﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [الأعراف:29] لا لغيره و لا لحكم الشركة فشغلوا نفوسهم بالأصل في قبول الأعمال و نيل السعادات و موافقة الطلب الإلهي منهم فيما كلفهم به من الأعمال الخالصة له و هو المعبر عنه بالنية فنسبوا إليها لغلبة شغلهم بها و تحققوا إن الأعمال ليست مطلوبة لأنفسها و إنما هي من حيث ما قصد بها و هو النية في العمل كالمعنى في الكلمة فإن الكلمة ما هي مطلوبة لنفسها و إنما هي لما تضمنته فانظر يا أخي ما أدق نظر هؤلاء الرجال و هذا هو المعبر عنه في الطريق بمحاسبة النفس و «قد قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا» و لقيت من هؤلاء الرجال اثنين أبو عبد اللّٰه بن المجاهد و أبو عبد اللّٰه بن قسوم بإشبيلية كان هذا مقامهم و كانوا من أقطاب الرجال النياتيين و لما شرعنا في هذا المقام تأسيا بهما و بأصحابهما و امتثالا لأمر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم الواجب امتثاله في أمره حاسبوا أنفسكم و كان أشياخنا يحاسبون أنفسهم على ما يتكلمون به و ما يفعلونه و يقيدونه في دفتر فإذا كان بعد صلاة العشاء و خلوا في بيوتهم حاسبوا أنفسهم و أحضروا دفترهم و نظروا فيما صدر منهم في يومهم من قول و عمل و قابلوا كل عمل بما يستحقه إن استحق استغفارا استغفروا و إن استحق توبة تابوا و إن استحق شكرا شكروا إلى أن يفرغ ما كان منهم في ذلك اليوم و بعد ذلك ينامون فزدنا عليهم في هذا الباب بتقييد الخواطر فكنا نقيد ما تحدثنا به نفوسنا و ما تهم به زائدا على كلامنا و أفعالنا و كنت أحاسب نفسي مثلهم في ذلك الوقت و أحضر الدفتر و أطالبها بجميع ما خطر لها و ما حدثت به نفسها و ما ظهر للحس من ذلك من قول و عمل و ما نوته في ذلك الخاطر و الحديث فقلت الخواطر و الفضول إلا فيما يعني فهذا فائدة هذا الباب و فائدة الاشتغال بالنية و ما في الطريق ما يغفل عنه أكثر من هذا الباب فإن ذلك راجع إلى مراعاة الأنفاس و هي عزيزة
[قلب يونس أو الولادة الثانية]
و بعد أن عرفتك بأصول هذه الطائفة و ما هو سبب شغلهم بذلك و أنه لهم أمر شرعي و ما لهم في ذلك من الأسرار و العلوم فاعلم أيضا مقامهم في ذلك و ما لهم فهذه الطائفة على قلب يونس عليه السلام فإنه لما
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية