اعلم أن لام ألف بعد حلها و نقض شكلها و إبراز أسرارها و فنائها عن اسمها و رسمها تظهر في حضرة الجنس و العهد و التعريف و التعظيم و ذلك لما كان الألف حظ الحق و اللام حظ الإنسان صار الألف و اللام للجنس فإذا ذكرت الألف و اللام ذكرت جميع الكون و مكونه فإن فنيت عن الحق بالخليقة و ذكرت الألف و اللام كان الألف و اللام الحق و الخلق و هذا هو الجنس عندنا فقائمة اللام للحق تعالى و نصف دائرة اللام المحسوس الذي يبقى بعد ما يأخذ الألف قائمته هو شكل النون للخلق و نصف الدائرة الروحاني الغائب للملكوت و الألف التي تبرز قطر الدائرة للأمر و هو ﴿كُنْ﴾ [البقرة:12] و هذه كلها أنواع و فصول للجنس الأعم الذي ما فوقه جنس و هو حقيقة الحقائق التائهة القديمة في القديم لا في ذاتها و المحدثة في المحدث لا في ذاتها و هي بالنظر إليها لا موجودة و لا معدومة و إذا لم تكن موجودة لا تتصف بالقدم و لا بالحدوث كما سيأتي ذكرها في الباب السادس من هذا الكتاب و لها ما شاكلها من جهة قبولها للصور لا من جهة قبولها للحدوث و القدم فإن الذي يشبهها موجود و كل موجود إما محدث و هو الخلق و إما محدث اسم فاعل و هو الخالق و لما كانت تقبل القدم و الحدوث كان الحق يتجلى لعباده على ما شاءه من صفاته و لهذا السبب ينكره قوم في الدار الآخرة لأنه تعالى تجلى لهم في غير الصورة و الصفة التي عرفوها منه و قد تقدم طرف منه في الباب الأول من هذا الكتاب فيتجلى للعارفين على قلوبهم و على ذواتهم في الآخرة عموما فهذا وجه من وجوه الشبه و على التحقيق الذي لا خفاء به عندنا إن حقائقها هي المتجلية للصنفين في الدارين لمن عقل أو فهم من اللّٰه تعالى المرئي في الدنيا بالقلوب و الأبصار مع أنه سبحانه منبئ عن عجز العباد عن درك كنهه فقال ﴿لاٰ تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصٰارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:103] ﴿لَطِيفٌ بِعِبٰادِهِ﴾ [الشورى:19] بتجليه لهم على قدر طاقتهم خبير بضعفهم عن حمل تجليه الأقدس على ما تعطيه الألوهة إذ لا طاقة للمحدث على حمل جمال القديم كما لا طاقة للأنهار بحمل البحار فإن البحار تفني أعيانها سواء وردت عليه أو ورد عليها أعني البحر لا يبقى لها أثرا يشهد و لا يميز فاعرف ما ذكرناه و تحقق و أعلى ما يشبهها من المحدثات الهباء الذي خلق فيه صور العالم ثم النور أنزل منه في الشبه بها فإن النور صورة في الهباء كما إن الهباء صورة فيها و أنزل شبها من النور بها الهواء و أنزل منه الماء و أنزل منه المعادن و أنزل منه الخشب و أمثاله إلى أن تنتهي إلى شيء لا يقبل إلا صورة واحدة إن وجدته فتفهم هذا حتى يأتي بابه من هذا الكتاب إن شاء اللّٰه فهذه الحقيقة التائهة التي تتضمن الحقائق التائهات هي الجنس الأعم التي تستحق الألف و اللام الحمل عليه بذاتها و كذلك عهدهما بجريان حقيقتهما على علم ما وقع فيه العهد بين الموجودين فعلى أي موجودين دخلتا لأمر كان بينهما من جهة كل واحد منهما بالنظر إلى أمر ثالث كانتا لعهد ذلك الأمر الثالث الذي يعرفانه و على حقيقتهما الألف لاخذ العهد و اللام لمن أخذ عليه و كذلك تعريفهما و تخصيصهما إنما يخصصان شيئا من جنسه على التعيين ليحصلا العلم به عند من يريد المخبر أن يعلمه إياه فعلى أي حالة كان المخصص و المخصص و الشيء الذي بسببه ظهرت هاتان الحقيقتان انقلبتا في صورة حقائقهما و هذا هو الاشتراك الذاتي فإن كان الاشتراك في الصفة و نريد أن نميز الأعظم منهما للمخاطب فتكونا عند ذلك للتعظيم في الوصف الذي تدخل فالألف و اللام يقبلان كل صورة و حقيقة لأنهما موجودان جامعان لجميع الحقائق فأي شيء برز أ برز إله الحقيقة التي عندهما منه فقابلاه بها فدلالتهما على الشيء لذاتهما لا أنهما اكتسبا من الشيء الذي دخلتا عليه و مثل ذلك أهلك الناس الدينار و الدرهم رأيت الرجل أمس أحببت الرجال دون النساء هويت السمان و يكفي هذا القدر فقد طال الباب انتهى الجزء السادس و الحمد لله«بسم اللّٰه الرحمن الرحيم»
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية