و «قال رسول اللّٰه ﷺ من هذه الحضرة ليس الغني عن كثرة العرض لكن الغني غنى النفس» ترى التاجر عنده من المال ما يفي بعمره و عمر ألزامه لو عاش إلى انقضاء الدنيا و ما عنده في نفسه من الغني شيء بل هو من الفقر إلى غاية الحاجة بحيث أن يرد بماله موارد الهلاك في طلب سد الخلقة التي في نفسه عسى يستغني فما يستغي بل لا يزال في طلب الغني الذي هو غنى النفس و لا يشعر فاعلم إن أول درجة الغني القناعة و الاكتفاء بالموجود فلا غنى إلا غنى النفس و لا غنى إلا من أعطاه اللّٰه غنى النفس فليس الغني ما تراه من كثرة المال مع وجود طلب الزيادة من رب المال فالفقر حاكم عليه فالإنسان فقير بالذات لأنه ممكن و هو غني بالعرض لأنه غني بالصورة و ذلك أمر عرض له بالنسبة إليه و إن كان مقصودا للحق فللإنسان وجهان إذا كان كاملا وجه افتقار إلى اللّٰه و وجه غنى إلى العالم فيستقبل العالم بالغنى عنه و يستقبل ربه بالافتقار إليه و لهذين الوجهين قيل إنه لا يكون عند اللّٰه وجيها لأنه لا يكون عند اللّٰه أبدا إلا فقيرا ذليلا و يكون عند العالم وجيها أي غنيا عزيزا
[الغيرة الإلهية قد أزالت الافتقار إلى العالم من العالم]
و أما الإنسان الحيوان الذي لا معرفة له بربه فهو فقير إلى العالم أبدا و إن كانت الغيرة الإلهية قد أزالت الافتقار إلى العالم من العالم بقولها ﴿يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَى اللّٰهِ وَ اللّٰهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر:15] فمن ذاق طعم الغني عن العالم و هو يراه عالما لا بد من هذا الشرط فقد حصل على نصيب وافر من الغني الإلهي إلا أنه محجوب عن المقام الأرفع في حقه لأن العالم مشهود له و لهذا اتصف بالغنى عنه فلو كان الحق مشهوده و هو ناظر إلى العالم لاتصف بالفقر إلى اللّٰه و حاز المقام الأعلى في حقه و هو ملازمة الفقر إلى اللّٰه لأن في ذلك ملازمة ربه عزَّ وجلَّ و أما الاستغناء فإنه يؤذن بالقرب المفرط و هو حجاب كالبعد المفرط و من وقف على سر وجود العالم من حيث إيجاد اللّٰه إياه عرف ما أشرنا إليه فإذا كان العارف على قدر معلوم بين القرب و البعد حصل المطلوب و كان في ذلك الشرف التام للإنسان إذ كان الشرف لا يحصل إلا لأهل البرازخ الجامعين الطرفين قد علمنا إيمانا أن اللّٰه أقرب إلينا
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية