فإذا أقيم العبد في هذا الذكر فأول ما ينتج له الزهد فيما سوى اللّٰه فلا يتوسل إليه بغيره فإن التوسل إنما هو طلب القرب منه فقد أخبرنا اللّٰه تعالى أنه قريب فلا فائدة لهذا الطلب و خبره صدق ثم أخبر أنه يجيب سؤال السائلين فهو إخبار بأن ﴿بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [المؤمنون:88] و أخبر بالإجابة ليتحفظ السائل و يراقب ما يسأل فيه لأنه لا بد من الإجابة فقد يسأل العبد فيما لا خير له فيه لجهله بالمصالح فهو تنبيه من اللّٰه و تحذير أن لا يسأل إلا فيما يعلم أن له فيه الخير الوافر عند اللّٰه في الدنيا و الآخرة فمن أخذ هذا الذكر على جهة التنبيه فلم يسأل اللّٰه تعالى في حاجة من حوائج الدنيا على التعيين و لكن يسأل فيما له فيه خير مما يعلمه اللّٰه مبهما لا يعين فإذا عين و لا بد فليسأل فيه الخيرة و سلامة الدين و أما تعيينه في السؤال فيما يرجع إلى أمر الدين فليعين ما شاء و لا مكر فيه و لا غائلة الإجابة لاكثر الناس فيما يسألون فيه ربهم
[الدعاء نداء و هو تأيه بالله]
فاعلم إن اللّٰه أخبر أنه يجيب دعوة الداع إذا دعاه : و ما دعاؤه إياه إلا عين قوله حين يناديه باسم من أسمائه فيقول يا الله أو يا رب أو رب أو يا ذا المجد و الكرم و ما أشبه ذلك فالدعاء نداء و هو تأيه بالله فإجابة هذا القدر الذي هو الدعوة و بها سمي داعيا أن يلبيه الحق فيقول لبيك فهذا لا بد منه من اللّٰه في حق كل سائل ثم ما يأتي بعد هذا النداء فهو خارج عن الدعاء و قد وقعت الإجابة كما قال فيوصل بعد النداء من الحوائج ما قام في خاطره مما شاءه فلم يضمن في هذا الذكر إجابته فيما سأل فيه و دعاه من أجله فهو إن شاء قضى حاجته و إن شاء لم يفعل و لهذا ما كل مسئول فيه يقضيه اللّٰه لعبده و ذلك رحمة به فإنه قد يسأل فيما لا خير له فيه فلو ضمن الإجابة في ذلك لوقع و يكون فيه هلاكه في دينه و آخرته و ربما في دنياه من حيث لا يشعر فمن كرمه أنه ما ضمن الإجابة فيما يسأل فيه و إنما ضمن الإجابة في الدعاء خاصة كما بيناه و هذا غاية الكرم من السيد في حق عبده حيث أبقى عليهم ثم إن هذا الذكر إذا أنتج له سماع الإجابة الإلهية فإنه لا بد لصاحب هذا الذكر أن يسمع الإجابة و لكن ذوقهم في السماع مختلف فقد يكون إسماع واحد غير إسماع الآخر و لكن لا بد من علامة يعطيها اللّٰه لهذا الذاكر يعلم بها أنه قد أجاب دعاءه و معلوم أنه أجاب دعاءه و إنما أريد أنه يعلمه أن الذي سأل فيه قد قضى و إن تأخر و أعطى بدله على طريق العوض لما له في البدل من الخير و قد يكشف له عن خواص الأحوال و الأزمنة و الأمكنة التي توجب قضاء حاجة الداعي فيما سأل فيه و إن لم يكن له فيه خير و يعود وباله عليه فيكون ممن جنى على نفسه فإذا كشف اللّٰه له مثل هذا يتحرز في الدعاء و فيما يدعو فيه و كذلك يكشف له بخاصية ما يدعو به من الأسماء و الكلمات
[قصة بلعم مع موسى ع]
أ لا ترى ابن باعورا و كان قد آتاه اللّٰه العلم بخاصية آية من آياته فدعا بها على موسى عليه السّلام و قومه فأجابه اللّٰه فيما دعا فيه و شقي هو في نفسه و سلب اللّٰه عنه علم ذلك و هو قوله تعالى ﴿وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنٰاهُ آيٰاتِنٰا فَانْسَلَخَ مِنْهٰا﴾ [الأعراف:175]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية