Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل الذَّكَر من العالم العلوى فى الحضرات المحمدية

العبد التي يعلمها الحق وذكر العلانية التي يذكر العبد به ربه وأما العلم بما هو أخفى من السر فهو ما لا يعلمه إلا الله وحده لا علم لهذا العبد به ولا يمكن أن يعلمه إلا الله وهو علمه بنفسه وما عدا هذا العلم فهو إما علم سره أو علم علانية فمتعلق العلم ثلاثة أشياء الجهر والسر وما هو أخفى من السر ومتعلق الذكر أمران ذكر الملإ وهو نوعان ملأ الأسماء وملأ الملائكة والأمر الآخر ذكر النفس فتساوي الذكر مع العلم في التقسيم‏

[إن الله قد أودع في الإنسان علم كل شي‏ء]

ومما يتضمن هذا المنزل كون الإنسان قد أودع الله فيه علم كل شي‏ء ثم حال بينه وبين أن يدرك ما عنده مما أودع الله فيه وما هو الإنسان مخصوص بهذا وحده بل العالم كله على هذا وهو من الأسرار الإلهية التي ينكرها العقل ويحيلها جملة واحدة وقربها من الذوات الجاهلة في حال علمها قرب الحق من عبده وهو قوله تعالى ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ ولكِنْ لا تُبْصِرُونَ وقوله ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ ومع هذا القرب لا يدرك ولا يعرف إلا تقليدا ولو لا إخباره ما دل عليه عقل وهكذا جميع ما لا يتناهى من المعلومات التي بعلمها هي كلها في الإنسان وفي العالم بهذه المثابة من القرب وهو لا يعلم ما فيه حتى يكشف له عنه مع الآنات ولا يصح فيه الكشف دفعة واحدة لأنه يقتضي الحصر وقد قلنا إنه لا يتناهى فليس يعلم الأشياء بعد شي‏ء إلى ما لا يتناهى وهذا من أعجب الأسرار الإلهية أن يدخل في وجود العبد ما لا يتناهى كما دخل في علم الحق ما لا يتناهى من المعلومات وعلمه عين ذاته والفرق بين تعلق علم الحق بما لا يتناهى وبين أن يودع الحق في قلب العبد ما لا يتناهى إن الحق يعلم ما في نفسه وما في نفس عبده تعيينا وتفصيلا والعبد لا يعلم ذلك إلا مجملا وليس في علم الحق بالأشياء إجمال مع علمه بالإجمال من حيث إن الإجمال معلوم للعبد من نفسه ومن غيره فكل ما يعلمه الإنسان دائما وكل موجود فإنما هو تذكر على الحقيقة وتجديد ما نسيه ويحكم هذا المنزل على إن العبد أقامه الحق في وقت ما في مقام تعلق علمه بما لا يتناهى وليس بمحال عندنا وإنما المحال دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تعلق العلم به ثم إن الخلق أنساهم الله ذلك كما أنساهم شهادتهم بالربوبية في أخذ الميثاق مع كونه قد وقع وعرفنا ذلك بالأخبار الإلهي فعلم الإنسان دائما إنما هو تذكر فمنا من إذا ذكر تذكر أنه قد كان علم ذلك المعلوم ونسيه كذي النون المصري ومنا من لا يتذكر ذلك مع إيمانه به أنه قد كان يشهد بذلك ويكون في حقه ابتداء علم ولو لا أنه عنده ما قبله من الذي أعلمه ولكن لا شعور له بذلك ولا يعلمه إلا من نور الله بصيرته وهو مخصوص بمن حاله الخشية مع الأنفاس وهو مقام عزيز لأنه لا يكون إلا لمن يستصحبه التجلي دائما ويتضمن هذا المنزل مسائل ذي النون المشهورة وهي إيجاد المحال العقلي بالنسب الإلهية ويتضمن علم المفاضلة بين المتنافرين من جميع الوجوه ويتضمن أن كل جوهر في العالم يجمع كل حقيقة في العالم كما إن كل اسم إلهي مسمى بجميع الأسماء الإلهية وذلك قوله تعالى قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ وهذا العلم خاصة انفردت به دون الجماعة في علمي فلا أدري هل عثر عليه غيري وكوشف به أم لا من جنس المؤمنين أهل الولاية لا جنس الأنبياء وأما في الأسماء الإلهية فقد قال به أبو القسم بن قسي في خلع النعلين له فرحم الله عبدا بلغه إن أحدا قال بهذه المسألة عن نفسه كما فعلت أنا أو عن غيره فيلحقها بكتابي هذا في هذا الموضع استشهاد إلي فيما ادعيته فإني أحب الموافقة وأن لا أنفرد بشي‏ء دون أصحابي والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثامن والتسعون ومائتان في معرفة منزل الذكر من العالم العلوي في الحضرة المحمدية»

زهر المعارف من زهر الرياضات *** وزهر روضك من زهر السموات‏

فللجسوم علوم ليس يشبهها *** علم النفوس لأسباب وآفات‏

حقائق الحق لا تخفى مداركها *** لأن إدراكها للذات بالذات‏

وما سواها فإدراك بواسطة *** بما يراه من أعلام وآيات‏

هزل الأكابر جد عن مشاهدة *** في طيه عندهم مكر الكرامات‏

إمهالهم ليس إهمالا لعلمهم *** بأن ذلك مربوط بأوقات‏

إن الرجال وإن حققت نسبتهم *** إلى أب واحد أولاد علات‏

إن قلت هم فهم أو قلت لا فهم *** لكونهم بين آلام ولذات‏

لأنه ليس تفنيهم مظاهره *** وهي المعبر عنها بالستارات‏

[علم الخروج عن الطبع‏]

اعلم وفقك الله أن شيخنا أبا العباس العريبي كان ممن تحقق بهذا المنزل وفاوضناه فيه مرارا فكانت قدمه فيه راسخة رحمه الله واعلم أن هذا المنزل قد جمع بين المشقة الشديدة والأمور التي لا تنال إلا بالقهر الشديد والآفات المانعة عن إدراك المطلوب وبين الرفق وارتفاع الآفات والوصول إلى المطلوب بالراحة المستلذة المعشوقة للنفوس وما بين هاتين الصفتين شدائد عظام فأول علم يتضمن هذا المنزل علم الخروج عن الطبع فاعلم إن الحركات منها طبيعية ومنها قسرية فلا تتخيل أن الحركة الطبيعية تعطي لذة والحركة القسرية تعطي ألما لخروجك عن الطبع قد يكون الأمر كذلك وقد يكون على النقيض فلو وقع الإنسان من علو عظيم لكان نزوله إلى الأرض عن حركة طبيعية ولكن إذا وصل إلى الأرض ربما تكسرت أعضاؤه وتضاعفت آلامه وسببه الاضطراب الذاتي وعدم موافقة الاختيار الذي تطلبه ربانيته المودعة فيه التي قيل له اخرج عنها فما فعل والحركة القسرية هي أن يعرج به فيرى من الآيات والفرح والانفساحات والتنزه على قدر ما علت به تلك الحركة القسرية التي أخرجته عن طبعه واضطراره ووافقته في اختياره فلا تفرح بكل ما يقتضيه الطبع فإنه أيضا ما قبل الحركة القسرية إلا بطبعه فالطبع لا يفارقه حكمه في الحركتين‏

[أن الذاتي لا يتغير]

واعلم أن الصفات التي جبل عليها الإنسان لا تتبدل فإنها ذاتية له في هذه النشأة الدنيا والمزاج الخاص من الجبن والشح والحسد والحرص والنميمة والتكبر والغلظة وطلب القهر وأمثال هذا ولما لم يتجه تبدلها بين الله لها مصارف صرفها إليها حكما مشروعا فإن صرفت إليها أحكام هذه الصفات سعدت ونالت الدرجات فجبنت عن إتيان المحارم لما تتوقعه من المضرة وشحت بدينها وحسدت منفق المال وطالب العلم وحرصت على الخير وسعت بين الناس بإيصال الخير فنمت به كما تنم الروضة بما فيها من الأزهار الطيبة الريح وتكبرت بالله على من تكبر على أمر الله وأغلظت القول والفعل في المواطن التي تعلم أن ذلك في مرضاة الله وطلبت القهر على من ناوى الحق وقاواه فلم تزل هذه النفس عن صفاتها وصرفتها في المصارف التي يحمدها عليها ربها وملائكته ورسله فالشرع ما جاء إلا بما يساعده الطبع فلا أدري من أين ينال الإنسان المشقة وما حجر عليه ما يقتضيه طبعه من هذه الصفات بتبيين المصارف فما هلك الناس إلا بسلطان الأغراض فإنه الذي أدخل الألم عليهم والمكروه فلو أن الإنسان يصرف غرضه إلى ما أراده له خالقه لاستراح قيل لأبي يزيد ما تريد قال أريد أن لا أريد أي اجعلني مريد الكل ما تريد حتى لا يكون إلا ما يريد الحق سبحانه فما يريد بعباده إلا اليسر ولا يريد بهم العسر ويريد لهم الخير وليس إليه الشر كما

ورد في الخبر الصحيح والخير كله في يديك والشر ليس إليك‏

وإن كان الكل من عند الله بحكم الأصل ولما كان خروج الإنسان عن إن يكون مريدا محالا وإنه أول ما كان يقدح ذلك في الطاعات فيفعلها من غير نية مشروعة فلا تكون طاعة وإنما طلب أبو يزيد الخروج عن الأغراض النفسية التي لا توافق مرضاة الحق عز وجل‏

[المشي في الظلمة بغير سراج وضوء طريق إلى المهالك‏]

واعلم أن المشي في الظلمة بغير سراج وضوء في طريق كثيرة المهالك والحفر والأوحال والمهاوي والحشرات المؤذية التي لا يتقى شي‏ء من هذا كله إلا أن يكون الماشي فيها بضوء يرى به حيث يجعل قدمه ويجتنب به ما ينبغي أن يجتنب مما يضره من مهواة يهوى فيها أو مهلك يحصل فيه أو حية تلدغه وليس له ضوء سوى نور الشرع الذي قال فيه تعالى نُوراً نَهْدِي به من نَشاءُ من عِبادِنا وقال ومن لَمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَما لَهُ من نُورٍ وقال نُورٌ عَلى‏ نُورٍ فإذا اجتمع نور الشرع مع نور بصر التوفيق والهداية بان الطريق بالنورين فلو كان نور واحد لما ظهر له ضوء ولا شك أن نور الشرع قد ظهر كظهور نور الشمس ولكن الأعمى لا يبصره كذلك من أعمى الله بصيرته لم يدركه فلم يؤمن به ولو كان نور عين البصيرة موجودا ولم يظهر للشرع نور بحيث أن يجتمع النوران فيحدث الضوء في الطريق لما رأى صاحب نور البصيرة كيف يسلك لأنه في طريق مجهولة لا يعرف ما فيها ولا أين تنتهي به من غير دليل وموقف فهذا الشخص الماشي في هذه الطريق إن لم يحفظ سراجه من الأهواء إن تطفئه بهبوبها وإلا هبت عليه رياح زعازع فأطفأت سراجه وذهب نوره وهو كل ريح يؤثر في نور توحيده وإيمانه فإن هبت ريح لينة تميل لسان سراجه وتحيره حتى‏

يتحير عليه الضوء في مشاهدة للطريق فتلك الريح كمتابعة الهوى في فروع الشريعة وهي المعاصي التي لا يكفر بها الإنسان ولا تقدح في توحيده وإيمانه فلقد خلقنا لأمر عظيم ولكن إذا اقتحمنا هذه الشدائد وقاسينا هذه المكاره حصلنا على أمر عظيم وهو سعادة الأبد التي لا شقاء فيها

[المشي على طريق المستقيم‏]

ومما يتضمن هذا المنزل علم الوقت الذي يصحبه فيه القرينان من الملك والشيطان فاعلم إن الإنسان إذا خلقه الله في أمة لم يبعث فيها رسول لم يقترن به ملك ولا شيطان ويبقى يتصرف بحكم طبعه ناصيته بيد ربه خاصة فكل ما يمشي فيه في ذلك الوقت فهو على صراط مستقيم فإن ربه على صراط مستقيم قال تعالى ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فإذا بعث فيهم رسول أو خلق في أمة فيهم رسول لزمه من حين ولادته قرينان ملك وشيطان من حين يولد لأجل وجود الشرع وأعطى كل واحد من القرينين لمة يهمزه ويقبضه بها ولا تقل إن المولود غير مكلف فلما ذا يقرن به هذان القرينان‏

[إن الله ما جعل ملك وشيطان في حق المولود]

فاعلم إن الله ما جعل له هذين القرينين في حق المولود وإنما ذلك من أجل مرتبة والديه أو من كان فيهمزه القرين الشيطاني فيبكي أو يلعب بيده فيفسد شيئا مما يكره فساده أبوه أو غيره فتكون تلك الحركة من المولود الغير مكلف سببا مثيرا في الغير ضجرا وتسخطا كراهة لفعل الله فيتعلق به الإثم فلهذا يقرن به الشيطان لا لنفسه وكذلك الملك وهو كل حركة تطرأ من المولود مما تثير في نفس الغير أمرا موجبا للشر أو للخير فإن كان شرا فمن الشيطان وإن كان خيرا فمن الملك وليس للصبي الصغير قط حركة نفسية ولا ربانية حتى يدرك وإن لم يكن في أمه لها شرع فحركته كلها نفسية من حال ولادته إلى أن يموت ما لم يرسل إليه رسول أو يدخل هو في دين إلهي يتقيد به أي دين كان مشروعا من الله أو غير مشروع حينئذ يوكل به القرينان إذ لم يكن للعقل أن يشرع القربات وإن كان على مكارم الأخلاق المعتادة في العرف المحبوبة بالطبع التي يدركها العقل ولكن لا يحكم عليها بحكم أصلا يقطع به على الله وليس له حكم في إثبات الآخرة ولا نفيها لكن هو متمكن بعقله من النظر في إثبات موجدة ولمن يستند في وجوده وما ينبغي أن يكون عليه موجدة من الصفات وما ينبغي أن يعظه به من نعوت الجلال لكن لا على جهة المنزلة الأخراوية عنده ولا يعرف بعقله ما يصير إليه بعد الموت ولا يدري هذا المدبر لبدنه ما هو ولا أين يذهب من الميت إذا مات ولو لا إن الأمر من آدم كان ابتداؤه بالنبوة فأخبر بما هنالك ففطنت العقول حيث أعلمت مال هذه النفوس فذلك الذي حرضها على البحث والنظر في ذلك وحشر النفوس بعد الموت إلى أين يكون وكيف يجمع وصورة ما ينتقل به وإليه وهل تنتقل مدبرة لمواد أخر أو تتجرد عن المادة وهل كان لها وجود قبل تسوية البدن في التكوين أم حدثت بحدوث البدن ووقفوا على حكم تأثيرات في العالم فراقبوا الأفلاك وحركات الكواكب ورأوا حدوث الآثار عند تلك الحركات عن تكرار فعلموا إن ثم نسبة بين هذا الأثر وتلك الحركات وأما ما لم تدرك الأعمار تكراره فذلك بإعلام النبي عليه السلام الذي كان في زمانهم أتاهم بما أعلمه الله وأطلعه على ما اختزنه في تلك الحركات العلوية من الآثار العنصرية وأعلمهم حكمها في الدنيا والآخرة وليس مثل هذا كله من مدركات العقول من غير موقف فلو لا التعريف الإلهي في هذه الدار والدار الآخرة ما عرف أحد شيئا مما هنالك‏

[أن كل مخلوق على فطرتهم يعظمون الحق‏]

واعلم أن كل مخلوق ما سوى الإنس والجان مفطورون على تعظيم الحق والتسبيح بحمده وكذلك أعضاء جسد الإنس والجان كلها ولكن لا على جهة التقريب وابتغاء المنزلة العظمى بل التسبيح لهم كالأنفاس في المتنفسين لما تستحقه الذات وهكذا يكون تسبيح الإنس والجان في الجنة والنار لا على طريق القربة ولا ينتج لهم قربة بل كل واحد منهم على مقام معلوم فتصير العبادة طبيعية تقتضيها حقائقهم ويرتفع التكليف ولا يتصور منهم مخالفة لأمر الله إذا ورد عليهم ولا يبقى هنالك نهي أصلا بعد قوله لأهل النار اخْسَؤُا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ وكلامنا إذا نزل الناس منازلهم في كل دار وغلقت الأبواب واستقرت الداران بأهلها الذين هم أهلها وارتفع شأن أرض الحشر وعادت كلها نارا وصار كل ما تحت مقعر فلك الكواكب الثابتة إلى منتهى أسفل سافلين دارا واحدة تسمى جهنم تحوي على حرور وزمهرير وبينهما برازخ يكون فيها التكوينات في الجلود التي يقع فيها التبديل عند الإنضاج خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والْأَرْضُ يريد المدة التي كانت الأرض عليها من يوم خلقها الله إلى يوم التبديل وكانت العرب التي نزل القرآن بلسانها تطلق هذه‏

اللفظة ونريد بها التأييد وهي منقطعة بالخبر الإلهي وتعريف النبي صلى الله عليه وسلم إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ بما يرزقون في النار من اللذة والنعيم بها إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وفي الجنة خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والْأَرْضُ من حيث جوهرهما لا من حيث صورتهما ولهذا قال عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ أي غير مقطوع ويقع الاستثناء في قوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ من زوال صورتهما إذ كانت السماء سماء والأرض أرضا فإنا نعلم أن جوهر السماء هو جوهر الدخان وتبدلت عليه الصور فالجوهر الذي قبل صورة الدخان هو الذي قبل صورة السماء كما قبل جوهر الطين والحجر صورة البيت فإذا تهدم البيت ويبس الطين ذهبت صورة البيت والطين وبقي عين الجوهر وكذلك العالم كله بالجوهر واحد وبالصور يختلف فاعلم ذلك فيكون الاستثناء في حق أهل النار لمدة عذابهم ويكون الاستثناء في حق أهل الجنة على معنى إلا أن يشاء ربك وقد شاء أن لا يخرجهم فهم لا يخرجون فإن الله ما شاء ذلك بقوله عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ولم يقل في أهل النار عذابا غير مجذوذ فافهم فإن الخبر الصحيح المتواتر قد ورد فقال تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ والسَّماواتُ ووصف السماء بأنها تصير كالدهان ووصفها بالانشقاق وإنها تمور وقال تعالى فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ أي مثل الدهن الأحمر في اللون والسيلان فهذا كله إخبار عن ذهاب الصورة لا ذهاب الجوهر ومما يتضمن هذا المنزل علم ما أراد الله من الإنسان أن يشتغل به في حال اعتباره وتفكره لما يؤديه ذلك النظر إليه من المعرفة بخالقه لا بربه فإنه لكل اسم من أسماء الله في العالم دليل خاص لا يدل على غيره من حيث هو دليل عليه ومن هنا تعلم أن الأرض خلقت من تموج الماء حتى أزبد فكان ذلك الزبد عين الأرض لأنه انتقل من المائية إلى الزبدية وفي الزبد يكون الأرض وهذا هو السبب في اختراق الصالحين لها وجلوس الميت في قبره مع ردم الأرض عليه وحكم كل ما خلق منها حكمها وحكمها حكم الزبد وحكم الزبد حكم الماء والماء يقبل الخرق وتحرك الأشياء فيه فيجري حكم هذا الأصل في جميع ما وجد عنه سواء كثف كالأرض أو سخف كالهواء والنار لكن النار للماء بمنزلة ولد الولد والأرض للماء بمنزلة الولد والهواء والزبد للماء بمنزلة أولاد الصلب فالماء لهما أب وهو للنار جد من جهة الهواء وللأرض جد من جهة الزبد فبين خلق آدم والماء وجود التراب الزبد فهو ولد ولد الولد من حيث كثافته وكذلك بما فيه من النار وبما فيه من الهواء هو ولد الولد وأما خلق حواء فبينها وبين الأصل ثلاثة آدم والتراب والزبد فهي أبعد من الأصل وأما خلق بنى آدم فهم أقرب إلى الأصل من آدم فإنهم مخلوقون من الماء فهم من الماء مثل الزبد فهم أولاد الماء لصلبه والزبد أخ لبني آدم وهو جد لآدم وأب للأرض فبنو آدم أعمام للأرض فتكون منزلة آدم من بنيه منزلة ابن الأخ من عم أبيه ويكون بنو آدم من آدم بمنزلة عم أبيه فهم أولاده وهو ولد ابن أخيهم فهم في الإسناد من هذا الوجه أقرب إلى السبب الأول وهو الجد الأعلى إلا بما في آدم من الماء الذي صار به التراب طينا ففيه إلحاق بولد الصلب بمنزلة من نكح امرأة وهي حامل من غيره فسقى زرع غيره فله فيه بما حصل له من ذلك السقي نصيب وأما خلق عيسى عليه السلام فبينه وبين الماء أمه وحواء وآدم والأرض والزبد إلا من وجه آخر فهو يشبهنا وقليل من يعثر عليه وقد نبه الله على ما أومأنا إليه بقوله فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا لما أراد الله فسرت اللذة بالنظر إليه بعد ما استعاذت منه وعرفها أنه رسول الحق ليهب لها غلاما زكيا فتأهبت لقبول الولد فسرت فيها لذة النكاح بمجرد النظر فنزل الماء منها إلى الرحم فتكون جسم عيسى من ذلك الماء المتولد عن النفخ الموجب للذة فيها فهو من ماء أمه وينكر ذلك الطبيعيون ويقولون إنه لا يتكون من ماء المرأة شي‏ء وذلك ليس بصحيح وهو عندنا إن الإنسان يتكون من ماء الرجل ومن ماء المرأة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى أنه قال إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثا وفي رواية سبق بدل علا

فقد جاء بالضمير المثنى في أذكرا وأنثا وقد قلنا في كتاب النكاح لنا في هذا الفصل إن المرأة والرجل إذا لم يسبق أحدهما صاحبه في إنزال الماء وأنزلا معا بحيث أن يختلطا ولا يعلو أحد الماءين على الآخر فإنه من أجل تلك الحالة إذا وقعت على تلك الصورة يخلق الله الخنثى فيجمع بين الذكورة والأنوثة فإن كانا على السواء من جميع الجهات والاعتدال من غير انحراف ماء من أحدهما كان الخنثى يحيض من فرجه ويمني من ذكره فيعطي الولد ويقبل الولد ممن ينكحه وقد روى أنه رؤي رجل ومعه ولدان أحدهما من صلبه والآخر من بطنه وإن انحرف الماء عن الاعتدال‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!