الفتوحات المكية

في معرفة النفس بفتح الفاء

وهو الباب 198 من الفتوحات المكية

[أن الكرسي والعرش فوق فلك الأطلس‏]

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[34] - [أن الكرسي والعرش فوق فلك الأطلس‏]

فاعلم أن هذا الفلك الأطلس لما قام له الكرسي مقام العرش وفوق الأطلس الكرسي والعرش أعطت هذه الثلاثة وجود فلك المنازل كما أعطت المقدمات المركبة من ثلاث النتيجة وكما حملت النتيجة قوى الثلاث اللاتي في المقدمتين حمل فلك الكواكب قوة الأطلس والكرسي والعرش والكرسي هو الوجه الجامع بين المقدمتين لأنه الوسط بين العرش والأطلس فله وجه إلى كل واحد منهما فمن قوة العرش اتحدت أو توحدت فيه الكلمة الإلهية فكان أهل الجنة وهم أهل هذا الفلك المكوكب يقولون للشي‏ء كن فيكون ومن قوة الكرسي كان لكل إنسان فيه زوجتان لأنه موضع القدمين ومن قوة الفلك الأطلس‏

غابت إنسانيته في ربه فتكونت عنه الأشياء ولا تتكون إلا عن الله وغابت الربوبية في إنسانيته فالتذ بالأشياء وتنعم وأكل وشرب ونكح فهو خلق حق فجهل كما أن الفلك الأطلس مجهول فلهذا قلنا إن هذا الفلك قد حصل قوة ما فوقه لأنه مواد عنه وهكذا كل ما تحته أبدا المولد يجمع حقائق ما فوقه حتى ينتهي إلى الإنسان وهو آخر مولد فتجمع فيه قوى جميع العالم والأسماء الإلهية بكمالها فلا موجود أكمل من الإنسان الكامل ومن لم يكمل في هذه الدنيا من الأناسي فهو حيوان ناطق جزء من الصورة لا غير لا يلحق بدرجة الإنسان بل نسبته إلى الإنسان نسبة جسد الميت إلى الإنسان فهو إنسان بالشكل لا بالحقيقة لأن جسد الميت فاقد في نظر العين جميع القوي وكذلك هذا الذي لم يكمل وكماله بالخلافة فلا يكون خليفة إلا من له الأسماء الإلهية بطريق الاستحقاق أي هو على تركيب خاص يقبلها إذ ما كل تركيب يقبلها وهذا من الأسرار الإلهية التي تجوزها العقول وهي محال كونها ولما خلق الله هذا الفلك كون في سطحه الجنة فسطحه مسك وهو أرض الجنة وقسم الجنات على ثلاثة أقسام للثلاثة الوجوه التي لكل برج جنات الاختصاص وهي الأولى وجنات الميراث وهي الثانية وجنات الأعمال وهي الثالثة ثم جعل في كل قسم أربعة أنهار مضروبة في ثلاثة يكون منها اثنا عشر نهرا ومنها ظهر في حجر موسى اثنتا عشرة عينا لاثنتي عشرة سبطا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ النهر الواحد نهر الماء الذي هو غير آسن يقول غير متغير وهو علم الحياة ونهر الخمر وهو علم الأحوال ونهر العسل وهو علم الوحي على ضروبه ولهذا تصعق الملائكة عند ما تسمع الوحي كما يسكر شارب الخمر ونهر اللبن وهو علم الأسرار واللب الذي تنتجه الرياضات والتقوى فهذه أربعة علوم والإنسان مثلث النشأة نشأة باطنة معنوية روحانية ونشأة ظاهرة حسية طبيعية ونشأة متوسطة جسدية برزخية مثالية ولكل نشأة من هذه الأنهار نصيب كل نصيب نهر لها مستقل يختلف مطعمه باختلاف النشأة فيدرك منه بالحس ما لا يدركه بالخيال ويدرك منه بالخيال ما لا يدركه بالمعنى وهكذا كل نشأة فللإنسان اثنا عشر نهرا في جنة الاختصاص أربعة وفي جنة الميراث مثلها وفي جنة الأعمال مثلها لمن له جنة عمل إما من نفسه وإما ممن أهدى له من الأعمال شيئا فيحصل للإنسان من العلوم في كل جنة بحسب حقيقة تلك الجنة وبحسب مأخذ النشآت منه فإنها تختلف مأخذها وتختلف العلوم وتختلف الجنات فتختلف الأذواق ونفس الرحمن فيها دائم لا ينقطع تسوقه ريح تسمى المثيرة وفي الجنة شجرة ما يبقى بيت في الجنة إلا دخل فيه منها تسمى المؤنسة يجتمع إلى أصلها أهل الجنة في ظلها يتحدثون بما ينبغي لجلال الله بحسب مقاماتهم في ذلك بطريق الإفادة فيحصل بينهم لكل واحد علم لم يكن يعرفه فتعلو منزلته بعلو ذلك العلم فإذا قاموا من تحت تلك الشجرة وجدوا لهم درجات ومنازل لم يكونوا يعرفونها في جناتهم فيجدون من اللذة بها ما لا يقدر قدره فيتعجبون ولا يعرفون من أين ذلك فتهب عليهم الريح المثيرة من نفس الرحمن تخبرهم أن هذه الدرجات التي حصلتموها هي منازلكم في منازل العلم الذي اكتسبتموه تحت الشجرة المؤنسة في ناديكم هذه منازله فيحصل لكل واحد منزل يعلمه فلا يمر لهم نفس إلا ولهم فيه نعيم مقيم جديد فهذا ما يحوي عليه سطح هذا الفلك وأمثال هذا ووجدت هذه الجنان بطالع الأسد وهو برج ثابت فلها الدوام وله القهر فلهذا يقول أهله للشي‏ء كن فلا يأبى إلا أن يكون لأنه ليس في البروج من له السطوة مثله فله القهر على إبراز الأمور من العدم إلى الوجود وأما مقعر هذا الفلك فجعله الله محلا للكواكب الثابتة القاطعة في فلك البروج ولها من الصور فيه ألف صورة واحدي وعشرون صورة وصور السبعة الجواري في السموات السبع فمبلغ الجميع ألف وثمان وعشرون صورة كلها تقطع في فلك البروج بين سريع وبطي‏ء ويوم كل كوكب منها بقدر قطعه فلك البروج فأسرعها قطعا القمر فإن يومه ثمانية وعشرون يوما من أيام الدورة الكبرى التي تقدر بها هذه الأيام وهي الأيام المعهودة عند الناس كما أشار إلى ذلك تعالى في قوله وإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ يعني‏

هذه الأيام المعروفة فأقصر أيام هذه الكواكب يوم القمر ومقداره ثمانية وعشرون يوما مما تعدون وأطول يوم لكوكب منه مقداره ست وثلاثون ألف سنة مما تعدون ويوم ذي المعارج من الأسماء الإلهية خمسون ألف سنة ويوم الاسم الرب كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ولكل اسم إلهي يوم فإذا أردت أن تعرف جميع أيام صور الكواكب أعني مقدارها من الأيام المعروفة فاضرب ألفا وأحدا وعشرين‏

في ستة وثلاثين ألف سنة فما خرج فذلك حصر أيام الكواكب من الأيام المعروفة فإن يوم كل واحد منها ست وثلاثون ألف سنة ثم تضيف إلى المجموع أيام الجواري السبعة فما اجتمع فهو ذلك ثم تأخذ هذا المجموع وتضربه فيما اجتمع من سنى البروج وسنى ما اجتمع من ضرب ثلاثمائة وستين في مثلها فما خرج لك من المجموع فهو عدد الكوائن في الدنيا من أول ما خلقها الله إلى انقضائها فاعلم ذلك والمجموع من ضرب ثلاثمائة وستين في مثلها مع سنى البروج مائتا ألف وسبعة آلاف وستمائة وفي هذا المجموع تضرب ما اجتمع من عدد أيام الكواكب كلها فهذا تقدير الكواكب التي وقتها وقدرها العزيز العليم فيبقى في الآخرة في دار جهنم حكم أيام الكواكب التي في مقعر هذا الفلك والجواري السبعة مع انكدارها وطمسها وانتثارها فتحدث عنها في جهنم حوادث غير حوادث إنارتها وثبوتها وسير أفلاكها بها وهي ألف وثمانية وعشرون فلكا كلها تذهب وتبقي السباحة للكواكب بذاتها مطموسة الأنوار ويبقى في الآخرة في الجنة حكم البروج وحكم مقادير العقل عنها يحدث في الجنان ما يحدث ويثبت وأما كثيب المسك الأبيض الذي في جنة عدن الذي تجتمع فيه الناس للرؤية يوم الزور الأعظم وهو يوم الجمعة فأيامه من أيام أسماء الله ولا علم لي ولا لأحد بها فإن لله أسماء استأثر بها في علم غيبه فلا تعلم فلا تعلم أيامها فعدن بين الجنات كالكعبة بيت الله بين بيوت الناس والزور الأعظم فيه كصلاة الجمعة والزور الخاص كالصلوات الخمس في الأيام والزور الأخلص الأخص كمساجد البيوت لصلاة النوافل فتزور الحق على قدر صلاتك وتراه على قدر حضورك فأدناه الحضور في النية عند التكبير وعند الخروج من الصلاة وأعظمه استصحاب الحضور إلى الخروج من الصلاة وما بينهما في كل صلاة فهنا مناجاة وهناك مشاهدة وهنا حركات وهناك سكون ولهذا الاسم من الحروف الشين المعجمة ومن المنازل الجبهة انتهى الجزء الثاني والعشرون ومائة

( (بسم الله الرحمن الرحيم))

(الفصل الحادي والعشرون) في الاسم الرب‏

وتوجهه على إيجاد السماء الأولى والبيت المعمور والسدرة والخليل ويوم السبت وحرف الياء بالنقطتين من أسفل والخرتان وكيوان قال الله تعالى وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فما طلب الزيادة من العلم إلا من الرب ولهذا جاء مضافا لاحتياج العالم إليه أكثر من غيره من الأسماء لأنه اسم لجميع المصالح وهو من الأسماء الثلاثة الأمهات فجاء رَبُّكُمْ ورَبُّ آبائِكُمُ ورَبُّ السَّماواتِ والْأَرْضِ ورَبُّ الْمَشارِقِ والْمَشْرِقَيْنِ والْمَشْرِقِ ورب المغارب والمغرب والمغربين وهو المتخذ وكيلا و


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!