الفتوحات المكية

في معرفة النفس بفتح الفاء

وهو الباب 198 من الفتوحات المكية

[أن علم الباري تعالى بالعالم علمه بنفسه‏]

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[44] - [أن علم الباري تعالى بالعالم علمه بنفسه‏]

ولما كان البارئ متكلما ووصف نفسه بالكلام وصف نفسه بأن له نفسا وإن كان ليس كمثله شي‏ء ولكن نبه عباده العارفين أن علمه بالعالم علمه بنفسه ووصف نفسه سبحانه بأنه ينفخ الأرواح فيعطي الحياة في الصور المسواة فجاء بالنفخ الذي يدل على النفس فحياة العالم بالنفخ الإلهي من حيث إن له نفسا فلم يكن في صور العالم أحق بهذه الحياة من الهواء فهو الذي خرج على صورة النفس الرحماني الذي ينفس الله به عن عباده ما يجدونه من الكرب والغم الذي تعطيه الطبيعة وبعد أن عرفتك بمنزلة الهواء من العالم فلنذكر ما يحدث فيه فمما يحدث فيه صور الجنين في النكاح والثمر في اللقاح قال تعالى وأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ وهذا معروف بالمشاهدة في تلقيح الثمار فالهواء ينكح بما يحمله من روائح الذكورية والعقيم منه ما عدا اللواقح واللواقح من الرياح ليست مخصوصة بالثمر وإنما هي كل ريح تعطي الصور والعقيم كل ريح تذهب بالصور فالهواء الذي يشعل النار من الرياح اللواقح والذي يطفئ السرج من الريح العقيم وإن كانت واحدة في العين فما هي واحدة عند من يرى تجديد العالم في كل نفس فإنهم في لبس من خلق جديد وأصل هذا في العلم الإلهي أن اللواقح ما تعطيه الربوبية من وجود أعيان المربوبين والعقيم سبحات الوجه المذهبة أعيان الكائنات من خلقه ومما وجد من العالم في الهواء البرد والثلج والجليد إذا غلب عليه برد الماء فتشكل البرد من استدارته وجليده من اليبوسة التي تعطيه برد التراب والثلج دون الجليد في‏

اليبوسة والمطر من رطوبته وما يزيده الماء من رطوبته فإنه يزيد في كميتها ويتكون في هذا الهواء في الجبال التي ذكر الله أمرها في قوله ويُنَزِّلُ من السَّماءِ من جِبالٍ فِيها من بَرَدٍ وقد بيناها فيما قبل من هذا الكتاب تغلب الرطوبة في الهواء بما يزيده في رطوبته الماء وتعطيه النار من الحرارة ما يزيد في كمية حرارة الهواء فيحدث في الجو في هذه الجبال تعفين لأن هذه الأركان مركبة من الأربع الحقائق الطبيعية كل ركن منها وهذا سبب قبولها صور الكائنات فيها ولو لم يكن كذلك ما قبلت المولدات فإذا تعفن ما تعفن من ذلك كون الله في ذلك التعفين حيوانات هوائية جوية على صور حيات بيض وحيوانات للاستدارة أما هذه المستديرة فرأيناها وأما الحيات البيض فرأينا من رآها وقد وقفنا على ذكرها في بعض كتب الأنواء وإن البزاة البلنسية إذا علت في الجو في أوقات ووقعت بشي‏ء منها نزلت بها على مرأى من أصحابها وممن رآها والدي وقد نزل بها البازي من الجو في أيام السلطان محمد بن سعد صاحب شرق الأندلس وهذا الصنف المستدير الذي عايناه من ذلك التكوين يسمى بالأندلس بالشلمندار وأكثر ما ينزل في الكوانين مع المطر وفيه خواص إذا لعق باللسان لكن خرجت عني معرفة تلك الخواص في هذا الوقت وهو مجرب عندنا ومما يحدث في هذا الركن مما يلي ركن النار منه الصواعق وهي هواء محترق والبروق وهو هواء مشتعل تحدثه الحركة الشديدة والرعود وهو هبوب الهواء تصدع أسفل السحاب إذا تراكم وهو تسبيح إذ كل صوت في العالم تسبيح لله تعالى حتى الصوت بالكلمة القبيحة هي قبيحة وهي تسبيحة بوجه يعلمه أهل الله في أذواقهم لمن عقل عن الله وهذا الملك المسمى بالرعد هو مخلوق من الهواء كما خلقنا نحن من الماء وذلك الصوت المسمى عندنا بالرعد تسبيح ذلك الملك وفي ذلك الوقت يوجده الله فعينه نفس صوته ويذهب كما يذهب البرق وذوات الأذناب فهذه حوادث هذا الركن في العالم العنصري وله حرف الزاي وهو من حروف الصفير فهو مناسب له لأن الصفير هواء بشدة وضيق وله الشولة وهي حارة فافهم‏

(الفصل الثلاثون) في الاسم الإلهي المحيي‏

وتوجهه على إيجاد ما يظهر في ركن الماء وله حرف السين المهملة من الحروف وله من المنازل المقدرة منزلة النعائم قال تعالى وجَعَلْنا من الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ وقال تعالى ويُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ من السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ به ويُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ولِيَرْبِطَ عَلى‏ قُلُوبِكُمْ ويُثَبِّتَ به الْأَقْدامَ فأعاد الضمير من به الاقدام على المطر


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!