فانظر في نفسك فإن وجدت أن القلب سكن إليها فاتهم إيمانك و اعلم إنك لست ذلك الرجل و إن وجدت قلبك ساكنا مع اللّٰه و استوى عندك حالة فقد السبب المعين و حالة وجوده و لكن مع الفقد يكون ذلك فاعلم إنك ذلك الرجل الذي آمن و لم يشرك بالله شيئا و إنك من القليل فإن رزقك من حيث لا تحتسب فذلك بشرى من اللّٰه إنك من المتقين و من سر هذه الآية إن اللّٰه و إن رزقك من السبب المعتاد الذي في خزانتك و تحت حكمك و تصريفك و أنت متق أي قد اتخذت اللّٰه وقاية فإنه الواقي إنك مرزوق من حيث لا تحتسب فإنه ليس في حسبانك إن اللّٰه يرزقك و لا بد مما بيدك و من الحاصل عندك فما رزقك إلا من حيث لا تحتسب و إن أكلت و ارتزقت من ذلك الذي بيدك فاعلم ذلك فإنه معنى دقيق و لا يشعر به إلا أهل المراقبة الإلهية الذين يراقبون بواطنهم و قلوبهم فإن الوقاية ليست إلا لله تمنع العبد من أن يصل إلى الأسباب بحكم الاعتماد عليها لاعتماده على اللّٰه عزَّ وجلَّ و هذا هو معنى قوله ﴿يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً﴾ [الطلاق:2] فهذا مخرج التقوى في هذه الآية و هي وصية اللّٰه عبده و إعلامه بما هو الأمر عليه
(وصية)
احذر يا ولي أن تريد علوا في الأرض و الزم الخمول و إن أعلى اللّٰه كلمتك فما أعلى إلا الحق و إن رزقك الرفعة في قلوب الخلق فذلك إليه عزَّ وجلَّ و الذي يلزمك التواضع و الذلة و الانكسار فإنه إنما أنشاك من الأرض فلا تعلوا عليها فإنها أمك و من تكبر على أمه فقد عقها و عقوق الوالدين حرام ثم إنه «قد ورد في الحديث أن حقا على اللّٰه أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه» فإن كنت أنت ذلك الشيء فانتظر وضع اللّٰه إياك و ما أخاف على من هذه صفته إلا إن اللّٰه تعالى إذا وضعه يضعه في النار و ذلك إذا رفع ذلك الشيء نفسه لا إذا رفعه اللّٰه فذلك ليس إليه إلا أنه لا بد أن يراقب اللّٰه فيما أعطاه من الرفعة في الأرض بولاية و تقدم يخدم من أجله و يغشى بابه و يلزم ركابه فلا يبرح ناظرا في عبوديته و أصله فإنه خلق من ضعف و من أصل موصوف بأنه ذلول و يعلم أن تلك الرفعة إنما هي للرتبة و المنصب لا لذاته فإنه إذا عزل عنها لم يبق له ذلك الوزن الذي كان يتخيله و ينتقل ذلك إلى من أقامه اللّٰه في تلك المنزلة فالعلو للمنزلة لا لذاته فمن أراد العلو في الأرض فقد أراد الولاية فيها و «قد قال رسول اللّٰه ﷺ في الولاية إنها يوم القيامة حسرة و ندامة» فلا تكن من الجاهلين فالذي أوصيك به أنك لا تريد علوا في الأرض و إن أعطاك اللّٰه لا تطلب أنت من اللّٰه إلا أن تكون في نفسك صاحب ذلة و مسكنة و خشوع فإنك لن تحصل ذلك إلا أن يكون الحق مشهودا لك و ليس مدار الخلق و الأكابر إلا على أن يحصل لهم مقام الشهود فإنه الوجود المطلوب
(وصية)
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية