الفتوحات المكية

في معرفة النفس بفتح الفاء

وهو الباب 198 من الفتوحات المكية

[من علم الإلهي علم أنه لا يتكرر شي‏ء في الوجود]

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[25] - [من علم الإلهي علم أنه لا يتكرر شي‏ء في الوجود]

ومن علم الاتساع الإلهي علم أنه لا يتكرر شي‏ء في الوجود وإنما وجود الأمثال في الصور يتخيل أنها أعيان ما مضى وهي أمثالها لا أعيانها ومثل الشي‏ء ما هو عينه واعلم أن هذا المعقول الرابع من وجود العقل فيه تظهر العين التي تقبل حكم الطبيعة وهو الجسم الكل الذي يقبل اللطيف والكثيف والكدر والشفاف وهو الذي يأتي ذكره في الفصل الثاني بعد هذا وهذا المعقول إنما قيدنا مرتبته بأنها الرابعة من حيث نظرنا إلى قبوله صورة الجسم خاصة وإنما بالنظر إلى حقيقته فليست هذه مرتبته ولا ذلك الاسم اسمه وإنما اسمه الذي يليق به الحقيقة الكلية التي هي روح كل حق ومتى خلى عنها حق فليس حقا ولهذا قال عليه السلام لكل حق حقيقة فجاء باللفظ الذي يقتضي الإحاطة إذا تعرى عن القرائن المقيدة وهو لفظة كل كمفهوم العلم والحياة والإرادة فهي معقولة واحدة في الحقيقة فإذا نسب إليها أمر خاص لنسبة خاصة حدث لها اسم ثم إنه إذا نسب ذلك الأمر الخاص إلى ذات معلومة الوجود وإن لم يعلم حقيقتها فنسب إليها ذلك الأمر الخاص بحسب ما تقتضيه تلك الذات المعينة فإن اتصفت تلك الذات بالقدم اتصف هذا الأمر بالقدم وإن اتصفت بالحدوث اتصف هذا الأمر بالحدوث والأمر في نفسه لا يتصف بالوجود إذ لا عين له ولا بالعدم لأنه معقول ولا بالحدوث لأن القديم لا يقبل الاتصاف به والقديم لا يصح أن يكون محلا للحوادث ولا يوصف بالقدم لأن الحادث يقبل الاتصاف به والحادث لا يوصف بالقديم ولا يصح أن يكون القديم حالا في المحدث فهو لا قديم ولا حادث فإذا اتصف به الحادث سمي حادثا وإذا اتصف به القديم سمي قديما وهو قديم في القديم حقيقة وحادث في المحدث حقيقة لأنه بذاته يقابل كل متصف به كالعلم يتصف به الحق والخلق فيقال في علم الحق إنه قديم فإن الموصوف به قديم فعلمه بالمعلومات قديم لا أول له ويقال في علم الخلق إنه محدث فإن الموصوف به لم يكن ثم كان فصفته مثله إذ ما ظهر حكمها فيه إلا بعد وجود عينه فهو حادث مثله والعلم في نفسه لا يتغير عن حقيقته بالنسبة إلى نفسه وهو في كل ذات بحقيقته وعينه وما له عين وجودية سوى عين الموصوف فهو على أصله معقول لا موجود ومثاله في الحس البياض في كل أبيض والسواد في كل أسود هذا في الألوان وكذلك في الأشكال التربيع في كل مربع والاستدارة في كل مستدير والتثمين في كل مثمن والشكل بذاته في كل متشكل وهو على حقيقته من المعقولية والذي وقع عليه الحس إنما هو المتشكل لا الشكل والشكل معقول إذ لو كان المتشكل عين الشكل لم يظهر في متشكل مثله ومعلوم أن هذا المتشكل ليس هو المتشكل الآخر فهذا مثل مضروب للحقائق الكلية التي اتصف الحق والخلق بها فهي للحق أسماء وهي للخلق أكوان فكذلك هذا المعقول الرابع لصور الطبيعة يقبل الصور بجوهره وهو على أصله في المعقولية والمدرك الصورة لا غيرها ولا تقوم الصورة إلا في هذا المعقول فما من موجود إلا وهو معقول بالنظر إلى ما ظهرت فيه صورته موجود بالنظر إلى صورته أ لا ترى الحق تعالى ما تسمى باسم ولا وصف نفسه بصفة ثبوتية إلا والخلق يتصف بها وينسب إلى كل موصوف بحسب‏

ما تعطيه حقيقة الموصوف وإنما تقدمت في الحق لتقدم الحق بالوجود وتأخرت في الخلق لتاخر الخلق في الوجود فيقال في الحق إنه ذات يوصف بأنه حي عالم قادر مريد متكلم سميع بصير ويقال في الإنسان المخلوق إنه حي عالم قادر متكلم سميع بصير بلا خلاف من أحد والعلم في الحقيقة والكلام وجميع الصفات على حقيقة واحدة في العقل ثم لا ينكر الخلاف بينهم في الحكم فإن أثر القدرة يخالف أثر غيرها من الصفات وهكذا كل صفة والعين واحدة ثم حقيقة الصفة الواحدة واحدة من حيث ذاتها ثم يختلف حدها بالنسبة إلى اختصاص الحق بها وإلى اتصاف الخلق بها وهذه الحقيقة لا تزال معقولة أبدا لا يقدر العقل على إنكارها ولا يزال حكمها موجودا ظاهرا في كل موجود

فكل موجود لها صورة *** فيه ولا صورة في ذاتها

فحكمها ليس سوى ذاتها *** وذلك الحكم من آياتها

تجتمع الأضداد في وصفها *** فنفيها في عين إثباتها

فالمعنى القابل لصورة الجسم هو المذكور المطلوب في هذا الفصل وهو المهيا له والجسم القابل للشكل هو هباء لأنه الذي يقبل الأشكال لذاته فيظهر فيه كل شكل وليس في الشكل منه شي‏ء وما هو عين الشكل والأركان هباء للمولدات وهذا هو الهباء الطبيعي والحديد وأمثاله هباء لكل ما تصور منه من سكين وسيف وسنان وقدوم ومفتاح وكلها صور أشكال ومثل هذا يسمى الهباء الصناعي فهذه أربعة عند العقلاء والأصل هو الكل وهو الذي وضعنا له هذا الفضل وزدنا نحن حقيقة الحقائق وهي التي ذكرناها في هذا الفصل التي تعم الخلق والحق وما ذكرها أحد من أرباب النظر إلا أهل الله غير أن المعتزلة تنبهت على قريب من ذلك فقالت إن الله قائل بالقائلية وعالم بالعالمية وقادر بالقادرية لما هربت من إثبات صفة زائدة على ذات الحق تنزيها للحق فنزعت هذا المنزع فقاربت الأمر وهذا كله أعني ما يختص بهذا الفصل من حكم الاسم الآخر الظاهر التي هي كلمة النفس الرحماني وهو الذي توجه على الدبران من المنازل وكواكبه ستة وهو أول عدد كامل فهو أصل كل عدد كامل فكل مسدس في العالم فله نصيب من هذه الكمالية وعليه أقامت النحل بيتها حتى لا يدخله خلاء ومن أهل الله من يراه أفضل الأشكال فإنه قارب الاستدارة مع ظهور الزوايا وجعله أفضل لأن الشكل المسدس كبيوت النحل لا يقبل الخلل مع الكثرة فيظهر الخلو والمستدير ليس كذلك وإن أشبهه غيره في عدم قبول الخلل كالمربع فإنه يبعد عن المستدير والاستدارة أول الأشكال التي قبل الجسم وجعل بعضها في جوف بعض لأن الخلأ مستدير ولو لم يكن كذلك ما استدار الجسم لأنه ما ملأ إلا الخلأ فلا يقبل استدارة أخرى من خارج فإنه ما ثم خلاء غير ما عمره الجسم فلو عمر بعض الخلأ لم يقبل سوى الشكل المسدس وإنما وصف بالكمال لأنه يظهر عن نصفه وثلثه وسدسه فيقوم من عين أجزائه‏

(الفصل الخامس عشر) من النفس الرحماني في الاسم الإلهي الظاهر

وتوجهه على إيجاد الجسم الكل ومن الحروف على حرف الغين المعجمة ومن المنازل على رأس الجوزاء وهي الهقعة وتسمى الميسان‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!