الفتوحات المكية

في معرفة النفس بفتح الفاء

وهو الباب 198 من الفتوحات المكية

[أن الكرسي موضع القدمين‏]

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[33] - [أن الكرسي موضع القدمين‏]

واعلم أن هذا الفلك يقطع بحركته في الكرسي كما يقطعه من دونه من الأفلاك ولما كان الكرسي موضع القدمين لم يعط في الآخرة إلا دارين نارا وجنة فإنه أعطى بالقومين فلكين فلك البروج وفلك المنازل الذي هو أرض الجنة وهما باقيان وما دون فلك المنازل يخرب نظامه وتبدل صورته ويزول ضوء كواكبه كما قال يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ والسَّماواتُ وقال فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ فما ذكر من السموات إلا المعروفة بالسموات وهي السبع السموات خاصة وأما مقعر فلك المنازل فهو سقف النار ومن فعل هاتين القدمين في هذا الفلك ظهر في العالم من كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ بتقدير العزيز لوجود حكم الفاعلين من الطبيعة والقوتين من النفس والوجهين من العقل والحرفين من الكلمة الإلهية كن من الصفتين الإلهية في لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وهي الصفة الواحدة وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وهي الصفة الأخرى فمن نزه فمن لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ومن شبه فمن وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فغيب وشهادة غيب تنزيه وشهادة تشبيه فافهم إن كنت تفهم واعلم ما الحقيقة التي حكمت على الثنوية حتى أشركوا وهم المانية مع استيفائهم النظر وبذل الاستطاعة فيه فلم يقدروا على الخروج من هذه الاثنينية إلى العين الواحدة وما ثم إلا الله ومن يَدْعُ مَعَ الله إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ به فلم يعذر لأنه نزل عن هذه الدرجة فقلد فنجا صاحب النظر وهلك المقلد فإنه استند إلى أمر محقق في الصفة والكلمة وأَضَلَّهُ الله عَلى‏ عِلْمٍ وخَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ فلم يسمع وإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ وختم على قلبه فلم يعلم أنه إله واحد لأنه لم يشاهد تقليب قلبه وجَعَلَ عَلى‏ بَصَرِهِ غِشاوَةً فلم يدرك فردية الكلمة بالواو التي بين الكاف والنون فمنعته الغشاوة من إدراكها فلم يشاهد إلا اثنين الكاف والنون لفظا وخطا والكاف كافان كاف كن وهي كاف الإثبات وكاف لم يكن وهي كاف النفي وفي هذه الكاف طلعت لنا الشمس سنة تسعين وخمسمائة فأثبتنا نفي التشبيه بطلوع الشمس في لم يكن ومن لم تطلع له فيه شمس قال بالتعطيل والشمس طالعة ولا بد في لم يكن نصف القرص منها ظاهر والنصف فيها مستتر والغشاوة منعت هذا الرائي أن يدرك طلوعها فقال بالتعطيل وهو النفي المطلق فما من ناظر إلا وله عذر والله أجل من أن يكلف نفسا ما ليس في وسعها

فكلهم في رحمة الله خالد *** موحده أو ذو الشريك وجاحد

ومن هذا الاسم وجد حرف الجيم والطرف من المنازل وسيأتي الكلام على كل واحد من هذه الحروف والمنازل في بابها

(الفصل العشرون في الاسم المقدر)

وتوجهه على إيجاد فلك المنازل والجنات وتقدير صور الكواكب في مقعر هذا الفلك وكونه أرض الجنة وسقف جهنم وله حرف الشين المعجمة من الحروف ومنزلة جبهة الأسد قال تعالى والْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ ... ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فالمنازل مقادير التقاسيم التي في فلك البروج عينها الحق تعالى لنا إذ لم يميزه البصر بهذه المنازل وجعلها ثماني وعشرين منزلة من أجل حروف النفس الرحماني وإنما قلنا ذلك لأن الناس يتحيلون أن الحروف الثمانية والعشرين من المنازل حكم هذا العدد لها وعندنا بالعكس بل عن هذه الحروف كان حكم عدد المنازل وجعلت ثماني وعشرين مقسمة على اثني عشر برجا ليكون لكل برج في العدد الصحيح قدم وفي العدد المكسور قدم إذ لو كان لبرج من هذه البروج عدد صحيح دون كسر أو مكسور دون صحيح لم يعم حكم ذلك البرج في العالم بحكم الزيادة والنقص والكمال وعدم الكمال ولا بد من الزيادة والنقص لأن الاعتدال لا سبيل إليه لأن العالم مبناه على التكوين والتكوين بالاعتدال لا يصح فلا بد من عدد مكسور وصحيح في كل برج فكان لكل برج منزلتان وثلث فثم برج يكون له منزلتان صحيحتان وثلث منزلة كسر وثم برج يكون له منزلة صحيحة في الوسط ويكون في آخره كسر وفي أوله كسر فيلفق من الكسرين منزلة صحيحة مختلفة المزاج وثلث منزلة وإنما قلنا مختلفة المزاج فإن كل منزلة على مزاج خاص فإذا جمع جزء منزلة إلى جزأي منزلة أخرى ليكمل بذلك عين منزلة لأن المنزلة مثلثة كالبرج له ثلاثة وجوه ومن وجوه منازله سبعة وجوه فكل برج ذو سبعة أوجه وله من نفسه ثلاثة أوجه فكان المجموع عشرة أوجه فالمنزلة الصحيحة ذات مزاج واحد والمنزلة الكائنة من منزلتين بمنزلة المولد من اثنين يحدث له مزاج آخر ليس هو في كل واحد من الأبوين وفيه سر عجيب وهو أحدية المجموع فإن لها من الأثر ما ليس لاحدية الواحد أ لا ترى أن العالم ما وجد إلا بأحدية المجموع وأن الغني لله ما ثبت إلا بأحدية الواحد فهذا الحكم يخالف هذا الحكم بلا شك فالثريا لها مزاج خاص وقد أخذ الحمل منها ثلثها وجاء الثور يحتاج إلى منزلتين وثلث فأخذ منزلة الدبران صحيحة بمزاج واحد أحدي وبقي له منزلة وثلث لم يجد منزلة صحيحة ما يأخذ فأخذ ثلثي الثريا وأضاف إلى ذلك ثلثي الهقعة فكملت له منزلة واحدة بأحدية المجموع فتعطيه هذه المنزلة عين حكم الثريا وعين حكم الهقعة ثم يأخذ الثلث الثاني من الهقعة فلا يعمل من الهقعة إلا بالثلث الوسط وأما الثلث الأول المضاف إلى ثلثي الثريا لكمال المنزلة فإنه يحدث لهذا الثلث ويحدث لثلث الثريا بكمال وصورة منزلة ما هي عين واحدة منهما حكم ليس هو لثلثي أحدهما ولا لثلث الآخر فهذا هو السبب الذي يكون لأجله للبرج ثلاثة أوجه فمنه برج خالص وبرج ممتزج وهل كل برج يكون من ثلثين وثلثين وهي بروج معلومة يعينها لك تقسيم المنازل عليها وقد تكون المنزلة المركبة قامت من منزلة سعيدة ونحسة فتعطي بالمجموع سعدا ولا يظهر لنحس الأخرى أثر وقد تعطي نحسا ولا يظهر لسعد الأخرى أثر بخلاف المنزلة الصحيحة فإنها تجري على ما خلقت له فإن الله أعطاها خلقها كما أعطى للمركبة خلقها فكل علامة ودليل على برج لا بد فيه من التركيب ويكون بالتثليث فإن الدليل أبدا مثلث النشأة لا بد من ذلك مفردان وجامع بينهما وهو الوجه الثالث لا بد من ذلك في كل مقدمتين من أجل الإنتاج كل أ ب وكل ب ج فتكررت الباء فقام الدليل من ألف با جيم فالوجه الجامع الباء لأنه تكرر في المقدمتين فانتج كل ألف جيم وهو كان المطلوب الذي ادعاه صاحب الدعوى فإنه ادعى أن كل ألف جيم فنوزع فساق الدليل بما اعترف به المنازع فإنه سلم إن كل أ ب وسلم أن كل ب ج فثبت عنده صحة قول المدعي أن كل أ ج فمن هنا ظهرت البراهين في عالم الإنسان وعن هذه التقاسيم التي أعطت المنازل في البروج وبعد أن علمت هذا


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!