ثم اعلم أن البدن جعلها اللّٰه من شعائره و لهذا تشعر ليعلم أنها من شعائر اللّٰه و ما وهب لله لا رجعة فيه أ لا تراها إذا ماتت قبل الوصول إلى البيت كيف ينحرها صاحبها و يخلي بينها و بين الناس و لا يأكل منها شيئا فهذا من منة اللّٰه حيث جعلك مثلا و ميزك عنه و جعل لك ملكا و طلب منك أن تقرضه و النعمة بالأصالة نعمته و هذه كلها من شعائر اللّٰه فإن كل شعيرة منها دليل على اللّٰه من حيث أمر ما خاص أراده اللّٰه و أبانه لأهل الفهم من عباده فيتفاضلون في ذلك على قدر فهمهم فإذا رأيت ما يقال فيه إنه من شعائر اللّٰه و تجهل أنت صورته في الشعائر و لا تعلم ما تدل عليه هذه الشعيرة فاعلم إن تلك الشعيرة ما خاطبك الحق بها و لا وضعها لك و إنما وضعها لمن يفهمها عنه و لك أنت شعيرة أيضا غيرها و هي كل ما تعرف أنها دلالة لك عليه كما قال أبو العتاهية
و في كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
فقف عندها ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] فيقوي فهمك فيما أنزله و يعلمك ﴿مٰا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء:113] فإذا أمكنك الحق من نفسك علمت أنك من أقوى الشعائر عليه و أوضحها و لهذا «جاءت الشريعة بقولها من عرف نفسه عرف ربه» فإذا وصلت إلى ما أوصلتك إليه شعائر نفسك و شاهدت المشعور رأيته على صورتك فمن هناك تعلم أنك الأصل في علمه بك و أنه ما تجلى لك إلا في صورة علمه بك و لا كان عالما بك إلا منك و أنت بذاتك أعطيته لعلم بك فأنت الشعيرة له عليك فإن رأيته على غير صورتك فما رأيته من كونك شعيرة له فلا تنكره إذا رأيت ما لا تعرف حين ينكره غيرك فإن تلك الحضرة لا مجلى لأحد فيها إلا لله فإذا كان هذا ارجع في نظرك منه إليك فترى نفسك في تلك الصورة التي رأيته عليها و ما أنت انصبغت بها منه و إنما هي أيضا صورتك في ثبوتك و ما كان وصل وقت دخولك فيها و ظهورك بها فإن الصور تتقلب عليك إلى ما لا نهاية له و تتقلب فيها أنت و تظهر بها إلى ما لا نهاية فيه و لكن حالا بعد حال انتقالا لا يزول و قد علمك تعالى في هذه الصور على عدم تناهيها فتجلى لك في صورة لم يبلغ وقت ظهورك بها لأنك مقيد و هو غير مقيد بل قيده إطلاقه و إنما يفعل هذا مع عباده ليظهر لهم في حال النكرة و لهذا ينكرونه إلا العارفون بهذا المقام فإنهم لا ينكرونه في أي صورة ظهر فإنهم قد حفظوا الأصل و هو أنه ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق أما التي هو عليها في الحال فيعرفه أو ما يكون عليها بعد ذلك فينكره حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه فإن اللّٰه علمه و علم ما يؤول إليه و المخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت و لذلك يقول ﴿رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] و من عباد اللّٰه من يعلم ذلك إذا رأى الحق في صورة لا يعرفها علم بحكم الموطن و ما عنده من القبول أنه ما تجلى له إلا في صورة هي له و ما وصل وقتها فعلمها قبل إن يدخل فيها فهذا من الزيادة في العلم التي زادها اللّٰه فشكر اللّٰه الذي عرفه في موطن الإنكار و لذلك عظم اللّٰه هذا الفضل فقال
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية