و اعلم أن الحكم على اللّٰه أبدا بحسب الصورة التي يتجلى فيها فما يصح لتلك الصورة من الصفة التي تقبلها فإن الحق يوصف بها و يصف بها نفسه و هذا في العموم إذا رأى الحق أحد في المنام في صورة أي صورة كانت حمل عليه ما تستلزمه تلك الصورة التي رآه فيها من الصفات و هذا ما لا ينكره أحد في النوم فمن رجال اللّٰه من يدرك تلك الصورة في حال اليقظة و لكن هي في الحضرة التي يراها فيها النائم لا غيرها و هذه المرتبة يجتمع فيها الأنبياء عليه السّلام و الأولياء رضي اللّٰه عنهم و هنا يصح كون الرحمة وسعت كل شيء و هذه الصورة الإلهية في هذه الحضرة من الأشياء فلا بد أن تسعها رحمة اللّٰه إن عقلت و الانتقام من رحمة المنتقم بنفسه في الخلق ﴿وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ﴾ [البقرة:228] عن مثل هذا ﴿ذُو انْتِقٰامٍ﴾ [آل عمران:4] و ﴿اَلْخٰامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا إِنْ كٰانَ مِنَ الصّٰادِقِينَ﴾ [النور:9] و ﴿غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذٰاباً عَظِيماً﴾ [النساء:93] و إذا وفق اللّٰه عبده للتوبة فقد و فقه لما لله به فرح فإن اللّٰه يفرح بتوبة عبده في الصحيح فذلك من رحمة اللّٰه و الأخبار النبوية في ذلك أكثر من أن تحصى كثرة
«حضرة الملك و الملكوت و هو الاسم الملك»
إن المليك هو الشديد فكن به *** ملكا على الأعداء حتى تمتلك
فإذا ملكت النفس عن تصريفها *** فيما تريد تكن به نعم الملك
و أيضا
إن المليك هو الشديد فكن به *** و له مليكا في القيامة تسعد
لو لم يكن من ملكه إلا الذي *** يوم القيامة في السعادة تشهد
[عالم الغيب و عالم الشهادة]
اعلم أن الملك و الملكوت لهما الاسم الظاهر و الباطن و هو عالم الغيب و عالم الشهادة و عالم الخلق و عالم الأمر و هو الملك المقهور فإن لم يكن مقهورا تحت سلطان الملك فليس بملك و من كان باختيار ملكه لا باختيار نفسه في تصرفه فيه فليس ذلك بملك و لا ملك بل منزلة من هو بهذه المثابة في ملكه منزلة المتنفل في العبادة فهو عبد اختيار لا عبد اضطرار يعزل ملكه إذا شاء و يوليه إذا شاء و الملك المجبور المضطر ليس كذلك فهو تحت سلطان الملك فإذا نفذ أمره في ظاهر ملكه و في باطنه فذلك الملكوت و إن اقتصر في النفوذ على الظاهر و ليس له على الباطن سبيل فذلك الملك و قد ظهرت هاتان الصفتان بوجود المؤمن و المنافق في اتباع الرسل صلوات اللّٰه عليهم فمنهم من اتبعه في ظاهره و باطنه و هو المؤمن المسلم و منهم من اتبعه في ظاهره لا في باطنه و ذلك المنافق و منهم من اتبعه في باطنه لا في ظاهره فذلك المؤمن العاصي و ما جعل اللّٰه للإنسان عينين إلا ليدرك بهما هاتين الصفتين عين حس و عين عقل بصيرة و بصر لأنه لما خلق ﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود:40]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية