Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل الأجل المسمى من العالم الموسوى

وسبع وثلاثين حركة ففتحتها بالاسم والمفاتيح فإذا فيها صور علوم الارتقاءات والمعارج ومعرفة اليوم الذي مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ولكن إذا كانت الارتقاءات والمعارج من المريدين لا من المرادين فتكون عن شوق ومجاهدة ورياضة ومكابدة ثم جئت إلى البيت الرابع فدخلته فإذا فيه ثلاث خزائن الخزانة الأولى عليها سبعة أقفال القفل الثاني منها لا مفتاح عليه والقفل الأول له مفتاح فيه ست حركات والقفل الثالث يحوي مفتاحه على أربعين حركة وبقية الأقفال تحوي على ستمائة حركة وست حركات فجميع حركات مفاتيحها ستمائة واثنان وأ حركة ففتحتها فإذا فيها علم النكاح وكيف يصحب الإنسان زوجته إذا كانت لا تعينه على طاعة ربه ويقف على قوله ولا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والْعُدْوانِ وهل يستعين الإنسان في عبادة ربه في وضوئه بغيره من صب الماء عليه إذا توضأ فإن بعض العلماء كره ذلك وقد رأى النفيس ابن وهبان السلمي في واقعته كراهة ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرني به فمن هذه الخزانة يعرف ذلك ثم جئت الخزانة الثانية فرأيت عليها خمسة أقفال القفل الثاني منها مطبق والقفل الثالث لا مفتاح له والأول له مفتاح وكذلك الثاني والخامس وأما الرابع فله ثلاثة مفاتيح تحوي هذه المفاتيح على أربعمائة وثمان وسبعين حركة ففتحتها فإذا هي تناسب التي قبلها وتزيد عليها بأمور ليست فيها ثم جئت الخزانة الثالثة فإذا عليها خمسة أقفال القفل الأول لا مفتاح له والثاني والثالث والرابع ذو مفتاح مفتاح والخامس مفتاحان تحوي هذه المفاتيح على ست وأربعين حركة ففتحتها فإذا هي معرفة الحجارة التي توقد بها النار في الآخرة وكيف تكون الحجارة تقبل الوقود وهي يابسة واليابس لا يقبل الوقود في علم الطبائع وهل يجوز ما طبعه أمر ما أن يزال عنه طبعه مع بقاء عينه وذاته فإن في هذا العلم زل كثير وجهل ممن أثبت ذلك ونفاه وكلتا الطريقتين غير محمودتين ولا صحيحتين وكل واحد منهما أثبته من غير وجهه ونفاه من غير وجهه قال تعالى يا نارُ كُونِي بَرْداً وشبه هذا ثم جئت البيت الخامس فرأيت فيه ثلاث خزائن الخزانة الأولى عليها سبعة أقفال القفل الأول والثاني والثالث والرابع لكل واحد منها مفتاحان والخامس والسادس لكل واحد مفتاح والسابع لا مفتاح له تحوي هذه المفاتيح على مائة وثلاث عشرة حركة ففتحتها فإذا فيها علوم الحس والمحسوس والخيال والمتخيل والفكر وما يفكر فيه والحافظ والمحفوظ والعقل والمعقول وجميع القوي التي تدرك بها العلوم ومعرفة الجماعات والأنوار والاستشرافات ومجاري الأرواح في طرق السموات ومجاري الطبيعة في الحيوانات والنبات والجماد وما يختص به عالم الأنفاس من العلوم ويقف على نفس الرحمن الذي أتى من قبل اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئت الخزانة الثانية فرأيت عليها ثلاثة أقفال على الأول والثالث مفتاح مفتاح وعلى الثاني مفتاحان تحوي هذه المفاتيح على أربعين حركة ففتحتها فإذا فيها علم الأسباب العامة في الوجود والخاصة بأهل الله وأسباب النزول المضافة إلى الله التي يعتمد عليها ويوصل إلى الله من يعتمد عليها وطرد من يتركها من باب الله ومن سعادته وهي علوم شريفة زهد فيها أكثر الناس فشقي واستعملها بعض الناس فسعد وتحوي على علم الشرائع المنزلة لا علم الشريعة الحكمية ثم جئت الخزانة الثالثة فرأيت عليها خمسة أقفال القفل الأول عليه مفتاح وكذلك بقية الأقفال وتحوي أقفالها على أربعمائة وأربع وثلاثين حركة ففتحتها فإذا فيها صور علوم الالتفاف التفاف الأرواح بالأجساد والتفاف أرواح المحبين والمحبوبين والتفاف الساقين والتفاف اللام بالألف ومعنى قوله والْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ والتفاف المتضايفين وهذه كلها علوم الارتباطات رب ومربوب وإله ومألوه وقادر ومقدور وعالم ومعلوم فهذه الخزانة تتضمن جميع العلوم فهذا قد ذكرنا جميع ما يحويه هذا المنزل من خزائن العلوم قال تعالى وإِنْ من شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ غير أني تركت عند الدخول إلى هذا المنزل بيتا واحدا في دهليز هذا المنزل لا يفتح لكل أحد وقد فتح لي ودخلته وعرفت ما فيه‏

وهو يتضمن ويخزن فيه جميع مفاتيح الخزائن كلها التي تتضمنها هذه المنازل التي في هذا الكتاب وهو يحوي على أمور جليلة وللعارف به تحقق في إيجاد الكائنات عنه والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ وقد نبهنا على بعض ما في هذا المنزل من العلوم‏

(الباب الرابع والسبعون ومائتان في معرفة منزل الأجل المسمى من العالم الموسوي)

أتتك فتوح الكون بالبلد القفر *** مؤيدة بالعز والقسر والنصر

وبالليلة الغراء جاءت ركائب *** من العالم العلوي في كنف الغفر

فراجع إذا راجعت ربك وحده *** بتنزيه إيمان تولد عن ذكر

يراجعك من عرش وإن شاء من عمي *** بغير هواء حار في كونه فكري‏

قال تعالى ثُمَّ قَضى‏ أَجَلًا وهو نهاية عمر كل حي يقبل الموت وأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ وهو ميقات حياة كل من كان قبل الموت في حياته الأولى وهو المعبر عنه بالبعث ولذلك قال تعالى ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ يعني فيه فإن الموت لا يمترون فيه فإنه مشهود لهم في كل حيوان مع الأنفاس وإنما وقعت المرية في البعث وهو الأجل المسمى المذكور وإنما لم يجعل أجل الموت مسمى لأن الله يقول ونُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ من في السَّماواتِ ومن في الْأَرْضِ إِلَّا من شاءَ الله فاستثني طائفة لا يصعقون فلا يموتون فأما أن يكونوا

لكونهم على حقائق لا تقبل الموت فيكون استثناء منقطعا وإما أن يكونوا على مزاج يقبل الموت لكن لم يسمعوا النفخ فلم يدركهم فلم يصعقوا فيكون استثناء متصلا

[إن أهل الله إذا جذبهم الحق إليه سبحانه من مريد ومراد جعل في قلوبهم داعية إلى طلب سعادتهم‏]

فاعلم أيها السامع أن أهل الله إذا جذبهم الحق إليه سبحانه من مريد ومراد جعل في قلوبهم داعية إلى طلب سعادتهم فبحثوا عليها وفحصوا عنها ووجدوا في قلوبهم رقة وخشوعا وطلبا للسلامة مما الناس عليه من التكالب والتحاسد والتدابر والتنافر فإذا وفوا مكارم الأخلاق أو قاربوا ذلك وجدوا في أنفسهم داعية إلى الخلوات والانفراد عن الناس فمنهم من أخذ في السياحة ولازم الجبال والفلوات ومنهم من كانت سياحته في البلاد كل ما أنس به أهل بلدة أو عرف فيها رحل عنها إلى غيرها ومنهم من عزل في مسكنه بيتا وانفرد به واحتجب عن الناس كل ذلك ليقع له التفرد بالحق الذي دعاه إليه والأنس به لا ليعلم ولا ليجد كونا من الأكوان من خرق عادة في ظاهر الحس أو في سره فلا يزال على كل ما ذكرناه إلى أن ينقدح له في نفسه لبعضهم أو في خياله لبعضهم أو من خارج لبعضهم من جانب الحق ما يحول بينه وبين نفسه ويستوحش من ذلك الوارد عليه ويطلب الأنس بالمخلوق في تلك الساعة فإذا سكت حكم الوارد عنه وعاد إلى حسه اشتاق إليه اشتياقا شديدا واستفرغ في محبة ذلك الوارد استفراغا عظيما ووجد حلاوته عند فقده وسرت اللذة في حسه وروحه ويأتيه في ذلك الوارد خطاب وتعريف بحاله أو بما يدعى إليه كإبراهيم بن أدهم حين نودي من قربوس سرجه ليس لهذا خلقت ولا بهذا أمرت وآخر قيل له إن كنت تطلبني فقد فقدتني في أول قدم وآخر قيل له أنت عبدي فإن كان صاحب هذا الانقطاع من أصحاب الجبال والقفار جعل له الأنس في الحيوان وإن كان سائحا في البلدان جعل له الأنس في الحركة ما بين المدينتين وإن كان ممن لزم بيته جعل له الأنس في الروحانيات وكل هذا ابتلاء إلا أن يجعل الله له الأنس في الأرواح النورية الملكية فهذا يرجى فلاحه بل يتحقق وهي بشرى من الله سارعت إليه عناية منه به وما عدا هذا فهو على خطر عظيم فليعمل في قطعه ثم إنه منهم من يظلم عليه الجو عند الوارد فيجد لذلك غما وضيق صدر وعصرا في قلبه فليصبر فإنه يعقبه اتساع وانشراح ثم لا تزال الأرواح تلزمه في عالم خياله في أكثر حالاته وتظهر له في الحس في أوقات فلا يرمي بذلك ولا يزهد فيه ويتعمل في إزالة التعلق به ويقف مع الفائدة التي يأتيه بها فذلك المطلوب فإن سمع خطابا من وراء حجاب نفسه فليلق السمع وهو شهيد ويع ما يسمع فإن اقتضى الكلام جوابا على قدر فهمك فلتجب بقدر فهمك فإن رزقت العلم بذلك فهي العناية الكبرى وإن لم يقتض جوابا فلتحصل ما قيل لك في خزانة حفظك فإن له موطنا يحتاج إليه فيه ولا بد فيكون عندك بحكم الاستعداد لذلك الوقت فإن الله سبحانه يقول أعددت فإذا كان الحق مع نفوذ قدرته في الآن قد أعد أمور الأوقات ظهور أحكامها فالمخلوق أولى بهذا وقال وإِنْ من شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وإن هنا بمعنى ما فعم بها وبشي‏ء وجعله مخزونا في خزائن غيبه عنا ولهذا قلنا إن الكون صادر من وجود وهو ما تحويه هذه الخزائن إلى وجود وهو ظهورها من هذه الخزائن لأنفسها بالنور الذي تكشف به نفسها فإنها في ظلمة الخزائن محجوبة عن رؤية ذاتها فهي في حال عدمها وقال وما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ فما يتميز عنده إلا ما هو موجود له ولا يجري القدر إلا في عين مميزة عن غيرها وليس هذا صفة المعدوم من كل وجه فدل ذلك كله على وجود الأعيان لله‏

تعالى في حال اتصافها بالعدم لذاتها وهذا هو الوجود الأصلي الإضافي والعدم الإضافي فثبتت الأحوال للعالم ولكل ما سوى الله وأن الوجود ليس عين الموجود إلا في حق الحق سبحانه حتى لا يكون معلولا لوجوده فإنه لو كان معلولا لوجوده لكان حالا له تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فإذا خلص الإنسان بعد خروجه من ظلمة طبعه وهواه إلى نور عقله وهداه أربعين صباحا ظهر عنه مثل ما ظهر له وأخذ عنه مثل ما أخذ وتلك أول درجة الدينار الثالث وأول قيراط منه ولا يزال فيه حتى يجب عليه أن يطلب على من يأخذ عنه فإذا وجب عليه ذلك وجوبا شرعيا كفروض الأعيان كلها كان ذلك أول قيراط من الدينار الرابع وسمي رجلا عند ذلك وإن لم يحصل له هذا الوجوب فليس برجل فكمال الرجولية فيما ذكرناه وسواء كان ذكرا أو أنثى وأما الكمال الذاتي وهو غير كمال الرجولية فهو أن لا يتخلل عبوديته في نفسه ربانية بوجه من الوجوه فيكون وجودا في عين عدم وثبوتا في عين نفي ولذلك أوجده الحق فكمال الرجولية عارض وكمال العبودة ذاتي فبين المقامين ما بين الكمالين وأما درجات منازل هذين الكمالين فمعلومة عندنا حيث هي فدرجة الكمال الذاتي في نفس الحق ودرجات الكمال العرضي في الجنان فلهؤلاء النور ولهؤلاء الأجور قال تعالى لَهُمْ أَجْرُهُمْ يعني من كمالهم العرضي وما يستحق الأجر من كل أمر عرضي ولهم نُورُهُمْ من كمالهم الذاتي الله نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ وتقول الرسل قاطبة وهم الكمل بلا خلاف إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الله فإن ذلك المقام يعطي الأجر ولا بد فيقع التفاضل في الكمال العرضي ولا يقع في الكمال الذاتي قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وقال هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ الله ولم يقل لهم درجات عند الله فجعلهم أعيان الدرجات لأنهم عين الكمال الذاتي وبالكمال العرضي لهم الدرجات الجنانية فاعلم ذلك جعلنا الله ممن جمع بين الكمالين فإن حرمنا الجمع فالله يجعلنا من أهل الكمال الذاتي بمنه وكرمه وأنا أرجو من الله إني قد حصلته تحصيلا لا يحال بي دونه بحسن ظني بربي فما أعلاه من مشهد فإذا حصل للعبد هذا الكمال العرضي ورأى الإجابة الكونية لندائه من غير طلب دليل ولا برهان علم قطعا إن الحق قد تجلى لقلوب عباده وأنه سبحانه قد رفع الوساطة في أمره بينه وبين قلوب عباده فإن أمره سبحانه برفع الوسائط لا يتصور أن يعصى لأنه بكن إذ كن لا تقال إلا لمن هو موصوف بلم يكن وما هو موصوف بلم يكن ما يتصور منه إباية وإذا كان الأمر الإلهي بالوساطة فلا يكون بكن فإنها من خصائص الأمر العدمي الذي لا يكون بواسطة وإنما يكون الأمر بما يدل على الفعل فيؤمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فيقال له أقم الصلاة وآت الزكاة فاشتق له من اسم الفعل اسم الأمر فيطيعه من شاء منهم ويعصيه من شاء منهم فإذا أطاعوه كما قد ذكرنا بهذا التجلي الإلهي لقلوب عباده الذي لا يحتاج فيه المأمور إلى دليل ولا برهان لوجود الإجابة من نفسه ضرورة لأن الضرورة إنما تصورت هنا لكون الإنسان لا يقدر على دفع ما تكون في نفسه فإن كن إنما تعلقت بما تكون في نفس الإنسان فكان الحكم لما تكون فيمن تكون فآمن ولا بد أو صلى ولا بد أو صام ولا بد على حسب ما تعطيه حقيقة الأمر الذي تعلق به كن وقد يرد أمر الواسطة ولا يرد الأمر الإلهي فلا يجد المخاطب آلة يفعل بها فيظهر كأنه عاص وإنما هو عاجز فاقد في الحقيقة لأنه ما تكون فيه ما أمر به أن يتكون عنه والله الغني الحميد

