Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل المحمدى المكى من الحضرة الموسوية

من الجسمية كما غاب عنهم في هذه الدار في البشر الروحانية المبطونة في الأجسام فكانت الأجسام قبورا لها وفي الآخرة بالعكس الأرواح قبور الأجسام فلهذا أنكروا ذلك والكشف التام الذي فزنا به وأصحابنا هنا وفي الآخرة إنا كشفنا الأرواح هنا وغلب الأجسام الطبيعية عليها في الصورة الظاهرة فلا يرى من الأرواح في ظاهر الأجسام إلا آثارها ولو لا الموت والنوم ما عرف غير المكاشف إن ثم أمرا زائدا على ما يشاهده في الظاهر ومع وجود الموت والسكون وظهور الجسم عريا عما كان له من الآثار ذهبت طائفة إلى هذا المذهب وهم الحشيشية فما رأت أن ثم خلف هذه الصورة الظاهرة شيئا أصلا فكيف بهؤلاء لو لم يكن موت في العالم ويتضمن هذا المنزل معرفة العالم العلوي وترتيب صورته في تركيبه وإنه على خلاف ما يذكره أصحاب علم الهيئة وإن كان ما قالوه يعطيه الدليل ويجوز أن يكون الله يرتبه على ذلك ولكن ما فعل مع أنه يعطي هذا الترتيب ما يعطيه ما ذهب إليه أصحاب علم الهيئة ويتضمن علم ما أودع الله في العالم السفلي في ترتيبه من الأمور ويتضمن معرفة المكلفين ومن أين كلفت وما يحركهم ويتضمن علم القربات ويتضمن علم سبب قصم الجبابرة المتكبرين على الله ويتضمن إلحاق الحيوان بالإنسان في العلم بالله ويتضمن علم العواقب وما آل كل عالم فقد ذكرت رءوس ومسائله والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الرابع والتسعون ومائتان في معرفة المنزل المحمدي المكي من الحضرة الموسوية»

حرم الله قلب كل نبي *** وكذا قيل قلب كل ولي‏

ورثوه وورثوه بينهم *** في علوم وفي مقام علي‏

فإذا ما نسبت للشرع علما *** فاطلب العلم في حروف الروي‏

وبحار لها معارف نور *** في شريف محقق ودني‏

ونبي مطهر ورسول *** وفقير ممردك وغني‏

ونعيم مرتب في علو *** وعذاب مقسم في ركي‏

[هل للعدم مرتبة عند الله أم لا]

اعلم أن هذا المنزل يتضمن علم مرتبة العالم عند الله بجملته وهل العدم له مرتبة عند الله يتعين تعظيمه من أجلها أم لا وهل من خلق من أهل الشقاء المغضوب عليه له مرتبة تعظيم عند الله أم لا وهل التعظيم الإلهي له أثر في المعظم بحيث أن يسعد به أم لا وما سبب تعظيم الله العالم وهل لمن عظم العالم من الخلق صفة يعرف بها أم لا وما الأسماء الإلهية التي تضاف إلى المخلوقين في مذهب من يقول ما أقسم الله قط إلا بنفسه لكن أضمره تارة وأظهره في موطن آخر ليعلم أنه مضمر فيما لم يذكر وجميع ما يتعلق بهذا الفن يتضمنه هذا المنزل إن ذكرناها على التفصيل طال الكلام‏

[هل يشارك الإنسان والحيوان في الخلق أم لا من العالم‏]

ومما يتضمن هذا المنزل علم خلق الإنسان من العالم وهل الحيوان مشارك له في هذا الخلق أم هو خصيص به ولم خص بهذا الضرب من الخلق وإن كان يشاركه الحيوان فيه فلم عين الإنسان بالذكر وحده ولما ذا ذكرت لفظة الإنسان في القرآن حيثما ذكرت ونيط بذكرها إما الذم وإما الضعف والنقص وإن ذكر بمدح أعقبه الذم منوطا به فالذم كقوله إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ والضعف والنقص مثل قوله خَلَقْنَا الْإِنْسانَ من سُلالَةٍ من طِينٍ وقوله لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في كَبَدٍ والذم العاقب للمدح كقوله لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ هذا مدح ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ هذا ذم ويتضمن علم مال أصحاب الدعاوي التي تعطيها رعونة الأنفس ويتضمن تقرير النعم الحسية والمعنوية ويتضمن التخلق بالأسماء ويتضمن علم القوة التي أعطيها الإنسان وأن لها أثرا وفي ذلك رد على الأشاعرة وتقوية للمعتزلة في إضافة الأفعال إلى المكلفين ويتضمن علم ما يقع فيه التعاون ويتضمن علم مال عرف الدليل وتركه لهوى نفسه فهذا جميع رءوس ما يتضمنه هذا المنزل من المسائل وهي تتشعب إلى ما لا يحصى كثرة إلا عن مشقة كبيرة فأما مرتبة العالم عند الله بجملته‏

[إن الله تعالى خلق العالم دليلا على معرفته‏]

فاعلم إن الله تعالى ما خلق العالم لحاجة كانت له إليه وإنما خلقه دليلا على معرفته ليكمل بذلك ما نقص من مرتبة الوجود ومرتبة المعرفة فلم يرجع إليه سبحانه من خلقه وصف كمال لم يكن عليه بل له الكمال على الإطلاق ولا أيضا كان العالم في خلقه مطلوبا لنفسه لأنه ما طرأ عليه من خلقه صفة كمال بل له النقص الكامل على الإطلاق سواء

خلق أو لم يخلق بل كان المقصود ما ذكرناه مرتبة الوجود ومرتبة المعرفة أن تكمل بوجود العالم وما خلق الله فيه من العلم بالله لما أعطاه التقسيم العقلي فإن وصف العالم بالتعظيم فمن حيث نصب دليلا على معرفة الله وأن به كملت مرتبة الوجود ومرتبة المعرفة والدليل يشرف بشرف مدلوله ولما كان العلم والوجود أمرين يوصف بهما الحق تعالى كان لهما الشرف التام فشرف العالم لدلالته على ما هو شريف فإن قال القائل كان يقع هذا بجوهر فرد يخلقه في العالم إن كان المقصود الدلالة قلنا صدقت وذلك أردنا إلا أن لله تعالى نسبا ووجوها وحقائق لا نهاية لها وإن رجعت إلى عين واحدة فإن النسب لا تتصف بالوجود فيدخلها التناهي فلو كان كما أشرت إليه لكان الكمال للوجود والمعرفة بما يدل عليه ذلك المخلوق الواحد فلا يعرف من الحق إلا ما تعطيه تلك النسبة الخاصة وقد قلنا إن النسب لا تتناهى فخلق الممكنات لا تتناهى فالخلق على الدوام دنيا وآخرة فالمعرفة تحدث على الدوام دنيا وآخرة ولذا أمر بطلب الزيادة من العلم أ تراه أمره بطلب الزيادة من العلم بالأكوان لا والله ما أمر إلا بالزيادة من العلم بالله بالنظر فيما يحدثه من الكون فيعطيه ذلك الكون عن أية نسبة إلهية ظهر ولهذا نبه صلى الله عليه وسلم القلوب‏

بقوله في دعائه اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك‏

والأسماء نسب إلهية والغيب لا نهاية له فلا بد من الخلق على الدوام والعالم من المخلوقين لا بد أن يكون علمه متناهيا في كل حال أو زمان وأن يكون قابلا في كل نفس لعلم ليس عنده محدث متعلق بالله أو بمخلوق يدل على الله ذلك العلم فافهم فإن قال القائل فالأجناس محصورة بما دل عليه العقل في تقسيمه وكل ما يخلق مما لا يتناهى داخل في هذا التقسيم العقلي إذ هو تقسيم دخل فيه وجود الحق قلنا التقسيم صحيح في العقل وما تعطيه قوته كما أنه لو قسم البصر المبصرات لقسمها بما تعطيه قوته وكذلك السمع وجميع كل قوة تعطي بحسبها ولكن ما يدل ذلك على حصر المخلوقات فإنها قسمت على قدر ما تعطي قوتها وما من قوة تعطي أمرا وتحصر القسمة فيه إلا ويخرج عن قسمتها ما لا تعطيه قوتها فقوة السمع تقسم المسموعات ومتعلقها الكلام والأصوات لا غير فقد خرج عنها المبصرات كلها والمطعومات والمشمومات والملموسات وغيرها وكذلك أيضا العقل لما أعطى بقوته ما أعطى لم يدل ذلك على أنه ما ثم أمور إلهية لا تعطي العلم بتفاصيلها وحقائقها قوة العقل وإن دخلت في تقسيمه من وجه فقد خرجت عنه من وجوه وجائز أن يخلق الله في عبده قوة أخرى تعطي ما لا تعطيه قوة العقل فيرد المحال واجبا والواجب محالا والجائز كذلك فمن جهل ما تقتضيه الحضرة الإلهية من السعة بعدم التكرار في الخلق والتجليات لم يقل مثل هذا القول ولا اعترض بمثل هذا الاعتراض فإن قال لا بد أن يكون ما خلق تحت حكم العقل وداخلا في تقسيمه إما تحت قسمة النفي أو الإثبات قلنا صدقت ما تمنع أن يكون ما يعلم مما كان لا يعلم إما في قسم النفي أو الإثبات ولكن ما يدخل تحت ذلك النفي أو الإثبات هل يعطي ما يعطي النفي من العلم أو يعطي ما يعطي الإثبات من العلم أو يعطي أمرا آخر فإن النفي قد أعطى من العلم بالله ما أعطى من حيث ما هو نفي لا من حيث ما هو تحت دلالته من المنفيات التي لا نهاية لها وإن الإثبات قد أعطى من العلم بالله ما أعطى من حيث ما هو إثبات لا من حيث ما تحت دلالته من المثبتين فإذا الإيجاد مستمر والعلم فينا يحدث بحدوث الإيجاد والمعلوم الذي تعلق به العلم من ذلك الدليل الخاص ليس هو المعلوم الآخر فهو معلوم لله لا للعالم فكملت مرتبة ذلك العلم بوجوده في هذا العالم الكوني وكملت مرتبة الوجود الخاص بهذا الموجود بظهور عينه والذي يعطيه كل موجود من العلم الذوقي لا يعطيه الآخر ولقد يجد الإنسان من نفسه تفرقة ذوقية في أكله تفاحة واحدة في كل عضة يعض منها إلى أن يفرغ من أكلها ذوقا لا يجده إلا في تلك العضة خاصة والتفاحة واحدة ويجد فرقانا حسيا في كل أكلة منها وإن لم يقدر يترجم عنها ومن تحقق ما ذكرناه يعلم أن الأمر خارج عن طور كل قوة موجودة كانت تلك القوة عقلا أو غيره فسبحان من تعلق علمه بما لا يتناهى من المعلومات لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قال تعالى ولا يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ من عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وقد بين لك في هذه الآية أن العقل وغيره ما أعطاه الله من العلم إلا ما شاء ولا يُحِيطُونَ به عِلْماً ولذا قال وعَنَتِ الْوُجُوهُ عقيب قوله ولا يُحِيطُونَ به عِلْماً أي إذا عرفوا أنهم لا يحيطون به علما خضعوا وذلوا وطلبوا الزيادة من العلم فيما لا علم لهم به منه والوجوه هنا أعيان الذوات وحقائق الموجودات إذ وجه كل شي‏ء ذاته وكل‏

ما خلق الله من العالم فإنما خلقه الله على كماله في نفسه فذلك الكمال وجهه قال تعالى أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ فقد أكمله ثُمَّ هَدى‏ فأعطى الهدى أيضا الذي هو البيان هنا خلقه فأبان الأمر بعبيده على أكمل وجوهه عقلا وشرعا ما أبهم ولا رمز ولا لغز إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وقُرْآنٌ مُبِينٌ ... لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولو لا البيان ما فصل بين المتشابه والمحكم ليعلم أن المتشابه لا يعلمه إلا الله والمحكم يتعلق به علمنا فلو لم ينزل المتشابه لنعلم أنه متشابه لكوننا نرى فيه وجها يشبه أن يكون وصفا للمخلوق ويشبه أن يكون وصفا للخالق فلا يعلم معنى ذلك المتشابه إلا الله فلو لم ينزل المتشابه لم يعلم أن ثم في علم الله ما يكون متشابها وهذا غاية البيان حيث أبان لنا أن ثم ما يعلم وثم ما لا يعلمه إلا الله وقد يمكن أن يعلمه الله من يشاء من خلقه بأي وجه شاء أن يعلمه ومما يتضمن هذا المنزل العلم بالأقسام الإلهية التي وردت في الشرائع المتقدمة والمتأخرة لما أقسم وإذا أقسم بمن أقسم هل بنفسه أو بمخلوقاته أو بهذا وقتا وبهذا وقتا آخر مثل قوله تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا فأقسم بالله وكقوله فَوَ رَبِّكَ فَوَ رَبِّ السَّماءِ والْأَرْضِ وكقوله والذَّارِياتِ والْمُرْسَلاتِ والصَّافَّاتِ والنَّجْمِ والشَّمْسِ وغير ذلك من المخلوقين الذين أقامهم في الظاهر مقام أسمائه فإن كان أضمر فما أضمر من الأسماء وعلى كل حال فلها شرف عظيم بإضافتها إليه سواء أظهر الاسم أو لم يظهر والقسم العام فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وما لا تُبْصِرُونَ فدخل في هذا القسم من الموجودات جميع الأشياء ودخل فيه العدم والمعدومات وهو قوله وما لا تُبْصِرُونَ وما تبصرونه في الحال والمستقبل والمستقبل معدوم فللأشياء نسبة إلى الشرف والتعظيم وكذلك العدم فأما شرف العدم المطلق فإنه يدل على الوجود المطلق فعظم من حيث الدلالة وهو مما يجري على ألسنة الناس وقد نظم ذلك فقيل‏

وبضدها تتميز الأشياء

فالعدم ميز الوجود والوجود ميز العدم وأما شرف العدم المقيد فإنه على صفة تقبل الوجود والوجود في نفسه شريف ولهذا هو من أوصاف الحق فقد شرف على العدم المطلق بوجه قبوله للوجود فله دلالتان على الحق دلالة في حال عدمه ودلالة في حال وجوده وشرف العدم المطلق على المقيد بوجه وهو أنه من تعظيمه لله وقوة دلالته إنه ما قبل الوجود وبقي على أصله في عينه غيرة على الجناب الإلهي أن يشركه في صفة الوجود فينطلق عليه من الاسم ما ينطلق على الله ولما كان نفس الأمر على هذا شرع الحق للموجودات التسبيح وهو التنزيه وهو أن يوصف بأنه لا يتعلق به صفات المحدثين والتنزيه وصف عدمي فشرف سبحانه لعدم المطلق بأن وصف به نفسه فقال سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ تشريفا للعدم لهذا القصد المحقق منه في تعظيم الله فإنه أعرف بما يستحقه الله من المعدوم المقيد فإنه له صفة الأزل في عدمه كما للحق صفة الأزل في وجوده وهو وصف الحق بنفي الأولية وهي وصف العدم بنفي الوجود عنه لذاته فلم يعرف الله مما سوى الله أعظم معرفة من العدم المطلق ولما كان للعدم هذا الشرف وكان الدعوى والمشاركة للموجودات لهذا قيل لنا وقَدْ خَلَقْتُكَ من قَبْلُ ولَمْ تَكُ شَيْئاً أي ولم تك موجودا فكن معي في حال وجودك من عدم الاعتراض في الحكم والتسليم لمجاري الأقدار كما كنت في حال عدمك فجعل شرف الإنسان رجوعه في وجوده إلى حال عدمه فلو لا شرف العدم بما ذكرناه ما نبه الحق الموجود المخلوق على الرجوع إلى تلك الحالة في الحكم لا في العين ولا يقدر على هذا الوصف من الرجوع إلى العدم بالحكم مع الوجود العيني إلا من عرف من أين جاء وما يراد منه وما خلق له فقد تبين لك من شرف العدم المطلق ما فيه كفاية وهذه مسألة أغفلها الناس ولم يعقلوها عن الله حين ذكرها ولما تبين أن الشرف للموجودات والمعدومات إنما كان من حيث الدلالة وجب تعظيمها فقال تعالى ومن يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله فَإِنَّها من تَقْوَى الْقُلُوبِ والشعائر هي الإعلام فهي الدلالات فمن عظمها فهو تقي في جميع تقلباته فإن القلوب من التقليب وما قال سبحانه إن ذلك‏

من تقوى النفوس ولا من تقوى الأرواح ولكن قال من تَقْوَى الْقُلُوبِ لأن الإنسان يتقلب في الحالات مع الأنفاس وهو إيجاد المعدومات مع الأنفاس ومن يَتَّقِ الله في كل تقلب يتقلب فيه فهو غاية ما طلب الله من الإنسان ولا يناله إلا الأقوياء الكمل من الخلق لأن الشعور بهذا التقلب عزيز ولهذا قال شَعائِرَ الله أي هي تشعر بما تدل عليه وما تكون شعائر إلا في حق من يشعر بها ومن لا يشعر بها وهم أكثر الخلق فلا يعظمها فإذا لا يعظمها إلا من قصد الله في جميع توجهاته وتصرفاته كلها ولهذا ما ذكرها الله إلا في الحج الذي هو تكرار القصد ولما كان القصد لا يخلو عنه‏

إنسان كان ذكر الشعائر في آية الحج وذكر المناسك وهي متعددة أي في كل قصد فكان سبب القسم بالأشياء طلب التعظيم من الخلق للأشياء حتى لا يهملوا شيئا من الأشياء الدلالة على الله سواء كان ذلك الدليل سعيدا أو شقيا وعدما أو وجودا أي ذلك كان وإن كان القصد الإلهي بالقسم نفسه لا الأشياء بل المقصود الأمران معا وهو الصحيح فاعلم أنه ليس المراد بهذا القصد الآخر إلا التعظيم لنا والتعريف فذكر الأشياء وأضمر الأسماء الإلهية لتدل الأشياء على ما يريده من الأسماء الإلهية فما تخرج عن الدلالة وشرفها فقال والسَّماءِ وما بَناها أي وباني السماء والْأَرْضِ وما طَحاها أي وباسط الأرض والنَّجْمِ إِذا هَوى‏ أي ومسقط النجم فاختلفت الأشياء فاختلفت النسب فاختلفت الأسماء وتعينت المختصة بهذا الكون المذكور فعلم من الله ما ينبغي أن يطلق عليه من الأسماء في المعنى فيما أضمر وفي اللفظ فيما أطلق إذ لو أراد إطلاق ما أضمره عليه لأظهره كما أظهره في قوله فَوَ رَبِّ السَّماءِ والْأَرْضِ فجاء بالاسم الرب بالنسبة الخاصة المتعلقة بالسماء خاصة واسم الأرض مضمر لأنه للرب نسبة خاصة في الأرض ليست في السماء ولذلك لم يتماثلا بل السماء مغايرة للأرض لاختلاف النسب فنسبة الرب لخلق السماء مغايرة للنسبة الربانية لخلق الأرض ولو لا وجود الواو في قوله والأرض الذي يعطي التشريك لقلنا باختلاف الاسم الرب لاختلاف النسبة ولكن الواو منعت والقرآن نزل باللسان العربي والواو في اللسان في هذا الباب إذا ذكر الأول ولم يذكر في المعطوف عليه حكم آخر دلت على التشريك فإذا قلت قام زيد وعمر وفلا يريد القائل إذا وقف على هذا من غير قاطع عرضي مثل انقطاع النفس بسعلة تطرأ عليه أو شغل يشغله عن تمام تلفظه في مراده فهو للتشريك ولا بد فيما ذكر فالقاطع منعه أن يقول وعمر وخارج أو يقول وعمر وأبوه قاعد فهذه الواو واو الابتداء والحال لا واو العطف فإذا قال قام زيد وخرج عمرو فهذه واو العطف أعني عطف جملة على جملة لا واو التشريك فلهذا جعلنا الواو في قوله والأرض للتشريك في الاسم الإلهي المذكور الذي هو المعطوف عليه وكان الإضمار في النسبة التي يقع فيها التغاير فافهم فإنه من دقيق المعرفة بالله‏

[ما نص بتسرمد العذاب الذي هو الألم‏]

واعلم أنه لما رأى بعض العارفين تعظيم هذه الأمور مشروعا ألحق كل ما سوى الله بالسعادة التي هي في حق أصحاب الأغراض من المخلوقين وصولهم إلى أغراضهم التي تخلق لهم في الحال فلم يبق صاحب هذا النظر أحدا في العذاب الذي هو الألم فإنه مكروه لذاته وإن عمروا النار فإن لهم فيها نعيما ذوقيا لا يعرفه غيرهم فإنه لكل واحدة من الدارين ملؤها فأخبر الله أنه يملؤها ويخلد فيها مؤبدا ولكن ما ثم نص بتسرمد العذاب الذي هو الألم لا الحركات السببية في وجود الألم في العادة بالمزاج الخاص المحس للألم فقد نرى الضرب والقطع والحرق في الوجود ظاهرا ولكن لا يلزم عن تلك الأفعال ألم ولا بد وقد شاهدنا هذا من نفوسنا في هذا الطريق وهذا من شرف الطريق وفيه يقول أصحابنا ليس العجب من ورد في بستان فإنه المعتاد وإنما العجب من ورد في وسط النار لأنه غير معتاد يريد أنه ليس العجب ممن يجد اللذة في المعتاد وإنما العجب ممن يجد اللذة في غير السبب المعتاد وهو كان مطلوب أبي يزيد في قوله‏

سوى ملذوذ وجدي بالعذاب‏

ولهذا سمي عذابا لأنه يعذب في حال ما عند قوم ما لمزاج يطلبه وإذا كان الحق يأمر بتعظيم كل ما سواه مما هو مضاف إليه وما ثم إلا ما هو مضاف إليه إما نصا أو عقلا فبعيد إن يتسرمد عليه العذاب الذي هو الألم وقد كان الله ولا شي‏ء معه ولم يرجع إليه وصف لم يكن عليه مما أوجده وخلقه فكذلك هو ويكون وإنما قلنا هذا من أجل من يقول بنفي اسم من الأسماء الإلهية لا أثر له قلنا وإن لم يكن له أثر فليس كماله بوجود الأثر عنه فإن العين واحدة فافهم ذلك وهذه مسألة من أشكل المسائل في هذا الطريق‏

[إن رحمة الله سبقت غضبه‏]

والله يقول إن رحمته سبقت غضبه يريد أن حكمه برحمة عباده سبق غضبه عليهم ولا يظهر السبق في نفس الشأو فإنه قد يكون الفرس واسع النفس بطي‏ء الحركة والآخر ضيق النفس سريع الحركة والشأو طويل فلا يزال الواسع النفس وإن أبطأ في الحضر يدخل على الضيق النفس حتى يزيد عليه ويتركه خلفه فلا يحكم بالسبق إلا في آخر الشأو فمن حاز قصب السبق فهو السابق ولهذا يطول في المسابقة بين الخيل في المسافة وهو مشروع في معرض التنبيه على هذا المقام وآخر المسافة هو الذي ينتهي إليه الحكم بالسبق والرحمة سبقت غضب الله على خلقه فهي تحوز العالم في الدارين بكرم الله وما ذلك على الله بعزيز وإن كانوا في النار فلهم فيها نعيم فإنهم‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!