في معرفة النفس بفتح الفاء
وهو الباب 198 من الفتوحات المكية
[إن الإنسان أقوى موجود لقوة الصورة التي خلق عليها]
![]() |
![]() |
[43] - [إن الإنسان أقوى موجود لقوة الصورة التي خلق عليها]
وهو ركن أقوى من الماء والماء أقوى من النار والنار أقوى من الحديد والحديد أقوى من الجبال والجبال أقوى من
الأرض وما ثم شيء أقوى من الهواء إلا الإنسان حيث يقدر على قمع هواه بعقله الذي أوجده الله فيه فيظهر عقله في حكمه على هواه فإنه لقوة الصورة التي خلق عليها الرئاسة له ذاتية ولكونه ممكنا الفقر والذلة له ذاتية فإذا غلب فقره على رياسته فظهر بعبوديته ولم يظهر لربوبية الصورة فيه أثر لم يكن مخلوق أشد منه وهكذا أخبر صلى الله عليه وسلم على ما
حدثناه محمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم التميمي الفاسى قال حدثنا عمر بن عبد المجيد الميانشي حدثنا عبد الملك ابن قاسم الهروي حدثنا محمود بن القاسم الأزدي حدثنا عبد الجبار بن محمد الجراحي حدثنا محمد بن أحمد المحبوبي حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا يزيد بن هارون حدثنا العوام بن حوشب عن سليمان بن أبي سليمان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فقال بها عليها فاستقرت فعجبت الملائكة من شدة الجبال فقالوا يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد فقالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد قال نعم النار قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار قال نعم الماء قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء قال نعم الريح قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح قال ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها عن شماله
هذا حديث غريب ففي هذا الحديث علم جوارح الإنسان بالأشياء ولهذا وصفها الله تعالى يوم القيامة بأنها تشهد فقال يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فالهواء موجود عظيم وهو أقرب الأركان نسبة إلى نفس الرحمن فهو أحق بهذا الباب والهواء هو نفس العالم الكبير وهو حياته وله القوة والاقتدار وهو السبب الموجب لوجود النغمات بتحريك الآلات من حركات الأفلاك وأغصان الأشجار وتقاطع الأصوات فيؤثر السماع الطبيعي في الأرواح فيحدث فيها هيمان وسكر وطرب فالهواء إذا تحرك أقوى المؤثرات الطبيعية في الأجسام والأرواح وقد جعل الله هذا الركن أصل حياة العالم الطبيعي كما جعل الماء أصل الصور الطبيعية فصورة الهواء من الماء وروح الماء من الهواء ولو سكن الهواء لهلك كل متنفس وكل شيء في العالم متنفس فإن الأصل نفس الرحمن وجعله الله لطيفا ليقبل سرعة الحركة فإن العالم المتنفس يحتاج في وقت إلى نفس كثير وفي وقت إلى نفس قليل أ لا ترى الإنسان في زمان الصيف إذا حمي بدنه حرك الهواء بالمروحة ليبرد عنه ما يجده من الحرارة لما في الهواء من برودة الماء من حيث صورته وإن كانت له حركة خفية ولكن لا تكفي المحرور كما أنه إذا كثر بحيث أن يتأذى منه الإنسان طلب التستر عنه لأنه ليس في قوة الحيوان تقليله الهواء إلا إذا كان الإنسان هو الذي يثير حركة الهواء فإنه يقدر على تقليله بضعف حركة السبب الذي به أثاره وأما إذا كان السبب خارجا عن حكم الإنسان فإنه لا يقدر على تقليله والهواء هو الذي يسوق الأرواح إلى المشام من طيب وخبيث وفيه تظهر صور الحروف والكلمات فلو لا الهواء ما نطق ناطق ولا صوت مصوت
![]() |
![]() |