[إن من نتيجة الرجولة النصر على الأعداء]

واعلم أن الفتوح الإلهي الذي يتعلق بالكون مثل النصر على الأعداء والقهر لهم والرحمة بالأولياء والعطف عليهم إنما هو من نتائج الرجولة لا من غيرها فإذا حصل هذا المقام وأكمل نشأته ناداه الحق في سره من كماله سبحانه لكمال العبد الذاتي فنزه ذات موجدة عن الكمال العرضي وهو الكمال الإلهي فإن الكمال الإلهي بالفعل فهو في نفوذ الاقتدار في المقدورات ونفوذ الإرادة في المرادات وظهور أحكام الأسماء الإلهية والكمال الذاتي للذات الغني المطلق عن هذا كله فيكون العبد في هذا المقام لا يشهد ذات موجدة من كونها موصوفة بالألوهة وإنما مشهده غناها عما تستحقه الألوهة من الآثار الكونية فيفتقر إليها افتقارا ذاتيا فهو في عبادته تلك صاحب عبادة ذاتية من غير اقتران أمر بها لأن الأمر إنما متعلقة الأمور العارضة لا الذاتية فلا يقال للعبد كن عبدا فإنه عبد لذاته وإنما يقال له اعمل كذا أيها العبد وعمله أمر عرضي والعمل متعلق الأمر من العبد وقد يعمل وقد لا يعمل وهذا المنزل يعطي جميع ما ذكرناه ويكون تنزيهه لذات موجدة بما يستحقه من الثناء الذي يليق بالكمال الذاتي‏

ثم إنه بما فيه من الكمال العرضي الذي هو كمال الرجولة قد يصدر عنه الثناء بما يستحقه الإله عارضا بعارض ولكن لا بطريق التنزيه فإن طريق التنزيه إنما هو للذات كما قال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ للكمال الذاتي وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ للكمال الإلهي لطلب المسموع والمبصر وكل طالب يستدعي مطلوبا والمستدعي فاقد لما استدعاه من أحوال هذا العبد والله غني حميد فلسان الأدب أن يقال طلبك لك لا له وفي هذا ينبغي أن يقال ما قيل‏

كتاب فيه ما فيه *** بديع في معانيه‏

إذا عاينت ما فيه *** رأيت الدر يحويه‏

وهو هذا المنزل وهذا الكلام الذي سردناه والكتاب الذي سطرناه ففيه ما فيه لسان الحقيقة يدل على إن الأمر فوق ما ذكر وسطر وليس في قوة الترجمة عنه والعبارة أكثر مما ظهر والله أكبر من ذلك ثم ستر هذا اللسان الحقيقي بقوله بديع في معانيه فكأنه يقول في قوله ما فيه على طريق التعجب به والفرح ولهذا نبه على ذلك بما ذكره في البيت الثاني ثم إن الثناء على الله في هذا المنزل خاصة إنما هو بما تستحقه الربوبية لما خصصتك به من الفضل على أبناء جنسك لا بما تستحقه بما فضلت به على غيرك وما أنعمت به على سواك فإن هذا المنزل لا يتضمن مثل هذا الثناء فيستعين العبد في هذا المنزل على تنزيه الحق بثناء الربوبية على نفسها من جهة ما خصتك به ثم إن العبد بعد استفراغ طاقته في الثناء على ربه بربه من جهة نعمته عليه لاح له علم إلهي في فلاة نفسه عن يمين طريقه فعرف أنه قد زل عن طريق ينبغي أن يسلك أيضا عليها وهنا مسألة دقيقة وهي تختص بهذا المنزل وذلك أنه لما قيد ثناءه على ربه بما خصه به ربه هل ذلك نقص في المعرفة أو في معرفته أو ليس في الوسع إلا ما وقع وإذا لم يكن في الوسع فقد أتى بكمال ما في الوسع وذلك أنه إذا أثنى على ربه بما كان منه سبحانه لغير هذا العبد المثنى فلا يخلو إما أن يثني عليه بما تحققه علما في نفسه ولا يكون إلا كذلك فقد صار هو منعوتا بذلك العلم وإن لم تقم به تلك الأوصاف التي وقع بها الثناء على الغير فوصفه بالعلم بذلك ثناء منه على ربه بما خصه به من العلم بذلك وهو صفة إلهية فإن الحق سبحانه يثني على عبده بما ليس هو الحق عليه ولا هي صفته فالثناء على الله من ذلك وصفه سبحانه بالعلم بذلك والخلق له فيثني على

العبد بالطاعة وليست من صفات الحق كذلك هذا العبد إذا أثنى على ربه بما أعطى لغيره فثناؤه على ربه بما أعطاه في نفسه هو ما حصل له من ربه من العلم بذلك فاذن فما أثنى على ربه إلا بما خصه به سواء أثنى على ربه بما أعطاه سبحانه لغيره أو لم يذكر الغير ولا تعرض له فتحقق هذه المسألة فإنها من الحقائق والحقائق لا تقبل التبديل وهذا المنزل من حصل فيه يعطيه ما ذكرناه فإذا لاح له ذلك العلم الذي ذكرناه ستره نظره إليه عما هو عليه وعرف أن ذلك العلم يدل على أمر غيبي ينبغي له أن يبقيه في غيبه ولا يظهره ويرجع من حال الخطاب بالمواجهة والحضور إلى الخطاب بالغيبة فإنه أنزه لأن الحقائق تعطي أنك ما حضرت إلا معك فإن الأمر إذا أعطى للحاضر في حضوره مع من حضر أنه لا يتمكن أن يحضر معه الأعلى حد ما تعطيه مرتبتك فمعك حضرت لا معه فإنه ما تجلى لك منه إلا قدر ما تعطيه مرتبتك فافهم ذلك تنتفع به ولا يغب هذا عنك في رجوعك إليه مما رجعت عنه لئلا تتخيل إنك رجعت إلى أعلى منك فإنك ما رجعت منك إلا إليك والحق سبحانه لا يرجع إليك إلا بك لا به لأنه ليس في الوسع أن يطيقه مخلوق ولهذا تتنوع رجعاته وتختلف تجلياته وتكثر مظاهره ولا نتكرر وهو في نفسه منزه عن التكثر والتغير لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ فيما ينسب إلى ذاته قال تعالى ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا فرجوع العباد إليه نتيجة رجوعه إليهم بإعطاء ما رجعوا به إليه فإذا رجعوا إليه ضاعف لهم الرجوع الإلهي الذي ينتجه رجوعهم إليه الذي هو في نفسه ينتجه رجوعه الأول إليهم فالرجوع الإلهي الأول رجوع عناية وتفضل والرجوع الثاني الذي أنتجه رجوعهم إليه‏

سبحانه في‏

قوله من تقرب إلى شبرا تقربت منه ذراعا

فمقدار الشبر من الذراع في الرجوع رجوع استحقاق يستحقه رجوعهم إليه والشبر الثاني الذي به كمال الذراع من الرجوع رجوع منه لترجيح الوزن والوصف بالفضل والترغيب والتحضيض على معاملة الكريم فالرجوع الإلهي الثاني يتضمن أمرين رجوع الاستحقاق منه بمنزلة الجسد ورجوع المنة منه بمنزلة الروح للجسد الذي به حياته فإنه وإن كان الاستحقاق بما أوجبه الحق على نفسه فإن الحقيقة تعطي أن لا يستحق العبد شيئا على سيده فمن منته سبحانه على عبد إن أوجب له‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!