قد ورد أن العقل يعطي بالمكيال والأعمال بالميزان وفيه علم الرفق بالكون والتخلق به وما اسمه في الأسماء الإلهية وفيه علم عجز العالم عن إدراك ما لا يمكن إدراكه ليتميز بذلك العبد فيعرف قدره وفيه علم السفر والمسافر والطريق وفيه علم ما يسافر من أجله وهل حصوله من عين المنة أم لا وهل يكون‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!