الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى معرفة منزل وزراء المهدى الظاهر فى آخر الزمان الذى بشر به رسول اللّه --ص-- وهو من أهل البيت |
هل يلحق اللاحق بالسابق وأي المنزلتين أفضل وفيه علم من يرى أن أحوال الآخرة على ميزان أحوال الدنيا سواء في جميع الأمور وفيه علم ما ينبغي أن يكون عليه صاحب جنة الأعمال وما يكون عليه صاحب جنة الورث وما يكون عليه صاحب جنة الاختصاص وفيه علم سبب اختصاص عالم الأمر بالأمر وعالم الإنسان بالنهي والأمر وفيه علم ما نفى الله من أسمائه أن يشرك فيه فلم يشرك وفيه علم ما لا يدرك إلا بالحوالة وفيه علم الجزاء ومحله أيضا وفيه علم صفة الطريق إلى الجنة ومن يسلك وفيه علم من أرخى الله له في طوله في الدنيا هل يرخي له في الآخرة كذلك جزاء وفيه علم اختلاف أحوال الخلق في الاستدعاء إلى الله تعالى يوم القيامة للفصل والقضاء وفيه علم ما هو أعظم الأهوال عند الله ولم يأت به إلا الإنسان خاصة وما أجرأه على ذلك وقد خلقه الله ضعيفا فقيرا إلى كل شيء وفيه انقلاب الولي عدوا لمن كان له وليا وانقلاب العدو وليا لمن كان له عدوا وفيه علم العلم الضروري والنظري والبديهي والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ «الباب السادس والستون وثلاثمائة في معرفة منزل وزراء المهدي الظاهر في آخر الزمان الذي بشر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهو من أهل البيت»إن الإمام إلى الوزير فقير *** وعليهما فلك الوجود يدور والملك إن لم تستقم أحواله *** بوجود هذين فسوف يبور إلا الإله الحق فهو منزه *** ما عنده فيما يريد وزير جل الإله الحق في ملكوته *** عن إن يراه الخلق وهو فقير [أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جورا وظلما]اعلم أيدنا الله أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من ولد فاطمة يواطئ اسمه اسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم جده الحسين بن علي بن أبي طالب يبايع بين الركن والمقام يشبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في خلقه بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضم الخاء لأنه لا يكون أحد مثل رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في أخلاقه والله يقول فيه وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ هو أجلي الجبهة أقنى الأنف أسعد الناس به أهل الكوفة يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية ويفصل في القضية يأتيه الرجل فيقول له يا مهدي أعطني وبين يديه المال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله يخرج على فترة من الدين يزع الله به ما لا يزع بالقرآن يمسي جاهلا بخيلا جبانا ويصبح أعلم الناس أكرم الناس أشجع الناس يصلحه الله في ليلة يمشي النصر بين يديه يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا يقفو أثر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا يخطئ له ملك يسدده من حيث لا يراه يحمل الكل ويقوي الضعيف في الحق ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق بفعل ما يقول ويقول ما يعلم ويعلم ما يشهد يفتح المدينة الرومية بالتكبير في سبعين ألفا من المسلمين من ولد إسحاق يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا يبيد الظلم وأهله يقيم الدين ينفخ الروح في الإسلام يعز الإسلام به بعد ذله ويحيا بعد موته يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبي قتل ومن نازعه خذل يظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه ما لو كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لحكم به يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم فيدخلون كرها تحت حكمه خوفا من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله ينزل عليه عيسى ابن مريم بالمنارة البيضاء بشرقي دمشق بين مهرودتين متكئا على ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره يقطر رأسه ماء مثل الجمان يتحدر كأنما خرج من ديماس والناس في صلاة العصر فيتنحى له الإمام من مقامه فيتقدم فيصلي بالناس يؤم الناس بسنة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقبض الله المهدي إليه طاهرا مطهرا وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ويخسف بجيشه في البيداء بين المدينة ومكة حتى لا يبقى من الجيش إلا رجل واحد من جهينة يستبيح هذا الجيش مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ثلاثة أيام ثم يرحل يطلب مكة فيخسف الله به في البيداء فمن كان مجبورا من ذلك الجيش مكرها يحشر على نيته القرآن حاكم والسيف مبيد ولذلك ورد في الخبر أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن إلا إن ختم الأولياء شهيد *** وعين إمام العالمين فقيد هو السيد المهدي من آل أحمد *** هو الصارم الهندي حين يبيد هو الشمس يجلو كل غم وظلمة *** هو الوابل الوسمي حين يجود وقد جاءكم زمانه وأظلكم أوانه وظهر في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهو قرن الصحابة ثم الذي يليه ثم الذي يلي الثاني ثم جاء بينهما فترات وحدثت أمور وانتشرت أهواء وسفكت دماء وعاثت الذئاب في البلاد وكثر الفساد إلى أن طم الجور وطمى سيله وأدبر نهار العدل بالظلم حين أقبل ليله فشهداؤه خير الشهداء وأمناؤه أفضل الأمناء وإن الله يستوزر له طائفة خبأهم له في مكنون غيبه أطلعهم كشفا وشهودا على الحقائق وما هو أمر الله عليه في عباده فبمشاورتهم يفصل ما يفصل وهم العارفون الذين عرفوا ما ثم وأما هو في نفسه فصاحب سيف حق وسياسة مدنية يعرف من الله قدر ما تحتاج إليه مرتبته ومنزله لأنه خليفة مسدد يفهم منطق الحيوان يسرى عدله في الإنس والجان [إن وزراء المهدي عليه السلام من الأعاجم]من أسرار علم وزرائه الذين استوزرهم الله له قوله تعالى وكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ وهم على أقدام رجال من الصحابة صَدَقُوا ما عاهَدُوا الله عَلَيْهِ وهم من الأعاجم ما فيهم عربي لكن لا يتكلمون إلا بالعربية لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى الله قط هو أخص الوزراء وأفضل الأمناء فأعطاهم الله في هذه الآية التي اتخذوها هجيرا وفي ليلهم سمير أفضل علم الصدق حالا وذوقا فعلموا إن الصدق سيف الله في الأرض ما قام بأحد ولا اتصف به إلا نصره الله لأن الصدق نعته والصادق اسمه فنظروا بأعين سليمة من الرمد وسلكوا بأقدام ثابتة في سبيل الرشد فلم يروا الحق قيد مؤمنا من مؤمن بل أوجب على نفسه نصر المؤمنين ولم يقل بمن بل أرسلها مطلقة وجلاها محققة فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا وقال وما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وقال والَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ فسماهم مؤمنين وقال وإِنْ يُشْرَكْ به تُؤْمِنُوا فسمى المشرك مؤمنا فهؤلاء هم المؤمنون الذين أيه الله بهم في قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ والْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ من قَبْلُ فميزهم عن المؤمنين من أهل الكتاب والكتب وما تم مخبر جاء بخبر إلا الرسل فتعين إن المؤمنين الذين أمروا بالإيمان أنهم الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وآمنوا بالشريك عن شبه صرفتهم عن الدليل لأن الذين آمنوا بالباطل كفروا بالله والذين آمنوا بالشريك اشمأزت قلوبهم إِذا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ فما أتاهم بهذا الخبر إلا أئمتهم المضلون الذين سبقوهم وكان ذلك في زعمهم عن برهان أعني الأئمة لا عن قصور بل وفوا النظر حقه فما أعطاهم استعدادهم الذي آتاهم الله وما كلف الله نَفْساً إِلَّا ما آتاها وما آتاها غير ما جاءت به فآمن بذلك أتباعهم وصدقوا في إيمانهم وما قصدوا إلا طريق النجاة ما قصدوا ما يرديهم ولما رأوا أن الله يفعل ابتداء ويفعل بالآلة جعلوا الشريك كالوزير معينا على ظهور بعض الأفعال الحاصلة في الوجود فلما ذكر الله وحده رأوا أن هذا الذاكر لم يوف الأمر حقه لما علموا من توقف بعض الأفعال على وجود بعض الخلق وما كان مشهودهم إلا الأفعال الإلهية الحاصلة في الوجود عن الأسباب المخلوقة فلم يقبلوا توحيد الأفعال لأنهم ما شاهدوه ولو قبلوه أبطلوا حكمة الله فيما وضع من الأسباب علوا وسفلا فهذا الذي أداهم إلى الاشمئزاز وعدم الإنصاف فذمهم الله إيثار الجناب المؤمنين الذين لم يروا فاعلا إلا الله وأن القدرة الحادثة والأمور الموقوفة على الأسباب لا أثر لها في الفعل فهذه الطائفة وحدها هي التي خص الله بهذا الخطاب وأما الذين كفروا بالله فهم الذين ستروه بحجاب الشرك وآمنوا بالباطل والباطل عدم وما رأوا من ينتفي عنه التشبيه والشرك إلا العدم فإن الوجود صفة مشتركة فإيمانهم بالباطل إيمان تنزيه وكفرهم أي سترهم نسبة الوجود إلى الله لما وقع في ذلك من الاشتراك ولذلك قال تعالى أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ لأنهم خسروا في تجارتهم وجود ربح إظهار تمام الأمر على ما هو عليه ف اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى أي الحيرة بالبيان فأخذوا الحيرة وعلموا إن الأمر عظيم وأن البيان تقيد وهو لا يتقيد فآثروا الحيرة على البيان وأما أصحاب العقل السليم والنظر الصحيح والايمان العام فهم الذين أثبتوا الحيرة في مقامها وموطنها فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم زدني فيك تحيرا وأثبتوا البيان في مقامه الذي لا يتمكن معرفة ذلك الأمر إلا بالبيان ولا يقبل الحيرة فأعطوا كل ذي حق حقه ووضعوا الحكمة في موضعها فالكل مؤمنون فإن الله سماهم مؤمنين كما سماهم كافرين ومشركين وجعلهم على مراتب في إيمانهم ولهذا قال لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ فيما آمنوا به كما زادهم مرضا ورِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ فيما كفروا به فمنهم الصادق والأصدق فينصر الله المؤمن الذي لم يدخله خلل في إيمانه على من دخله خلل في إيمانه فإن الله يخذله على قدر ما دخله من الخلل أي مؤمن كان من المؤمنين فالمؤمن الكامل الايمان منصور أبدا ولهذا ما انهزم نبي قط ولا ولي أ لا ترى يوم حنين لما ادعت الصحابة رضي الله عنهم توحيد الله ثم رأوا كثرتهم فأعجبتهم كثرتهم فنسوا الله عند ذلك فلم تغن عنهم كثرتهم شيئا كما لم تغن أولئك آلهتهم من الله شيئا مع كون الصحابة مؤمنين بلا شك ولكن دخلهم الخلل باعتمادهم على الكثرة ونسوا قول الله كَمْ من فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله فما أذن الله هنا إلا للغلبة فأوجدها فغلبتهم الفئة القليلة بها عن إذن الله فما ثم إلا الله ليس سواه *** وكل بصير بالوجود يراه [تأثير الصدق مشهود في أشخاص ما لهم تلك المكانة]وأما تأثير الصدق فمشهود في أشخاص ما لهم تلك المكانة من أسباب السعادة التي جاءت بها الشرائع ولكن لهم القدم الراسخ في الصدق فيقتلون بالهمة وهي الصدق قيل لأبي يزيد أرنا اسم الله الأعظم فقال لهم أرونا الأصغر حتى أريكم الأعظم أسماء الله كلها عظيمة فما هو إلا الصدق اصدق وخذ أي اسم شئت فإنك تفعل به ما شئت وبه أحيا أبو يزيد النملة وأحيا ذو النون ابن المرأة التي ابتلعه التمساح فإن فهمت فقد فتحت لك بابا من أبواب سعادتك إن عملت عليه أسعدك الله حيث كنت ولن تخطئ أبدا ومن هنا تكون في راحة مع الله إذا كانت الغلبة للكافرين على المسلمين فتعلم إن إيمانهم تزلزل ودخله الخلل وأن الكافرين فيما آمنوا به من الباطل والمشركين لم يتخلخل إيمانهم ولا تزلزلوا فيه فالنصر أخو الصدق حيث كان يتبعه ولو كان خلاف هذا ما انهزم المسلمون قط كما أنه لم ينهزم نبي قط وأنت تشاهد غلبة الكفار ونصرتهم في وقت وغلبة المسلمين ونصرتهم في وقت والصادق من الفريقين لا ينهزم جملة واحدة بل لا يزال ثابتا حتى يقتل أو ينصرف من غير هزيمة وعلى هذه القدم وزراء المهدي وهذا هو الذي يقررونه في نفوس أصحاب المهدي أ لا تراهم بالتكبير يفتحون مدينة الروم فيكبرون التكبيرة الأولى فيسقط ثلث سورها ويكبرون الثانية فيسقط الثلث الثاني من السور ويكبرون الثالثة فيسقط الثلث الثالث فيفتحونها من غير سيف فهذا عين الصدق الذي ذكرنا وهم جماعة أعني وزراء المهدي دون العشرة وإذا علم الإمام المهدي هذا عمل به فيكون أصدق أهل زمانه فوزراؤه الهداة وهو المهدي فهذا القدر يحصل للمهدي من العلم بالله على أيدي وزرائه [ختم الولاية المحمدية]وأما ختم الولاية المحمدية فهو أعلم الخلق بالله لا يكون في زمانه ولا بعد زمانه أعلم بالله وبمواقع الحكم منه فهو والقرآن إخوان كما إن المهدي والسيف إخوان وإنما شك رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في مدة إقامته خليفة من خمس إلى تسع للشك الذي وقع في وزرائه لأنه لكل وزير معه سنة فإن كانوا خمسة عاش خمسة وإن كانوا سبعة عاش سبعة وإن كانوا تسعة عاش تسعة فإنه لكل عام أحوال مخصوصة وعلم ما يصلح في ذلك العام خص به وزير من وزرائه فما هم أقل من خمسة ولا أكثر من تسعة ويقتلون كلهم إلا واحدا منهم في مرج عكا في المائدة الإلهية التي جعلها الله مائدة لسباع الطير والهوام وذلك الواحد الذي يبقى لا أدري هل يكون ممن استثنى الله في قوله تعالى ونُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ من في السَّماواتِ ومن في الْأَرْضِ إِلَّا من شاءَ الله أو يموت في تلك النفخة [الشاب الذي يقتله الدجال]وأما الخضر الذي يقتله الدجال في زعمه لا في نفس الأمر وهو فتى ممتلئ شبابا هكذا يظهر له في عينه وقد قيل إن الشاب الذي يقتله الدجال في زعمه أنه واحد من أصحاب الكهف وليس ذلك بصحيح عندنا من طريق الكشف وظهور المهدي من أشراط قرب الساعة ويكون فتح مدينة الروم وهي القسطنطينية العظمى والملحمة الكبرى التي هي المأدبة بمرج عكا وخروج الدجال في ستة أشهر ويكون بين فتح القسطنطينية وخروج الدجال ثمانية عشر يوما ويكون خروجه من خراسان من أرض المشرق موضع الفتن تتبعه الأتراك واليهود يخرج إليه من أصبهان وحدها سبعون ألفا مطيلسين في أتباعه كلهم من اليهود وهو رجل كهل أعور العين اليمنى كان عينه عنبة طافية مكتوب بين عينيه كاف فاء راء فلا أدري هل المراد بهذا الهجاء كفر من الأفعال أو أراد به كفر من الأسماء إلا أنه حذف الألف كما حذفتها العرب في خط المصحف في مواضع مثل ألف الرحمن بين الميم والنون وكان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يستعيذ وأمرنا بالاستعاذة من فتنة المسيح الدجال ومن الفتن فإن الفتن تعرض على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء نعوذ بالله من الفتن حدثنا المكي أبو شجاع ابن رستم الأصبهاني إمام مقام إبراهيم بالحرم المكي في آخرين كلهم قالوا حدثنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم بن أبي سهل الكروخي قال أخبرنا مشايخي الثلاثة القاضي أبو عامر محمود بن القاسم الأزدي وأبو نصر عبد العزيز بن محمد الترياقي وأبو بكر محمد بن أبي حاتم العورجي التاجر قال أخبرنا محمد بن عبد الجبار الجراحي قال أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي قال أنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي قال حدثنا علي بن حجر أنا الوليد بن مسلم وعبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن يحيى بن خالد الطائي عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر دخل حديث أحدهما في حديث الآخر عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر عن يحيى بن خالد الطائي عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه جبير بن نفير عن النواس بن سمعان الكلابي قال ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل قال فانصرفنا من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ثم رحنا إليه فعرف ذلك فينا فقال ما شأنكم فقلنا يا رسول الله ذكرت الدجال الغداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال غير الدجال أخوف لي عليكم إن يخرج وأنا فيكم فإنا حجيجه دونكم وأن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط عينه طافية شبيه بعبد العزى بن قطن فمن رآه منكم فليقرأ فواتح سورة أصحاب الكهف قال يخرج ما بين الشام والعراق فعاث يمينا وشمالا يا عباد الله اثبتوا اثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله أ رأيت اليوم الذي كالسنة أ يكفينا فيه صلاة يوم قال لا ولكن أقدروا له قلنا يا رسول الله فما سرعته في الأرض قال كالغيث إذا استدبرته الريح فيأتي القوم فيدعوهم فيكذبونه ويردون عليه قوله فينصرف عنهم فتتبعه أموالهم فيصبحون ليس بأيديهم شيء ثم يأتي القوم فيدعوهم فيستجيبون له ويصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت فتروح عليهم سارحتهم كأطول ما كانت درا وأمده خواصر وأدره ضروعا قال ثم يأتي الخربة فيقول لها أخرجي كنوزك وينصرف عنها فتتبعه كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا شابا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين ثم يدعوه فيقبل يتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك إذ هبط عيسى بن مريم بشرقي دمشق عند المنارة البيضاء بين مهرودتين واضعا يديه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه انحدر منه جمان كاللؤلؤ قال ولا يجد ريح نفسه يعني أحد إلا مات وريح نفسه منتهى بصره قال فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله قال ويلبث كذلك ما شاء الله قال ثم يوحي الله إليه أن أحرز عبادي إلى الطور فإني قد أنزلت عبادا لي لا يد لأحد بقتالهم قال ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله تعالى من كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال فيمر أولهم ببحيرة طبرية فيشربون ما فيها ثم يمر بها آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون إلى أن ينتهوا إلى جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من في الأرض فهلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم محمرا دما ويحاصر عيسى بن مريم وأصحابه حتى يكون رأس الثور يومئذ خيرا لهم من مائة دينار لأحدكم اليوم قال فيرغب عيسى بن مريم إلى الله وأصحابه قال فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسي موتى كموت نفس واحدة قال ويهبط عيسى بن مريم وأصحابه فلا يجد موضع شبر إلا وقد ملأته زهمتهم ونتنهم ودماؤهم قال فيرغب عيسى إلى الله وأصحابه قال فيرسل الله عليهم طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم بالمهبل ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين ويرسل الله عليهم مطرا لا يكن منه بيت ولا وبر ولا مدر قال فيغسل الأرض ويتركها كالزلفة قال ثم يقال للأرض أخرجي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك الله في الرسل حتى إن الفئام من الناس ليكتفون باللقحة من الإبل وإن القبيلة ليكتفون باللقحة من البقر وإن الفخذ ليكتفون باللقحة من الغنم فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا فقبضت روح كل مؤمن ويبقى سائر الناس يتهارجون كما يتهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة قال أبو عيسى هذا حديث غريب حسن صحيح ثم نرجع إلى ما بنينا عليه الباب من العلم بوزراء المهدي ومراتبهم [مدة إقامة المهدي إماما في هذه الدنيا]فاعلم أني على الشك من مدة إقامة هذا المهدي إماما في هذه الدنيا فأتى ما طلبت من الله تحقيق ذلك ولا تعيينه ولا تعيين حادث من حوادث الأكوان إلا أن يعلمني الله به ابتداء لا عن طلب فإني أخاف أن يفوتني من معرفتي به تعالى حظ في الزمان الذي أطلب فيه منه تعالى معرفة كون وحادث بل سلمت أمري إلى الله في ملكه يفعل فيه ما يشاء فإني رأيت جماعة من أهل الله تعالى يطلبون الوقوف على علم الحوادث الكونية منه تعالى ولا سيما معرفة إمام الوقت فأنفت من ذلك وخفت أن يسرقني الطبع بمعاشرتهم وهم على هذه الحال وما أردت منه تعالى إلا أن يرزقني الثبوت على قدم واحدة من المعرفة به وإن تقلبت في الأحوال فلا أبالي ولما رأيته قد قدمني وأخرني ورأيت اختلاف عيني لاختلاف الحال فلم أر عينا واحدة تثبت فما استقر لي أمر أثبت عليه كما كنت عليه في حال عدمي ورأيت أن حكم الوجود ومقام الشهود حكم على عيني بذلك طلبت الإقالة من وجودي فخاطبته نظما وحكما لك العتبى أقلني من وجودي *** ومن حكم التحقق بالشهود لقد أصبحت قبلة كل شيء *** وقد أمسيت أطلب بالسجود عجبت لحالتي إذ قال كوني *** أنا عين المسود والمسود فأما إن تميزني إماما *** وإما أن أميز في العبيد لقد لعبت بنا أيدي الخفايا *** خفايا الغيب في عين الوجود فلما سألت ذلك أبان لي عن جهلي وقال لي أ ما ترضى أن تكون مثلي ثم أقام لي اختلاف تجليه في الصور وما يدركه من ذاته البصر فقلت ما علي من اختلاف الأحوال على عين ثابتة لا تقبل التقييد فإني ما أنكرت اختلاف الأحوال فإن الحقائق تعطي ذلك وإنما أقلقني اختلاف العين من وجودي لاختلاف الأحوال فإني أعلم مع كونك كل يوم في شأن إنك العين الثابتة في الغني عن العالمين فإني علمت إن التحول في الصور *** نعت المهيمن بالخبر وبذاك أنزل وحيه *** فيما تلاه من السور ولقد رأيت مثاله *** بمطول وبمختصر أردت بالمطول العالم كله وبالمختصر الإنسان الكامل لما رأيت أن التقلب في كل ذلك لازم ففي العالم تقلب الليل والنهار وفي الإنسان الكامل الذي ساد العالم في الكمال وهو محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم سيد الناس يوم القيامة وهو الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ ولما جرى بنا القلم في حلبة العبارة الرقية لأن التعريف قد يقع لفظا وكتابة وقد يقع في العموم عند الخواص بالنظر وقد وجدته وقد يقع بالضرب وقد وجده رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وبأمور كثيرة غير ما ذكرنا وكل ذلك خطاب وتعريف فطريق علمنا الأخبار ولما كنت على هذه القدم التي جالست الحق عليها إن لا أضيع زماني في غير علمي به تعالى قيض الله واحدا من أهل الله تعالى وخاصته يقال له أحمد بن عقاب اختصه الله بالأهلية صغيرا فوقع منه ابتداء ذكر هؤلاء الوزراء فقال لي هم تسعة فقلت له إن كانوا تسعة فإن مدة بقاء المهدي لا بد أن تكون تسع سنين فإني عليم بما يحتاج إليه وزيره فإن كان واحدا اجتمع في ذلك الواحد جميع ما يحتاج إليه وإن كانوا أكثر من واحد فما يكونون أكثر من تسعة فإنه إليها انتهى الشك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في قوله خمسا أو سبعا أو تسعا في إقامة المهدي وجميع ما يحتاج إليه مما يكون قيام وزرائه به تسعة أمور لا عاشر لها ولا تنقص عن ذلك وهي نفوذ البصر ومعرفة الخطاب الإلهي عند الإلقاء وعلم الترجمة عن الله وتعيين المراتب لولاة الأمر والرحمة في الغضب وما يحتاج إليه الملك من الأرزاق المحسوسة والمعقولة وعلم تداخل الأمور بعضها على بعض والمبالغة والاستقصاء في قضاء حوائج الناس والوقوف على علم الغيب الذي يحتاج إليه في الكون في مدته خاصة فهذه تسعة أمور لا بد أن تكون في وزير الإمام المهدي إن كان الوزير واحدا أو وزرائه إن كانوا أكثر من واحد فأما نفوذ البصر فذلك ليكون دعاؤه إلى الله على بصيرة في المدعو إليه لا في المدعو فينظر في عين كل مدعو ممن يدعوه فيرى ما يمكن له الإجابة إلى دعوته فيدعوه من ذلك ولو بطريق الإلحاح وما يرى منه أنه لا يجيب دعوته يدعوه من غير إلحاح لإقامة الحجة عليه خاصة فإن المهدي حجة الله على أهل زمانه وهي درجة الأنبياء التي تقع فيها المشاركة قال الله تعالى أَدْعُوا إِلَى الله عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا ومن اتَّبَعَنِي أخبر بذلك عن نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فالمهدي ممن اتبعه وهو صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا يخطئ في دعائه إلى الله فمتبعه لا يخطئ فإنه يقفو أثره وكذا ورد الخبر في صفة المهدي أنه قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقفو أثري لا يخطئ وهذه هي العصمة في الدعاء إلى الله وينالها كثير من الأولياء بل كلهم ومن حكم نفوذ البصر أن يدرك صاحبه الأرواح النورية والنارية عن غير إرادة من الأرواح ولا ظهور ولا تصور كابن عباس وعائشة رضي الله عنهما حين أدركا جبريل عليه السلام وهو يكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على غير علم من جبريل بذلك ولا إرادة منه للظهور لهم فأخبرا بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولم يعلما أنه جبريل عليه السلام فقال لها صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أو قد رأيتيه وقال لابن عباس أ رأيته قالا نعم قال ذلك جبريل وكذلك يدركون رجال الغيب في حال إرادتهم الاحتجاب وأن لا يظهروا للابصار فيراهم صاحب هذا الحال ومن نفوذ البصر أيضا إنهم إذا تجسدت لهم المعاني يعرفونها في عين صورها فيعلمون أي معنى هو ذلك الذي تجسد من غير توقف «وصل» وأما معرفة الخطاب الإلهي عند الإلقاءفهو قوله تعالى وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْياً أَوْ من وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فأما الوحي من ذلك فهو ما يلقيه في قلوبهم على جهة الحديث فيحصل لهم من ذلك علم بأمر ما وهو الذي تضمنه ذلك الحديث وإن لم يكن كذلك فليس بوحي ولا خطاب فإن بعض القلوب يجد أصحابها علما بأمر ما من العلوم الضرورية عند الناس فذلك علم صحيح ليس عن خطاب وكلامنا إنما هو في الخطاب الإلهي المسمى وحيا فإن الله تعالى جعل مثل هذا الصنف من الوحي كلاما ومن الكلام يستفيد العلم بالذي جاء له ذلك الكلام وبهذا يفرق إذا وجد ذلك وأما قوله تعالى أَوْ من وَراءِ حِجابٍ فهو خطاب إلهي يلقيه على السمع لا على القلب فيدركه من ألقى عليه فيفهم منه ما قصد به من أسمعه ذلك وقد يحصل له ذلك في صور التجلي فتخاطبه تلك الصورة الإلهية وهي عين الحجاب فيفهم من ذلك الخطاب علم ما يدل عليه ويعلم أن ذلك حجاب وأن المتكلم من وراء ذلك الحجاب وما كل من أدرك صورة التجلي الإلهي يعلم أن ذلك هو الله فما يزيد صاحب هذه الحال على غيره إلا بأن يعرف أن تلك الصورة وإن كانت حجابا فهي عين تجلى الحق له وأما قوله تعالى أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فهو ما ينزل به الملك أو ما يجيء به الرسول البشري إلينا إذا نقلا كلام الله خاصة مثل التالي قال تعالى فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله وقوله تعالى ونادَيْناهُ من جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا وقوله تعالى نُودِيَ أَنْ بُورِكَ من في النَّارِ ومن حَوْلَها فإن نقلا علما وأفصحا عنه ووجداه في أنفسهما فذلك ليس بكلام إلهي وقد يكون الرسول والصورة معا وذلك في نفس الكتابة فالكتاب رسول وهو عين الحجاب على المتكلم فيفهمك ما جاء به ولكن لا يكون ذلك إذا كتب ما علم وإنما يكون ذلك إذا كتب عن حديث يخاطبه به تلك الحروف التي يسطرها ومتى لم يكن كذلك فما هو كلام هذا هو الضابط فاللقاء للرسل والإلقاء للخبر الإلهي بارتفاع الوسائط من كونه كلمه لا غير والكتابة رقوم مسطرة حيث كانت لم تسطر إلا عن حديث ممن سطرها لا عن علم فهذا كله من الخطاب الإلهي لصاحب هذا المقام [علم الترجمة عن الله]وأما علم الترجمة عن الله فذلك لكل من كلمه الله في الإلقاء والوحي فيكون المترجم خلاقا لصور الحروف اللفظية أو المرقومة التي يوجدها ويكون روح تلك الصور كلام الله لا غير فإن ترجم عن علم فما هو مترجم لا بد من ذلك يقول الولي حدثني قلبي عن ربي وقد يترجم المترجم عن ألسنة الأحوال وليس من هذا الباب بل ذلك من باب آخر يرجع إلى عين الفهم بالأحوال وهو معلوم عند علماء الرسوم وعلى ذلك يخرجون قوله تعالى وإِنْ من شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ يقولون يعني بلسان الحال وكذلك قوله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ والْأَرْضِ والْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وأَشْفَقْنَ مِنْها فجعلوا هذه الإباية والإشفاق حالا لا حقيقة وكذلك قوله عنهما قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ قول حال لا قول خطاب وهذا كله ليس بصحيح ولا مراد في هذه الآيات بل الأمر على ظاهره كما ورد هكذا يدركه أهل الكشف فإذا ترجموا عن الموجودات فإنما يترجمون عما تخاطبهم به لا عن أحوالهم إذ لو نطقوا لقالوا هذا وأصحاب هذا القول انقسموا على قسمين فبعضهم يقول إن كان هذا وأمثاله نطقا حقيقة وكلاما فلا بد أن يخلق في هؤلاء الناطقين حياة وحينئذ يصح أن يكون حقيقة وجائز أن يخلق الله فيهم حياة ولكن لا علم لنا بذلك إن الأمر وقع كما جوزناه أو هو لسان حال فأما أصحاب ذاك القول فكذا وقع في نفس الأمر لأن كل ما سوى الله حي ناطق في نفس الأمر فلا معنى للأحوال مع هذا عند أهل الكشف والوجود وأما القسم الآخر وهم الحكماء فقالوا إن هذا لسان حال ولا بد لأنه من المحال أن يحيا الجماد وهذا قول محجوب بأكثف حجاب فما في العالم إلا مترجم إذا ترجم عن حديث إلهي فافهم ذلك [تعيين المراتب لولاة الأمر]وأما تعيين المراتب لولاة الأمر فهو العلم بما تستحقه كل مرتبة من المصالح التي خلقت لها فينظر صاحب هذا العلم في نفس الشخص الذي يريد أن يوليه ويرفع الميزان بينه وبين المرتبة فإذا رأى الاعتدال في الوزن من غير ترجيح لكفة المرتبة ولاة وإن رجح الوالي فلا يضره وإن رجحت كفة المرتبة عليه لم يوله لأنه ينقص عن علم ما رجحه به فيجور بلا شك وهو أصل الجور في الولاة ومن المحال عندنا إن يعلم ويعدل عن حكم علمه جملة واحدة وهو جائز عند علماء الرسوم وعندنا هذا الجائز ليس بواقع في الوجود وهي مسألة صعبة ولهذا يكون المهدي يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يعني الأرض فإن العلم عندنا يقتضي العمل ولا بد وإلا فليس بعلم وإن ظهر بصورة علم والمراتب ثلاثة وهي التي ينفذ فيها حكم الحاكم وهي الدماء والأعراض والأموال فيعلم ما تطلبه كل مرتبة من الحكم الإلهي المشروع وينظر في الناس فمن رأى أنه جمع ما تطلبه تلك المرتبة نظر في مزاج ذلك الجامع فإن رآه يتصرف تحت حكم العلم علم أنه عاقل فولاه وإن رآه يحكم على علمه وأن علمه معه مقهور تحت حكم شهوته وسلطان هواه لم يوله مع علمه بالحكم قال بعض الملوك لبعض جلسائه من أهل الرأي والنظر الصحيح حين استشاره فقال له من ترى إن أولي أمور الناس فقال ول على أمور الناس رجلا عاقلا فإن العاقل يستبرئ لنفسه فإن كان عالما حكم بما علم وإن لم يكن عالما بتلك الواقعة ما حكمها حكم عليه عقله إن يسأل من يدري الحكم الإلهي المشروع في تلك النازلة فإذا عرفه حكم فيها فهذا فائدة العقل فإن كثيرا ممن ينتمي إلى الدين والعلم الرسمي تحكم شهوتهم عليهم والعاقل ليس كذلك فإن العقل يأبى إلا الفضائل فإنه يقيد صاحبه عن التصرف فيما لا ينبغي ولهذا سمي عقلا من العقال وأما الرحمة في الغضب فلا يكون ذلك إلا في الحدود المشروعة والتعزير وما عدا ذلك فغضب ليس فيه من الرحمة شيء ولذلك قال أبو يزيد بطشي أشد لما سمع القارئ يقرأ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ فإن الإنسان إذا غضب لنفسه فلا يتضمن ذلك الغضب رحمة بوجه وإذا غضب لله فغضبه غضب الله وغضب الله لا يخلص عن رحمة إلهية تشوبه فغضبه في الدنيا ما نصبه من الحدود والتعزيرات وغضبه في الآخرة ما يقيم من الحدود على من يدخل النار فهو وإن كان غضبا فهو تطهير لما شابه من الرحمة في الدنيا والآخرة لأن الرحمة لما سبقت الغضب في الوجود عمت الكون كله ووسعت كل شيء فلما جاء الغضب في الوجود وجد الرحمة قد سبقته ولا بد من وجوده فكان مع الرحمة كالماء مع اللبن إذا شابه وخالطه فلم يخلص الماء من اللبن كذلك لم يخلص الغضب من الرحمة فحكمت على الغضب لأنها صاحبة المحل فينتهي غضب الله في المغضوب عليهم ورحمة الله لا تنتهي فهذا المهدي لا يغضب إلا لله فلا يتعدى في غضبه إقامة حدود الله التي شرعها بخلاف من يغضب لهواه ومخالفة غرضه فمثل هذا الذي يغضب لله لا يمكن أن يكون إلا عادلا ومقسطا لا جائرا ولا قاسطا وعلامة من يدعي هذا المقام إذا غضب لله وكان حاكما وأقام الحد على المغضوب عليه يزول عنه الغضب على ذلك الشخص عند الفراغ منه وربما قام إليه وعانقه وآنسه وقال له أحمد الله الذي طهرك وأظهر له السرور والبشاشة به وربما أحسن إليه بعد ذلك هذا ميزانه ويرجع لذلك المحدود رحمة كله وقد رأيت ذلك لبعض القضاة ببلاد المغرب قاضي مدينة سبتة يقال له أبو إبراهيم بن يغمور وكان يسمع معنا الحديث على شيخنا أبي الحسين بن الصائغ من ذرية أبي أيوب الأنصاري وعلى أبي الصبر أيوب الفهري وعلى أبي محمد بن عبد الله الحجري بسبتة في زمان قضائه بها وما كان يأتي إلى السماع راكبا قط بل يمشي بين الناس فإذا لقيه رجلان قد تخاصما وتداعيا إليه وقف إليهما وأصلح بينهما غزير الدمعة طويل الفكرة كثير الذكر يصلح بين القبيلتين بنفسه فيصطلحان ببركته والقاضي إن بقي معه الغضب على المحدود بعد أخذ حق الله منه فهو غضب نفس وطبع أو لأمر في نفسه لذلك المحدود ما هو غصب لله فلذلك لا يأجره الله فإنه ما قام في ذلك مراعاة لحق الله وهذا من قوله تعالى ونَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ فابتلاهم أولا بما كلفهم فإذا عملوا ابتلى أعمالهم هل عملوها لخطاب الحق أو عملوها لغير ذلك وهو قوله عز وجل أيضا يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ وهذا ميزانه عند أهل الكشف فلا يغفل الحاكم عند إقامة الحدود عن النظر في نفسه وليحذر من التشفي الذي يكون للنفوس ولهذا نهي عن الحكم في حال غضبه ولو لم يكن حاكما في حق من ابتلي بإقامة حد عليه فإن وجد لذلك تشفيا فيعلم أنه ما قام في ذلك لله وما عنده فيه خير من الله وإذا فرح بإقامة الحد على المحدود إن لم يكن فرحه له لما سقط عنه ذلك الحد في الآخرة من المطالبة وإلا فهو معلول وما عندي في مسائل الأحكام المشروعة بأصعب من الزنا خاصة ولو أقيم عليه الحد فإني أعلم أنه يبقى عليه بعد إقامة الحد مطالبات من مظالم العباد واعلم أن غير الحاكم ما عين الله له إقامة الحد عليه فلا ينبغي أن يقوم به غضب عند تعدى الحدود فليس ذلك إلا للحكام خاصة ولرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من حيث ما هو حاكم فلو كان مبلغا لا حاكما لم يقم به غضب على من رد دعوته فإنه ليس له من الأمر شيء وليس عليه هداهم فإن الله يقول في هذا للرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وقد بلغ فاسمع الله من شاء وأصم من شاء فهم أعقل الناس أعني الأنبياء وإذا كوشف الداعي على من أصمه الله عن الدعوة فما سمعها لم يتغير لذلك فإن الصائح إذا نادى من قام به الصمم وعلم أنه لم يسمع نداءه لم يجد عليه وقام عذره عنده فإن كان الرسول حاكما تعين عليه الحكم بما عين الله له فيه وهذا علم شريف يحتاج إليه كل وال في الأرض على العالم وأما علم ما يحتاج إليه الملك من الأرزاق فهو إن يعلم أصناف العالم وليس إلا اثنان وأعني بالعالم الذي يمشي فيهم حكم هذا الإمام وهم عالم الصور وعالم الأنفس المدبرون لهذه الصور فيما يتصرفون فيه من حركة أو سكون وما عدا هذين الصنفين فما له عليهم حكم إلا من أراد منهم أن يحكمه على نفسه كعالم الجان وأما العالم النوراني فهم خارجون عن إن يكون للعالم البشري عليهم تولية فكل شخص منهم على مقام معلوم عينه له ربه فما يتنزل إلا بأمر ربه فمن أراد تنزيل واحد منهم فيتوجه في ذلك إلى ربه وربه يأمره ويأذن له في ذلك إسعافا لهذا السائل أو ينزله عليه ابتداء وأما السائحون منهم فمقامهم المعلوم كونهم سياحين يطلبون مجالس الذكر فإذا وجدوا أهل الذكر وهم أهل القرآن الذاكرون القرآن فلا يقدمون عليهم أحدا من مجالس الذاكرين بغير القرآن فإذا لم يجدوا ذلك ووجدوا الذاكرين الله لا من كونهم تالين قعدوا إليهم ونادى بعضهم بعضا هلموا إلى بغيتكم فذلك رزقهم الذي يعيشون به وفيه حياتهم فإذا علم الإمام ذلك لم يزل يقيم جماعة يَتْلُونَ آياتِ الله آناءَ اللَّيْلِ والنهار وقد كنا بفأس من بلاد المغرب قد سلكنا هذا المسلك لموافقة أصحاب موفقين كانوا لنا سامعين وطائعين وفقدناهم ففقدنا لفقدهم هذا العمل الخالص وهو أشرف الأرزاق وأعلاها فأخذنا لما فقدنا مثل هؤلاء في بث العلم من أجل الأرواح الذين غذاؤهم العلم ورأينا أن لا نورد شيئا منه إلا من أصل هو مطلوب لهذا الصنف الروحاني وهو القرآن فجميع ما نتكلم فيه في مجالسي وتصانيفي إنما هو من حضرة القرآن وخزائنه أعطيت مفتاح الفهم فيه والإمداد منه وهذا كله حتى لا نخرج عنه فإنه أرفع ما يمنح ولا يعرف قدره إلا من ذاقه وشهد منزلته حالا من نفسه وكلمه به الحق في سره فإن الحق إذا كان هو المكلم عبده في سره بارتفاع الوسائط فإن الفهم يستصحب كلامه منك فيكون عين الكلام منه عين الفهم منك لا يتأخر عنه فإن تأخر عنه فليس هو كلام الله ومن لم يجد هذا فليس عنده علم بكلام الله عباده فإذا كلمه بالحجاب الصوري بلسان نبي أو من شاء الله من العالم فقد يصحبه الفهم وقد يتأخر عنه هذا هو الفرق بينهما وأما الأرزاق المحسوسة فإنه لا حكم له فيها إلا في بقية الله فمن أكل مما خرج عن هذه البقية لم يأكل من يد هذا الإمام العادل وليس مسمى رزق الله في حق المؤمنين إلا بقية الله وكل رزق في الكون من بقية الله وما بقي إلا أن يفرق بينهما وذلك أن جميع ما في العالم من الأموال لا يخلو إما أن يكون لها مالك معين أو لا يكون لها مالك فإن كان لها مالك معين فهي من بقية الله لهذا الشخص وإن لم يكن لها مالك معين فهي لجميع المسلمين فجعل الله لهم وكيلا هذا الإمام يحفظ عليهم ذلك فهذا من بقية الله الذي زاد على المال المملوك فكل رزق في العالم بقية الله إن عرفت معنى بقية الله فمال زيد بقية الله لزيد لما حجر الله عليه التصرف في مال عمرو بغير إذنه ومال عمرو بقية الله لعمرو لما حجر عليه التصرف في مال زيد بغير إذنه فما في العالم رزق إلا وهو بقية الله فيحكم الإمام فيه بقدر ما أنزل الله من الحكم فيه [الناس على حالتين]فاعلم ذلك فالناس على حالتين اضطرار وغير اضطرار فحال الاضطرار يبيح قدر الحاجة في الوقت ويرفع عنه حكم التحجير فإذا نال ما يزيلها به رجح عليه حكم التحجير فإن كان المضطر قد تصرف فيما هو ملك لأحد تصرف فيه بحكم الضمان في قول وبغير ضمان في قول فإن وجد أداه عند القائل بالضمان وإن لم يجد فإمام الوقت يقوم عنه في ذلك من بيت المال وإن كان المتصرف قد تصرف فيما لا يملكه أحد أو يملكه الإمام بحكم الوكالة المطلقة من الله له فلا شيء عليه لا ضمان ولا غيره وهذا علم يتعين المعرفة به على إمام الوقت لا بد منه فما تصرف أحد من المكلفين بالوجه المشروع إلا في بقية الله قال الله عز وجل بَقِيَّتُ الله خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وهو حكم فرعي وإنما الأصل إن الله خلق لنا ما في الْأَرْضِ جَمِيعاً ثم حجر وأبقى فما أبقاه سماه بقية الله وما حجر سماه حراما أي المكلف ممنوع من التصرف فيه حالا أو زمانا أو مكانا مع التحجير فإن الأصل التوقف عن إطلاق الحكم فيه بشيء فإذا جاء حكم الله فيه كنا بحسب الحكم الإلهي الذي ورد به الشرع إلينا فمن عرف هذا عرف كيف يتصرف في الأرزاق وأما علم تداخل الأمور بعضها على بعض فهذا معنى قوله تعالى يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ فالمولج ذكر والمولج فيه أنثى هذا الحكم له مستصحب حيث ظهر فهو في العلوم العلم النظري وهو في الحس النكاح الحيواني والنباتي وليس شيء من ذلك مرادا لنفسه فقط بل هو مراد لنفسه ولما ينتجه ولو لا اللحمة والسد لما ظهر للشفة عين وهو سار في جميع الصنائع العملية والعلمية فإذا علم الإمام ذلك لم تدخل عليه شبهة في أحكامه وهذا هو الميزان الموضوع في العالم في المعاني والمحسوسات والعاقل يتصرف بالميزان في العالمين بل في كل شيء له التصرف فيه وأما الحاكمون بالوحي المنزل أهل الإلقاء من الرسل وأمثالهم فما خرجوا عن التوالج فإن الله جعلهم محلا لما يلقي إليهم من حكمه في عباده قال تعالى نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ وقال تعالى يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ من أَمْرِهِ عَلى من يَشاءُ من عِبادِهِ فما ظهر حكم في العالم من رسول إلا عن نكاح معنوي لا في النصوص ولا في الحاكمين بالقياس فالإمام يتعين عليه علم ما يكون بطريق التنزيل الإلهي وبين ما يكون بطريق القياس وما يعلمه المهدي أعني علم القياس ليحكم به وإنما يعلمه ليتجنبه فما يحكم المهدي إلا بما يلقي إليه الملك من عند الله الذي بعثه الله إليه ليسدده وذلك هو الشرع الحقيقي المحمدي الذي لو كان محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حيا ورفعت إليه تلك النازلة لم يحكم فيها إلا بما يحكم هذا الإمام فيعلمه الله أن ذلك هو الشرع المحمدي فيحرم عليه القياس مع وجود النصوص التي منحه الله إياها ولذلك قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في صفة المهدي يقفو أثري لا يخطئ فعرفنا أنه متبع لا متبوع وأنه معصوم ولا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ فإن حكم الرسول لا ينسب إليه خطأ فإنه لا ينطق عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى كما أنه لا يسوغ القياس في موضع يكون فيه الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم موجودا وأهل الكشف النبي عندهم موجود فلا يأخذون الحكم إلا عنه ولهذا الفقير الصادق لا ينتمي إلى مذهب إنما هو مع الرسول الذي هو مشهود له كما إن الرسول مع الوحي الذي ينزل عليه فينزل على قلوب العارفين الصادقين من الله التعريف بحكم النوازل أنه حكم الشرع الذي بعث به رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأصحاب علم الرسوم ليست لهم هذه المرتبة لما أكبوا عليه من حب الجاه والرئاسة والتقدم على عباد الله وافتقار العامة إليهم فلا يفلحون في أنفسهم ولا يفلح بهم وهي حالة فقهاء الزمان الراغبين في المناصب من قضاء وشهادة وحسبة وتدريس وأما المتنمسون منهم بالدين فيجمعون أكتافهم وينظرون إلى الناس من طرف خفي نظر الخاشع ويحركون شفاههم بالذكر ليعلم الناظر إليهم أنهم ذاكرون ويتعجمون في كلامهم ويتشدقون ويغلب عليهم رعونات النفس وقلوبهم قلوب الذئاب لا ينظر الله إليهم هذا حال المتدين منهم لا الذين هم قرناء الشيطان لا حاجة لله بهم لبسوا للناس جلود الضأن من اللين إخوان العلانية أعداء السريرة فالله يراجع بهم ويأخذ بنواصيهم إلى ما فيه سعادتهم وإذا خرج هذا الإمام المهدي فليس له عدو مبين إلا الفقهاء خاصة فإنهم لا تبقي لهم رياسة ولا تمييز عن العامة ولا يبقى لهم علم بحكم إلا قليل ويرتفع الخلاف من العالم في الأحكام بوجود هذا الإمام ولو لا أن السيف بيد المهدي لأفتى الفقهاء بقتله ولكن الله يظهره بالسيف والكرم فيطمعون ويخافون فيقبلون حكمه من غير إيمان بل يضمرون خلافه كما يفعل الحنفيون والشافعيون فيما اختلفوا فيه فلقد أخبرنا أنهم يقتتلون في بلاد العجم أصحاب المذهبين ويموت بينهما خلق كثير ويفطرون في شهر رمضان ليتقووا على القتال فمثل هؤلاء لو لا قهر الإمام المهدي بالسيف ما سمعوا له ولا أطاعوه بظواهرهم كما أنهم لا يطيعونه بقلوبهم بل يعتقدون فيه أنه إذا حكم فيهم بغير مذهبهم أنه على ضلالة في ذلك الحكم لأنهم يعتقدون أن زمان أهل الاجتهاد قد انقطع وما بقي مجتهد في العالم وأن الله لا يوجد بعد أئمتهم أحدا له درجة الاجتهاد وأما من يدعي التعريف الإلهي بالأحكام الشرعية فهو عندهم مجنون مفسود الخيال لا يلتفتون إليه فإن كان ذا مال وسلطان انقادوا في الظاهر إليه رغبة في ماله وخوفا من سلطانه وهم ببواطنهم كافرون به [المهدي والمبالغة والاستقصاء في قضاء حوائج الناس]وأما المبالغة والاستقصاء في قضاء حوائج الناس فإنه متعين على الإمام خصوصا دون جميع الناس فإن الله ما قدمه على خلقه ونصبه إماما لهم إلا ليسعى في مصالحهم هذا والذي ينتجه هذا السعي عظيم وله في قصة موسى عليه السلام لما مشى في حق أهله ليطلب لهم نارا يصطلون بها ويقضون بها الأمر الذي لا ينقضي إلا بها في العادة وما كان عنده عليه السلام خبر بما جاءه فأسفرت له عاقبة ذلك الطلب عن كلام ربه فكلمه الله تعالى في عين حاجته وهي النار في الصورة ولم يخطر له عليه السلام ذلك الأمر بخاطر وأي شيء أعظم من هذا وما حصل له إلا في وقت السعي في حق عياله ليعلمه بما في قضاء حوائج العائلة من الفضل فيزيد حرصا في سعيه في حقهم فكان ذلك تنبيها من الحق تعالى على قدر ذلك عند الله تعالى وعلى قدرهم لأنهم عبيده على كل حال وقد وكل هذا على القيام بهم كما قال تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ فانتج له الفرار من الأعداء الطالبين قتله الحكم والرسالة كما أخبر الله تعالى من قوله عليه السلام فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وجَعَلَنِي من الْمُرْسَلِينَ وأعطاه السعي على العيال وقضاء حاجاتهم كلام الله وكله سعى بلا شك فإن الفار أتى في فراره بنسبة حيوانية فرت نفسه من الأعداء طلبا للنجاة وإبقاء للملك والتدبير على النفس الناطقة فما سعى بنفسه الحيوانية في فراره إلا في حق النفس الناطقة المالكة تدبير هذا البدن وحركة الأئمة كلهم العادلة إنما تكون في حق الغير لا في حق أنفسهم فإذا رأيتم السلطان يشتغل بغير رعيته وما يحتاجون إليه فاعلموا أنه قد عزلته المرتبة بهذا الفعل ولا فرق بينه وبين العامة ولما أراد عمر بن عبد العزيز يوم ولي الخلافة أن يقيل راحة لنفسه لما تعب من شغله بقضاء حوائج الناس دخل عليه ابنه فقال له يا أمير المؤمنين أنت تستريح وأصحاب الحاجات على الباب من أراد الراحة لا يلي أمور الناس فبكى عمر وقال الحمد لله الذي أخرج من ظهري من ينبهني ويدعوني إلى الحق ويعينني عليه فترك الراحة وخرج إلى الناس وكذلك خضر واسمه بليا بن ملكان بن فالغ بن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام كان في جيش فبعثه أمير الجيش يرتاد لهم ماء وكانوا قد فقدوا الماء فوقع بعين الحياة فشرب منه فعاش إلى الآن وكان لا يعرف ما خص الله به من الحياة شارب ذلك الماء ولقيته بإشبيلية وأفادني التسليم للشيوخ وأن لا أنازعهم وكنت في ذلك اليوم قد نازعت شيخا لي في مسألة وخرجت من عنده فلقيت الخضر بقوس الحنية فقال لي سلم إلى الشيخ مقالته فرجعت إلى الشيخ من حيني فلما دخلت عليه منزله فكلمني قبل إن أكلمه وقال لي يا محمد أحتاج في كل مسألة تنازعني فيها أن يوصيك الخضر بالتسليم للشيوخ فقلت له يا سيدنا ذلك هو الخضر الذي أوصاني قال نعم قلت له الحمد لله هذي فائدة ومع هذا فما هو الأمر إلا كما ذكرت لك فلما كان بعد مدة دخلت على الشيخ فوجدته قد رجع إلى قولي في تلك المسألة وقال لي إني كنت على غلط فيها وأنت المصيب فقلت له يا سيدي علمت الساعة أن الخضر ما أوصاني إلا بالتسليم ما عرفني بأنك مصيب في تلك المسألة فإنه ما كان يتعين على نزاعك فيها فإنها لم تكن من الأحكام المشروعة التي يحرم السكوت عنها وشكرت الله على ذلك وفرحت للشيخ الذي تبين له الحق فيها وهذا عين الحياة ماء خص الله به من الحياة شارب ذلك الماء ثم عاد إلى أصحابه فأخبرهم بالماء فسارع الناس إلى ذلك الموضع ليستقوا منه فأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يقدروا عليه فهذا ما أنتج له سعيه في حق الغير وكذلك من والى في الله وعادى في الله وأحب في الله وأبغض في الله فهو من هذا الباب قال الله تعالى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ من حَادَّ الله ورَسُولَهُ ولَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ فما يدري أحد ما لهم من المنزلة عند الله لأنهم ما تحركوا ولا سكنوا إلا في حق الله لا في حق أنفسهم إيثار الجناب الله على ما يقتضيه طبعهم وأما الوقوف على علم الغيب الذي يحتاج إليه في الكون خاصة في مدة خاصة وهي تاسع مسألة ليس وراءها ما يحتاج إليه الإمام في إمامته وذلك أن الله تعالى أخبر عن نفسه أنه كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ والشأن ما يكون عليه العالم في ذلك اليوم ومعلوم أن ذلك الشأن إذا ظهر في الوجود عرف أنه معلوم لكل من شهده فهذا الإمام من هذه المسألة له اطلاع من جانب الحق على ما يريد الحق أن يحدثه من الشئون قبل وقوعها في الوجود فيطلع في اليوم الذي قبل وقوع ذلك الشأن على ذلك الشأن فإن كان مما فيه منفعة لرعيته شكر الله وسكت عنه وإن كان مما فيه عقوبة بنزول بلاء عام أو على أشخاص معينين سأل الله فيهم وشفع وتضرع فصرف الله عنهم ذلك البلاء برحمته وفضله وأجاب دعاءه وسؤاله فلهذا يطلعه الله عليه قبل وقوعه في الوجود بأصحابه ثم يطلعه الله في تلك الشئون على النوازل الواقعة من الأشخاص ويعين له الأشخاص بحليتهم حتى إذا رآهم لا يشك فيهم أنهم عين ما رآه ثم يطلعه الله على الحكم المشروع في تلك النازلة الذي شرع الله لنبيه محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن يحكم به فيها فلا يحكم إلا بذلك الحكم فلا يخطئ أبدا وإذا أعمى الله الحكم عليه في بعض النوازل ولم يقع له عليه كشف كان غايته أن يلحقها في الحكم بالمباح ويعلم بعدم التعريف إن ذلك حكم الشرع فيها فإنه معصوم عن الرأي والقياس في الدين فإن القياس ممن ليس بنبي حكم على الله في دين الله بما لا يعلم فإنه طرد علة وما يدريك لعل الله لا يريد طرد تلك العلة ولو أرادها لأبان عنها على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأمر بطردها هذا إذا كانت العلة مما نص الشرع عليها في قضية فما ظنك بعلة يستخرجها الفقيه بنفسه ونظره من غير أن يذكرها الشرع بنص معين فيها ثم بعد استنباطه إياها يطردها فهذا تحكم على تحكم بشرع لم يأذن به الله وهذا يمنع المهدي من القول بالقياس في دين الله ولا سيما وهو يعلم أن مراد النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم التخفيف في التكليف عن هذه الأمة ولذلك كان يقول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم اتركوني ما تركتكم وكان يكره السؤال في الدين خوفا من زيادة الحكم فكل ما سكت له عنه ولم يطلع على حكم فيه معين جعله عاقبة الأمر فيه الحكم بحكم الأصل وكل ما أطلعه الله عليه كشفا وتعريفا فذلك حكم الشرع المحمدي في المسألة وقد يطلعه الله في أوقات على المباح أنه مباح وعاقبة فكل مصلحة تكون في حق رعاياه يطلعه الله عليها ليسأله فيها وكل فساد يريد الله أن يوقعه برعاياه فإن الله يطلعه عليه ليسأل الله في رفع ذلك عنهم لأنه عقوبة كما قال ظَهَرَ الْفَسادُ في الْبَرِّ والْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فالمهدي رحمة كما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم رحمة قال الله عز وجل وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ والمهدي يقفو أثره لا يخطئ فلا بد أن يكون رحمة كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول لما جرح اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون يعتذر لربه عنهم ولما علم أنه بشر وأن أحكام البشرية قد تغلب عليه في أوقات دعا ربه فقال اللهم إنك تعلم أني بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر يعني أغضب عليهم وأرضى لنفسي اللهم من دعوت عليه فاجعل دعائي عليه رحمة له ورضوانا فهذه تسعة أمور لم تصح لإمام من أئمة الدين خلفاء الله ورسوله بمجموعها إلى يوم القيامة إلا لهذا الإمام المهدي كما أنه ما نص رسول الله ص على إمام من أئمة الدين يكون بعده يرثه ويقفو أثره لا يخطئ إلا المهدي خاصة فقد شهد بعصمته في أحكامه كما شهد الدليل العقلي بعصمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيما يبلغه عن ربه من الحكم المشروع له في عباده وفي هذا المنزل من العلوم علم الاشتراك في الأحدية وهو الاشتراك العام مثل قوله ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً وقال تعالى قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ فوصف نفسه تعالى بالأحدية وهذه السورة نسب الحق تعالى وأفرد العبادة له من كل أحد وفيه علم الإنزال الإلهي وفيه علم المعنى الذي جعل الكتابة كلاما وحقيقة الكلام معلومة عند العقلاء والكلام مسألة مختلف فيها بين النظار وفيه علم الكلام المستقيم من الكلام المعوج وبما ذا يعرف استقامة الكلام من معوجه وفيه علم ما جاءت به الرسل عموما وخصوصا وفيه علم من تكلم بغير علم هل هو علم في نفس الأمر ولا علم عند من يرى أنه ليس بعلم أنه علم مع كونه يعلم أنه لا منطق إلا الله وفيه علم معرفة الصدق والكذب ولما ذا يرجعان والصادق والكاذب وفيه علم إذا علمه الإنسان ارتفع عنه الحرج في نفسه إذا رأى ما جرت به العادة في النفوس من الأمور العوارض أن يؤثر فيها حرجا حتى يود الإنسان أن يقتل نفسه لما يراه وهذا يسمى علم الراحة وهو علم أهل الجنة خاصة فمن فتح الله به على أحد من أهل الدنيا في الدنيا فقد عجلت له راحة الأبد مع ملازمة الأدب ممن هذه صفته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر مرتبته وفيه علم ما أظهر الله للابصار على الأجسام أنه حلية الأجسام ومن قبح عنده بعض ما ظهر لما ذا قبح عنده ومن رآه كله حسنا لما رآه وبأي عين رآه فيقابله من ذاته بأفعال حسنة وهذا العلم من أحسن علم في العالم وأنفعه وهو الذي يقول بعض المتكلمين فيه لا فاعل إلا الله وأفعاله كلها حسنة فهؤلاء لا يقبحون من أفعال الله إلا ما قبحه الله فذلك لله تعالى لا لهم ولو لم يقبحوا ما قبح الله لكانوا منازعين لله عز وجل وفيه علم ما وضعه الله في العالم على سبيل التعجب وليس إلا ما خرق به العادة وأما الذين يعقلون عن الله فكل شيء في العادة عندهم فيه تعجب وأما أصحاب العوائد فإنهم لا تعجب عندهم إلا فيما ظهر فيه خرق العادة وفيه علم التشوق إلى معالي الأمور من جبلة النفوس وبما ذا تعلم معالي الأمور هل بالعقل أو بالشرع وما هي معالي الأمور وهل هي أمر يعم العقلاء أو هو ما يراه زيد من معالي الأمور لا يراه عمرو بتلك الصفة فيكون إضافيا وفيه علم دخول الأطول في الأقصر وهو إيراد الكبير على الصغير وفيه علم أحكام الحق في الخلق إذا ظهر وإذا بطن ومن أي حقيقة يقبل الاتصاف بالظهور والبطون وفيه علم الحيرة التي لا يمكن لمن دخل فيها إن يخرج منها وفيه علم من يرى أمرا على خلاف ما هو عليه ذلك الأمر في نفسه وهل يصح لصاحب هذا العلم أن يجمع بين الأمرين أم لا وفيه علم اتساع البرازخ وضيقها وفيه علم ما للاعتدال والانحراف من الأثر فيما ينحرف عنه أو يقابل وفيه علم الأحوال في العالم وهل لها أثر في غير العالم أم لا أثر لها فيه وفيه علم ما يعظم عند الإنسان الكامل وما ثم أعظم منه ولما ذا يرجع ما يعظم عنده حتى يؤثر فيه حالة لا يقتضيها مقامه الذي هو فيه وهل حصل له ذلك العلم عن مشاهدة أو فكر وفيه علم هل يصح من الوكيل المفوض إليه المطلق الوكالة أن يتصرف في مال موكله تصرف رب المال من جميع الوجوه أو له حد يقف عنده في حكم الشرع وفيه علم حكمة طلب الأولياء الستر على مقامهم بخلاف الأنبياء عليهم صلوات الله وفيه علم السياسة في التعليم حتى يوصل المعلم العلم إلى المتعلم من حيث لا يشعر المتعلم أن المعلم قصد إفادته بما حصل عنده من العلم فيقول له المتعلم يا أستاذ لقد حصل لي من فعلك كذا وكذا مع كذا وكذا علم وافر صحيح وهو كذا ويتخيل المتعلم أن الذي حصل له من العلم بذلك الأمر لم يكن مقصودا للمعلم وهو مقصود في نفس الأمر للمعلم فيفرح المتعلم بما أعطاه الله من النباهة والتفطن حيث علم من حركة أستاذه علما لم يكن عنده في زعمه أن أستاذه قصد تعليمه وفيه علم من علوم الكشف وهو أن يعلم صاحب الكشف أن أي واحد أو جماعة قلت أو كثرت لا بد أن يكون معهم من رجال الغيب واحد عند ما يتحدثون فذلك الواحد ينقل أخبارهم في العالم ويجد ذلك الناس من نفوسهم في العالم يجتمع جماعة في خلوة أو يحدث الرجل نفسه بحديث لا يعلم به إلا الله فيخرج أو تخرج تلك الجماعة فتسمعه في الناس والناس يتحدثون به ولقد عملت أبياتا من الشعر بمقصورة ابن مثنى بشرقي جامع تونس من بلاد إفريقية عند صلاة العصر في يوم معلوم معين بالتأريخ عندي بمدينة تونس فجئت إشبيلية وبينهما مسيرة ثلاثة أشهر للقافلة فاجتمع بي إنسان لا يعرفني فأنشدنى بحكم الاتفاق تلك الأبيات عينها ولم أكن كتبتها لأحد فقلت له لمن هي هذه الأبيات فقال لي لمحمد بن العربي وسماني فقلت له ومتى حفظتها فذكر لي التأريخ الذي عملتها فيه والزمان مع طول هذه المسافة فقلت له ومن أنشدك إياها حتى حفظتها فقال لي كنت جالسا في ليلة بشرق إشبيلية في مجلس جماعة على الطريق ومر بنا رجل غريب لا نعرفه كأنه من السياح فجلس إلينا فتحدث معنا ثم أنشدنا هذه الأبيات فاستحسناها وكتبناها فقلنا له لمن هذه الأبيات فقال لفلان وسماني لهم فقلنا له فهذه مقصورة ابن مثنى ما نعرفها ببلادنا فقال هي بشرقي جامع تونس وهنالك عملها في هذه الساعة وحفظتها منه ثم غاب عنا فلم ندر ما أمره ولا كيف ذهب عنا وما رأيناه ولقد كنت بجامع العديس بإشبيلية يوما بعد صلاة العصر وشخص يذكر لي عن رجل كبير من أهل الطريق من أكابرهم اجتمع به في خراسان فذكر لي فضله وإذا بشخص أنظر إليه قريبا منا والجماعة معي لا تراه فقال لي أنا هو هذا الشخص الذي يصفه لك هذا الرجل الذي اجتمع بنا في خراسان فقلت للرجل المخبر إن هذا الرجل الذي رأيته بخراسان أ تعرف صفته فقال نعم فأخذت أنعته له بآثار كانت فيه وحلية في خلقه فقال الرجل هو والله على صورة ما وصفت هل رأيته فقلت له هو ذا جالس يصدقك عندي فيما تخبر به عنه وما وصفته لك إلا وأنا أنظر إليه وهو عرفني بنفسه ولم يزل معي جالسا حتى انصرفت فطلبته فلم أجده وأما الأبيات التي أنشدنيها لي فهي هذه مقصورة ابن مثنى *** أمسيت فيها معنى بشادن تونسي *** حلوا للما يتمنى خلعت فيه عذاري *** فأصبح الجسم مضنى سألته الوصل لما *** رأيته يتجنى وهز عطفيه عجبا *** كالغصن إذ يتثنى وقال أنت غريب *** إليك يا هذا عنا فذبت شوقا ويأسا *** ومت وجدا وحزنا وهذا الصبي يقال له أحمد بن الإدريسي من تجار البلد كان أبوه وكان شابا صالحا يحب الصالحين ويجالسهم وفقه الله وكان هذا المجلس بيني وبينه سنة تسعين وخمسمائة ونحن الآن في سنة خمس وثلاثين وستمائة وفيه علم ما يحمد من الجدال وما يذم منه ولا ينبغي لمسلم ممن ينتمي إلى الله أن يجادل إلا فيما هو فيه محق عن كشف لا عن فكر ونظر فإذا كان مشهودا له ما يجادل عنه حينئذ يتعين عليه الجدال فيه بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إذا كان مأمورا بأمر إلهي فإن لم يكن مأمورا فهو بالخيار فإن تعين له نفع الغير بذلك كان مندوبا إليه وإن يئس من قبول السامعين له فليسكت ولا يجادل فإن جادل فإنه ساع في هلاك السامعين عند الله وفيه علم قول الإنسان إنا مؤمن إن شاء الله مع علمه في نفسه في ذلك الوقت أنه مؤمن وهذه مسألة عظيمة الفائدة لمن نظر فيها تعلمه الأدب مع الله إذا لم يتعد الناطق بها الموضع الذي جعلها الله فيه فإن تعداه ولم يقف عنده أساء الأدب مع الله ولم ينجح له طلب وفيه علم الشيء الذي يذكرك بالأمر الذي كنت قد علمته ثم نسيته وفيه علم الزيادة في الزمان والنقصان لما ذا ترجع وقول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد يكون الشهر تسعا وعشرين لعائشة في إيلائه من نسائه وبما ذا ينبغي الأخذ من ذلك في الحكم الشرعي هل بأقل ما ينطلق عليه اسم الشهر أو بأكثر وفيه علم إيثار صحبة أهل الله على الغافلين عن الله وإن شملهم الايمان وفيه علم ما ينبغي لجلال الله أن يعامل به سواء أرضى العالم أم أسخطه وفيه علم المياه وهو علم غريب وما حد الري منها في المرتوي من الماء الذي يروي فإن من الماء ما يروي ومنه ما لا يروي وما هو الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي هل هو كل ماء أو له خصوص وصف من بين المياه ووصف الماء الذي خلق الله منه بنى آدم بالمهانة فقال خلقنا الإنسان من ماءٍ مَهِينٍ وفيه علم علامة من أسعده الله ممن أشقاه في الحياة الدنيا وفيه علم ما هي الدنيا في نفسها وما حياتها وما زينتها وفيه علم ما يبقى وما يفنى وما يقبل الفناء من العالم وما يقبل البقاء وفيه علم صورة الإحاطة بما لا يتناهى وما لا يتناهى لا يوصف بأنه محاط به لأنه يستحيل دخوله في الوجود وفيه علم أحوال الجان وتكليف الحق إياهم بالشرائع المنزلة من عنده هل هو تكليف ألزمهم الحق به ابتداء أو ألزموه أنفسهم فألزمهم الحق به كالنذر وفيه علم الفرق بين الفعل والمفعول وفيه علم من يقبل الإعانة في الفعل |