و اعلم أن الفرق بين الحضرتين أن القبض لا يكون أبدا إلا عن بسط و البسط قد يكون عن قبض و قد يكون ابتداء فالابتداء سبق الرحمة الإلهية الغضب الإلهي و الرحمة بسط و الغضب قبض و البسط الذي يكون بعد قبض كالرحمة التي يرحم اللّٰه بها عباده بعد وقوع العذاب بهم فهذا بسط بعد قبض و هذا البسط الثاني محال أن يكون بعده ما يوجب قبضا يؤلم العبد فالبسط عام المنفعة و قد يكون فيه في الدنيا مكر خفي و هو إرداف النعم على المخالف فيطيل لهم ليزدادوا إثما و هو قوله ﴿وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمٰا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمٰا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدٰادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران:178] و الإملاء بسط في العمر و الدنيا فيتصرفون فيهما بما يكون فيه شقاؤهم و من البسط ما يكون أيضا مجهولا و معلوما أعني مجهول السبب فيجد الإنسان في نفسه بسطا و فرحا و لا يعرف سببه فالعاقل من لا يتصرف في بسطة المجهول بما يحكم عليه البسط فإنه لا يعرف بما يسفر له في عاقبته هل بما يقبضه و يندم فيه أو بما يزيده فرحا و بسطا فالمكر الخفي فيه إنما هو لكونه مجهول السبب و قوة سلطانه فيمن قام به و الدار الدنيا تحكم على العاقل بالوقوف عند الجهل بالأسباب الموجبة لبعض الأحوال فيتوقف عندها حتى ينقدح له أمرها فإذا علم تصرف في ذلك على علم فإما له و إما عليه بحسب ما يوفقه اللّٰه و ينصره أو يخذله فمن اللّٰه نسأل العصمة من الزلل في القول و العمل و من هذه الحضرة يدعو إلى اللّٰه من يدعو على بصيرة فيدعو من باب البسط من يعلم أن البسط يعين على الإجابة من المدعو و يدعو من باب القبض من يعلم أن القبض بعين على إجابة المدعو فهذا الداعي و إن كان في مقام مباسطة الحق فإنه يدعو بالقبض و البسط فإنه يراعي المصلحة و يدفع بالتي هي أحسن في حق المدفوع عنه و في حق نفسه و الأدب أعظم ما ينبغي أن يستعمل في هذه الحضرة فإن البسط مطلب النفوس فليحذر غوائلها
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية