Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل مناجاة الجماد ومن حصل فيه حصل من الحضرة المحمدية والموسوية نِصفها

يدخل بها الجنة أو النار وأهل النار كلهم مسئولون فإذا دخلوا الجنة واستقروا فيها ثم دعوا إلى الرؤية وبادروا حشروا في صورة لا تصلح إلا للرؤية فإذا عادوا حشروا في صورة تصلح للجنة وفي كل صورة ينسى صورته التي كان عليها ويرجع حكمه لي حكم الصورة التي انتقل إليها وحشر فيها فإذا دخل سوق الجنة ورأى ما فيه من الصور فآية صورة رآها واستحسنها حشر فيها فلا يزال في الجنة دائما يحشر من صورة إلى صورة إلى ما لا نهاية له ليعلم بذلك الاتساع الإلهي فكما لا يتكرر عليه صور التجلي كذلك يحتاج هذا المتجلي له أن يقابل كل صورة تتجلى له بصورة أخرى تنار إليه في تجليه فلا يزال يحشر في الصور دائما يأخذها من سوق الجنة ولا يقبل من تلك الصور التي في السوق ولا يستحسن منها إلا ما يناسب صورة التجلي الذي يكون له في المستقبل لأن تلك الصورة هي كالاستعداد الخاص لذلك التجلي فاعلم هذا فإنه من لباب المعرفة الإلهية ولو تفطنت لعرفت أنك الآن كذلك تحشر في كل نفس في صورة الحال التي أنت عليها ولكن يحجبك عن ذلك رؤيتك المعهودة وإن كنت تحس بانتقالك في أحوالك التي عليها تتصرف في ظاهرك وباطنك ولكن لا تعلم أنها صور لروحك تدخل فيها في كل آن وتحشر فيها ويبصرها العارفون صورا صحيحة ثابتة ظاهرة العين وهذا المنزل منزل الخبرة والمهيمن عليه الاسم الرب وهذه الصور إنما تطلبها الخبرة لإقامة الحجة عليها في موطن التكليف فالعارف يقدم قيامته في موطن التكليف التي يؤول إليها جميع الناس فيزن على نفسه أعماله ويحاسب نفسه هنا قبل الانتقال وقد حرض الشرع على ذلك‏

فقال حاسبوا أنفسكم قبل إن تحاسبوا

ولنا فيه مشهد عظيم عايناه وانتفعنا بهذه المحاسبة فيه فلم تعد علينا في الموطن الذي يحاسب الناس فيه وما أخذت هذا المقام إلا من شيخنا أبي عبد الله بن المجاهد وأبي عبد الله بن قسوم بإشبيلية فإنه كان حالهما وزدت على ابن قسوم في ذلك بمحاسبة نفسي بالخواطر وكان الشيخ لا يحاسب نفسه إلا على الأفعال والأقوال لا غير وهذا القدر كاف في التعريف بما يتضمنه هذا المنزل والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ قيل لي قل في آخر كل منزل سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك‏

«الباب الخامس والثمانون ومائتان في معرفة منزل مناجاة الجماد ومن حصل فيه حصل من الحضرة المحمدية والموسوية نصفها»

تناجيني العناصر مفصحات *** بما فيها من العلم الغريب‏

فاعلم عند ذاك شفوف جسمي *** على نفسي وعقلي من قريب‏

فيا قومي علوم الكشف تعلو *** بما تعطي على علم القلوب‏

فإن العقل ليس له مجال *** بميدان المشاهد والغيوب‏

فكم للفكر من خطأ وعجز *** وكم للعين من نظر مصيب‏

ولو لا العين لم يظهر لعقل *** دليل واضح عند اللبيب‏

أما قولنا وكم للعين من نظر مصيب فإنما جئنا به صنعة شعرية لما قلنا قبل في صدر البيت وإنما المذهب الصحيح إن العين لا تخطئ أبدا لا هي ولا جميع الحواس فإن إدراك الحواس الأشياء إدراك ذاتي ولا تؤثر العلل الظاهرة العارضة في الذاتيات‏

[إدراك العقل على قسمين إدراك ذاتي وإدراك غير ذاتي‏]

وإدراك العقل على قسمين إدراك ذاتي هو فيه كالحواس لا يخطئ وإدراك غير ذاتي وهو ما يدركه بالآلة التي هي الفكر وبالآلة التي هي الحس فالخيال يقلد الحس فيما يعطيه والفكر ينظر في الخيال فيجد الأمور مفردات فيحب أن ينشئ منها صورة يحفظها العقل فينسب بعض المفردات إلى بعض فقد يخطئ في النسبة الأمر على ما هو عليه وقد يصيب فيحكم العقل على ذلك الحد فيخطئ ويصيب فالعقل مقلد ولهذا اتصف بالخطإ ولما رأت الصوفية خطأ النظار عدلوا إلى الطريقة التي لا لبس فيها ليأخذوا الأشياء عن عين اليقين ليتصفوا بالعلم اليقيني فإن الجاهل قد يتصف بالعلم فيما جهله ولا يتصف باليقين ولهذا جاز أن يضاف العلم إلى اليقين وليس من إضافة الشي‏ء إلى نفسه لا لفظا ولا معنى فأما اللفظ فإن لفظة اليقين ما هي لفظة العلم فجازت الإضافة ومن طريق المعنى‏

إن اليقين عبارة عن استقرار العلم في النفس والاستقرار ما هو عين المستقر بل الاستقرار صفة للمستقر وهي حقيقة معنوية لا نفسية فليست عين نفس العلم فجازت الإضافة وإنما قلنا إن الجاهل قد يتصف بالعلم فيما هو جاهل به فهو قوله تعالى فَأَعْرِضْ

عَنْ من تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا ولَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ من الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى‏ فذكر اعلم في الصنفين إنما شرحنا بهذا الكلام ما قلناه في شعرنا فهو يتضمن شرح ما في هذا المنزل فلهذا أوردناه فلنرجع لي ما يعطيه هذا المنزل فنقول والله المؤيد

[من منزل مناجاة الجماد تسبيح الحصى في كف النبي ص‏]

اعلم أن من هذا المنزل تسبيح الحصى في كف النبي صلى الله عليه وسلم ومن هذا المنزل أكله كتف الشاة ومن هذا المنزل حبه جبل أحد ومن هذا المنزل سلم عليه الحجر ومنه يشهد للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس ومنه هرب الحجر بثوب موسى عليه السلام حتى أبصرت بنو إسرائيل عورته بريئة مما نسبوا إليه فقال فَبَرَّأَهُ الله مِمَّا قالُوا وكانَ عِنْدَ الله وَجِيهاً ومنه قالت السموات والأرض لما تعلق بهما الأمر الإلهي أَتَيْنا طائِعِينَ ولما كان طلب حمل الأمانة عرضا لا أمرا لهذا أبت القبول لعلمها أنها تقع في الخطر فلا تدري ما يؤول إليه أمرها في ذلك وحكم هذا المنزل في الشرع واسع فلنذكر بتأييد الله بعض ما يتضمنه هذا المنزل إن شاء الله تعالى‏

[علم الحركات المعقولة والمحسوسة]

فأول علم يتضمنه هذا المنزل علم الحركات المعقولة والمحسوسة فاعلم إن الحركات وهي المعاني التي تكون عنها الانتقالات واختلف أصحابنا فيها هل هي ذوات موجودة في عينها أم هي نسب وهي عندنا نسب وهذه النسب تعطي من الأحكام بحسب ما تنسب إليه فلها نسبة في المتحيزات تخالف نسبتها في غير المتحيزات ونسبة في الأجسام تخالف نسبتها في الجواهر وما من موجود إلا ولها فيه نسبة خاصة وإن كانت نسبة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من الليل‏

وهو موصوف سبحانه بأنه على عرشه مستو بالمعنى الذي أراده وهُوَ سبحانه مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ كما يليق به وهو أقرب من حَبْلِ الْوَرِيدِ إلينا وهو تعالى في العماء ما فوقه هواء وما تحته هواء فهذا كله يدلك على ما يراد بالانتقالات فقد يكون ظهور حكم صفة على صفة وقد يكون الانتقال من حال إلى حال وقد يكون من حيز إلى حيز وقد يكون من مكان إلى مكان وقد يكون من منزلة إلى منزلة فقد أعلمتك أن الانتقال سار في جميع الموجودات على ما تستحقه ذواتها فتختلف كيفيات النسب وكله راجع إلى حكم الحركة ومن هذا الباب قوله تعالى سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ وقوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ ثم لتعلم بعد أن قررنا هذا أن الحركة في المتحركات على قسمين طبيعية وهي كالنمو في الناميات وعرضية والعرضية اختيارية وغير اختيارية فالاختيارية لا توجد إلا في الحيوان وغير الاختيارية تكون في الحيوان وغيره وقسرية وهي التي تقع من غير المتحرك سواء اقتضاها طبعه أو لم يقتضها طبعه فالجماد والنبات الحركة القسرية فيه لا يقتضيها طبعه وغير الجماد تكون فيه على خلاف ما يقتضيه اختياره وقد يكون المحرك من جنس المحرك وقد لا يكون وقد تكون الحركة قسرية عن حركة قسرية وقد تكون لا عن حركة قسرية فالأولى كتحريك الرياح الأغصان والثانية رمى الإنسان الحجر علوا في الهواء ويدق الكلام في هذه المسألة ويخفى فإنها مسألة عظيمة القدر وما هي من العقول ببال ولها تعلق بباب التولد مثل حركة الخاتم لحركة الإصبع وحركة الكم لحركة اليد وللحركة سلطان عظيم حكمها مشهود في الأجسام ولوازمها ومعقول في المعاني وما لا يعرف حده فلها السريان الأتم في الموجودات وأول حكم لها في كل ما سوى الله خروج الأعيان وانتقالها من حالة العدم إلى حالة الوجود ولا يصح استقرار من موجود أصلا فإن الاستقرار سكون والسكون عدم الحركة فافهم وبعد أن تقرر هذا فإن الحركة التي في هذا المنزل التبس على الناس أمرها فما عرفوا هل هي طبيعية أو قسرية أو طبيعية قسرية أو طبيعية لا قسرية أو قسرية لا طبيعية وإنما تصور الخلاف ممن لم يشهد هذا المنزل ولا دخل فيه وهي عندنا حركة طبيعية اختيارية لإظهار أسرار عن أمر إلهي واختلفوا في السبب الموجب لهذه الحركة هل السبب سبب الحميات أو سببها عالم الأنفاس أو لا سبب لها إلا الأمر الإلهي‏

[تحريك الهواء الأشجار]

فاعلم إن الأمر في ذلك وجود الأمر الإلهي في عالم الأنفاس فتوجه على هذا الكون فحركه فقبل الحركة بطبعه كتوجه الهواء على الأشجار ليحركها بهبوبه فالمشاهد يرى حركة الأغصان لهبوب الرياح والعلم يرى أنه‏

لو لا ما أخلت الأغصان أحيازها لم تجد الرياح حيث تهب فلها الحكم فيها بوجه وليس لها الحكم فيها بوجه وكان المقصود من تحريك الهواء الأشجار إزالة الأبخرة الفاسدة عنها لئلا تودع فيها ما يوجب العلل والأمراض في العالم إذا تغذت به تلك الأشجار فيأكلها الحيوان أو تفسد هي في نفسها بتغذيها بذلك فكان هبوب الرياح لمصالح العالم حيث يطرد الوخم عنه ويصفي الجو فتكون الحياة طيبة فالريح سبب مقصود غير مؤثر في مسببه وإنما الأثر في ذلك لناصب الأسباب وجاعلها حجابا عنه ليتبين الفضل بين الخلائق في المعرفة بالله ويتميز من أشرك ممن وحد فالمشرك جاهل على الإطلاق فإن الشركة في مثل هذا الأمر لا تصح بوجه من الوجوه فإن إيجاد الفعل لا يكون بالشركة ولهذا لم تلتحق المعتزلة بالمشركين فإنهم وحدوا أفعال العباد للعباد فما جعلوهم شركاء وإنما أضافوا الفعل إليهم عقلا وصدقهم الشرع في ذلك والأشاعرة وحدوا فعل الممكنات كلها من غير تقسيم لله عقلا وساعدهم الشرع على ذلك لكن ببعض محتملات وجوه ذلك الخطاب فكانت حجج المعتزلة فيه أقوى في الظاهر وما ذهبت إليه الأشاعرة في ذلك أقوى عند أهل الكشف من أهل الله وكلا الطائفتين صاحب توحيد والمشرك إنما جهلناه لكون الموجود لا يتصف إلا بإيجاد واحد والقدرة ليس لها في الأعيان إلا الإيجاد فلا يكون الموجود موجودا بوجودين فلا يصح أن يكون الوجود عن تعلق قدرتين فإن كل واحدة منهما إنما تعطي الوجود للموجود فإذا أعطته الواحدة منهما وجوده فما للأخرى فيه من أثر فبطل إذا حققت الشركة في الفعل ولهذا هو غير مؤثر في العقائد فالمشرك الخاسر المشروع مقته هو من أضاف ما يستحقه الإله إلى غير الله فعبده على أنه إله فكأنه جعله شريكا في المرتبة كاشتراك السلطانين في معنى السلطنة وإن كان هذا لا يحكم في ملك هذا ولكن كل واحد منهما سلطان حقيقة وبعد أن عرفت ما يتعلق من العلم بالحركة على قدر ما أعطاه الوقت من التعريف بذلك فلنبين من هذا المنزل لم وجدت هذه الحركة الخاصة فاعلم أنها وجدت لإظهار ما خفي في الغيب من الأخبار التي يثقل كونها على الخلق كما قال تعالى إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا وقال في شأن الساعة ثَقُلَتْ في السَّماواتِ والْأَرْضِ وذلك أن الغيب إذا ثقل عليه الأمر وضاق عنه ولم يتسع له استراح على عالم الشهادة فتنفس الغيب تنفس الحامل المثقل فأبرز في عالم الشهادة ما كان ثقل عليه حمله وهو في المعنى كما يثقل على الإنسان كتم سره وحمل همه إذا لم يجد من يستريح عليه من إخوانه فإذا وجد أخا يبث إليه من همه الذي هو فيه وثقل عليه ما يجد في بثه له راحة بما أخذه منه صاحبه فكأنه قاسمه فيه فخف عليه فإن كان ما وقع له به الهم تحت قدرة من يبثه إليه من إخوانه فقضى حاجته أزال ذلك الثقل عنه بالكلية فمثل هذا هو الثقل الذي يكون في الغيب فيستريح على الشهادة وسبب ذلك كونه ليس له إنما هو أمانة عنده للشهادة وإذا كان المطلوب من ذلك الأمر الشهادة فإنما هو عند الغيب أمانة فيكون الغيب مكلفا بحفظها وأدائها في وقتها إلى الشهادة فبالضرورة يثقل عليه أ لا ترى إلى قول الله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ والْأَرْضِ والْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وأَشْفَقْنَ مِنْها وحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً يعني لنفسه جَهُولًا يعني بقدرها فهي ثقيلة في المعنى وإن كانت خفيفة في التحمل فكانت السموات والأرض والجبال في هذه المسألة

[إن الله خلق آدم على صورته‏]

اعلم من الإنسان ولم تكن في الحقيقة اعلم وإنما الإنسان لما كان مخلوقا على الصورة الإلهية وكان مجموع العالم اغتر بنفسه وبما أعطاه الله من القوة بما ذكرناه فهان عليه حملها ثم إنه رأى الحق قد أهله للخلافة من غير عرض عليه مقامها فتحقق إن الأهلية فيه موجودة ولم تقو السموات على الانفراد ولا الأرض على الانفراد ولا الجبال على الانفراد قوة جمعية الإنسان فلهذا فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وأَشْفَقْنَ مِنْها وما علم الإنسان ما يطرأ عليه من العوارض في حملها فسمى بذلك العارض خائنا فإنه مجبول على الطمع والكسل وما قبلها إلا من كونه عجولا فلو فسح الحق له في الزمان حتى يفكر في نفسه وينظر في ذاته وفي عوارضه لبان له قدر ما عرض عليه فكان يأبى ذلك كما أبته السماء وغيرها ممن عرضت عليه ولقد روينا فيما رويناه عن الحسن البصري أن رجلا قدم من سفر فقصد دار الحسن فلما خرج إليه الحسن قال له إني قدمت من مدينة كذا وحملني فلان صديقك السلام عليك فهو يسلم عليك فقال له الحسن متى قدمت قال الساعة قال هل مشيت إلى بيتك قبل إن تأتيني قال لا هذا دخولي على حالتي إليك لأؤدي أمانتك قال يا هذا أما إنك‏

لو مشيت إلى بيتك قبل أن تأتيني ومت مت خائنا فالعاقل من لا يعد ولا يحمل أمانة وحكم الأمانة إنما هي لمن توصل إليه لا لمن يحملك إياها قال تعالى إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها ولا شك ولا خفاء أنه في طبع كل شي‏ء القلق مما يثقل عليه حتى يخرجه عنه لكونه ليس له ما ثقل عليه وإنما هو أمر زائد فإذا كان ذلك الأمر له زال ذلك الثقل وفرح به حيث صار ملكه وظهرت له سيادته عليه أ لا ترى أن الإنسان إذا أودعت عنده مالا كيف يجد ثقله عليه ويتكلف حفظه وصيانته فإذا قال له رب المال قد وهبته لك وأخرجته عن ملكي وخرجت عنه كيف يرجع حمل ذلك المال عنده خفيفا ويسر به سرورا عظيما ويعظم قدر ذلك الواهب في نفسه كذلك العبد أوصاف الحق عنده أمانة لا يزال العارف بكونها أمانة عنده تثقل عليه بمراقبته كيف يتصرف بها وأين يصرفها ويخاف أن يتصرف فيها تصرف الملاك فإذا ثقل عليه ذلك ردها إلى صاحبها وبقي ملتذا خفيفا

بعبوديته التي هي ملك له بل هي حقيقته إذ الزائد عليه قد زال عنه وحصل له الثناء الإلهي بأداء أمانته سالمة فقد أفلح من لم يتعد قدره كما يقال في المثل ما هلك امرؤ عرف قدره ومن هذا المنزل يعلم متعلق الاستفهام حيث كان وذلك أن الاستفهام لا يكون إلا مع عدم العلم في نفس الأمر أو مع إظهار عدم العلم لتقرير المستفهم من استفهمه على ما استفهمه مع علم المستفهم بذلك فيقول المستفهم أي شي‏ء عندك ومالك ضربت فلانا فعلة الاستفهام عن الأمور عدم العلم والباعث على الاستفهام يختلف باختلاف المستفهم فإن كان عالما بما استفهم عنه فالمقصود به إعلام الغير حيث ظنوا وقالوا خلاف ما هو الأمر عليه مثل قوله تعالى لعيسى عليه السلام أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله بحضور من نسب إليه ذلك من العابدين له من النصارى فتبرأ عيسى بحضورهم من هذه النسبة فيقول سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ فكان المقصود توبيخ من عبده من أمته وجعله إلها فقد وقع في الصورة صورة الاستفهام وهو في الحقيقة توبيخ ومثل هذا في صناعة العربية إذا أعربوه في الاصطلاح يعربونه همزة تقرير وإنكار لا استفهام وإن قالوا فيه همزة استفهام والمراد به الإنكار فلهم في إعراب مثل هذا طريقتان فينبغي للعبد أن لا يظهر بصفة تؤديه إلى أن يستفهم عنه فيها ربه لما تعطيه رائحة الاستفهام في المستفهم من نفي العلم وذلك الجناب مقدس منزه عن هذا فاحذر من هذا المقام ولا تعصم من مثل هذا إلا بأن تكون عبوديتك حاكمة عليك ظاهرة فيك على كل حال فإن استفهمك الحق عن شي‏ء فيكون ذلك ابتداء منه لا سبب لك فيه وهو سبحانه لا يحكم عليه شي‏ء فإنه إن شاء استفهم وإن شاء لم يستفهم مع نسبة العلم إليه تعالى فيما يستفهم عنه لا بد من ذلك وللاستفهام أدوات مثل ما وأي والهمزة فيخص هذا المنزل من الأدوات بما خاصة دون من وغيرها من الأدوات ليس لغيرها من أدوات الاستفهام في هذا المنزل دخول وما وقفت إلى الآن على سبب اختصاص هذا المنزل بها دون غيرها وهي في الحكم فيمن تدخل عليه حكم من والهمزة فإنها تدخل على الأسماء والأفعال والحروف وما ثم إلا هذه الثلاث مراتب فعمت فكان لهذا المنزل عموم الاستفهام ولا يصح أن يظهر في هذا المنزل على هذه الحالة إلا أداة ما لأن معانيه تطلبها وقد يستفهم بالإشارة ومن هذا المنزل إفشاء الأسرار وخفي الغيوب لطلب المواطن لها فيعلم الإنسان من هذا المنزل المواطن التي ينبغي أن يبدي فيها مما عنده من الغيوب ويعرف أن موطن الدنيا لا يقتضي ذلك ولهذا لم يظهر من ذلك على الملامية شي‏ء وأعني بالغيوب هنا كل غيب لا يطلبه الموطن وأما الغيوب التي يطلبها كل موطن فلا بد أن يخرج غيب كل موطن في موطنه إلى الشهادة وهذا حال الملامية إلا أن يقترن بإبراز ذلك أمر إلهي ولا يقترن به أمر قط إلا أن يطلبه حال ما من الأحوال وأما من غير حال تطلبه فلا ولهذا جهل الناس مقادير أهل الله تعالى عند الله وبهذا سموا أمناء فإذا اقتضى الموطن‏

إبراز غيبه فالعارف أول من يبادر إلى ذلك ويسارع فيه وإن لم يفعل كان غاشا خائنا لا يصلح لشي‏ء فإن سبق بإظهاره غيره تعين عليه ذلك الوقت إخفاؤه وأن لا يطلع أحد من الخلق على ما عنده فيه إذ قد ناب غيره فيه منابه فلم يبق لهذا العارف في إظهار ذلك منه إلا حظ نفس لا غير وهذا ليس من شأن خصائص الحق وأهله فإن جاءه وحي من الله بذلك مع أنه قد ظهر على يد غيره فليبادر لأمر الله فيه وليظهره ويكون فيه كالمؤيد للأول واعلم أنه ما من جنس من أجناس المخلوقين إلا وقد أوحي‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!